|
سقوط الإسلام السياسي في ظل المتغيرات الجيوسياسية
طلال الحريري
سياسي عراقي
(Tallal Alhariri)
الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 25 - 03:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعد الاسلام السياسي ظاهرة دولية ليست جديدة وانما تعود للنصف الأول للقرن العشرين حيث ولدت رؤيته بعد تجليات ومتغيرات سياسية ودولية وفكرية ساهمت بانحسار الاسلام والتجارب الاسلامية الاصولية التي كان اخرها الدولة العثمانية. والاسلام السياسي منهجا صلبا اصوليا منذ ولادته التي تمثلت بتأسيس الحركة الاخوانية والتي اصبحت الوعاء الفكري للحركات والتنظيمات الاسلامية السنية والشيعية على مبدأ( الاسلام دين ودولة يصلح لكل مكان وزمان ويقود الحياة والعالم ومبدأ الحاكمية الإلهية الذي اعاد فكرة الخلافة والإمامة) وهو المبدأ الاصولي الذي رافق الاسلام منذ تأسيسه في بداية القرن السابع الميلادي واصبح منهجا اصوليا لكل التجارب الاسلامية منذ الحقبة المحمدية الاولى مرورا بكل التجارب الاخرى التي اعقبتها. وبعد ظهور الاسلام السياسي بقوة في نهاية السبعينيات في ايران وافغانستان على شكل تجارب سياسية تأسست على الاصولية الجهادية اصبح الاسلام السياسي مصنعا لإنتاج وتصدير الارهاب الاسلامي والجهاديين وتمثل ذلك بالمليشيات الشيعية الجهادية والتنظيمات الاصولية والمنظمات السلفية العابرة للحدود فكانت هذه المتغيرات والاحداث مدخلا لحقبة الارهاب الاسلامي في القرن الواحد والعشرين والتي توسعت وتكاملت بعد احداث الربيع العربي الذي تحول الى ربيع اسلامي ارهابي تقوده وتموله وتديره قوتين: الاخوان وتجاربهم السياسية ومنظماتهم الاسلامية والجهادية, والنظام الايراني وميليشياته المتطرفة. لقد كانت احداث العقد الثاني للقرن الحالي مدخلا ومتغيرا حيويا لسقوط الاسلام السياسي ونهاية تجاربه السياسية والجهادية على الصعد الدولية والاقليمية كافة. وعلى الرغم من توسع حملة المواجهة الفكرية للإسلام السياسي التي تمثلت بمناهج التنوير وانتشار الوعي والعلمانية التي تجلت مؤخرا في العراق ومصر والسودان وبعض الدول العربية وقدمت بديلا فكريا للإسلام السياسي واسست بيئة ممتازة للتغير وازاحته لكن المتغير الابرز في مواجهة الاسلام السياسي هو الرؤية الغربية والامريكية خاصة والتي اصبحت قضية تصاعدية ومنهجا جديدا للحرب على الارهاب الاسلامي ومواجهته كونه جزءً حيويا للإسلام السياسي فكرا ومنهجا. هذه المتغيرات والمدخلات لا تجعل مسألة سقوط الإسلام السياسي ظاهرة مستبعدة في هذه المرحلة التي تمثل المخاض الأخير لولادة نظام عالمي جديد وشرق أوسط جديد بل أصبحت مرحلة تاريخية حتمية في العلاقات الدولية التي تشهد انعطافة حاسمة وعودة الى فرض الواقعية الامريكية لإعادة تثبيت أسس القطبية الصلبة والتفرغ لمواجهة الصين، وإزالة سياسة المشاركة في إدارة النظام الدولي الذي يشكل الارهاب اهم تحدياته المعاصرة. ان مرحلة سقوط الإسلام السياسي تتماثل مع مراحل سقوط النازية والفاشية والشيوعية والأنظمة الاستبدادية التي قادت العالم في مرحلة ما الى النهاية. ومن منطلق الفكر والمنهج فان الإرهاب مخلوق ينمو في رحم الإسلام السياسي حيث ينطلق من ايدولوجية اصولية متطرفة