أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - خَلِيَّةْ الانتقال في: شاعرية كاتيا راسم.















المزيد.....


خَلِيَّةْ الانتقال في: شاعرية كاتيا راسم.


جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)


الحوار المتمدن-العدد: 6439 - 2019 / 12 / 16 - 15:50
المحور: الادب والفن
    


المبيَّن المادي:
تستوهب الشاعرة السورية داليا راسم محنة الحوسبة النصية في معالجة الإشكالية المجتمعية، بين مذهب استقصاء بحثية المبيَّن المادي المحكم، وبين تعاطف النفس في الاسترخاء المثالي، الذي يتشكل في سياق الإبداع النوعي، بخصوصية تطل على الأدب الموسوعي بحقبة متكاملة تسلط الضوء على فضاءات تؤاخي مفاهيم تطورات الاختلاف بواعز مستوى الوعي المرتبط بالمعنى والمقصد، باحترافية يكون أساسها التواصل الفكري المبرز لاصطلاحية العلاقة بين الدال والمدلول عبر معطيات وعيوية حادة، قد تُوَسِعْ من القدرات الثقافية في المفاهيم اليسارية المقاومة للدكتاتوريات العربية وأنظمتها الحاقدة على شعوبها، هي لم تكن مصطلحات رومانسية أنثوية تعمدها النقد وحسب، إنما هي فورة جاذبية المبتكر القياسي الذي يملقح وعيوية تصورات موسوعة الذاكرة المقدسة عندها، المحكومة بواقع التمرد العفوي، المتمرس في الذات الناقدة للممارسات التي جل ما دمرت الإنسان من قبل تلك الأنظمة، تلك التي لم تتردد في إهانة الإبداعية الخالصة، باسباب عديدة ومنها تخوين المواطن بالتآمر، وبالتالي اليقام بسجنه وتعذيبه، لأن النظام يخافه، وهنا تتفاعل المنظومة القياسية تستأثر طبيعة التمرد كمقاومة بالدفاع عن جوهرية الذات الوطنية، وذلك بتأثير العقل الشعوري المنفتح على المكاشفة العملية الدينامية التي تسعى إلى تخليق مؤثرات التكامل الوعيوي المصاحب لردة الفعل المسالمة، لا سيما الاحتماء السلوكي الذي يدفع الشاعر / الشاعرة من حيث الانتماء إلى جذور مادية احتمت بلغوية الاحتجاج، يدلنا ابن عربي بالدليل القاطع في قوله: " لقد جاوز بالمطلع تنزيها وتشريفا وتلقينا المصطنع تنبيها وتعريفاً، فكيف لا يبعد هذا المرمى، وغاية أن يكون من نبه أشار وأومى، والإشارة نداء على رأس البعد، فكيف يعبر عنها بعد، على أنها عقائل الإشراك1" والغاية التي نود الإشارة إليها فإنَّ الأحكام الشعرية عند داليا أجدها وقد توسعت في إثارة صيرورة البديع الإشكالي، فيكون منطوق الشاعرة الواسع هو السروح المفتوح على فضاء بنية ثقافتها المثالية الخاصة، ومدى تأثير الفكر الإنتقادي على نصها.
