ريبر هبون
الحوار المتمدن-العدد: 6445 - 2019 / 12 / 23 - 15:28
المحور:
الادب والفن
(قراءة في وجع "طفل يلعب في حديقة الآخرين" لجان بابير)
اللغة التي في متن هذا الكتاب ، تتضوع وجعاً وأفكار، إذ يدمن الشاعر تغليف الوجع في أفكاره ، كما أنه يرى ألا صدقية في الأفكار مالم تتغلف بغلاف الوجع السميك، من ثم تتبعثر كالخراف على براري الصفحات، لنقرأ
: هنا ص42
لم أقصد أنك فقط امرأة
أقصد يدينا في خصام التعرّق
تناولني قصيدة
من خلف باب المطبخ
تجسيد لأشياء قد تبدو عادية في حياتنا ، لكنها فنية في عالم الشعر، وتحمل روح الحياة المرهفة، حيث غاية الفن هنا هو تحقيق الرهافة في تناول أشياء مألوفة، وتحويل اللامرئي إلى عرس تقيمه الحواس المدركة المرتبطة مع الفن والإحساس العميق بعقد وثيق، أيضاً نجد خاصية المفاجأة ، والبحث عن شيء ليس ببسيط يسعف اللاشعور كي ينتفض ويحيل الإدراك إلى غرابة وذهول مثلاً : ص43
"وقصاصات ورقية تأخذها المعلمة "لتتسع أثداءها
وتعلِّمهم الدورة الدموية
تسيّلين دمي استنفار جيش
ثمة مفردات غير متنافرة تُخرج الفتنة من جوف الروح، ولا تخلو رحلة المبدع في الإتيان بالغرابة الفنية من مجازفات صغيرة، إذ يأخذ الإدراك غفوته بالتزامن مع مجيء عبارات قد تخون ما يريد المبدع أن يقوله للآخرين، إلا أن لغته : ماردة ، رهيفة ، ولاذعة وتلك السمات الثلاث ان اجتمعت، فإنها تصوغ المناخات الشعرية بخطا واثقة، لا تبخس العبارات حقها من إبداع وتحليق، يستمتع المرء بلغة أكثر لصوقاً بالغرابة والاحتراف في إتيان معانٍ جديدة من مفردات مقترنة ببعضها رغم ندرة التقاءها، على هيئة الفن السريالي التشكيلي، وتعانق الألون، لإيضاح مشاهد الحياة الرتيبة والكشف عن عواراتها، يستخدم جان بابير الإنزياحات الكثيفة ويدمن الصور المعبّرة عن مراميز متعددة توحي إلى محنة الذات والعشق الإبداعي للآخرين والعالم، ولصوقاً بالحلم ، تحديداً بعوالم الطفولة والتحديق في قسمات الآخرين وأشياءهم، توارد فكري انزياحي، تراشق بالعبارات ذات المعاني المستترة والألفاظ المبهمة الغائصة في ألوان البلاغة وأوحال البديع، وما يميز تلك اللغة هي خاصية توظيف القص وأخصها الحواريات القصيرة هنا : ص53
ما الذي يميزني؟--
هكذا أحب يديك
لماذا تعاملني بإشارات متلاحقة
لأنك موجودة وحسب
الكلام طويل والبوح عميق وما أوردته هنا في هذه النظرة السريعة ، هي رؤية انطباعية آنية، وبقعة ضوء على مفازات وعوالم جان بابير المحلق في عباب الحياة
23-12-2019
#ريبر_هبون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