|
مارد التخلف أم مارد الاصلاح
عبد الزهرة شذر
الحوار المتمدن-العدد: 1565 - 2006 / 5 / 29 - 08:24
المحور:
المجتمع المدني
في مقاله المنشور في جريدة (الصباح) عدد (706)/23/ 11/ 2005، وتحت عنوان (مارد التخلف: الديمقراطية الناشئة وسياسة حرق المراحل)، طرح الكاتب مفاهيم متعددة عن حرق المراحل والبناء الاجتماعي والديني والتهديدات التي تواجه الديمقراطية، فأحببت ان اوضح بعض المفاهيم التي تناولها الكاتب ليس من باب الرد وانما من باب المناقشة التي بكل تأكيد ستنير بعض النقاط التي ظلت معلقة او مختلفاً عليها.في البداية اورد الكاتب مصطلح (حرق المراحل) الذي تبين من خلال مقاله ان سياسة الدولة مبنية عليها (على مؤسسات الدولة المسؤولة عن انجاح العملية الديمقراطية - ومهما كانت مضطرة لسياسة حرق المراحل - ان تعمل من الان على تلافي مشاكل هذه السياسة...)، وهل تستطيع الدولة حرق المراحل التي تحدث عنها الكاتب، اي تمثل الوعي الديمقراطي اجتماعياً ونفسياً وفكرياً، رغم ان سياسية حرق المراحل اصطلاح مستل من الثقافة الثورية الاشتراكية التي اوهمت المجتمعات (المتخلفة) بانها ستصبح بمصاف الدول المتقدمة ان هي طبقت المناهج الاشتراكية الشيوعية، وكان البعثيون يرددون هذا الشعار كثيراً ويعدون انفسهم قد حرقوا كل المراحل، وكنا نعرف انهم قد حرقوا كل شيء. ليس مطلوباً من الديمقراطية ان تحرق شيئاً، فهي تزدهر وتورق في كل مكان يكون فيه الناس راغبين حقاً في التعايش السلمي والتعبير عن قيمهم التي يؤمنون بها دون الاضرار بالاخرين. وليس علينا المرور بالدائرة نفسها التي عاشها الغرب من حروب دينية الى عصر انوار الى الاكتشافات العلمية ودخول الحداثة، فقد تخلف الكثيرون عن هذه الدورة ونجوا بانفسهم ولم يمسسهم سوء. واذا ما شوهد نمو للقوى المضادة للديمقراطية فما هي الا نتيجة او ردة فعل للحروب التي عشناها التي غذت ودعمت قوى الظلام، وكذلك الفقر والظلم والاعتداء على كرامة الانسان وسحقه التي لم تبق لديه الاحساس بأنه كائن مسؤول وهو اهم شرط من شروط الديمقراطية (انك مسؤول عن قرارك ومستقبلك) وهذا الامر يحتاج الى تعزيز واثراء من الناحية الاجتماعية والثقافية، ولم يكن للبناء الاجتماعي/ الاسري اي تأثير في ذلك، بل ساهمت الاسرة العراقية (التي ترفض التخلي عن ابنائها او شيوخها (كبار السن) والقاءهم في المصحات او دور العجزة) في تبلور شخصية الفرد العراقي، ودفعه الى مقاومة الطغيان وحافظت على روح التعاون والتكافل ووقفت بوجه النظام الفاسد امام ما يشيعه من قيم انحلال وانحطاط وتمكنت الاسرة العراقية من بث روح الاصرار والمثابرة على النجاح وتخطي العقبات برغم القتل والانتهاك لأعراض الناس وبرغم المراهنة على العبودية كنظام مستمر.. فلم يرسل الناس ابناءهم الى المحارق بل كان العقاب جماعياً لكل افراد الاسرة لان النظام كان يعلم ان الاسر كانت تعلم ابناءها ما هو مناوئ للمناهج البعثية وكانت الاسرة العراقية متعددة الاتجاهات السياسية والمذهبية والعرقية وهذا ما شهدناه طيلة العقود الماضية. وبرغم ان في بعض النصوص الدينية شيئاً من الصرامة، فيما لو فهمت مثلما يؤولها المتشددون ولكن الواقع الاجتماعي لا يفهمها بتلك الطريقة، فلم يكن هنالك تداول لمفاهيم مضادة للقيم الانسانية، بل كان التعايش سمة بارزة في كل النسق الاجتماعي واذا ما برزت الى السطح مفاهيم متشددة فذلك يعود الى عمق الصدمة التي لم تصعق العراقيين فحسب بل امتد اثرها الى المنطقة بأكملها، ولم يزل العالم يعاني منها ومن تأثيراتها التي احدثت خريطة جديدة في العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، توازي ما احدثته صدمت تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار منظومته السياسية والايديولوجية التي لم تخلق الديمقراطية التي يمكن ان يكون الفرد الروسي قد حلم بها فوجد نفسه مهدداً بحرب اهلية وبجوع شديد اضطره الى البحث في القمامة عن لقمة خبز. واظن ان المنظومة الدينية هي التي ستؤهل