أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - باسل سليم - انتحار قبل فوات أوان السقوط الحر المتسارع














المزيد.....

انتحار قبل فوات أوان السقوط الحر المتسارع


باسل سليم

الحوار المتمدن-العدد: 1564 - 2006 / 5 / 28 - 10:46
المحور: كتابات ساخرة
    


سأطلق النار على رأسي ، وتمر الرصاصة الطائشة من بين عظام جمجمتي ممزقة المادة الهشة في دماغي ، لن أسمع بالطبع صوت الطلقة، ربما سأحس بحرارة النار في صدغي ، سيدوي في رأسي صوت انشطار جمجمتي ، وربما سأسمع صوت ارتطام العظم والدم ونثار الدماغ على الحائط اذا ما تبقى لي قليلا من حاسة السمع ، ربما سأسمع سقوط جسدي على الأرض ، لا أعرف إن كنت سأطلق النار على نفسي واقفا أم جالسا على مكتبي ، يعتمد ذلك على الموقف: فإن كنت وزيرا فاسدا ومستقيلا لا أستطيع عندها اطلاق النار وقوفا ، سأقوم بذلك جالسا على مكتبي إجلالا للكرسي الذي خدمته ونكاية بالخدم الذين سينظفون المكتب والحائط من الدم والنثار...

سأقفز من فوق عمارة البرج، سأتردد قليلا ، سأنظر إلى المارة بحجم النمل وإلى السيارات التي بحجم الذباب ، سأستخف بعمان كاملة ، سأنظر إلى شوارع أراها لأول مرة من ذلك العلو الشاهق وسأتحسر قليلا على الشوارع التي لم تتح لي فرصة عبورها، سأنظر إلى الاشارات الضوئية من بعيد وأرمق بائع الجرائد بنظرة تحسر على همومه القزمة ...ثم ماذا ، سأخطو على عتبة السور ، هل يوجد سور اعلى عمارة البرج ؟ ستعيقني الريح قليلا وتدفعني إلى الخلف ، سيختل توازني ، كنت أحتاج لدقيقة تأمل أخرى لحياتي المهدورة ، لكن الريح الخبيثة تدفعني في اللحظة التي لم أرد القفز فيها ، ستمر لحظة صغيرة قبل أن ادرك المفاجئة ، ثم سأتسارع في الهبوط لأدرك أن الرجوع مستحيل ، يا إلهي ، سأحاول استنشاق أكبر قدر من الهواء ، سأحاول أن التقط أكبر قدر من المشاهد العابرة ، ستمر المشاهد بسرعة وتدور الصور وتختلط مع لمحات الذاكرة ، سيتسارع خوفي ويعظم قبل لحظة الارتطام ...سأموت قبل لحظة الارتطام من الرعب أو سأتمنى ذلك على الأغلب ، سأتناثر على الأرض ويهرع المارة ، سيفزع البعض وتبول سيدة من الدهشة، ستسقط أخرى من الرعب وتشل ، ستهرع الشرطة ويهرع رجال الدفاع المدني للملمة أشلائي ، سينظرون إلي بحقد تشوبه الشفقة ، ربما قطعت استراحة غدائهم ، سترتبك المدينة ، ويغلق شارع وادي صقرة ، سيتسائل سائقوا التاكسي عن سبب غبائي ويلعنونني في سرهم ، سيتجادل اثنان آخران عن ما إذا كان مصيري جهنم وما اذا كانت تجوز علي الرحمة ...سيتحسر البعض على أهلي ويقول "الله يعينهم" ...و البعض الآخر سيقول بالتأكيد " الله لا يرده" ...سأكون قد مت طبعا ولا تعنيني كل تلك الترهات ....

ربما سأموت من الكبر ... الخيارات متعددة :... ستسقط أسناني ، وأهرول على نفسي عند شرب الشوربة ، سأنسى أسماء أحفادي الذين بدأوا يدركون أهمية الثروة التي أحوز عليها ، سيتنهد أبنائي وبناتي بالطبع ويقولون " الله يرحمو" ، سيخصصون مساحة عزاء محترمة في الجرائد لإظهار مكانتهم الاجتماعية التي تحصلت من خلال سمعتي البائدة ... قبلها سأكون قد بللت فراشي لمرات عديدة ، وتفوهت بلعنات مخمورة بالخرف ...ستكون زوجتي الثالثة قد ترملت من زوجها الثاني ، ماذا أيضا؟ ربما سأكون قد راقبت احفادي وهم يتحدثون عن اجهزة اتصال تزرع في الدماغ لم تخترع بعد ويسخرون من جهلي بها ، وربما سأكون قد نسيت حتى أسمي وأين ولدت ونسيت كيف كنت أكتب ذات يوم قصة قصيرة عن كيف سأنتحر وعن سيناريوهات موتي ، عندها سأندم لأنني لم اطلق الرصاص على رأسي وهو ما زال يحتفظ ببعض التماسك والكرامة ، ربما عندها سأنسى لمَ لمْ أحلق في فضاء عمان الفسيح وأحظى بفرصة السقوط الحر المتسارع من فوق بناية البرج التي لم أزرها يوماُ ..

.ربما يومها سأندم لأنني لم أولد في مكان آخر أكثر حرية وفيه الكثير من الخضرة والكثير من النساء الفسيحات ...ربما يومها سأندم على أشياء كثيرة لم افعلها في حياتي التي توشك على الانطفاء وهي أشياء قد انساها يومها وما زلت أعرفها الآن ، لأنني أعرف أنني لن أموت في هذه اللحظة ولن أوفق في الصعود أصلا إلى أعلى بناية البرج لأنني أخاف المرتفعات ولن أستطيع الحصول على مسدس مرخص لإطلاق الرصاص على رأسي لأنني لا أملك المال ولن أحظى بالتأكيد بفرصة انتحار لائق قبل الأوان وبسقوط حر متسارع .



#باسل_سليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في معرض الصديق جهاد العامري
- وما قتلوه ولكن شبه لهم
- عن وحدة الشيوعيين الأردنيين : متى يتحقق الحلم
- عن الدور المقدس للمخابرات
- ثمة أصابع قذرة
- محاولات لاعادة اكتشاف القدرة على الفشل
- خبر في مزقة ورق وقع في يد فتى من غابات الأمازون
- مشاهدات الغراب في بلاد الفرنجة الأغراب
- لا أقول وداعاً
- تفاؤل حذر
- في الرد على تركي الربيعو وإشارته إلى ماركس
- مساهمة في حوار الماركسيين
- عن الموقف الأردني مما يحدث في العراق
- اسقاط الخرافة الاميركية
- تأميم النقابات وخصخصة الوطن
- الهروب من بيت الأسد
- عراق النار والدم
- حشيش هندي
- مقاربة بشرية حيوانية
- تأملات في كتاب الحريري


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - باسل سليم - انتحار قبل فوات أوان السقوط الحر المتسارع