عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1564 - 2006 / 5 / 28 - 10:43
المحور:
الادب والفن
الكتاب الذين وضعوا تفاهاتهم قناعاً لوجوههم , فبدأوا يتبرزون أوساخاً من إلهام السلطان , ونذروا أنفسهم إلى نباحين عند المكلوبين بالسلطة , وهم القادرين بمهارة على قلب الحقائق وتزييف الأشياء , فتراهم يحولون الحق باطلاً والباطل حقاً , وهم قادرون على تمجيد السلطان كذباً ونفاقاً , ويكونون أكثر مذلة واحتقاراً لأنفسهم التي هي أصلاً أكثر وضاعة , وهم قادرون على دس السم في الدسم , ومحاربة أي قلم حر , فهم المندسون بين الشرفاء المتقلبون أبداً كالحرباوات , ترى واحدهم, فيثير في نفسك القرف والاشمئزاز , فهو أتقن اللعبة الخارجية , كأن مثلا يقلد الأدباء والفنانيين في لباسهم وفي مشيتهم وفي أنماط حياتهم , وهم لا يكتفون بأنهم أنصاف أميين , بل زد على ذلك أتقنوا كيف يكونون لصوصاً ليس في السلوك الاجتماعي والأخلاقي فقط , بل في الكتابة أيضاً , فترى واحدهم ما أن يرى قصيدة جميلة حتى يلطشها بعد أن يغير العنوان وبعض المفردات , وكذلك يعملون في القصة أو في اللوحة الفنية أو ما شئت , فمن أي معدن هؤلاء البشر , أنهم وقحون لدرجة البله وتافهون لدرجة الانحطاط , ومزيفون لدرجة تصديق الكذب , لاينضحون قذارة وخسة ولؤماً فقط , بل أيضاً مهووسون بالأذى , فهم قادرون على إزاحة كل من يعترض طريقهم , حتى لو كان الذي تعلموا منه أول حرفٍ في الكتابة , فهم يكافؤن الذي علمهم أول حرف , بأن يكونون السباقين إلى تشويهه , وإلى تأليب السلطة عليه والتخلص منه لأنهم يعتبرونه يعرف عيوبهم, وبحكم أنهم أصبحوا أدباء السلطة أصبحوا الأفضل , لا إبداعاً وثقافة وعلماً , بل يكفي أن يكونون أبناء مدللين عند السلطة أو كلابها لكي يكونون الأفضل , وهم لا يريدون أكثر من ذلك , لأنهم, فارغون وتافهون , وفي آخر السلم الاجتماعي , فتراهم السباقون إلى المهرجانات التي تعملها السلطة والجاهزون لتحبير الصحف التافهة , بأسود قلوبهم , وانحطاط مشاعرهم , وهم الجاهزون للجلوس في الكراسي المتقدمة في المهرجان , والمتقربين دائماً من أذناب السلطان , وهم المترفون دائماً بالنفاق والزيف , والجاهزون لتلقي الأوامر كلّ ما هزّ سيدهم ذنبه , فإذا ما ابتسم ابتسموا وإذا ما قال صفقوا , وإذا ما قام قاموا , وإذا ما جلس استمروا وقوفا ً زيادة في أمنه , وحرصاً على الاهتمام به , وإذا ما رأوك زادوا لك المديح , وعندما ينصرفون عنك أكثروا لك الإساءة , فأدباء السلطة منعمون يدر عليهم دجلهم نعماً من ولي الأمر , أما الأديب الحق فهو الذي يحمي نفسه من السلطة , وهو الذي يبتعد عن كل هذه الإغراءات المزيفة التي تنصب فخاً , لتوريطك في مخالب الحالة التي تخلقها السلطات الأكثر جورا وأَذاً, لحياة الناس , فالسلطات تفتح الأبواب مشرعة لدخول الأدباء والكتاب والصحفيين , إلى تجمعاتها الغنمية , فهي تؤمن لولاتها اتحاد العمال , واتحاد الفلاحين , واتحاد الكتاب , واتحاد الصحفيين , وتربطهم جميعاً , بربق ٍ واحد ٍ كما تربط الأغنام , وُتجيرّهُم في المواقف السياسية والمناسبات التي تخدم السلطان , ومشاريعه الكاذبة , وشعاراته البراقة , فيقع كبار الكتاب في الورطة , فهم معادون للديكتاتور الفلاني , وأصدقاء الديكتاتور الطيب الودود , وهم ضد النظام الجمهوري , ومع النظام الملكي , وضد المهرجان العميل الخائن ومع المهرجان الوطني , وهنا يبتلع البعض