المجتمع اكثر مما تبعثره وتساعد على التماسك الاجتماعي/ القيمي فيما لو احسنا فهمنا لتلك القيم وادركنا عمقها الانساني. لهذا لم يكن الطاغية صدام بطغيانه جزءاً او مفردة من الواقع الاجتماعي باعتبار انه نتاج لهذا الواقع والا لصح هذا القول على المانيا التي انتجت هتلر وايطاليا التي انتجت موسوليني وروسيا التي انتجت ستالين وعشرات الامثلة التي عرفها التأريخ المعاصر والقديم، التي لا يمكن الاستدلال بها على طبيعة ذلك المجتمع، فدوماً الحياة الاجتماعية هي مصدر للقيم النبيلة ودوماً يعيش الانسان في بيئة مفاهيمية فيها من الحراك والديمومة ما هو ارفع من القياسات التي نحاول ان نسطرها على ذلك المجتمع او هذا، واما الانفلات السياسي في اوقات عصيبة او لحظات التحول التأريخية الكبرى فلا يمكن الاعتماد عليها آنياً لان داخل تلك التحولات تكمن القوى المحركة والفاعلة التي سيغدو دورها واضحاُ بعد ان تخبو كل الصدمات.. فلا يمكن رمي الاباء او الامهات بصفات الاستبداد والانحراف والقسوة حتى في اشد المجتمعات تخلفاً، لان الامومة والابوة عاطفة انسانية لا يمكن ان يلغيها اي شخص متقدم ولم تكن مشاعر الانسان عرضة في يوم من الايام لقياس التقدم والتخلف او حتى الديمقراطية. الديمقراطية اداة للبناء والتغيير ولا نريد منها ان تصنع عوالم خالية من الفعل الانساني، فلو سرنا باتجاه سحق الذات الاجتماعية لتحقيق اهداف (انموذج معين) فهذا ما اجمع العالم على عدم قبوله وذلك سيكون الحمق بعينه. وبناء الفرد لا يعني هدم العلاقات الاسرية. لا يمكن البناء على الوضع المتصدع قاعدة، فالذي يبني على تشظيات المرحلة الحالية أوهامه، متصوراً انه امسك بكل خيوط اللعبة فهو (مراهق سياسياً) وستنكشف الغمامة التي تلبدت في سماء العراق ونرى حجم التمدن العراقي الذي ظل يقاوم قوى التخلف والدمار ويحتفظ بروح النمو نحو عالم ثر من التناغم المنسجم مع ذاته لكل ابنائه الذين شاركوا في اعرق الاحزاب السياسية في المنطقة. فكانت التجربة السياسية العراقية اسبق من كل دول المنطقة وكان العراق حاضرة ثقافية مرموقة لا يمكن التغاضي عنها. ولهذا ليس على الديمقراطية حرق اي شيء، سوى ردم الفجوة التي حصلت، وهذا ما حدث في كل دول العالم وليس العراق استثناء وليس من الجائز محاكمة المجتمع بوصفه منتجاً للشر، بجريرة افراد ملعونين حكموا العراق بالقتل والتشريد والابادة.. فالمجتمع هو الذي اصابه الاذى اساساً، وكثيراً ما اقتضت اللعبة السياسية الدولية ايام الحرب الباردة ان يستفاد من دعم انظمة دكتاتورية ضد رغبت شعوبها حتى ان كانت متقدمة اجتماعياً وسياسياً فما ذنب اوروبا الشرقية او المانيا التي اصبحت جزءاً في عالم ديمقراطي واخر في عالم لا ديمقراطي. ان الديمقراطية تتنوع بتنوع البيئات وتمتد من اقصى اليمين الى اقصى اليسار وهي تستوعب اشكالاً ومضامين مختلفة، وحتى نحن الخارجين من عتمة الظلم الكبير الذي لا شبيه له، سوف ندهش امام هذه المساحة الكبيرة التي يخجلنا فيها عدم قدرتنا على الحركة على امل ان نتعلم المشي ولو من جديد.
#عبد_الزهرة_شذر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلم بائع الرصيف يتحدى الدول الكبرى
المزيد.....
-
أول وزير خزانة مثلي الجنس.. ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيس
...
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
-
-الدوما-: مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو ستكشف مدى ا
...
-
الداخلية الفنلندية توقف إصدار تصاريح الإقامة الدائمة للاجئين
...
-
الإعلام الإسرائيلي يواصل مناقشة تداعيات أوامر اعتقال نتنياهو
...
-
هذه أبرز العقبات التي تواجه اعتقال نتنياهو وغالانت
-
الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق
...
-
مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه
...
-
كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم
...
-
سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|