يسعدني هنا أن أقدم إحاطة تاريخية عن الشاعرة السورية داليا تتعلق بفصاحتها المتمردة، أو بوارد تعريفات فلسفية إشكالية أولوية آلت أن تَطرَحها في مفاهيمها التنويرية التي تواجه التحديات القاهرة، وبالمقابل من حيث الجانب الفني فليس في شعرها ما يتناص مع الأقدمين أو المعاصرين من الشعراء بشئ، بل وجدت استقلاليتها تتمحور بواعز الإصالة الذاتية في شاعريتها المستقلة، من حيث بداية اطلاعي على شعرها، وأنا أركز هنا على مفاهيم أجدها الأقرب إلى موضوع مفهومنا النقدي، من حيث مركزية الهوية الشعرية المتطورة عندها، من واقع معاصراتها الشاعرات المعاصرات، ومثلما هي تحاكي الذات على أنها أحد أهم متصورات التناسب في الفلسفة الديالكتيكية، بين وعي الذات المرتبط ماديا، والمجتمع من خلال تمثلات تستحدث قدرة توالدها الفكري، كما عبر عن هذا نيتشه وكريكفورد. مع أن هيغل كانت له تصورات فلسفته هي الأقرب إلى طموحات داليا، من حيث دلالة الاقتضاء الفلسفي العام المشترك تمييزا بين حضارتين،
1 - أبي عبدالله، محي الدين: رسائل ابن عربي، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، دار المدى، سوريا/ دمشق، ص113.
ولذا فأني أرى أن شاعريتها خالية من التكلف والحشو، بل نجدها تتسامى بواعز وعيها التطوري مع تصورات هيغل، خاصة في، أسلوبيتها الشعرية النقدية، بأن تلك القصيدة سوف تجلب لها الويل والثبور، ولكنها ترى أن حرية التعبير المنطلق من فاعلية الذات يبدو أكثر مواجهة في اتجاهه التمدني بالمعنى المشترك بين الناس.
وبتعبير آخر فإن الأمر وإن كنا قد صنفناه على نحوِ صنفين بين الشاعرات العربيات، في القسم الأول من كتابي: "الشعر النسوي العربي"، وقد قلت في حينها، عندما تناولت الشاعرة العراقية نازك الملائكة، وقد ركزت في حينها على الأصوات الجادة، وبي أمل أن الأمر سيتحول إلى ما مضى بأن المتلقي سوف يتابع السبق في الجزء الأول والجزء الثاني في اتجاهين:
في الاتجاه الأول: يتعلق الأمر بالنزاهة الفكرية، عندما يكون الأمر مختلفاً بمحاسنه عند كاتيا ومثيلاتها وهن القلة، وقد نحيل هذا الاختلاف على سبيل قوة المجاز والرمزية في معيون مقامية الجودة الحاصلة بين الصنفين، إذا ما أردنا الحكم بالتفوق في الشاعرية.
أما في الاتجاه الثاني نجده: وأنا أشير هنا إلى مساوئ بعض "شاعرات" المنطقة العربية، بخاصية الأكثرية منهن نجد ما يسمى بالشعر عند الأعم منهن يغلظ في معانيه ويمتلئ بالحشو، وقد تنثر النص بدون فائدة ولا نفع.
ومع هذا فإن الفرق يبقى يبان في النص الأعوج الذي لا يجد من يتناوله بالشوق والانفعالية بهيئته المحدودة، ونكران القارئ له، ومثل ذلك الكثير في متناولاتهن المعقدة. مع أني لا أميل إلى التشبيه بين الصنفين، ومعنى ذلك بداهة لا أحتسب الموازنة نفعا أو قيمة بذي أهمية، بقدر ما تجدني أصوب أسلوبيتي التي أصبحت معروفة للقارئ العربي، باتجاه ما أختصت به نقوداتي في تناول يجسد النوازع الشجاعة، والعلو بها كما هو الحال عند الشاعرة داليا التي تتمتع بنبوغ الفصين الأماميين في الدماغ Frontal Labesا، المسؤوليين عن التفكير والتأمل والخيال بدون مقارنة في الفردية بين شاعرة وأخرى، وما يختلف عليه الظاعنين في الجودة بالسقيا وواعز خصوبة الشاعرية، يقول الفيلسوف داماسيو: " أن العقل البشري