|
العشق المتقد في قصيدة فتاة البرتقال كميل أبو حنيش
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6451 - 2019 / 12 / 30 - 20:57
المحور:
الادب والفن
العشق المتقد في قصيدة فتاة البرتقال كميل أبو حنيش البرتقال، أول رمز استخدمه الفلسطيني، ليشير إلى فلسطين، فكانت المجموعة القصصية لغسان كنفاني "أرض البرتقال الحزين" اشارة إلى هذا الرمز، وقد استخدمه العديد من الشعراء والأدباء قبل ان ينتقلوا إلى الزيتون واللوز، وها هو الشاعر "كميل أبو حنيش" يقدمنا من جديد من البرتقال ، لكن بشكل جديد، ومن النادر أن يستخدم أديب/شاعر " فتاة البرتقال" وهذا ما يجعلنا نقول، أن كميل أبو حنيش" حتى في عنوان القصيدة أحدث تجديدا وتجاوز المألوف، يفتتح الشاعر القصيدة: "وهتفتِ قائلةَ: أحبُ البرتقال وعندها الفيتُ فستاناً تراءى في مخيلتي تضّوع مسكَه في أريج ضحكتك الندية فانبرى هذا الجمال من المحال وشرعتُ أتلو ما تيسر في حضورك سورة الأزهار تعبق في بساتين الفضيلة وقرأتُ سورة برتقال وأنا المطلُ عليك من علياء منفايَّ الطويل ولا ألامس غير أحلامي الظليلة فأشمُ رائحة الأريج يفوحُ من همسات صوتك" فاتحة القصيدة جاءت بصوت المرأة، وهذا الصوت رغم أنه قليل الكلمات، إلا أن أثره في القصيدة يستمر حتى آخر حرف فيها، وليس المهم حجم القصيدة بقدر العوالم والآفاق التي يفتحها أمام الشاعر، فسيأخذنا إلى عشتار وعناة وتموز/البعل، وزوجة العزيز ويوسف، وانكيدو، وسيزيف والجنة، والطبيعة، الكلمة/الكتابة بمعنى أن كلمة "أحبك" الصادرة منها فجرت الشاعر عاطفيا، فتجاوز واقعه ليحلق في الفضاء. فأثر "هتفت أحبك" جاء من خلال الألفاظ البياض: "ألفيت، فستانا، تضوع، أريج، ضحكات، الندية، فانبرى، جمال، شرعت، أتلو، سورة، الازهار، تعبق، بساتين، الفضيلة، وقرأت، علياء، احلامي، الظليلة، فأشم، رائحة، يفوح، همسات، صوتك" فيما سبق من ألفاظ نجد حضور الطبيعة والقراءة، والمرأة، وبهذا يكون الشاعر قد تناول ثلاثة عناصر من عناصر التحفيف/الفرح، وأبقى عنصر واحد هو التمرد/الثورة غير مستخدم، فقدم لنا مقاطع شبه مطلقة البياض، فلا نجد سوى بعض الألفاظ القاسية: "منفاي، ولا". هناك استخدم لمعنى "سورة"، سورة برتقال، سورة الأزهار" وهذا يشير إلى قدسية الحبيبة/الحب/الحالة التي يمر بها الشاعر، فأعطاها سمة لا تكون إلا في المقدس، الذي يتناوله الناس باحترام وتقدير وخشوع وتدبر، من هنا لم يكتفي الشاعر بتناول الجمال والبياض الخارجي/الطبيعي، بل تعداه إلى جمال الروح والأخلاق، من هنا جاءت "الفضيلة، وهناك يأخذ الجمال الصفة والطبيعة الإنسانية. وقبل مغادرة المقطع ننوه إلى أن الشاعر يتناول واقعه من خلال : "وأنا المطلُ عليك من علياء منفايَّ الطويل ولا ألامس غير أحلامي الظليلة" وهذا الواقع هو الذي استوجب استخدام ألفاظ قاسية، فالواقع