أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوزيدي - نعُوشة














المزيد.....

نعُوشة


فتحي البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 22:04
المحور: الادب والفن
    


جدّتي
تحبّ السّماء كثيرا.
بيدين مرفوعتين إلى الغيمة
تطلب المطر.
أمنيات الفلّاحاتِ ماءُ البحر يتبخّر.
لكنّ الله لا يفتح أبوابه دوما..
و السّحب قد تسرِقها الرّيح.
جدّتي
تحبّ السّماء كثيرا.
بعينين معلّقتين
بعيدا..بعيدا...
وراء الشّمس,
و القمر,
و النّجوم...
تعلّق الدّعوات مثلما تعلّق مصباح الزّيت على جدار الكوخ
لكنّ الله منذ كهوف و كهوف
لم يُلْق نوره في صدر الأرض الحزين..
و الضّوء..
انطفأ في عيني جدتي الكفيفتين.
هي
تحبّنا كثيرا..
تحبّنا حتّى أنّها لا ترى على الأرض غيرنا.
بلا عينين
ترانا
بعينيها الكفيفتين
ترانا
بلا عينين
استطاعت أن ترجمني بنعلها على مؤخّرتي يوم قلت:
- "مثل الإغريق أنتِ تظنّين أنّ الآلهة تقيم في الأعالي...
هم مثلكِ
يرفعون الأمنيات/ يعلّقون الدّعوات
بقمّة الأولمبس..
لستِ مثلهم –ربّما-
لأنّك تستبدلين الجبل سماء."
ما زلتُ –يا جدّتي-أطارد نفسي بلعنة الحيرة منذ رجمتِني..
ما زلتُ أكتم عنكِ لون تفّاحة غصّت بها حنجرتي مثلما يكتم المصباح نوره عن عينيكِ الكفيفتين.
الكلمات
الأسئلة
أفكاري المحرّمة
ديدانٌ
تأكل تفاحتي ..
تسكن حنجرتي.
في الصّمت..
في الغصّة..
في الكتمان..
خوفا
من الرّجم
من اللّعنة
كتمتُ عنك مفارقةً تأكلني:
أنت يا جدّتي تحبينّ السماء كثيرا
لكنك
تخشيْن علينا ما قد يصيبنا منها!
من الأفق البعيد..
حيث الغيمة و الشمس و القمر و النجوم..
حيث إلهك و آلهة الإغريق
يأتي طائر النعوشة
طائر
يختطف الرضّع..
يخنقهم.
و أنت التي تحبّين السماء تخشين علينا منها!
أنت التي تحبّين السماء أوصيت أمّي أن تحرسنا منها.
ما كنت أعرف هذا الطائر.
ما كنت أصدّق عيني جدّتي.
اليوم
طعنت في الخيبات
الوطنيّة
العاطفيّة
و كلّ الخيبات الخاضعة لتقويم دموع صارت حجارة في عينيّ
و ربّما صارت على وجهي مئات البثور.
أنا من أولئك الذين اعتادوا البكاء فتجمّد الماء في مآقيهم.
أنا من أولئك الذين يحتفلون بأعياد حزنهم كلّ سنة .
حين أجوع
أطرد حبيبتي من فم قلبي
حين أجوع
أقذف البوليس بدموع من حجر اعتراضا على الترفيع في ثمن الخبز.
أقشر بثور وجهي
أبحث عن الدمعة فلا أجد غير القيح و الدّم.
اليوم
طعنتني هزائمي
من الظّهر إلى النّحر
لست ديهيا و لا الحسين
لكنّي
بلغت مثلهما الطّعنة الألف من الغدر.
في هذه السنّ رأيت في السّماء حشدا من طيور النعوشة.
أظنّها
تشبه جرادا يكسوه ريش و ظلام,
إلاّ أنّها أكبر حجما من الحشرات و الليل.
رأيت
شجرَ الزيتون
السّنابلَ
الأمّهاتِ
رأيتهنّ
واقفاتٍ يحرسن أبناءهنّ.
أكبر الجرائم أن تمطر السماء
بالخوف..
بالقنابل..
بطيور النعوشة..
و بالموت..
أكبر الجرائم
أن تُخنَق
الثمرةُ
حبّةُ القمح
الرضّعُ
في رؤوس الأمّهات
في أرحامهنّ
لم تكن طيور النعوشة وحدها تخنقنا.
في قريتنا..
يَخنُق النّاس أنفسهم,
يبتلعون ألسنتهم,
بأفواه قلوبهم يأكلون مَن يحبّون.
لا يحتفلون بالعيد السنوي للحزن
لا يقذفون البوليس
بالدّمع
بالحجر
كلمتهم الأخيرة
قبل أن يبتلعوا ألسنتهم..
قبل أن يغلقوا أبواب التّوابيت عليهم:
"شكرا أيّها الصمت لأنّك تدرّبنا على الموت"
أنا أيضا يا جدّتي
خنقتني قبل النعوشة
غصّة التفّاحة تأكلها الدّيدان بحنجرتي



#فتحي_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن رسالة إرنستو و بسمته
- -كوكاكولا و لاكريموجان- (قصّة أخرى لعشقنا)
- القبلة –أيضا- لا ترمّم الرّماد
- قيامة الجبل
- الملائكة معَكَ تمدّ أياديها إلى كبد أمّكَ
- حياة إلّا ربع جسدي السّفليّ.
- أوصال الوطن في حقائب المهرّبين أو من سرّنا المشتهى إلى أسرار ...
- بحجم مزهريّة أو أصغر
- القياس الشعريّ بين القُبْلة و الاستعمار الاستيطانيّ
- السرّ في جِراب جامع القمامة
- تداعيات إصبع قدم صغير
- متلازمة اللّعنة و متلازمة الاحتراق
- التّفكير في طريقة ممتعة للانتحار.
- رُهَاب الرّقص على مزامير الملوك..
- سيرة الرّئيس
- مات الهلال وفي القلب خبز من القمامة !
- الربّ الأزرق و الأخطاء الحمراء (نصّ سوريالي)
- سكران صالح.. لِلْكَسْر
- ثلاث خيبات ومجنون في شارع الحبيب بورقيبة
- لا اسم لسادة القبيلة لأحنث


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فتحي البوزيدي - نعُوشة