أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبة فارس - الملابس المبعثرة















المزيد.....

الملابس المبعثرة


هبة فارس

الحوار المتمدن-العدد: 6443 - 2019 / 12 / 22 - 00:17
المحور: الادب والفن
    


"الملابس المبعثرة"
اضطررت اضطرارا للسفر وتركه لعدة أسابيع.
ودعته بأحر القبلات والاحضان. كنت لا أرغب في أن أبرح حضنه أبدا. كان يشجعني على السفر وهو يتقطع داخلياً ولكنه خبأ آهاته حتى لا أتراجع عن السفر المحتوم.
كنت اتلكأ واتكاسل متحججة بعدة حجج واهية لا يصدقها طفل في العاشرة من عمره وليس رجل ناضج جاوز الخمسين.
أمسك ذراعاي بحنو زائد قائلاً: كفي عن اختلاق الأعذار، سيفوتك القطار.
بكيت نائحة: لا أتصور أن أتركك وحيداً دوني، ولا أن أظل كل هذه المدة دونك.
ضمني هامسا: ستمضي الأيام سريعة حبيبتي، وتعودين لي لنعوض شوقها بأروع مما كان.
ابتسمت بدموع: لا أرى داعي للسفر.
انتهرنِ قائلاً: كيف تتصورين أني سأسمح بأن يطالك أي ضرر، هل هذا هو حبي لك، وقتها سأكون مدعيا بالدرجة الأولى، أنت لا تقدرين حبي حبيبتي.
فطأطأت رأسي معتذرة: ليس بإرادتي حبيبي، فبعدي عنك بمثابة بعد روحي عن جسدي، ماذا يفيد الجسد دون روح، سيذبل حبيبي ويموت.
رفع يده بإتجاه وجهي مستخدما أصبعيه الإبهام والسبابة لرفع وجهي حتى التقى ناظرانا هامساً: لا تطأطئي الهامة أبدا، ومهما حدث، لقد خلقتي لتبقي مرفوعة الهامة دائما وابدا، وقبل مقدمة أنفي مبتسماً: لو لم تسرعي بالسفر الآن فسوف تبقين ليوم آخر.

ودعني في محطة القطار حتى تحرك القطار مغادرا، وظللنا ننظر لبعضنا البعض حتى غاب كلانا عن نظر الآخر، ظللت وحيدة في مقعدي بالقطار لا أفكر إلا في شق روحي البعيد عني.
أخرجت هاتفي النقال أحادثه فإذا به يرن برنته المميزة التي أخصصها له بموسيقى أغنية عشقنا، رددت متلهفة حياتي أمسكت بالهاتف توي كي أحادث روحي الغائبة عني.
فوجدت روحي تبحث عني تبغي محادثتي هي الأخرى. شعرت به يستجمع أنفاسه ويبتلع شهد رضابه حتى يبدو لي طبيعياً، ولكن لا يجدي هذا معي، وشعرت دموعه رغم أنه أخفاها
قائلاً: هل تشعرين بالراحة في مقعدك بالقطار حبيبتي؟ أحمد الله لأن مقعدك مجاور للنافذة، فأنت تحبين متابعة جريان الطريق من نافذة القطار. هل درجة حرارة العربة مناسب أو أنهم يخفضون درجة حرارة المكيف؟ لو شعرتي بالرد أخرجي الوشاح الصوفي وتدثري به. أو حادثي عاملي القطار لرفع درجة الحرارة. لا تتهاوني في راحتك أبدا. أمامك ثلاث ساعات وتصلين بألف سلامة. هاتفيني بمجرد وصول القطار، وبمجرد معرفة موعد انتهاء مهمتك احجزي موعد العودة في أول قطار بعد إنتهاء المهمة. أحبك.
لم أرد، فبادرني سائلاً: هل أنت بخير؟ فأجبته: لا. فقال لي: ما كل هذا الدلال حبيبتي، أنت امرأة قوية جدا، كلها عدة أيام وستعودين لحضني.
فرددت عليه: لا تنعتني بالقوة وأنا بعيدة عنك، بل لا تدعي أنت القوة، إذا كنت قوياً فلماذا تسرع في حديثك؟ لماذا تخشى أن تسمعني صوت أنفاسك؟ فمهما تظاهرت بأنك طبيعياً فلن تخدعني، وتذكر دائما وأبدا بأني لا أُخدع أبدا فيما يخصك. نجحت في جعل نبرات صوتك تبدوا طبيعية، وبالرغم من ذلك فقد شعرت بدموعك.
لا تخفيها عني حبيبي فأنا أهواك في كل أحوالك، وإن لم تبك حين أبتعد عنك، فمتى ستبكي؟ لا تفعلها ثانية حبيبي، لأنك مهما حاولت خداعي فلن تقدر، ابك حبيبي .. ابكِ صارخا وحشتيني.
فأجهش في البكاء صارخا: ستعودين بأحسن مما كنتي، عِديني، ستراعين روحي الكائنة بداخلك، ستعيدين لي روحي سالمة، توخي الحذر، كلي جيدا، نامي جيدا، حادثيني كلما سمح وقتك، لا يهم متى، في أي وقت سأكون مستعدا لعودة روحي بسماع صوتك.
أنهينا حديثنا بقبلات كثيرة عبر الهاتف.

