أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - شهريار ذو السُلطة المطلقة ينام كالأطفال على حكايات شهرزاد














المزيد.....

شهريار ذو السُلطة المطلقة ينام كالأطفال على حكايات شهرزاد


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 6451 - 2019 / 12 / 30 - 11:04
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    



كان أبى يحترم أمى احتراما كبيرا، يناديها أمام الناس بلقب زينب هانم، يساعدها فى إعداد مائدة الطعام، يرتب ملابسه بنفسه، ولا ينتظر منها أن تخدمه، أو تسقيه وهو فى السرير، أو تسليه بالحكايات حتى ينام مثل الملك شهريار. كان شهريار مثار سخريتنا ونحن أطفال، فهو أكثر منا طفولة، لأننا ننام دون الاعتماد على الحكايات. وشهرزاد أيضا لم تحظ باحترامنا، لأنها كانت بلا عمل، ولا شىء يشغلها إلا تلهية زوجها بالحكايات مثل الجوارى والأماء.

وكان أخى الأكبر يحاول السيطرة على أخواتى الصغيرات، أحيانا يستلقى على السرير مثل الملك شهريار ويطلب من أختى أن تسقيه. لكن أبى كان ينهره، ويفرض عليه أن ينهض ويسقى نفسه.

هكذا لم تصبح شهرزاد مثلى الأعلى فى الحياة، رغم كل ما قرأت عنها من مديح وثناء على أنوثتها وأمومتها، وقدرتها بالمكر والحيلة على تحويل شهرزاد من سفاك للدماء إلى إنسان متحضر. منذ طفولتى لم أحترم وسائل المكر والحيلة، ربما سمعت أبى يذم الماكرين وأصحاب الدهاء والحيلة، يقول عنهم «المخادعون»، «المداهنون»، «الماكرون والماكرات». لم تكن أمى ذات مكر وحيلة، بل كانت تواجه المشاكل بوضوح وتواجه الناس بشجاعة ومنطق دون حاجة إلى المراوغة والالتواء.

لقد قرأت الكثير عن شهرزاد، وكيف قامت بترويض شهريار، لكنى لم أقرأ عن شهريار، ولماذا تمتع بهذه السلطة المطلقة للقتل، أو لماذا حظى بهذه الحرية ليسفك الدماء كما يشاء ومتى يريد، أو لماذا حظى بهذه الفوضى ليقتل كما يحلو له. فالفرق كبير بين الحرية والفوضى. إن الحرية مسؤولية ترفع الملك أو الحاكم إلى مستوى الإنسانية، فيحترم حقوق الآخرين، لكن الفوضى تهبط به إلى درك الإنانية والجشع. هذه الفوضى التى حظى بها شهريار هى الفوضى ذاتها التى يمتلكها الملوك والحُكام فى ظل النظام الديكتاتورى، منذ نشوء النظام العبودى وحتى يومنا هذا، وان تغيرت أشكاله، وتجملت عيوبه. فهل استطاعت شهرزاد أن تعالج زوجها من هذا الداء بتلك الحكايات المسلية؟.

لم تغير شهرزاد شيئا من سلطة زوجها المطلقة فى الدولة وفى العائلة. لقد توقف عن سفك دماء البنات البريئات، لكنه لم يتوقف عن ممارسة السُلطة بلا حدود. لقد ظل السيد المطاع دون مناقشة، بلا محاسبة، وظلت شهرزاد أسيرة له، تلعب دور الجارية

والعشيقة والزوجة والمرفهة والمسلية، تحكى له الحكايات كالطفل حتى ينام. كان شهريار رجلا مريضا بالسلطة المطلقة مدللا كالأطفال. وشهرزاد زادته تدليلا، وأنجبت له ثلاثة ذكور، فأشبعت ذكورته حتى الثمالة.

