أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - ما قبل المسيح وما بعده















المزيد.....

ما قبل المسيح وما بعده


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 6442 - 2019 / 12 / 19 - 00:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ولادة كان يمكن ان تكون شأنها شأن اي ولادة اخرى، لا بل اسوأ. ولد في مذود، ربما لانه لم يكن هناك من يستقبله من أهل العالم، فكان نصيبه شاة او عنزة يتمنيان له ولادة سليمة. ما ان عرف هيرودوس الملك بولادته حتى قرر قتله، قبل ان يتسنى له ان يفعل خيرا او شرا، فكانت النتيجة قتل العشرات وربما المئات من الصبيان الذين هم دون السنتين. كان فقيرا، فالعادة تقتضي، عند ولادة كل بكر، ان يقدم اهله عنه شاة لافتدائه وتكريسه للرب، لكن مريم ويوسف قدما زوجي حمام دلالة على عدم امتلاكهما ما هو اثمن. هو يسوع المسيح، الذي ومنذ لحظة ولادته انقسم العالم حوله. منهم من رحب به، مثل حنة النبية حبيسة الهيكل وزكريا الشيخ، ومنهم من قال اصلبه، اصلبه شأن هيرودوس ورؤساء اليهود بعده. هو يسوع المسيح، الذي اتى حاملا رسالة خلاص وحرية وسلام، فغنت له ملائكة السماء "المجد لله في العلى وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة" وهاجت عليه قوات الجحيم منذ اللحظات الاولى لولادته ساعية لإزالته من الوجود.

لم يهز اسمٌ ضمير البشرية بقدر اسم يسوع. عظماء الناس، أكانوا مفكرين او فلاسفة، قادة جيوش او ديانات، مخترعين او رحالة، دخلوا مجاهل النسيان، محاولين بين اللحظة والاخرى اطلال رؤوسهم من صفحات الكتب الصفراء القديمة للتواصل معنا، لكن صفحات الكتب تقلب ويعودون الى نومهم العميق حالمين بيد جديدة تقلب صفحة جديدة من الكتاب الذي ينامون بين اسطره وصفحاته، علهم يتنشقون هواء الوجود مرة اخرى ولو للحظات. توالى العظماء على ساحة الوجود، كان منهم الكتاب والشعراء والمعلمون والقادة والمستنيرون والمكتشفون والانبياء، لكن اثرهم في التاريخ كان محدودا. من هو يسوع المسيح الذي هز العالم بولادته ومن ثم بموته وقيامته؟ كتب عنه الكثيرون بدأ من اتباعه وحتى اليوم. بيعت عنه عشرات، لا بل مئات الآلاف من الكتب، التي مجّد بعضها ارثه فيما نكر بعضها حتى وجوده. لماذا كانت شخصيته جدلية حتى ما زالت الجامعات حتى يومنا هذا تدرس حياته وفلسفته وديانته ونبؤته وتعاليمه واسلوب قيادته وفكره وطريقة حياته؟ لماذا توقف البحث نسبيا، عن هوميروس وافلاطون وارسطو وسقراط، فيما يستمر العلم والتاريخ يبحث عن يسوع بين صفحات الكتب وعلى امواج الفكر وبين سطور المؤرخين وفي خراب الآثار؟ لماذا لم يعد احد يذكر قيصر والاسكندر ونابوليون الا جزافا؟ لماذا وبعد ألفي سنة على ولادته، ما زال الناس يتبنون أفكاره ومبادئه ونمط حياته بينما بعل وجوبتر وغيرهم من الآلهة وقعوا في بحر النسيان؟ لماذا وحتى يومنا هذا ما زال الكثير من الناس مستعدين ان يموتوا لاجل ايمانهم به مع انهم لم يجنوا من هذا الايمان سوى الاضطهاد والتكفير والتخوين والرفض والاقصاء؟ لماذا تخلى الكثيرون عن ثرواتهم وامجادهم ليتبعوه في الظل وهم يشعرون بالسعادة؟ لماذا ورغم عدم وجوده بيننا بالجسد ما زال الكثيرون منا يتواصلون معه بالروح والمشاعر والاحلام والظهورات والفكر؟ لماذا الهم اسمه الكثيرين لبناء المدارس والمستشفيات ودور الرعاية؟ لماذا قامت حركات التنوير بشكل مباشر وجليّ في البلاد التي اعتنقت فكره دون سواها؟ لماذا كان اتباعه دافعا لتحرير الكثيرين من العبودية للمال والجنس والشهوة والمخدرات والكبرياء والخمر؟ لماذا قفزت المجتمعات التي اتبعته من انظمة الاستبداد والعبودية والتضحية بالاطفال وتعدد الزوجات وحظر الطلاق إلا لعلة الزنى، الى نظام حر يحترم المرأة ويجعل منها شريكا كاملما في الحياة والاسرة، ويقدس الحياة الزوجية، وينظر الى الاطفال، أكانوا اناثا ام ذكورا، على انهم ورثة مكلوت الله، ويقدس الحرية لكل انسان بغض النظر عن لونه او دينه او لغته او ثقافته او مكانته الاجتماعية؟ بل اكثر من كل هذا ماذا لو لم يكن يسوع ولد على الاطلاق؟

