رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6437 - 2019 / 12 / 14 - 16:00
المحور:
الادب والفن
إبراهيم نوفل
قصيدة مطر
عندما يلتقي نص غارق في القدم مع نص حديث عصري، فهذا يدعو للتوقف والتأمل، فما هي العناصر/الأشياء/المسببات التي جعلت النصين يلتقيان، رغم البعد الزمني، ورغم تباين واختلاف الثقافية بين (الكاتبين)؟،
وجدنا هذا اللقاء عند أكثر من شاعر هلالي/سوري، فالشاعر نعيم عليان في ديوانيه "أشرعة السحاب" يبدو وكأنه من كتب ملحمة البعل، أو ساهم في كتابتها، فحضور الطبيعة وأثرها في الديوان كان تماثل تماما مع النص ملحمة البعل، وها هو "إبراهيم نوفل" في هذه القصيدة "مطر" يحدثنا عن المطر والخصب الذي يتشوقه الناس بلهفة: يفتتح الشاعر قصيدته:
"أشْرقَ الصّبحُ جميلا ً يفْعِمُ الدّنيا بهاهْ
يمْلأ ُ القلْبَ سرورا وانْشراحا ً وحياةْ"
ألفاظ بيضاء تتحدث عن الخصب حتى أننا لا نجد أي لفظ قاسي أو خارج نطاق الفرح، وهذا يشير إلى أثر الطبيعة الهلالية/الكنعانية على الشاعر، التي جعلته يتحدث وكأنه فلاح هلالي من غابر الزمان، يعتمد في رزقه على نزول المطر، وليس له أي مورد (طعام/رزق) آخر، من هنا جاء "أشرق، الصبح، جميلا، يفعم، بهاء، يملأ، سرورا، انشراحا، حياة" ولافت أن جميل الألفاظ تخدم فكرة الفرح ومتعلقة بالخصب.
"يمْطرُ الدّنيا من الخيْرِ.......... وهلْ خيْرٌ سواهْ
بعْدَ شوْقٍ وانتظارٍ لنرى دفْقَ المياهْ"
إذا كان المقطع الأول فيه لفظ واحد متعلق بالماء/المطر "يملأ" فإن الشاعر هنا (يملأ المقطع) بألفاظ متعلقة بالماء: "يمطر، خير، دفق، المياه" ففي هذا المنقطع أراد أن يوضح الشاعر بسبب الفرح العارم الذي يمر به، فكان "المطر/الماء السبب.
"أيْقظَ النّاسَ بشيرٌ صوْتُ رعْدٍ وَسنا
وغيومٌ مثْقلاتٌ سابحاتٌ في السّما"
أقرن الهلالي قديما الفرح بالألم/بالقسوة، كفعل الجنس، فرغم أنه مرغوب، ويستلذ به من كلا الطرفين، إلا أنه يحتوى على فعل قاسي/شديد،(ألم اللذة/لذة الألم) وها هو الشاعر يتحدث عن المطر بهذه الروح: "صوت الرعد، مثقلات" تشير إلى القسوة، لكنها قسوة مرغوبة، ومحدودة في ذات الوقت، فالألفاظ الناعمة والجميلة: "أيقظ، بشير، السنا، سابحات، السماء" تتغلب على القاسية، ولافت وجود المذكر "صوت الرعد، سنا" والمؤنث "غيوم مثقلات سابحات" وكأننا أمام ذكر وأنثى يستهمان للقيام بطقوس التزاوج/الخصب، فيتماثل الإنسان مع الطبيعة في عملية التزاوج.
"تسْكبُ الماءَ غزيرا بعْدَ أنْ طالَ الظّما
فاحْضني الضّيْفَ الرّطيبا وافْرحي يا أرْضنا"
أفعال الخصب/الجنس حاضرة في خاتمة القصيدة: "تسكب الماء غزيرا، طال الظما، فأحضني، الرطيبا، وأفراحي" وإذا ما توقفنا عن المقطع الأخير وفصلناه عن بقية القصيدة سنجده مشهد (جنسي) كما هو مشهد طبيعي، وهذا يؤكد على أن طقوس الزواج المقدس التي مارسها الهلاليون قديما، والتي كانت ناتجة عن علاقة الهلالي بالأرض/بالطبيعة وتأثره بها وأثرها عليه وفيه.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر على الفيس
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