أشبه بالمسرح، مع ضرورة توسيع مفهوم العقل كي يشتمل على الجوانب الواعية واللاواعية منه2"، ومن أجل ما تقدم أجدني امام شاعرة جعلت من الرمزية بوابتها باتجاه النجاة من النظم البغيضة، بموضوعات ملأت عظمة النص الشعري بالزيادة المعنوية من فصيح وبلاغة بداءتها التي زينت استلاب المعني بقيمة نحوها ونعوتها والوجد وشوق التذكر والابتداءات المتخيلة، ولا أبالغ إذا قلت بأني وجدت الحكمة والجلال على نحو قدرتها يبسط ربط المعنى الخاص بالمعنى العام عبر تدوير القصيدة بواسطة الانتقال الجامح بأجنحة التقنية المحمولة على الرمز المستعار، وأما رؤيتها السياسية التي ألبستها ثوب المجاز وجملتها بمنطوق اللفظ، وتظمينه بالدلالة، وتشذيب الملاقحة بين جملة وأختها، فأصبحت القصيدة تلبس بعضها البعض من البداية حتى النهاية بتفوق دواخلها وخوارجها، وكأنها خميرة عجنت بعضها على البعض الأخر، فرأيت أن يكون شعرها شرابي المسكر، فمددت قلمي وحاورته، وشعرها قال لي:
كمن يُرَبّي الغرقَ في قواربِهِ ..
2- داماسيو، أنطونيو: كتاب "الشعور بما يحدث"، مكتبة الأسكندرية، الطبعة الأولى، 1980، ص109.

الجحيم هُنا..
بينما الحياةُ في مكانٍ آخر.
أريد أن أذهب فيك ولا أعود
تؤلمني يدي كما لو أنني مررتها طويلاً
على الحافة الجارحة للفراغ
الذي يتركه غيابك في الأشياء ..
أنا التي أحبك بعجلة دائماً
دائماً .. كما لو أن العالم سينتهي بعد قليل ..
لا أناديك
الاسترخاء المثالي:
تنقلني المنظومة الشعرية الفنية في شاعرية كاتيا بدءا من الدوافع الفنية والانفعالات الحسيَّة إلى ما تقدمه مفاوضة الشعور.. بين الشاعرة والشعر، وكأنها تحاكي النبوءة في ميدان خصب المزاج، محسوب بدقة من حيث صومعة تلاقح علم النحو بصحة المعنى، والبنية تتجسد بالتمام على علم الصرف بنحوه المتصوف، فصار لنبض النص "تهذيب الصحاح" الذي أشار إليه الزمخشري، فلو كان للكلام صورة تُرى بالخيال لاجازت تحرير طموح المعرفة من الوصف، كما لو أنها تتأمل ذاتها المشبهة بالقارب المتأمل، لوجدنا الديالكتيك يتنفس في صورتها كما لو أنَّها تجسد سعة التنوير في لغتها، بكونها أهدت للتصوف ما وراء المستور في برهانه المتعدي، وهي تعلق نزهة المفضليات على صفحات اللزوميات، بمعنى كل في وقته خديما أو نديما كما تراه هي في صورتها، ولعلها سيقت اللزوميات إلى العدم بغير يومه، كما فعلوا الشعراء العظام، وقولها بصروفها: " كمن يُرَبّي الغرقَ في قواربِهِ.. الجحيم هنا، بينما الحياة في مكان آخر" فهي تستحضر الحدث قبل وقوعه بثيمة: كمن" وهو توصيف بالاشارة إلى "كأنما" لكنه قد لا يحدث، والأكثر رمزية وحال شاعريتها تدق نطق البلاغة في هذه الجملة باستخدام مفهوم: "يربي الغرق" وتلك إشارة إلى السبق قبل حدوث الغرق في "ربما"، لأن الغرق لم يكمل ما بعده، إمّا الموت أو النجاة، أمّا أين الضعف في سياق لحمة مفهوم المعنى؟ كونها قالت وتأولت، "في قواربه"، فلو قالت في قاربه، لكان الرمز يلبي مأخذاً دقيقاً بكون الشاعرة أرادت المفرد وهو القارب بعد أن ساقت "الغرق" بصورة المتخيل النوعي، وليس للواقع شيء يذكر، وإن كان الماء بعيدا عن الملقحة العضوية، كما لو قال قائل: "لو كان يقعدُ فوق الشمس". إذن هي أرادت الكشف عن الترميز الداخلي لتحديد استعارتها، بمفاعيل ومبادئ الذات المفكرة.