يؤثر على الشاعر، ومن ثمة سيكون له أثر في القصيدة، وهذا الواقع سنجده يقدم بطريقة استثنائية، فهتاف المرأة أحدث اختلاق للجدران والأبواب المقفلة، وأزال/محى الوجوه الكالحة التي يراها. "لا أبالي بالحقيقة والمجاز مذ رف وجهك فوق غمر الكون" يعود الشاعر إلى الواقع، لكنه يتجاوزه ويتمرد عليه من خلال "لا ابالي" فصوتها، وهي، محى الواقع القاسي وأمسى المجاز يتجاوز الواقع، من هنا جاء البياض هو الصفة العامة لهذه القصيدة. "فازدهر الوجود مذ فاح عطر أناك في هذي الطبيعة فانتعشنا من ضلوعك لم تساورنا الخطيئة والحدود وأناك تعكس فيّ أشواق البدايات السحيقة وتشّع ماءً كالسراب في قلب بيداء اليباب فعاودتُ سيري صوب طيفك باحثاً عني وعنك وأقتفي معناي في معناك أو معناك في معناي في لغة الوجود" "الشاعر ينتقل من حالة الحديث عنها بشكل منفصل/مستقل وأخذ يتحدث عن توحده معها، "فانتعشنا، تساورنا، وأناك تعكس فيّ ، باحثاً عني وعنك، معناي في معناك، أو معناك في معناي، فهذا التحول يعد تمرد وتجاوز لواقع الشاعر، وهنا يكون الشاعر قد استوفى عناصر الفرح/التخفيف كاملة، الطبعة، المرأة، الكتابة، التمرد. يستخدم الشاعر خطيئة "آدم وحواء" لتأكيد وحدة المصير بينهما، وهذا الخطيئة هي التي جعلت هذا المقطع يتداخل فيه السواد مع البياض: "البدايات السحيقة، ماء كالسرب" وهذا الاستخدام يشير إلى أن لعقل الباطن للشاعر هو من يوجه القصيدة، وليس الوعي، من هنا تم إحداث (انزلاق) في الألفاظ نحو القسوة. واللافت أن الشاعر بين فينة وأخرى يستحضر الحبية: "مذ فاح عطر أناك" ليستمد مها القوة على مواصلة درب البياض الذي يسير فيه، أليس استخدام هكذا الفاظ، وتقديم فكرة الحب بهذه الشكل يعد تألقا وتمردا على الواقع؟. " أموت عشقاً فيَّ فيك أدنو فيخطفني البهاء ألا اجذبيني في مياهك يا عناة وطوقيني واغرقيني يا إلهتيّ الأثيرة وابحثي عني في غابات الصنوبر إن هذا الموت أهلكني وألقى بي بقارعة الزمان فواجهيه وقاتليه وحرريني كي أعود إليك مكتظاً بحبي يا فتاة" يقدمنا الشاعر إلى الاسطورة وعلاقة عناة بحبيبها/البعل، من هنا يمكن أن نتفهم جود أفاظ القسوة والألم: "فيخطفني، اجذبيني، طوقيني، أغرقيني، ابحثي، الموت، بقارعة، فواجيه، قاتليه" وهذا الالفاظ نجدها أو ما يشبهها في المعنى في ملحمة البعل، وإذا ما توقفنا عند الأفعال نجدها في أغلبنها أفعال أمر، وهي تشير إلى اندفاع الشاعر نحو المرأة، لتحرره "حرريني" مما هو فيه "أهلكني، وألقى بي" ، لكنها في المقابل ستحصل على مكافأتها "الحب". "فازدحام الحر فيك لساعةٍ خيرٌ لنا من ألف عمرٍ تسرين بي ليلاً واعرجُ نحو سدرة منتهاكِ موتي قليلاً فيّ كي أحيا قليلاً فيك" يستخدم الشاعر آيات من القرآن الكريم بطريقة تخدم فكرة الحب: "خير من ألف عمر، واعرج نحو سدرة المنتهى" وكلتا الآيتين