نتج عنها تحويل الشرق الأوسط الى بيئة دموية ومصدرة للتطرف والارهاب. لقد اثبتت التجارب التاريخية والاحداث الأخيرة في المنطقة ان الإسلام السياسي يفتقر الى فلسفة الدولة الحديثة واسس الاعتدال والاندماج الحضاري والتعايش وقبول الاختلاف كما ان عدم ايمانه بمفهوم المواطنة والحدود الجغرافية وحرية الفكر والانفتاح الفكري جعله بمثابة الوعاء الشامل لكافة الحركات والأحزاب والتنظيمات الإرهابية الاصولية. لقد نما الإسلام السياسي بلا رادع فكانت النتيجة ان دخل العالم في عصر الإرهاب وتصدع النظام الدولي وتزعزعت أسس السلم والامن الدوليين أدى هذا المتغير الأخير الى إعادة حسابات واشنطن ومراجعة سياستها الخارجية والعمل على إيجاد بديل للإسلام السياسي وتغيير آليات مواجهته نحو وسائل اكثر قوةً وتصعيدا. لذلك لم تعد مسألة العودة الى خيارات القوة العسكرية في العلاقات الدولية مسألة طارئة وانما جاءت بالزمن الصحيح والمكان الصحيح حيث ان السلام سيكون نتيجة طبيعية للقوة. وفي ادبيات المدرسة الواقعية الامريكية التي تنتمي لها ادارة ترمب تكون الحرب احدى شروط تحقيق السلام. لقد وضعت الإدارة الامريكية استراتيجية كبرى ومشروع بناء شامل في الشرق الأوسط وعلى رأس هذا المشروع اسقاط الإسلام السياسي خاصة بعد ان تحول النظام الايراني الى اكبر داعم وراعي للإرهاب الدولي وبعد ان أفشل الإسلاميين التجربة الديمقراطية المدنية في العراق وحولوا العراق الى ساحة حرب دينية -طائفية وجعلوه عمقا استراتيجيا لإيران وميليشياتها الارهابية وحولوا النظام الى تجمع للعصابات الارهابية والاحزاب الاصولية الفاسدة والداعة للإرهاب وما نتج عنه من خلق انطباع نمطي للصراع في المنطقة والانخراط بالأزمة السورية التي ساعد بقاء نظام الأسد على اتساع التمدد الإيراني الإسلامي في المنطقة وظهور داعش والنصرة والمليشيات الشيعية والكثير من حركات الإسلام الراديكالي الإرهابية. هذه المتغيرات رافقها تشدد منهجية الإسلام السياسي الاخواني واقحام الشعوب في الصراعات الإسلامية والحروب الراديكالية كالتوسع بالعراق وسوريا وشمال إفريقيا وخلق أذرع جهادية في المنطقة خاصة بعد محاولة الاخوان المسلمين السيطرة على مصر واجهاض الدولة المدنية وسقوط ليبيا وتونس في شباكهم. ان الاستراتيجية الامريكية الجديدة واضحة في هذا المجال حيث اصبح استخدام القوة والتصعيد سمة في السياسة الخارجية الامريكية لمواجهة الاسلاميين وانهاء مشاريعهم المتطرفة في الشرق. خلال العامين المقبلين سيشهد العالم العديد من الاحداث الحاسمة وفي محصلة متغيرات الازمة فان ما يبدو واضحا ان سقوط الاسلاميين في العراق يعد المدخل الحيوي لسقوط الإسلام السياسي والتنظيمات الراديكالية وانظمة الأمتداد(نظام الأسد)، وأن مسالة مواجهة ايران أصبحت اكثر واقعية في مؤسسات القرار الأمريكي كونها تمثل نموذج الإسلام السياسي الأكثر تنظيما والاشد خطرا على المصالح الامريكية في الشرق الأوسط ومسألة تحطيم النظام الايراني ليست الا مسألة وقت. لقد امتدت سياسة الاحتواء والمواجهة الى إزالة المدارس والمؤسسات والمنظمات الدينية الاصولية التي صنعت الجهاديين ومهدت لهم الطريق للانخراط في هذا الصراع المدمر والذي بدأ واضحا من خلال الازمة