أخاف على اسمك
صوتي الحاد كنصل..
المؤلم
كعِقد لضمتهُ من صرخات القتلى..
من خبب أحصنة المعركة ومن لهاثها ..
من ضجيج قطارات فاتتني
لتذهب إلى الشمال
حيث الحنين هناك
يأتيك كقطع السكّر
مع فنجان القهوة ..
و حيث لا يُسمَح للحروب
أن تخرجَ من المتاحف
لتتجول في أزقة المدينة
عارية و حقيقية
كموت محتّم ..
لمن حَمَلَتْ الشاعرة خوفها؟ إذا كانت كما تظن أنها لا تخاف من المجاهرة بحرية الكلمة أن لا تأخذها إلى ظلم السجون، وهناك يحدث ما لا تريده الحرية والكرامة والثقافة من قولها المكلوم، إذن لماذا يستفيق الشعر ليسجل للتاريخ اسما؟ فإن بلغ المصاب بأن الشعر إذا بلغ تمامه في مخيلة فلان من الناس كمن أصاب الشاعر / الشاعرة بلاء عظيم، فما ذنبها وهذه اللغة تدر محاسنها؟ إذن أتقيم العذر للمولى؟ حتى تكسب رضاه! حين ذهبت بالنصح لتستعير الرمز كطوق نجاة من كلام لابد من قوله: "أخاف على أسمك من صوتي" أين تكمن الخشية هل في الواقع أم في الذات المتوهمة؟ ولكن ماذا تفعل حين يعلو صوتها الرافض، الحاد كنصلٍ مؤلم، كما لو أن الكلام يزعج السلطان، في حال أن الشاعرة ساغت نمو الذات إلى تحويل الغرائز بجواز طقسية المعنى بالقصد والإشارة، لأن هذا هو مذهب لغة ورمزية قواعد المواجهة على صفحات الأدب، مع أنها لا تخاف على نفسها، إنما هي تخاف عليه، فمن هو؟ هل هو الرمز الذي عنونته ملمات التاريخ، التي جعلت من خبب أحصنة المعركة؟ شعارا للوجود المعنون بالخلق، أليس صوتها أخرجته مخرج الحقيقة، وما ذنبها إذا أحالت الحكم فيما مخرجه مخرج التوسع والمبالغة في عنوانها، وهذا هو ديدان النظام العربي، هكذا يقول بيتر بروك: "هدفنا تحرير الخيال3" وهذه احدى بلاغات التحدي، إذن على الشاعرة أن تحاور الحقيقة أمام الناس، فلو قسنا بلاغة الشاعرة بالصورة التي تريدها أن تصل للمتلقي، نتلمس دقة فصاحة قولها المعنون بسؤال الوسط في قولها: "حيث لا يسمح للحروب / أن تخرج من المتاحف / لتتجول في أزقة المدينة / عارية وحقيقة / كموت محتم" لكنهم أخرجوا الحروب من حمائل السيف، ليجعل خلاخل الموت تباع ويشترى.
3- بروك، بيتر: التفسير والتفكيك والايديولوجيا، المكتبىة الشاملة / بيروت، الطبعة الأولى 1966، ص88.
يتقاسمني الحنين ..
كما لو أنني تشكلّتُ من بقايا الأشياء
ممّا جرفه السيل
و أخذه بعيداً عن أصله
طين و حصى
قش
ورق
و أغصان ..
