أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - ملحمة جلجامش .. النص من فكرة الخلود الى محنة الموت















المزيد.....

ملحمة جلجامش .. النص من فكرة الخلود الى محنة الموت


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1564 - 2006 / 5 / 28 - 10:43
المحور: الادب والفن
    


مابين البداية والنهاية ، ثمة سنوات من الالم والبهجة والمرارة وغضب الالهة والتمرد والموت ..
ثمة امر يتوقف عنده قارئ ملحمة جلجامش ، اوروك تندب حظها العاثر لوجود جلجامش ملكا عليها !
يذهب اهلها الى الاله ( آنو ) يتوسلون للقضاء عليه فيطلب من الهة الخلق ( اورورو) ان تخلق ندا له..
فهو لم يترك ابنا لابيه ولا عذراء لامها ولا ابنة محارب او زوجة بطل واستمرت مظالمه ليل نهار دون انقطاع ..
عنيف ومغرور يبطش بشعبه دون رحمة .. هذا ماذكرته الملحمة في الرقيم الثاني من اللوح الاول أي في بدايتها ، ولم تأت زائدة في ترتيب النص ، انما خلقت انطباعا مفاده ان شخصية البطل جلجامش تشوبها الكثير من التناقضات .
فهو ظالم ومستبد وبطل ومنقذ لمدينته والمخلص لها في ذات اللحظة..
وعندما تستجيب الالهة لتوسلات اهل اوروك فانها تخلق انكيدو غريما لجلجامش وخصما قويا..
لكن ايراد صفة الطغيان في المقدمة له دلالاته واثره في تسلسل السرد، ومحركة بالتالي للاحداث وجعل المفارقات اكثر اقناعا وبدراما حية حققت توازنا بين الوهم والمعقول في سلوك بطل الملحمة .
فجلجامش الحاكم ( في الملحمة ) قد ذاع صيته وتخلدت اعماله الكبيرة فهو البطل سليل مدينة اوروك المخلوق بالهيئة الجميلة ، باني اسوارها ومعابدها وحافر ابار المياه فيها وزرع بساتينها الوارفة فطارت شهرته بين الاصقاع وهو الذي رآى كل شئ حتى نهايات الارض ..
فلم تنجح الالهة في التخلص منه بعد خلق انكيدو على الرغم من قوته وصلابته لانهما صارا صديقين حميمين وظل اهل اوروك تحت رحمتهما صاغرين مع ان الملحمة ذكرت في بعض المواضع عدم قبول انكيدو لبعض افعال جلجامش مثل رفض تهتكه في شهواته ومحاولة ثنيه عن عزمه في رحلة الغابة المروعة .. لكن جلجامش يطلب من صديقه الجديد القيام بمغامرة لاتخلو من المخاطر .. السفر الى غابات الارز وقتل حارسها المرعب فيتم لهما ذلك فيدعي جلجامش بانه لايحب الحياة الساكنة ويريد تخليد بطولاته ..
الا ان غضب الالهة لم ينقطع عن اوروك حينما تطلب الالهة انانا ( عشتار) من اله السماء ان يرسل ثور السماء الى اوروك ليدمرها ويقتل ابناءها لرفض جلجامش حبها وشهوتها تجاهه .. فيهبط الوحش الى اوروك ناشرا الرهبة والفزع ويقتل الناس ويهلك الزرع والضرع ..
فيشرع مع صديقه بمصارعة الوحش وقتله .. ويسير الصديقان بعد ذلك في موكب انتصار ضخم بين اهل اوروك المرددين :
جلجامش الازهى بين الابطال .. جلجامش الامجد بين الابطال ..
وتفشل مؤامرة عشتار من النيل من جلجامش ومدينته .
وبذلك يكون مصير اوروك ثانية قد تهدد بسبب حاكمها ويظل الناس يخشون ابقاء النار تحت الرماد والتي قد تضرم ثانية ان تكرر عنف جلجامش ..
( ثلثاه اله وثلثه بشر
لم يترك جلجامش ولدا لابيه
واستمر ظلمه ليل نهار
جلجامش ملك اوروك ذات السور هو راعينا القوي الجميل العارف
لم يترك بنتا لامها
او ابنة مقاتل او زوجة بطل
وكانا لالهة يسمعون بكاءهن
فاستدعوا اورورو وسالوها انت التي خلقت جلجامش ؟
اخلقي لنا نظيرا له
وليتصارعا ولتهدا اوروك .) الملحمة اللوح الاول .
لكن الامور لم تسر كما كان جلجامش يريد ، فامرت الالهة بموت انكيدو عقوبة على مااقترفاه في قتل حارس الغابة المرعب وثور السماء .
يمرض انكيدو ويموت تحت انظار جلجامش الحزين الذي هزه المشهد بعنف فصار يهيم في الصحاري فنصل الى ذروة الفعل الدرامي في النص والذي اراده كاتب الملحمة ان يكون التصعيد المبررلما سيقوم به جلجامش لاحقا ، فنجده يفكر برؤى جديدة لم تطرأ على باله يوما ، فتتغير هيئته ويعتريه رهاب مرضي بعد مشهد موت الصديق الوفي فيهرب من منظرالجثة الذي يذكره بالفناء .. فاجعة الموت والتلاشي ومن ثم الرقود في العالم السفلي ذلك العالم الذي قدر له ان يتبؤا مكانا مهما في الملحمة اضافة الى عالم الالهة ( الخلود ) فهو العالم النهائي المفزع الذي لا رجعة منه ابدا فتكون رؤاه الجديدة هي التطلع الى البحث عن خلود الانسان والهروب من الموت ..
الخلود المادي المحسوس .. خلود الجسد .
فكان لابد له من البحث عن طريقة يحافظ بها على امجاده وبطولاته وفوق ذلك سطوته على اهل اوروك ومواصلة كل شئ يجعله الاوحد دون منازع في الحكم على مدى الدهر..
