أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - سلطة الممثل هي جوهر العمل المسرحي: نحو مسرح فقير..















المزيد.....

سلطة الممثل هي جوهر العمل المسرحي: نحو مسرح فقير..


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 6440 - 2019 / 12 / 17 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


لقد تغيرت وتطورت مفاهيم العمل المسرحي وتطبيقاته ووصلت إلى نقطة كان يُعتقد فيها أن التجاوز عنها أمر صعب ومستحيل، والمقصود بهذه النقطة طبعا هو مدرسة ومفهوم "ستانسلافسكي" اللذين تجذرا في القسم الأول من القرن العشرين.
ومنذ وفاة هذا المنظر الكبير، وقبله بقليل، ظهرت من آن إلى آخر محاولات لتحريك وتحرير المفاهيم المسرحية الثابتة، محاولات دعيت بـ "التجريبية" (على غرار محاولة "يوليوس اوستروفا" في مسرح "ريديوتا" في "بولندا" محاولة "اخلوبكوف" في المسرح الشكلاني، أيضا "مايرخولد" ونظرية "البايوميكانيك"، "بيتر بروك" ومسرحه الشعري الجديد ونظريته في "نقطة التحول")، كانت إحدى أساسياتها رفض الإستهلاك اليومي، وتكوين جماعة أو عائلة مسرحية تعمل في أماكن بعيدة عن الصخب والمدينة أياما وأسابيع تنقطع فيها عن الممارسات اليومية العادية وتنصرف إلى العمل المسرحي المتواصل إلى درجة الإعياء، وكانت هذه المحاولات في أكثر الأحيان تعطي ولكنها لا تستمر في العطاء، فتعود إلى العمل العادي واليومي، ولا يبقى من العائلة أو الجماعة إلاّ ذكريات فقط.
"غيرزيه غروتوفسكي" قد نجح، ولأول مرة في تاريخ المسرح، نجاحا كاملا.
رجل المسرح البولندي المتوفي عن 65 عاما فقط (توفي في عام 1999) عضور أكاديمية الفنون والعلوم في كاراكوف، عضو أكاديمية الفنون في موسكو، وعضو حزب العمال البولندي الموحد، غروتوفسكي، الذي لم يحدث أن استطاع مخرج كبير منذ ستانسلافسكي أن يبحث بمثل هذا العمق وتلك النظرة الشاملة في طبيعة فن التمثيل ومعناه وأدواته، أو في العمليات العقلية والجسمانية والشعورية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذا الفن، والذي أسس لسلطة الممثل وانتقد بل وسخر بشدة من السلطات الوهمية للمؤلف أو المخرج، التي اعتبرها من مظاهر المسرح الرأسمالي المندحر دوما. وعلى يدي غروتوفسكي سيجد الممثلون أنفسهم من جديد منذ الإغريق، سادة العرض المسرحي وأبطاله، بل ومؤلفوه وصناعه.
ولقد شرح غروتوفسكي نظريته هذه في مقال هام أسماه "نحو مسرح فقير"، اشتهر وذاع صيته في الآفاق ونقل الى معظم اللغات الحية ومنها اللغة العربية على يد الكاتب والناقد الكبير سمير سرحان في كتاب حمل ذات العنوان.
وكانت "بجيجينكا" هي المكان وفرقته الدائمة بأفرادها القدامى، والقدامى القدامى، قد حققت ذلك، مرة ثانية وثالثة. ولم يعد هنالك من متفرج، بل مشارك فعلي، ولم يعد هناك ممثل، بل رفيق. تذاكر الدخول ألغيت، عدد المشاركين "المتفرجين" لا يتعدى عددهم عدد الممثلين.
وتمتدّ ساعات العرض إلى أيام وأيام.
