حيدر عصام
(Hayder Isam)
الحوار المتمدن-العدد: 6448 - 2019 / 12 / 27 - 13:06
المحور:
الادب والفن
"شديدو الوعي"
قصة قصيرة – حيدر عصام
اسمعُ صفيرَ قطارٍ يمرُ خلال رأسي، يجيء ويذهب ما بين أُذنيّ، وانا التزم الصمت امام التلفاز، اتابع الساعة الإخبارية التي تذيع اخبار الوطن كما كل يوم، مشمأزّ من صور الاوغاد الذين يحكمون الوطن، مشمأزّ من وجه ذلك اللئيم الذي مُنِحَ سُلطة الرب في تقدير اعمارنا، باتَ يُحدد من يبقى على قيد الحياة ومن يتوجب عليه اللحاق برِكب الشهداء، تنهار كل المبادئ السياسية التي درستها وبحثت فيها وانا اتابع اختياره السيء لألفاظهِ وتعابيره، يمحَق كل قيم الإنسانية ويُسحَق علم الاجتماع السياسي حين يظهر ذلك المُعمم مُتحدثاً بسذاجةٍ عن العراق العظيم، يظهر وبرفقتهِ نقيضه وشبيهه، رجلٌ يدعي ايمانه بالعلمانية ويطمح لدولةٍ ليبرالية، يكاد ان يكون نقيضه بالشكل، أما بالتوجه السياسي فأنهُ شبيهه، يدفع بالوطن باتجاه العدم، يعترض على كل آت ويلعن كل ما قد مضى يقف مكتوف الايدي ما إذ سأله خصمه عمّا يريد، يريد سرقة الوطن كما المُعمم لكن رياح التحزّب لم تأتِ كما يشتهي، توجه سياستهِ الرعناء سهماً منقوعاً بالسُم تجاه رقبتي، يدعي كل واحد منهما بأنه على النهج الصائب، يتبادلا التُهم والشتائم حتى يقسما الشارع العراقي لقسمين يلعن احدهما الاخر، يُمزقا خارطة الوطن بأنيابهما، اتأمل مستقبل الوطن مما تفوها، اراه ذا لون داكن، ما عدتُ اؤمن برجل الدين ولا عدتُ اثق بالمُلحد لأنني ايقنتُ ختاماً بأن اسوء شيءٍ يحدثُ للإنسان هو (الوعي)، وأن اخطر الامراض التي قد تصيبه هي الافراط في ذلك الوعي، تصور لي تلك الخيبة مشهداً اتجول فيه بأروقة مشفى للأمراض العقلية، اقرأ في اللوحات المثبتة على أبواب الغرف كتاباتٍ تشير لما تحتويه حتى اصل لغرفةٍ كُتِبَ عليها (شديدو الوعي)، انظر من ذلك الزجاج المربع الصغير المثبت على الباب لأجدها مليئةً بأشخاصٍ هادئين يتحاور بعضهم، والبعض الاخر منشغل بالقراءة، اشعر بشخصٍ يمر من خلفي فينتابني الفزع، ألتفت على عجلٍ فأجدهُ قريباً من وجهي، رجلٌ ذو عينين كبيرتين حليق الرأس والذقن، يخبرني بأن عليّ الابتعاد عن تلك الغرفة لأن المرضى فيها مُنِعوا من الاختلاط بالناس، اسألهُ بارتباكٍ شديد: "من هؤلاء؟" فيجبني بصوتٍ خفيض: "أولئك من عرفوا الحقيقة".
#حيدر_عصام (هاشتاغ)
Hayder_Isam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