منهم الطعم , ويدخل في أنفاق الطغاة المظلم , وينسى كونه أديباً مهماً , أو شاعراً كبيراً , فيتم توظيف نشاطاته للصالح العام , فيتعمم الكاتب المبجل , هذا إذا ما كان معمماً بالأصل , ومنذ أزمان الخراب , ومن المعلوم أن الأدب الحقيقي هو أكبر من أي سلطان , أو سلطة لأن روحه الإبداع والكلمة الحرة , ومن كان رمزه الحرية لايمكن أن يكون عبداً لسلطان جائر , أما إذا كان الأديب أو الكاتب صغيراً , فإنه يباع بالسعر الذي يستحق , فالكل له سعر فهذا سعره تافه من المال , والآخر سيارة , والرابع بيت جميل والخامس ولاعة مذهبة , والعاشر إهانة وتفلة تليقان به , فالكل له سعر , وربابنة السلطان جاهزون ليعطوا كل الذي يستحق , فالوقوع في الفخ سهل , وجوع كلبك يلحقك , وقليلون الذين ينجون من هذه المعادلة الصعبة والذين لا يعرفون أنهم أكبر من أي سلطة أو مال , ويحترمون حروفهم , فالأدب الكبير تحمله النفوس الكبيرة , فالذين يتحملون الحيف , ولا يؤثر بهم السيف هؤلاء هم الذين يكتبون أدباً عظيماً , ( وآنئذ تصغر في عين العظيم العظائم ) فالسلطات المهترئة في العوالم المختلفة , لا تريد أدباً عظيماً , بل تريد أدباً وفناً على شاكلتها , ويصبح الكلام العادي الفارغ أدباً ولكنه على شاكلة القيمين عليه , فيضيع الحابل بالنابل , ولا يظل مدع ٍ للكتابة فارغاً , بل الجميع كتاب ولديهم عمل , ولكن أين في حضائر السلطان , والسلطة والمال , فيتحول هؤلاء مدعي الكتابة إلى مخبرين من الدرك السفلي , ويكونون أكثر أذاً , ويشوهون الأدب والكتابة , ويسيؤن إلى قدسيتها , ويساهمون في تخريب الناس لجرهم إلى الدعاية الكاذبة , والمثل الأكثر سؤاً , والي الطائفية , أو التعصب الديني , أو السياسي , ويزينون ما هو قبيح بأكاذيبهم , ويكونون أسياد المهرجانات الموبوءة والجوائز الكاذبة , فالأديب الحق , الأديب النبيل الذي تضامن مع إبداعه , وأخلص لحرفه , سيشوونه على جمر التآمر , ويمارسون عليه كل أشكال القهر , لأنهم لا يريدون أن يكون المثال الذي يرفع الغطاء عن روائحهم النتنة , وزيفهم الدائم , لذا يكون الأديب الحق عدواً لا للسلطة ومرتزقتها فقط , بل أيضاً لمخبريها الصغار من مدعي الكتابة , وضفادع الآسن السلطوي فهم حتماً سيلاحقون الشرفاء من الكتاب , بتجويعهم ومحاربتهم بقيمهم النبيلة , ومحاصرتهم وابعادهم عن كل وسائل الإعلام ويتركونهم يعيشون أدباً في الظل , وحتى وهم في الظل يخشونهم , لأن مجرد ذكر اسمهم يجعل كتاب النفاق والدجل , وجماعة الهرجات , يشعرون بالذعر , وليعلموا أن أي سلطة زائلة , بما في ذلك سلطة الكتابة , بينما الأدب الحر المبدع والكلمة الطيبة باقيان تشعلهما منارة رؤيا الطاقة الكامنة في أعماقهما , طاقة الحب والحرية , وضمير الصدق والمعاناة , فالأديب أو الكاتب الحق هو الذي يسور نفسه بالقيم النبيلة , ويشرف الحرف , ويكون قادراً على الصبر , ومحولاً كل تفاهات هؤلاء المرتزقة إلى مادة حقيقية للكتابة والإبداع , فمهما حاولوا الضغط على الأدباء والكتاب الأحرار , وتفننوا بكل أساليب القهر , فإنهم لن يستطيعوا أن يمنعونهم من فضاء الحرية , بل سوف يحولون كل هذا القهر إلى فضاء هائل من الحرية الداخلية , وهنا الطاقة الحقيقية للأدب المبدع , فلنترك حثالة القوم من مدعي الأدب يمضون أوقاتهم بمضغ عظمة السلطان , ولنذهب إلى الفضاء العظيم فضاء الكتابة المبدعة 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