أعبر قربَ شجرةٍ فأقول قد تكون أمي
أرى طائراً فأقول
لربما حمل قش قلبي بمنقاره يوماً
أرى تمثالاً
فأقول ربما كنتُ
مما فاضَ من حجارة تكوينه ..
وكما لو كان لساني
ورقة خريفية
سبق لها أن عاشت السقوط ..
أشعر أنني
اختبرت من قبل
مذاق هذا الزوال ...
-
هي في الواقع ليست كما هي في المتخيل المحض المرتبط بالضوء، ربما تكون داليا عبارة عن مركبات صوَّر وحيوية تعبر عن أفعال التفكير الخاصة، التي قد لا تظهر للعيان عند العامة في الزمكان المشار إليه بتدوير غاية الملكة التي تطلق ولادة الصوَّر الشعرية تكثفها وتوزعها وتقوم بتدويرها حسب إضاءة متخيلها النفسي، فتكون الألوان الطيفية تقاسمها المجاز المستفز، فالشجرة الأنثى أمها، بتطبيق جنسانيتها وشغف فسيولوجيتها، هو التصور ذو الوجهين عند الشاعرة الذي يتجانس مع التمرد، وانطباع خيال الإثارة، فتكون هي ازوريس الإلهية النبوئية إشتار المشتقة من المعبود الأعلى، الذي يصر على أنه لا قبله ولا بعده ولا مثيل له، يخلق الأشياء ويمتعها مع بعضها البعض، ويحرض المخلوقات على صناعة الخير والشر، ومن ثم يتبرأ منها في قوله: " ونبلوكم بالشر والخير فتنة"، فتكون إشتار هي الغريمة والفتنة، تثير الإلوهة لتخلق الطائع لها ليشتهيها كي تتسكع وتتمرد بالخروج عن النهي الإلهي، وداليا ربة الفناتازيا تهيج أحلام الإلهة المتخيلة لوحيها، كما لو هي من عرفها هوميروس بشاعرية النبوءة، تلك التي تسمى بها أبو الطيب المتنبي، وبكون شعور داليا تتنفس ورقة الخريف حين تحمل في أحشائها المخالفة فيأتي السقوط بعد العصيان، كما "عصى آدم ربه" حين كان في حالة انفصام بحالة تأمل الملقحة بالوجود والزوال، ليكون الرمز هو الوجود الممكن، لكنها أي داليا المشتق اسمها من علامات الربات الآخريات، لتصبح هي اقتضاء إله المعرفة، تتخيل السقوط آتٍ من البرق لأنها تلتقط علامات النهي الصارمة، خاصة وانها تعترف باختيار السماء لها بمنحها علامات تدلها على السمو المحصن بخضرة في بقية النبوءات بقولها.
ولأني أحبك
أريد أن أذهب فيك ولا أعود
لكن، أخبرني ..
ماذا أفعل بهذه اليد
التي كصفعة متيبّسة ؟
ماذا أفعل بهذه الحياة المؤجلة
المعلّقة على الحائط
كرأس أيلٍ ما عاد يلمع في عينيه
سوى احتراق الحطب
في قلب المدفأة ؟
ومن النبوءة إلى التضحية، إلى حيث علم الصرف، الذي تتابعه داليا بصناعة وصياغة علم البديع الذي يهتم بجماليات اللغة، المبان في توصيل المعنى المطلوب، وهو ما تريده الشاعرة أن تنصهر فيه لتكون جزءا من بصائره، في حين نجدها تحاكي رأس أيل المعلق على الصخرة الحمراء، وهو الإله الأعلى خالق البشر، والحيوان، والصخور المتحركة، كما ورد في ألواح أوغاريت، حسب الميثولوجيا الكنعانية القديمة يزفها "أيل" بالخوف المعلق بدواخل القلق، وذا هو الإله المبشر بالمعصية وتمرد المخلوق على ربه غير المعيون أو المعروف إلاَّ بالظن، وذي إشارة إلى أرض العبادة التي يرثها الصالحون، وبهذا الرمز كأنها تحول ذاتها إلى نسخة مرجومة بالاقصاء والنتائج،
4- سورة الأنبياء الآية 35، الصفحة 324.