بمجرد وصولي هاتفته فقال: لا تحملين الحقيبة استأجري حمال حقائب، يحمل حقيبتك حتى تجلسين في التاكسي، ابتسمت: حبيبي لا تقلق، ما يهمني هو انت، ماذا تفعل؟، كيف قضيت الساعات الثلاث الماضية؟، هل تناولت غدائك؟ هل أعجبك ما طهوته لك؟ لا تنس، كل الوجبات الموجودة على أرفف مبرد الطعام أولا، ثم بعد أن تنتهي منها توجه إلى تلك المجمدة في درج التجميد، الطعام سيكفيك حتى عودتي، أنت أيضا هاتفني وقتما تشاء، ليس هناك أهم منك، مهما كانت درجة انشغالي فأنت شغلي الشاغل وكل إهتمامي، أحبك.

لم أعرف كيف انقضت الأسابيع الثلاثة التي كانت ستطول لأربع لولا أني كنت أنجز ما قدر إنجازه في يومين بيوم واحد، فعلت كل ما وسعني حتى أقصر مدة سفري بكل ما أوتيت من قوة وإرادة، لم أعلمه بهذا، ظل يظن بأن أمامي أسبوع آخر للعودة.
حادثته قبل استقلالي القطار للعودة، محادثة عادية جدا، لم أخبره بأنها عدة ساعات هي ما تفصلنا عن اللقاء، أخبرني بأنه سينام بعد أن أغلق خط الهاتف معه فأنهيت المكالمة متمنية له نوما هنيئا وأحلاما سعيدة.

ما ابطأ هذا القطار!!!
لماذا هو الآن بطيئ هكذا؟ وعند المغادرة كان أسرع من الصوت.
أخيراً وصل إلى محطة اللقاء، لا أعرف كيف استقيلت التاكسي البطيئ جدا حتى منزل عشقنا.
أدرت مفتاح الشقة ودخلت في هدوء حتى لا أزعجه وهو نائم، وضعت حقيبتي بهدوء ودخلت إلى غرفة نومنا.
يا إلهي!!!!
ما هذا؟
حبيبي ملقًى على فراشنا بين كومة من ملابسي، لحيته طويلة، اصابته بعض النحالة، وجهه مصفرا، هالات سوداء تحيط عينيه، كأنه لم ينم ولم يأكل مذ تركته، ينام فوق أحد قمصان نومي ويتغطى بأخر، عن يمينه ويساره تتجمع ملابسي، ينام على جانبه الأيسر محتضنا كومة ملابسي الموضوعة على يساره.
لم اتمالك نفسي فألقيت بجسدي عليه محتضنة إياه وصارخة ماذا فعلت بنفسك حبيبي؟ فتح عينيه مرتعشا: هل يعقل وجودك الآن؟ أنتِ هنا؟ أنا لا أحلم، أليس كذلك؟
أجبته: بلا يا عمري، لا تحلم، أنا هنا، غضبى رغم سعادتي. لماذا لم تحافظ على روحي التي تركتها هنا؟ لن أحادثك، سأخاصمك للأبد. قصرت في رعاية روحي، لم تف بوعدك لي، أنا جد غاضبة، لماذا طالت لحيتك هكذا؟ لماذا نحل جسدك؟ لماذا لم تنم جيدا؟ لماذا لم تأكل جيداً؟ هل هذا هو حفظك للأمانة التي تركتها في يدك؟
كنت أتحدث بسرعة ودموعي تنهمر وهو لا يرد ولا يفعل سوى تقبيل يدي ووجهي وكل ما تطاله شفتاه.
ظل يمسح دموعي بيديه هامسا: هشششششش يكفي، لا تدمعي البتة، إنتهى، كل شيئ سيعود أفضل مما كان، مادمت هنا، لن يحدث إلا ما تحبين وفقط.
ولكن ما هذا؟ لماذا تبعثر ملابسي في كل مكان في غرفة نومنا؟
أجاب: ليس في غرفة نومنا فحسب يا حبيبتي، بل في كل مكان، اتدثر بها وأجالسها واتنشف بها وأضمها وأقبلها، كنت أتحسس رائحتك حبيبتي في كل مكان في بيتنا، والآن أنتهى كل ذلك، أنت الآن واقع، أضمك وأشتمك فعليا، الكون كله هنا حبيبتي، وذوبنا في حضن لا نهائي لا نعرف كم استغرق من عمرينا.

القاهرة: 21 من ديسمبر 2019م.



#هبة_فارس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افروديت حياة


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هبة فارس - الملابس المبعثرة