يقول غروتوفسكي في مقاله أو كتابه هذا مجيبا على سؤال حول مصادر عروضه المسرحية التجريبية قائلا إن مثل هذا السؤال يفترض مسبقا أن العمل المسرحي التجريبي لابد وأن يستخدم تكتيكا جديدا في كل مرة وأنه الفرع وليس الأصل. ويفترض أيضا أن نتيجة العمل المسرحي التجريبي لابد أن تكون اسهاما جديدا في فن المسرح المعاصر وذلك مثل المناظر المسرحية التي يستخدم المخرج في تصميمها بعض الأفكار في فن النحت المعاصر أو من الإمكانات الإلكترونية، أو مثل استخدام الموسيقي المعاصرة أو أن يجعل الممثلين يؤدون بأسلوب شخصيات الكاباريه النمطية أو مهرجي السيرك. وأنا أعرف هذا الأسلوب في التجريب جيداً، يقول غروتوفسكي، ولقد كنت ذات يوم جزءا منه.
ويستدرك قائلا ومنوها في الوقت نفسه بعروضه التي صنعها تحت يافطة المسرح الفقير: أما عروضنا في المعمل المسرحي فهي تسير في اتجاه آخر. فنحن نحاول في المقام الأول أن نتحاشي اتباع أسلوب واحد بل ننتقي ما نعتبره الأفضل من مختلف الأساليب، محاولين في ذلك أن نقاوم التفكير في المسرح باعتباره تجميع لعدة تخصصات فنية. ونحن نهدف الي تحديد طبيعة المسرح التي تميزه عن سائر فنون العرض والأداء. وثانيا فإن عروضنا هي عبارة عن بحوث مستفيضة في العلاقة بين الممثل والجمهور. وبمعني آخر فنحن نعتبر أن تكتيك الممثل هو جوهر الفن المسرحي.
ومنذ أن ظهر العمل المسمى "فاوست" ثم "أكروبولس" وهما العملان اللذان كرسا مفهوم المسرح الفقير وأطلقا سلطة الممثل ونسفا مفاهيم المسرح الكلاسيكي الذي كان يطمس معالم الممثل بما يحتويه من مؤثرات مادية تبعد الممثل عن "المتفرج" أي كل ما يتضمن من ديكورات ضخمة وإضاءة وأشكال مسرحية"، كانت هذه هي البداية التي أطلقت اسم المسرح الفقير والدعوة إلى البساطة الأولى حيث لا يبقى إلاّ الممثل الحي من لحم ودم.
"التكنيك" هو مادة وأداة تساعد دائما حسب شروط وقواعد يصنعها الفنان على نفسه فيجد تلقائيا من تأثيرها الذي ممكن أن يكون مفعوله مؤذيا في أغلب الأحيان إذ أنّ الكثير من العاملين في المسرح التجريبي في انحاء العالم ومنها حواضر المسرح في عالمنا العربي (بغداد، القاهرة، تونس، على سبيل الذكر لا الحصر) يقعون في مغالطات ينطلقون عبرها في أكثر الأحيان من مفاهيم المسرح الفقير ويحولونها إلى حقائق استهلاكية سرعان ما تتحول إلى بدايات مدارس تدّعى الجدية والمنهجية وهي وإن كانت صادقة فيما تفعل فهي غالبا ما تقع في شرك التقاليد واللاموضوعية ولا تكون ناضجة بصورة كافية.
إنّ أية تمارين مسرحية يعتمد عليها الممثل لإزالة البرودة عن إحساساته أو لتهذيب جسده سوف تسجنه فيها إذا لم يكيف ويطور بصورة دائمة مفاهيمها وينفذها كما لو أنّها نابعة منه وموافقة لطبيعته. يجب على الممثل أن يعتبرها على أنّها مجرد وسائل وليست غايات. و"غروتوفسكي" يشبه التكنيك عند الممثل بالأسلوب عند الكاتب. إن فترات الدرس والتكوين ضرورية ويفضل أن تكون طويلة. والممثل لا يصل إلى هدفه كما يصل ممارس "اليوغا" بل يتخطاه إلى اللب، إلى الفكر والإحساس واللقاء الفعلي والحسي مع الآخرين..