متعلقتين بالليل، فالمعراج كان في الليل وجاءت في سورة النجم "ولقد راه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى" وأيضا "خير لنا ألفا عمر" متعلقة بليلة القدر: "ليلة القدر خير من ألف شهر" فالأجواء الليل الدينية، المقدسة استخدمها الشاعر في حالة الحب، وكأنه يقول ـ بطريقة غير مباشرة ـ أن علاقته بالحبيبة مقدسة/سماوية، طاهرة كحال النبي في اسراءه ومعراجه، وكحال ليلية القدر. ورغم السواد في المقطع الأخير "موتي" إلا أنه تم محوه من خلال "كي أحيا" وجاء كتوثيق لحالة التوحد بينهما. "قدي قميصي كي أتوب عن الوقار قدي قميصي من أمام أو من وراء لكي أكف عن الفرار في حضرة الأنثى التي ردت إليّ الاعتبار ولن أقول: متى تحررني يداك وردديها: هيت لك وحرريني من قناعي من جمودي من وقاري كرريها: هيت لك ما أجملك ما اجملك ما أرفلك" يقدمنا الشاعر من قصة الحب بين يوسف وزليخة، فمن خلال فعل الأمر "قدي، كرريها/ هيت لك" يغرب الشاعر القصة ويجعل من نفسيه يوسف آخر، يعرف قيمة الحب ومعنى المرأة، لهذا نجده يستخدم ألفاظ تشير إلى اندفاعه نحو المرأة: "لكي أكف عن الفرار" فأثر المرأة يمكن في حجب/منع اشياء عن الشاعر: "أتوب من الوقار، لكي أكف عن الفرار"، وأيضا عن الإقدام على أفعال جديدة مستقبلية: "متى تحرريني، حرريني،" فأثر المرأة مزدوج، تمنع السلبيات/الموانع، وتفتح الايجابيات/الرغبات أمام الشاعر واعتقد أن هذه النقلة النوعية في الألفاظ والمعاني ما كانت لتأتي دون وجود وحضور المرأة، من هنا نجد الشاعر يحرص على هذا الأمر من خلال : "هيت لك، ما أجملك، ما أرأفك" فالمرأة هي المحرك والسبب والموجد لهذا البياض. "أنا مثل أنكيدو المراعي والجبال آتيك حتى أنتهي من وحشتي وتوحشي فطوّعيني أنسينني شذبيني أشعليني" في البداية يقدم "أنكيدو" باستخدام (العادي) ومنسجم مع حالة انكيدو في الملحمة، إلا أن الشاعر من خلال فعل الأمر : "فطوعيني، أنسينني، شذبيني، أشعليني" يغرب الأحداث ويخلق من أنكيدو حالة أخرى، وهذا الانقلاب يخدم فكرة العشق الذي يمر به الشاعر، واعتقد أن حديثه عن أنكيدو يتجاوز الحديث عن حالة الحب الروحي، فهو يتعداه إلى العلاقة الجسدية، فأنكيدو تم ترويضه من خلال ممارسة الجنس الذي استمر ستة أيام وسبع ليالي، من هنا جاء استخدام فعل "أشعليني". "وعناة تعشق بعدها وعناة تنقذ بعلها من سطوة الموت الدنيء فعانقيني كي يموت الموت وأفرُ من أنيابه وأعود منتشياً إليك وتزدهر تلك الطبيعة والحياة أحيا طويلاً فيكِ" تماثل المعنى مع ملحمة البعل، والاختلاف فقط في أن جعل البعل هو المتحدث، الطالب للنجاة، بينما في الملحمة عشتار، الناس، الحيوانات هي التي تطلب تخليص البعل من الموت، وهذا التماثل يعكس رغبة/حاجة/جوع الحب عند الشاعر، فهو من خلال فعل الأمر "عانقيني" يريد أن يتماثل مع البعل، فيعود