أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3














المزيد.....


سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6438 - 2019 / 12 / 15 - 22:55
المحور: الادب والفن
    


سارة الصغيرة، بلغت سن العاشرة وكانت ما تني تكتشف ما حولها من أماكن، دونَ هدف سوى التسلية. إنه عمر والدتها، حينَ هرب رمضان آغا إلى الزبداني في صيف عام 1860، خشيَة ملاحقة السلطات على أثر ( طوشة الشام ). وهيَ ذي الابنة الصغيرة، تقضي صيفها مع المربية في النزهات عبرَ الوادي والسفح. بل وتسلقت معها يوماً قمة شحرايا الشاحبة، المثقوبة بمغاور كانت مأوى للنساك وتضم قبورَ بعضهم. كذلك عرفت سارة شيئاً عن القلاع القديمة، المتخذة أسماء آرامية أو يونانية أو رومانية، غبّ مشاهدة أطلالها عن كثب. أضحت، في التالي، تعرف وهيَ في سنها الغضة جغرافيةَ المنطقة وكما لو أنها على مقاعد الدراسة في عُمر أكبر. لكن الدراسة لم تكن في هذه المنطقة النائية متاحة لأولاد المسلمين، بله بناتهم.
كما وتسنى لسارة، في بعض المناسبات، زيارة القرى القريبة، المشكلة حزاماً لبلدتها؛ مثل سرغايا وبلودان ومضايا ويقين في جهة الشمال، والفردوس والجرجانية من الجنوب والشرق: في سرغايا، قرية عشيرة والدها الأصلية، سيُقدر لها شهودَ حادثة كان لها الأثر الحاسم في امتهانها، مستقبلاً، صفة القابلة.

***
في الأثناء، وصلَ للبلدة شابٌ دمشقيّ، يُدعى " عدنان ". بمجرد نزوله من العربة المشدودة بالخيل، المحمّلة بحاجياته المحزومة، ألقى نظرة شاملة على المنطقة: لاحت الزبداني لعينيه أشبه بحصنٍ طبيعيّ؛ هيَ المسورة من جهتي الشرق والغرب بجبلين منيعين، ( الرهوة وعين النسور )، مائلين مع غطائهما الأخضر ـ المنسجم في لوحة جميلة مع تربةٍ بلون الزعفران والصخور الجيرية الناصعة البياض ـ على السفح المأهول، الواقع عند أقدام سلسلة الهضاب اللبنانية، الغابية الأشجار.
حطت العربة في ساحة البلدة، وكان الشاب الغريب قد أُعلِمَ مسبقاً بأنها المكان المحتوي على بناء المتصرفية. كونه لحظ في طريقه أكثر من كنيسة، فإنه عزا عمارة هذا البناء، الأوروبيّ الطراز، إلى أحد المهندسين النصارى. كذلك انتبه إلى أنّ المبنى مقفرٌ من الموظفين، بما أنّ الشمسَ بدأت تختفي خلف الجبال ولن تلبث أن تغطس في بحر بيروت. لما سألَ الحوذيّ العجوز عن فندق أو خان، وكان هذا من سكان البلدة الأصليين، أجابه بأنه يعرفُ منزلاً من ثلاث غرف قد عرضته صاحبته للإيجار منذ مدة بعيدة.
" ما حاجتي لثلاث غرف، يا صاحبي، وأنا كما تدري وحيدٌ وأعزب؟ "، عقّبَ الآخر. بدا أنهما تبادلا الحديث في خلال الطريق الطويل، المُستهل من مركز تأجير عربات السفر في ساحة المرجة بدمشق. ابتسمَ العجوز عن أسنان متآكلة، قبل أن يرد بالقول: " صاحبةُ المنزل أرملة آغا، وفي التالي، ليست من النوع الجشع. ثق فيّ، لأنني أعرف والدها جيداً وهوَ رجلٌ بغاية الطيبة والشهامة ".

***
في اليوم التالي، وكان جمعة، وجدَ عدنان الوقتَ الكافي ليتأمل من على الشرفة، مشهدَ الوادي الخصيب، المُتغلغلة فيه فروعٌ أربعة من النهر، الفائض بقوة عارمة مع ذوبان الثلج في بداية الربيع. أسعده اعتدال الطقس في هذا الوقت من الصيف، قياساً بجو الشام القائظ، الذي هربَ منه بالأمس. لكنه لم يأتِ كمصطاف؛ وقد تنهّدَ عميقاً حينَ فكّرَ بذلك. إنه مكلّفٌ بتأسيس مدرسة في البلدة، ومن المفترض أن يحصل على معونة السلطات فيها، إن كان بتدبير بناء مناسب أو ما يلزم من أثاث وأدوات ولوازم. هذا المشروع، جاء على أثر احتجاج وجهاء البلدة من أن أولاد النصارى يتلقون العلم في الدير الكبير فيما أولاد المسلمين ما زالوا محرومين من الدراسة. فيما بعد، لما استقر نهائياً هنا، جازَ له التيقن بحقيقة التعايش الأخويّ بين معتنقي الديانتين، لدرجة اشتراكهما ببعض المناسبات والاعتقادات: في الشهر التالي، أغسطس/ آب، سيقّدر له شهودَ عيد " رقاد العذراء "؛ وهو أيضاً اسم الكنيسة الرئيسة في البلدة. مريم العذراء، تعتبر شفيعة الزبداني عند السكان المسيحيين، فضلاً عن أنها امرأة مقدسة باعتقاد مواطنيهم المسلمين. هذا يفسر اشتراك الجماعتين في إحياء المناسبة، وتبادل الأكل والحلوى المخصصة لها.
لكن صورةً أكثر واقعية وجدّة في آنٍ واحد، هيمنت على ذهن المعلم الشاب في يوم العطلة ذاك. كانت صورة صاحبة المنزل ـ أو لو شئنا الدقة، القسم العلويّ منه؛ الأرملة الفتيّة، الفائقة الحُسن، المتسربلة بهيئة نساء الوادي، المتيحة لهن كشف وجوههن حتى ليتعذر على الغريب معرفة المسلمة من النصرانية. فوق ذلك، أدهشته يوم أمس بفتحها باب البيت بنفسها واستماعها للحوذيّ قبل أن تدعوهما للدخول. وما عتمت أن قاطعت حديثهما مع أبيها، بولوجها إلى الصالة مع صينية عليها عدة الشاي. كما لم يكن بالوسع الاتفاق مع الأب على الإيجار، إلا حينَ أخذ هذا رأيَ الابنة الحسناء. كانت تقيم في بيت أبيها، الكائن في البلدة القديمة. أما المسكن، المعروض للإيجار ثم أضحى من نصيب معلّم المدرسة الغريب، فإن القارئ أدرك بالطبع أنه الدور العلويّ من منزل المرحوم رمضان آغا.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 3
- سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الثالث
- سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثاني
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الثاني/ 1
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 5
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 4
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 3
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 2
- سارة في توراة السفح: الفصل الأول/ 1
- ليلى والذئاب: الخاتمة


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3