محمد الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 23:43
المحور:
الادب والفن
قصة من مجموعة قمر على بابل. نشر دار الحوار 1993
أفاق الفأر الصغير من حلمه وهو ما يزال في الحلم الذي رآه، وأخذ يضحك.
قالت أمه:
- ما لك يا بني تضحك وأنت قعيد نوم، ما كنت تنهض من نومك إلا عابساً أو باكياً، فما الذي يضحكك؟
قال:
- يا أمي رأيت حلماً عجبا.
قالت أمه:
- خير...
قال:
- يا أمي,,, رأيتنا والقطط في صحبة ومصالحة.
قالت أمه:
- ما هذا الحلم السخيف!
قال الفأر الصغير:
- دعيني أكمل... رأيت القطط تصالحنا، ونصبح وإيّاها في وئام ندعوهم بإخوتنا القطط، ويدعوننا هم بإخوتنا الفئران. أعطونا الأمان قائلين لنا: اخرجوا يا إخواننا الفئران إلى الدنيا، كفاكم ظلمة في الجحور، كفاكم خوفاً ورعبا في النور. ورحنا نخرج من جحورنا بالتدريج، غير مبتعدين في البدء متشككين في نيّة القطط، ثم متجاسرين في مدّ المسافة بيننا وبين جحورنا وهم يمرون بنا مسلّمين مبتسمين، أو منشغلين بما يشغلهم. وشيئاً فشيئاً تقتنا تزداد وصلحنا يتوطد؛ حتى أني رأيت في نفسي مرة رغبة بإجْفال قط. لبدتُ له خلف حجر، وعندما مر القط بي طلعتُ له فجأة وصحت في وجهه "وُخْتْ..." فجفل وارتجف وقال "أخفتني يا أخي الفأر خوفةً ما مرت بي في حياتي!". بعدها تمكنت مني موهبة إجفال القطط. رحت أحوّم على الأرصفة وخلف الجدران أُجَفّل القطط وأُضحِك عليها أصحابي. وأكثر من ذلك رأيتُ مرة جمعاً من الفئران من جماعتنا يسحب قشرة موز في درب قط، فينزلق القط وينقلب على ظهره وتستوط أرجله في الهواء، ونضحك نحن الفئران شادّين أيدينا على بطوننا من شدة الضحك، ويضحك هو ويلوي رقبته خجلاً ويقوم نافضاَ عن نفسه الغبار ويقول لنا:
- ما أخبثكم أصدقاءنا الفئران؛ إنكم شياطين... أذكياء.
- وفي يوم يا أمي قالوا لنا يتوجب عليكم إخواننا الفئران أن تدعونا نحلب إناثكم نتغذّى بحليبهن. وقبلنا نحن مغتبطين بطلبهم قائلين: أي عربون للصداقة أهون من هذا علينا! وعزلوا هم إناثنا عن الذكور. جسوا ضروع الأمهات وحلبوا منها حلْبة صباحية، فوجدوها غير كافية لإطعام بضعة قطط. خفنا نحن أنْ تغضبهم قلّة حليبنا فتكون العاقبة وخيمة، ولكن ما حصل هو خلاف ذلك يا أمي، إذْ جمعنا زعيمهم
وقال لنا:
- إياكم والإحساس بالخيبة لقلة حليبكم، فكلنا عيال الله... اذهبوا وانسوا ما كان.
#محمد_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