وبالتالي وفي النهاية ما هي إلا عبارة عن نسخة تَصَيِّرَ فيها الإله الأسمى، فالحياة عند داليا نوع من أنواع الفنتازيا الإيحائية أقرها علم الديالكتيك بمنظور ما أشار إليه هيغل، ولأن داليا تخلت عن الحياة ووهبتها له، وهذا ما تريده أن يكون معروفاً بالفطنة المشتقة من العرفانية، بكون المعرفة تأويل يجعل الدلالة مكتسب يقتضي تظهير الطائع عندما يتذكر معصيته،
على مبدأ أن يكون أقوى منها في القصيدة باعتبارها عتبة للعبور إلى الآخر المقدس، ولكن ما من أنثى لا تريد أن تكون مستسلمة لطلبات الذكورية، لأنها تحت صاحبها دائما، أو ربما أكثر من نصف العمر، وهي حين قالت: " أريد أن أذهب فيك ولا أعود / ماذا أفعل بهذه الحياة المؤجلة" وكأنها تعاقب ذاتها بالناكر للتفسير الإلهي.
-
كطفلٍ يتبع جنازة أمه ..
---
هؤلاء الذين يعرفون كل شيء ،
لا بدّ أنهم ضلّوا طريقَهم مراراً
إلى أن امّحت أقدامُهم
وما عاد يَعنيهم الوصول ..
هؤلاء الذين يعرفون كل شيء
لا بُدّ أنّهم حدّقوا بالضوء طويلاً
إلى أن جفّت عيونُهم
و ذبُلَت في حدائقهم الخلفيةِ الظلالُ ..
-
كنت مُسجّاة في موتهم
بينما قلبي يتبع الشريطَ الإخباريَّ
أسفل الشاشة
كطفل يتبع جنازة أمه
طفلٌ يتعثر و ينهض
ليتابع مسيره من جديد
طفلٌ لم يكتشف بعد
أن الجنازة
ليست في طريقها
إلى الجنة..
الذوق والمكاشفة:
لا يمكننا الإفتراض بأنَّ نبعد الخيال "الكلام الداخلي في العقل" عن الشعر، عندما تتفجر الولادات الحسيَّة التي تبتكر انبعاث لمع يسري في الفضاء الرؤيوي، حيث تساق الحواس المحورية والبؤرية إلى حيث رياض الشعر، عندما يتشكل الوحي كحالة نبوءة بجوهرها الخيالي، وفي هذه اللغة الطاهرة نحن بصدد شاعرة تجلت رسومها الشعرية تتفاعل إفاضة الإعجاب، فأجدني منقودا من نفسي، لأني تأخرت في تناولها مبكرا، بواعز ما أظن أنني على هداها أسير، على نحو كتابتها التي يتجه بعضها لحل العقدة النحوية المعبرة، وذا ما يُمَيْز المُحدَث في شاعرية داليا، وهو الذي يكتسب التميّز المطلوب منه الجدل المنطقي، وبرأيي أجدها لا تميل إلى الكثرة بحدود ما نقرأ لها، حتى وإن كانت الأبعاد الخيالية مهيمنة على هواها العجائبي، فتبدو بداياتها تتحول إلى ما يشبه نمط الطقس الكلاسيكي، ومن رؤيتي وجدتها تنصت لنفسها وكأن الأمد الفكري يحاور طقوسها النابضة في ملموس شاعرية الولادة المبكرة، ومن أجل هذا وجدتني أبحث عن ولادتها الأولى.