الخليجية وتخلي السعودية عن خطابها المتشدد وتطهير مؤسساتها الدينية المتطرفة ووضع مشروع للتحول الى المدنية، وماحصل من متغيرات حاسمة في مصر تمثلت بأسقاط الأخوان ومحاصرتهم. هذه الاحداث تترافق مع حملة مواجهة الاسلاميين في العالمين العربي والاسلامي والتي غيرت الرؤية الدولية عنهم وجعلتهم من جدار حماية صنعته حقبة المصالح والصراعات الماضية الى منظمة ارهابية تهدد العالم بوصفها خط ناقل للتطرف الجهادي الاسلامي. ان السؤال الذي يعقب هذه المعطيات هو البديل الحيوي الذي سيحل محل عصر الإرهاب؟ وهنا نقول بأن البديل هو ما تتطلع له النخب العلمانية الذي يتكامل مع الرؤية الدولية والمشروع الامريكي الذي يجعل الاستقرار والسلام اولية في ظل نظام عالمي جديد يفرض حتمية بناء أنظمة سياسية ذات ايدولوجيات علمانية تستطيع احداث تنمية فكرية وحضارية واقتصادية وتحول منهج الصراع الى تطبيع حضاري لتمدين الشعوب واحلال السّلام خاصة ان هذا التحول ينسجم مع تطلعات الشعوب وحق تقرير مصيرها وعلمنة قيم الاندماج الحضاري. ان المرحلة المقبلة سيكون الاستقرار والسلام اهم سماتها في ظل نظام متناسق الأبعاد والرؤى ومع ذلك تبقى التحديات الايدولوجية والصراعات المحدودة التي تنتجها المصالح والتناقضات والمتغيرات الجيوسياسية اهم ما تعمل على مواجهتهِ هذه الرؤية الواعدة التي تمثل تطلعات شعوب وبرنامج دول وانظمة .
#طلال_الحريري (هاشتاغ)
Tallal_Alhariri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احذروا ثلاث! ( كيف نحافظ على ثورة اكتوبر)
-
الصدريون في ثورة اكتوبر_تفكيك الجدل
-
العلمانية التي نُريد
-
الصراع القادم_ الجزء الأول
-
إستراتيجية التدمير الذاتي في رؤية احتواء ايران وبرنامجها الن
...
-
الخليج الجديد. أيُ سلام مع إسرائيل؟
-
إستهداف كركوك
-
قبل عقد قمة مكة لردع إيران ينبغي أن تحموا مكة من صواريخ إيرا
...
-
سِفْر التكوين/ لماذا سقوط النظام الإيران يُعد ضرورة حتمية، و
...
-
الخطاب المعكوس. اهم اسرار السياسية الخارجية الأمريكية
-
هل ستُضرب إيران وتشن امريكا حرباً لإسقاط نظامها؟
-
ماذا بعد ظهور البغدادي
-
سقوط النظام الايراني
-
الاصلاح السياسي في العراق خدعة العصر !
-
#داعش_الشر_المقيم! نهاية نظام #الاسد
-
الانتخابات العراقية2014(صوت الناخب والتوجه السياسي)
-
العراق دولة مدنية وسيبقى كذلك
المزيد.....
-
أحمد الشرع يتعهد بتحقيق السلم الأهلي وإتمام وحدة الأراضي الس
...
-
إطلاق سراح ثماني رهائن إسرائيليين وتايلانديين من غزة، مقابل
...
-
ترامب حول إمكانية قبول مصر والأردن فلسطينيين من غزة: قدمنا ل
...
-
بيسكوف: لا اتصال بين بوتين وترامب بشأن حادث تحطم الطائرة في
...
-
القائد -الظل-.. من هو محمد الضيف؟ وما هي أبرز محطات حياته؟
-
إقبال كبير على المنتجات الروسية.. روسيا تشارك في معرض ليبيا
...
-
مبعوث ترامب: إعادة إعمار غزة قد تستغرق 10 إلى 15 عاما
-
الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة أم روابة بشمال كردفان
-
تقرير يكشف معلومة -غريبة- عن حادث مطار رونالد ريغان الكارثي
...
-
-الشبح- الذي طاردته إسرائيل لعقود.. من هو محمد الضيف؟
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|