ان أبرز ما يميز شهرزاد، هو الدافع الجنسى الذى يمنحها المكر والدهاء للسيطرة على زوجها. فهى لم تعلم شهريار الانسانية كما قرأنا، ولكن بالمراوغات الأنثوية الموروثة، التى ترسخ الذكورية السلطوية المريضة، لا العكس. ولذلك هى تبقى على جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة، كعلاقة بين سيد مطاع وعبد مطيع، بين أعلى متفوق وأدنى ضعيف. وكذلك تؤكد أن الطبائع البشرية هى هى فى كل زمان ومكان، والمرأة هى المرأة، محل الانفعال ومكان العاطفة، تتحلى بالطاعة وحب الحكايات والكلام المراوغ، والمكر والكيد. والرجل هو الرجل محل العقل الفاعل المفكر بصرامة وحزم، هو الفلسفة والسياسة والدين والحرب.

لاشك أن الأفكار فى قصة شهرزاد، قد خرجت من المنبع الذى خرج منه شهريار، حيث المرأة واحدة من اثنين، إما الملاك الطاهر، الأم المضحية التى تنجب الذكور، أو الشيطانة العاهرة المحرضة على الرذيلة.

لقد كان شهريار ضحية هذه المرأة الفاسدة، لكنها امرأة صالحة أخذت بيده وأرشدته كالأم إلى الطريق الصحيح. هنا يتضح التناقض، فالمرأة هى الفاعلة، سواء فى مجال الشرأو الخير، ويتحول الرجل إلى مفعول به.

ولم يكن لشهرزاد دور فى الحياة خارج بيتها. انحصر دورها فى ممارسة الأنوثة وممارسة الأمومة، داخل الأسرة الذكورية التى يملكها ويحكمها الزوج. لم تطمح الى أى دور فى الحياة السياسية والاجتماعية العامة، ولذلك أصبحت نموذجا للمرأة المثالية. لم يحكم عليها أحد بالمرض النفسى، أو استغلال المواقف بالمكر والدهاء، أو ترسيخ المفاهيم الذكورية العبودية المتورارثة.

هذه القصة وغيرها، تدل على أننا لا نعيد قراءة الأشياء، والمفاهيم، التى تم غرسها فى الوجدان والعقل، وتوضح أننا فى أمس الاحتياج الى غربلة القصص والحكايات التى تتٌلى علينا منذ طفولتنا، سواء كانت أحداثا وقعت فى التاريخ، أو أحداثا صنعها الخيال وبقيت دون تغيير.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا ينطقون مع النَّفَس الأخير إلا كلمة «أمى»
- الرغبة فى عبادة وتقديس السلطة الفردية.. مرض مزمن عالمى ومحلى
- أحاسيس دنسة تسللت إلى جسدها غير الطاهر
- الكاتب الكبير والكاتب الحر
- كيف تتحقق ديمقراطية المجتمع فى ظل ديكتاتورية الأسرة؟
- قانون واحد للأسرة المصرية
- أعطونا كتاب الله وأخذوا أرضنا وأموالنا
- من يكون الهومو ديوس؟
- مع صديقة العمر فى هدوء الليل
- حينما تتلاشى المسافة بين «البيت الأبيض» وغرفة نومى فى شبرا
- حين تكون القراءة النقدية إبداعًا
- فتاة الليل تقتحم عالم الكتابة
- أنوثة الفلاحة في الحقل.. وأنوثة الطبيبة في المدينة
- الكاتبة ورئيسة الحكومة
- حملة شعبية ضد التجارة بالطب
- وتبقى البؤرة الفاسدة المتوارثة دون مساس
- مأساة المفكرة المبدعة في عالم ديني ذكوري
- شهادة الزوج الثاني في المحكمة
- نوال السعداويأمر الله والانفجار السكاني
- الصراع الدامي التاريخي بين الآلهة والبشر


المزيد.....




- نجل ولي عهد النرويج متهم بارتكاب اغتصاب ثان بعد أيام من اتها ...
- انحرفت واستقرت فوق منزل.. شاهد كيف أنقذت سيارة BMW امرأة من ...
- وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه ...
- الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن ...
- ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
- مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
- بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية ...
- استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا ...
- الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
- ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية ...


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - شهريار ذو السُلطة المطلقة ينام كالأطفال على حكايات شهرزاد