وهنا أجدها تختال تأملاتها براعة نشاطها المتحول إلى الغرائبي المحض، فتنشأ العلاقة المتبدلة بنشوة بدءها حتى يصبح النص وكأنه مرآة ذات أبعاد ينشأ في كل بعدٍ منها قياس مَلِكَتَها المختلف، وفي الوقت ذاته قد يبدو كأنه سجال ميتافيزيقي يُمَتع الصورة المتعدية على الواقع، باعتباره خلاصة على نحو تَعاقبْ المراحل المتحولة في شاعريتها، التي تمعنت كثيرا في استجواب الرمز الذي يقابل البيان بحساب كناية أكنتها الشاعرة فأوسعت ظاهرها بالمجاز المشبه بالفاعلية اللغوية بعد أن يتخذ من ملقحة الاستعارة تعادل شبيهاتها، بالتي تحقق الغاية من معادلة الشيء بالشيء بقولها: " وما عاد يعنيهم الوصول" والتقدير هنا يعالج صلاحية من له الاقتدار على محاكاة النحو المركب، خاصة إذا كانت الشاعرة تجيد الاستثناء بمنظور العلاقة التآلفية، لأن من ناظر الإبداع نظرات مختلفة عز عليه الكثير من المحاكاة التي تهتم بالمجاز أكثر من الواقع، ولذلك فالشاعرة داليا وسعت من قدرتها المجازية مع أنها حَوْليّة ببراعتها المتعدية عل مفهوم اللزومية. وهو ما يدلنا عليه الباحث الاستاذ ميثم الجنابي حول الفلسفي الصوفي عند الغزالي بقوله: "بدعوته للانتقال من لاتقليدية الفكرة إلى لاتقليدية الممارسة5،" وهو اي الجنابي يعني بقوله منظومة الغزالي الصوفية وصيغها الفلسفية، وفي مكان آخر يتفق والمعنى الذي أوردناه يقول: "إلا أنه يدرك من جهة أخرى تعقيد اللاتقليد، أي إدراك تاريخيته الضرورية باعتبارها بديلا شاملاً 6"
5- الجنابي، ميثم: كتاب الغزال، الجزء الأول، دار المدى، الطبعة الأولى، دمشق، 1998، ص91. 6
6 - نفس المصدر، ص90.
ما كان عليّ أن أكون ما أنا عليه..
كان عليّ أن أكون حجراً
و كان على كل هذه الكلماتِ
أن تكون صمتاً قاسياً
في عُمقي ،
وكان على يدٍ ما
أن تُمسك بي
وتقذفُني بعيداً
من باب الضجر ..
-
كُنت أريد أن أنقذ حياتي
حقاً ..كنت لا أريد لها
أن تذهب هباء مع الريح
ولهذا
أثقلتُها
بالحجارة ،
بأسماء الغائبين
بالشّعر و السجائر
و صالات الانتظار ...
أثقلتُها
أنقذتها من الريح
لكنني يا صديقي
لم أحسب حساب
الطوفان.