( صديقي الشاب الذي كان يصطاد حمار وحش التلال وفهد البرية ..
صديقي الحدث السن انكيدو
اصطدت حمار وحش التلال وفهد البرية
الذي امسك وذبح الثور
وذبحنا خمبابا الذي يعيش في غابة الارز
فماذا دهاك الان ؟ هل هو النوم قد تمكن منك ؟
هل دهاك الظلام ؟ افلا تسمعني ؟ ولكنه لم يرفع عينيه
لمس جلجامش قلبه وكان لاينبض
فغطى وجهه وصرخ عاليا مثل اسد ولبوة فقدت اشبالها
وصار يروح ويغدو امام صديقه ناتفا شعره وممزقا ثيابه ) الملحمة اللوح الثامن .
فنجد ان كاتب الملحمة ادخل انكيدو كعنصر مهم في الاحداث والتاثير عليها فلم يكن عنصرا مكملا حسب ، انما صار بمثابة قمة الفعل الدرامي في الملحمة ولانغالي ان قلنا ان انكيدو كان احدى عقد النص التي ارادت الملحمة اظهارها كقيمة تفصيلية وادبية وهي تتوغل في الحديث عن الانسان
البطل دون التركيز على الالهة كما كان معروفا في الملاحم والاساطير ..
فعبر تسلسل مقصود في انساق السرد ، حرص كاتب الملحمة على جعلها تسير في ثلاث مراحل :
الاولى الاعمال التي قام بها جلجامش في مدينته وبطشه لاهلها واستبداده ومظالمه وبطولاته مع انكيدو .
الثانية قصة الطوفان التي يحصل بعده الحكيم اوتونبشتم على الخلود .
والثالثة قصة الموت والعالم السفلي .
فالانسان هنا يطمع بالبقاء حيا جاعلا النص يرتكز على نقطتين مهمتين في سير الاحداث :
الاولى .. الاستبداد والظلم والسطوة التي دفعت جلجامش للبحث عن الحياة الابدية ورفض الموت للاحتفاظ بالسيطرة على
اوروك مدى الدهر ..
هنا يمكن وصف جلجامش بالشخصية المضطربة غير الاعتيادية والتي طالما سببت المعاناة والاضطهاد لاهل اوروك دون رادع
ذاتي او رادع جماعي ..
فمن الصعوبة ان يفقد كل شئ بلمح البصر ! فشكل ذلك الشعور الاحباط والياس بعد موت انكيدو وصار الموت قضية تؤرقه رغم انه ظل طوال حكمه لاوروك ينظر الى الموت نظرة فوقية استعلائية على انه لاياتي له بسبب كون الذين يموتون هم من العامة وليسوا ندا او حكاما او يمتلكون صفات لا يمتلكها هو ..
لكن انكيدو يختلف بطبيعة الحال فهو الغريم والبطل وصنيع الالهة فمن المؤكد ان يكون موته مخيفا لجلجامش ومرعبا له ..
نقطة الارتكاز الثانية : فعل الموت نفسه الذي قلب الموازين ، فكان موت انكيدو الصحوة التي كشفت لجلجامش انه انسان فان لاغير .
وهي الحقيقة التي ذكرها جلجامش دون وعي امام نكيدو الرافض للذهاب الى قتل الوحش خمبابا حارس الغابة قبل ان يعنفه جلجامش ويقنعه فيخاطبه مؤنبا ( ياصديقي من ذا الذي يستطيع ان يرقى الى السماء . فالالهة وحدهم هم الذين يعيشون الى الابد مع شمش اما البشر فايامهم معدودات وكل ماعملوا عبث يذهب مع الريح ) .
يشكل هذا التصريح اعترافا مبكرا بفناء الانسان واستحالة خلوده فنكون امام متناقض في استيعاب جلجامش للحالة التي يصادفها بعد موت انكيدو في رحلته الى ارض الاحياء وتحديدا في حانة سدوري التي يسالها :
هل استطيع الهروب من الموت ؟
فتجيبه :
( الى اين تسعى ياجلجامش ؟ ان الحياة التي تبغي لن تجد . حينما خلقت الالهة العظام البشر قدرت الموت على البشرية واستاثرت هي بالحياة ) .
فكان جواب سدوري صاحبة الحانة يشبه تماما ماقاله لانكيدو قبل موته .
اذن صار لجلجامش وعيا خطابيا اخر ظل يردده مع نفسه مالبث ان كشفه للاخرين كوسيلة لكسب التعاطف والمؤازرة فيكون امام حقيقة قاسية ومروعة تجعله يذهب في السعي لتحقيق هدفه الاوحد طالما توفرت الدوافع والسبل .
فكان الخطاب الفلسفي الذي اراده كاتب الملحمة قد اندفع الى صدارة السرد وتبينت الحكمة التي من اجلها كتبت الملحمة وهي ان الانسان جسد فان ولا يتبقى منه الا اعماله التي تتكلم عنه وتخلده وهذا مانجده في حديث اوتونبشتم الحكيم الذي خلدته الالهة وحيدا بعد الطوفان :
( قال جلجامش لاوتونبشتم البعيد
انا انظر اليك يااونبشتم
فانت لاتختلف عني طولا فمثل ما انا عليه انت
وانت نفسك لست اعجوبة فمثل ما انا عليه انت
والمنازلة لاترهبني
وانت تنام مرتاحا على ظهرك
قل كيف حييت وقبلت في مجمع الالهة
وكيف نلت فيه الحياة
فيجيب اوتونبشتم لجلجامش :
وهل هناك ماهو خالد في الوجود ؟
وهل نبني البيوت الى الابد ؟
وهل ينفصل الاخوة الى الابد ؟
وهل تبقى الكراهية في الناس الى الابد ؟
وهل يفيض النهر دوما ؟
وهل دائما يتحول اليعسوب الى يرقة ؟
الالهة حددت الموت والحياة
ولم تسمح برؤية يوم الموت )
فكانت الملحمة خليطا عجيبا من عوالم التخيل والغيبيات والمعجزات وتصادم مصالح الالهة