من الموت، ومنتشيا، ولتعود الطبيعة "تزدهر" من جديد. "وكأنني الأرض اليباب وكأنك الأرض اليباب وكأننا الأرض اليباب وأنت سيدة البداية والنهاية أنت سيدة الفصول وأنت سيدة الجهات أما أنا سيزيف أحمل صخرتي وسأرتقي بك نحو قمتيَّ البعيدة وستأكل السنوات من كبدي" أول قصيدة للشاعر كميل أبو حنيش يجعل خاتمتها سوداء، فحجم السواد والألفاظ القاسية كبير، إذا ما قارناه مع فاتحة القصيدة: "سيزيف، اليباب، النهايات، احمل، صخرتي، البعيدة، كبدي" واعتقد أن الشاعر يقدم رؤيته عن الواقع (وعبث) الحياة، عندما قال أنا سيزيف، أحمل صخرتي" فقد اختزل درب الآلام الذي يخوضه في هذه الصورة، وهذا ناتج عن عدم وجود مادي للمرأة، صوتها/"هتفت"، وهنا نتأكد أن حضور المرأة ينعكس إيجابيا على الشاعر، ومن ثمة على القصيدة كبنية واحدة على ألفاظها ومعانيها. "وسنهبط الوادي معاً للهاويات في الهاويات سنرتقي نحو الذرى فالقاع قمتنا الأثيرة يا عناة لا لست تفاح الخطيئة فاعبقي بأريج زهر البرتقال يا عفاف البرتقال" ورغم أن الشاعر يختم القصيدة بألفاظ القسوة : "سنهبط، للهاويات، فالقاع، لاـ لست، الخطيئة" إلا أن بقاء أثر المرأة جعله يتقدم من جديد إلى البياض: "سنرتقي، قمتنا، الأثيرة، تفاح، فاعبقي، بأريج، زهر، البرتقال". وقبل ان نغادر القصيدة يمكننا القول أن "البرتقال" في القصيدة جاء ليعطي رمز الثبات والأصالة الأولى، وأيضا ليعطي جمالية خاصة للمرأة، فالبرتقال جميل في شكله وفي طعمه، وبما أن الشاعر استخدم "فتاة البرتقال" كعنوان للقصيدة فهذا يعني أن المرأة/الحبيبة جميلة شكلا ومضمونا، طعما ورائحة وهيئة، إضافة إلى أصالتها وفلسطينيتها. القصيدة منشورة على صفحة شقيق الأسير كمال أبو حنيش.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظفر النواب -كهرمان، وثلاث امنيات-
-
رواية الرحيل إلى كوكب إسجارديا شيراز عناب
-
-منثور فلفل على توج وردة- (هايكو عربي) للشاعر محمد حلمي الري
...
-
حكايات مقهى المغتربين سعادة أبو عراق
-
مناقشة رواية خريف يطاول الشمس
-
عبود الجابري والومضة
-
جهاد عواملة -هي أنت-
-
قصيدة -سِرُ الشِفاءِ من الحنين-- كميل أبو حنيش
-
رواية -زمن الخراب- لمحمود شاهين 3
-
محمد علوش ديوان هتافات حنجرة حالمة
-
رواية زمن الخراب 2 لمحمود شاهين الملف الثاني
-
رواية زمن الخراب لمحمود شاهين الملف الأول
-
إبراهيم نوفل قصيدة مطر
-
الأحواز أرض عربية سليبة إبراهيم خلف العبيدي
-
مناقشة كتاب امرأتان في دار الفاروق
-
قراءة في قصيدة مازن دويكات -سلام عليك.. على أرضنا-
-
الومضة السوداء عند سمير التميمي
-
رضوان قاسم -نأي على وجع الفراق-
-
التجميل في مجموعة -حارة الياسمينة- طلعت شناعة
-
أدب الحرب في -ذاكرة الغد- شهادات ورؤى وتجارب
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|