كاتيا راسم
-
إنها جدلية المفارقة النفسية التي وضعتها الشاعرة وجها لوجه أمام الذات، من حيث بلاغة موسوعتها الفكرية بواقع بيان حالتها الشخصية، المكشوفة على تطورات فصاحتها العلمية المتحررة بطبيعتها، التي شكلت أحد أهم عناصر انتقالها اللاحق للتصوف في قولها: " ما كان عليّ أن أكون ما أنا عليه.. كان عليّ أن أكون حجراً،" الصيغة العلمية التي استخدمتها داليا في مضمونها العاكس ارتباطه على اقتناص علم الكلام المتحول بطابعه الفسيلوجي، فتنقل شخصيتها الفنتازية إلى مراحل تطورات مختلفة، فاستعانت بالمجاز الاثاري الذي يتفق مع الرمز "الحجر" وهذا لا يعني أن تتحول إلى تمثال جامد، بقدر ما أرادت الانتقال بنفسيتها إلى سمع أصَمُ، كما عبرت عن هذا في قولها: " وكان على كل هذه الكلماتِ / أن تكون صمتاً قاسياً / في عُمقي ، أي أنها لا تريد أن تكون النائحة المستأجرة للحاكم أو المادحة، لكنها وهي في هذا العقاب وضعت شخصيتها أمام محاسبة التقدير بالمعنى اللامنطقي في حدوده القاسية، وتقريعها للذات على ما مضى، وهذا ما يؤخلق أدق الحقائق التي كانت تسيقها للقارئ من خلال وجوديتها الطموحة، على أسس الايمانات التي كانت تقاضي بينها وبين بيئتها، ولذا كان لابد من بروز العلاقة الإشكالية المجتمعية في مجرة الازدواجية الفكرية التي عاصرت ثقافة الكلام بلغتها المبتكرة، بواعز تجربتها العقلية الأولى، لكن كيف بامكان الشاعرة أن تبرر سلوكها المختلف أمام عقيدة العوام الإيمانية؟ فقد تجسدت هذه الإشكالية فأصبحت أحد أهم العقبات أمام تفجرات الوعي المنفتح على المواجهة بين سلوكها الذي تراه مجازياً، بينها وبين مجتمع ينخره الدين الطائفي، الذي كان وما يزال عقدة النزعة الإنتقادية، التي اشتغلت عليها الشاعرة داخل المنظومة العقائدية المذهبية المتخلفة في جوهرها تلك العلاقة المنفصلة التي كانت تقوم على مبدأ تحطيم نضوج التي تسري في بنيتها التي تتعدى التعدية التي آمنت بها الشعوب المختلفة ايماناتها حسب كتب الديانات المتعددة ومنها: الإبراهيمية، والميكالية، والمحمدية، والإسرافيلية، والجبريلية، والآدمية، والرضوانية، والميكالية، على دوام التألي، أمّا ما أعطته الحقيقة الوجودية يبقى حسب مفاهيم تمد علم الديالكتيك الظاهر والباطن بالمدارية الفكرية التي تتشاكل حقيقتها ضمن مدار الأسرار القائمة بوجودها.
1- أبي عبدالله، محي الدين: رسائل ابن عربي، الجزء الثاني، دار المدى، سوريا/ دمشق، ص113.
2- داماسيو، أنطونيو: كتاب "الشعور بما يحدث"، مكتبة الأسكندرية، الطبعة الأولى، 1980، ص109.
3- بروك، بيتر: التفسير والتفكيك والايديولوجيا، المكتبىة الشاملة / بيروت، الطبعة الأولى 1966، ص88.
4- سورة الأنبياء الآية 35، الصفحة 324.
5- الجنابي، ميثم: كتاب الغزال، الجزء الأول، دار المدى، الطبعة الأولى، دمشق، 1998، ص91. 6
6 - نفس المصدر، ص90.



#جعفر_كمال (هاشتاغ)       تôôèô‏_ؤôéôم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن والناس
- تجليات الصورة.. المحاكية للأشكال
- عبدالفتاح المطلبي.. في.. تخصيب مبنيات الدلالة
- الجارة
- المثقاب
- قطرة تنتظر
- فوتكرافيك معرض
- موسوعة الجنسانية العربية والإسلامية قديما وحديثاً
- تمثيل التأوُّل.. في قصيدة العصبي بو شعيب.
- الرواية العربية / مصاغ المُجَمَل في تركيب الجواز:
- عبدالنبي
- كون تشوف
- العادة الشهرية
- حركية التدوير في الشعر النسوي العربي
- ياريت / إلى رطبة القنطار
- حصيرة البصرة
- الشعر النسوي العربي.. الفصل العاشر
- المؤثرات الوجدانية، وبلاغة النص الهادف، عند الشاعر نبيل ياسي ...
- حوارية المعنى والصورة / الفصل الثاني
- صفقتُ مثقفاً


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - خَلِيَّةْ الانتقال في: شاعرية كاتيا راسم.