وصراعاتها ومثل جلجامش ( البطل التراجيدي ) خروجا عن المالوف السائد في تلك العصور اذ
لامكان للانسان في الملاحم ، فابطالها هم من الالهة الذين يملكون اسرار الحياة والكون والموت وما الانسان الا ذلك الكائن الصغير الفاني الذي لايلك قدرة تغيير الكون مهما كان قويا ..
في الملحمة كانت الشخصيات نامية واثرت فيها الاحداث تاثيرا مهما في الحبكة والصراع وصولا الى ذروة الفعل ، فبدت مقنعة لكونها جاءت متدرجة من الاستهلال فالعرض فالخاتمة فظهر فيها جلجامش مثالا للسطوة والاستبداد والغرور في حين كان انكيدو مثالا للانسان العادي العارف بمصيره .
جلجامش الذي لم ينل الخلود ، لم تنفعه اوهامه وذرائعه في ان يصبح انسانا ابديا مسيطرا على اهل اوروك رغم بحثه المضني ..
عاد الملك جلجامش الى مدينته مع الملاح اورشنابي قانعا بمصيره الذي ينتظره متغنيا بالاسوار العالية التي بناها والمعابد والبساتين وهو مشهد يتكرر في الملحمة التي تبدا وتنتهي به ..
( ماذا عساي ان افعل والى اين اتجه .. ان الموت قد تمكن من لبي وجوارحي .. اجل في مضجعي يقيم الموت وحيثما اضع قدمي يربض الموت ) .
ان تصور جلجامش المادي في المرحلة التي اعقبت موت انكيدو، كان تصورا قاصرا الى حد انه لم يتقبل فكرة العزوف عنه رغم المعاناة والاهوال التي لاقته في رحلته الى ارض الاحياء والتي شكلت رمزا للمستحيل وضربا من ضروب تحدي الانسان لارادته قبل ان يكون تحديا للقدر والمصير ..ولاول مرة يسجل الانسان انتصارا على قوى الطبيعة والافعال الخارقة التدميرية للالهة فحلم الوصول الى مصاف الالهة هو تطور درامي لم تعهده الملاحم في حينها رغم ان تلك الامنية لم تحط على تفكير انسان عادي من العامة ربما لعدم قدرته على حملها والانطلاق بها في رحلة بحث مضنية لا طائل منها ، فحملها ملك مدينة اوروك وحامي حماها وبانيها و…….. حاكمها المستبد المغرور ..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موت المؤلف وخلود الاثر
- محنة القصة القصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا
- قصتان قصيرتان جدا
- عين الذاكرة
- الشاعر شهيدا : وهل كان الشاعر سوى موت على وشك الانبعاث ؟
- قريبا .. كمال سبتي .. المراثي
- كمال شاعر المدن


المزيد.....




- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...
- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - ملحمة جلجامش .. النص من فكرة الخلود الى محنة الموت