لو لم يولد المسيح لاستمرت روما في عباداتها الوثنية الى أن يأتي نظام اقوى ويقلب نظامها. ولا ننسين ان روما كانت في تلك الآونة اكثر الحضارات تقدما ونفتاحا. لو لم يولد المسيح، لكان علينا ان ننتظر مسيحا آخر يبشر بقيم تتخطى الذات والقرية والمجتمع واللغة والثقافة والرئيس او الملك، الى نظام اكثر انفتاحا واحتراما لقيمة الانسان. لكن وللأسف كلنا نعلم ان ما اتى بعد المسيح لم يكن في مستوى ما قبله، اذ لم يستطع دين او عقيدة او فكر او فلسفة او نظام ان يتقدم على المسيحية ولا حتى ان يجاريها في التسامح وقبول الآخر والحرية والمساوة والكرامة البشرية. لو لم يولد المسيح، هل كان لنا ان نرى العائلة قيمة بحد ذاتها، مكونة من الرجل والمرأة والاطفال؟ في حضارة روما واثينا الغالبتين اثناء نشؤ المسيحية، لم يكن هناك قيمة للعلاقة الحميمية بين الرجل والمراة في اطار العائلة الواحدة. ولا شك ان كلمات بولس الرسول آنذاك "أيها الرجال احبوا نساءكم" مثل صرير مزعج في آذان المجتمع. كان الرجال في روما وأثينا يأتون النساء للمتعة والانجاب، فيما يعاشر الرجل الرجل لأن الرجولة كانت أكثر تقديسا من الانوثة في تلك المجتمعات.

لو لم يولد المسيح لما انقلب العالم رأسا على عقب. وحدها كانت كلمات هذا الرجل الجليلي "الاولون يكونون آخرين والآخرون اولين" كافية لتحقق المساواة بين الناس وللمناداة بقيمة الانسان لا لشيء سوى كونه انسانا. لو لم يولد المسيح، لكان الرجل ما زال يقهر المرأة، والابيض يستعبد الاسود، والباشا الفلاح، والرئيس المرؤوس. لو لم يولد المسيح ويخبرنا قصة السامري الصالح، لكان ما زال اليهودي يكره السامري ولما كان هناك سعي في الغرب لتفتيت الحواجز العرقية والثقافية والاثنية بين الناس. لو لم يولد المسيح ليخبرنا قصة المرأة الزانية، لكنا ما زلنا حتى اليوم نرجم الزناة وخاصة النساء منهم، ونقيم انفسنا قضاة على غيرنا دون ان ندرك اننا ننتزع القشة من عين غيرنا ونبقي على الخشبة في عيوننا.

عندما ولد المسيح، حاول هيرودوس قتله، لكن هيرودوس مات قبله، وها هو المسيح اليوم معروف لملايين الملايين بينما هيرودوس يعود الينا من كتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودي رجلا منحرفا، فظا، قاتلا لزوجته وابنائه، مستبيحا، نرجسيا، يعيش سجينا ومقيدا في قصر اسود، مظلم، تبوح منه روائح الموت والنتانة، حتى ان صفحات الكتب التي اتت على ذكره تنتن من وحشيته. عندما ولد المسيح وذهب الى اليهودية معلما حب العدو ومعاملة الآخر كما نريد للآخر ان يعاملنا، استفز خطابه فريسيي ذلك العصر وكتبته، فعلقوه على الصليب. لكن المسيح المصلوب قام منتصرا فيما سطّر التاريخ معنى جديدا لكلمة فريسي الا وهي الخبيث والذي يحوي داخله خلاف ظاهره.

لا شك ان ما كان قبل ولادة المسيح ليس كما بعده. المسيحية، وان تركت اثرا في بناء المجتمعات، إلا انها لم تأتي لبناء مجتمع ودولة وكيان، إنما اتت لتبني انسانا وانسانا فقط، لكن، لا ننسين، انه ان تم بناء الانسان في المجتمع، فبالتالي يتم بناء المجتمع على اسس مختلفة ألا وهي تقبل الآخر، احترام الانسان امرأة كان ام رجلا، العطف على الفقير، علاج المريض، الحرية من سلطان الموت اولا ومن ثم من الشهوة، أكان مصدرها المال ام السلطة ام الجنس. المسيحية اتت لتعطي الانسان الحياة الابدية اولا والمعرفة ثانية، كما ورد على لسان المسيح في انجيل يوحنا "فتشوا الكتب لانكم تظنون ان لكم فيها حياة ابدية وهي تشهد لي..." (يوحنا 5: 39). فالمسيحية هي اولا بحث وحياة وبناء وحرية وخلاص. المسيحية هي السير على خطى المسيح.



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الحرية والمساواة في المسيحية
- الجينات الوارثية بين التطور العشوائي والتصميم الذكي
- هل الالحاد دين؟
- القيم الاخلاقية، بشرية أم إلهية المصدر؟
- نظام ذكي أم فوضى خلاقة؟
- لغز الوجود
- على خطى يسوع- 18- القيامة
- على خطى يسوع- 17- -يا يهوذا، أبقبلة تسلّم ابن الانسان-؟
- على خطى يسوع- 16- ساعة الحقيقة
- على خطى يسوع- 15- لن تغسل رجلي أبدا
- على خطى يسوع- 14-دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم
- على خطى يسوع- 13-الموت والحياة
- من وحي عيد الميلاد
- الخرافة المسيحية والعقل
- على خطى يسوع-12- الأعمى
- على خطى يسوع-11- من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر أولا
- شبهة وردود 3- المسيح الارهابي
- على خطى يسوع-10- الرغيف
- على خطى يسوع-9- أسكت أيها البحر، إهدئي أيتها ا لريح
- سارق الحساء


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طوني سماحة - ما قبل المسيح وما بعده