يبدأ العمل التجريبي تقريبا من لا شيء. وإنّ نجاحه يتأكّد دائما في نوعية اللقاءات التي تتمّ بين أفراد يكونون "جماعة" غرضهم هو التواجد مع بعض وأن يمارسوا نشاطا اختاروه لأنّهم يحبونه، وتأكيدهم بأن هذه الوسيلة الوحيدة للتعبير عن ذواتهم. إنّ الإبتعاد أكثر فأكثر عن مفاهيم "المؤسساتية" هو الذي يؤكّد الدعوة إلى ممارسة نشاط. هو ليس بحثا وتنقيبا في الماضي لإحياء الحاضر ورفد محاولاتنا التجريبية بالغنى والعمق. بل هو واقع صادق وامتداد طبيعي لا تزوير فيه ولا إدّعاء يأتي نتيجة لمعاناتنا لواقعنا ونتيجة لتساؤلاتنا المصيرية في الماضي والحاضر والمستقبل. ولعل كلمة "الحالة" أو "الوضع" من جملة الكلمات والمفاهيم الكثيرة الإستعمال والإستهلاك من مخلفات الحركات التجريبية العالمية، و"الحالة" سلبيا كان يصل الممثل إليها في الماضي كموقف أو كفكرة. أما الآن فهي ترد بكثرة للتدليل على معاناة خاصة فردية أو جماعية كان يصل إليها الدراويش المولوية مثلا بالدوران حول أنفسهم وترديد أشعار معينة، والمتصوفة من جميع أصنافهم بوسائل عدة. فاستعار هذه المفردة بعض العاملين في المسارح التجريبية للتدليل الموضوعي على أهمية اللحظة التي يعيشها الممثل في زمان أو في مكان أو في المطلق. بعضهم يصل إليها بتعذيب النفس والبعض الآخر بالإعتماد على مخلفات كثيرة لنظريات مسرحية سابقة أو باستعارة سحرية أخرى هي "الكشف" أو "الإنجذاب" وأكثر الأحيان بالوقوع في حالات هستيرية، بمبرر أو بدون مبرر، غريبة عن طبيعة الممثل الإنسان ودواخله، والإيحاء الكاذب بأن ما يقوم به هو "حالة أكيدة وحقيقية" وإذ يرجع الكثير من هؤلاء أسس تجاربهم هذه إلى تعاليم المسرح المختبر ويعتبرون أنهم ينطلقون منها انما يرتكبون مغالطات كثيرة لا تؤكّد إلاّ عدم نضجهم وعدم نضج محاولاتهم. وهم بذلك يعتمدون مفاهيم مسرحية يريدونها مكتوبة على أسس تعليمية لمدرسة تعتمد المنهج اللاتعليمي واللامدون في تجاربها وهي في حقيقتها أقرب إلى الدعوة منها إلى المؤسّسة وتعنى بالدرجة الأولى بتنقية الإنسان الممثل ممّا هو غير واضح وغير صريح فيه، ومحاولة التأكيد على أنّه فنان وإنسان مستمر في المسرح كما في الحياة.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثون عاما على بغدادات..
- الشعر والموقف في مهرجان الشعر العربي الرابع بالقيروان
- في الشعر الحر وشعر النثر
- الحراك السلمي وكفاح اللاعنف: الشعب يريد إسقاط النظام..
- بانتْ سعادُ
- السينما والفيلسوف: الفكرة واللقطة
- يسارية متطرفة برواية عن الإسلام، ويميني متطرف يؤيد التطهير ا ...
- نقرأ من أجل غد أفضل.. حوار مع مسيري هذه التظاهرة الثقافية
- في التحليل البنيوي للأدب
- نعي الكتاب: انتهى الكلام، بدأ فكر البصر
- الملتقى العربي الثاني -وطن للأدب- يهتم بالأدبين العربي والغر ...
- حارة عظم
- علامات، فصلية ثقافية مستقلة تصدر في الموصل وتود أن تخاطب الع ...
- الحبل
- أربعة مباهج من جوهرة الساحل
- شعر الأشياء: قراءة فلسفية عابرة لأرض المطلق*
- خمس قصائد
- البنيوية الفوقية
- الكتابة الجريحة
- القصة-القصيدة وقصيدة النثر وآفاق العمل المفتوح


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - سلطة الممثل هي جوهر العمل المسرحي: نحو مسرح فقير..