يحيى نوح مجذاب
الحوار المتمدن-العدد: 6436 - 2019 / 12 / 13 - 23:47
المحور:
الادب والفن
حطّت عليه من علٍ.
ليست كأنثى طيرٍ مرفرف الجناحين ذي أرياش ملوّنة برّاقة، ساطعة الضوء، بل هفَت بهدوء كحفيفِ نسمة غافية.
الشجرة الباسقة التي كانت تستظل بها أيام قيظ الصيف داهمها عصف الشتاء المتغلغل إلى الأعظم المكسوة بِغضّ اللحم الطري.
كانت تمشي الهُوَيْنا نحوه، والجسدُ الفخم تنسدل فوق تضاريسه طيّات أوراق الثياب بنصالها الوافرة.
لحاء الجذع المشدوخ كان ينزُّ بقطرات صمغٍ مُعَطَّر بنفحات وردية الشذى.
هي ما زالت كقديمِ الزمان على عهدها في انتقاء كِساء الجسد بأنماط ألوان هادئة، بعيدة عن البرّاق المتوهج الصارخ من أحمر أو أخضر أو أزرق، فالبياض والسواد هما افضليتها في كل شيء حتى لتبدو كصورة ستينية التقطها المصوِّر آكوب بعدسة كاميرته ذات الخرطوم الأسود، وقد أضفى عليها رتوشاً خفيفة فازدادت رونقاً وجمالاً.
لم تضع مساحيق التجميل التي تُزَوّر ملامح الوجوه، وتفقأ حدقات العيون وتُثقل الأهداب وتُلهب الشفاه.
الصوتُ مازال ناعماً غضّاً طريّاً، وبعض الحياء بثَّته بلزوجة أعين ناعسة غارقة في لجج شوق خفي.
اقتربا سويةً وعطر الجسد فاحت من حناياه دفقات الضباب.
كانا يسيران سوية ومنكبيهما يكادان يلتصقان.
الخطواتُ ناعمة بطيئة، وتشابك أذرع الشجر غطَّت عين الشمس.
استبقا الزمن المُسرع ليصبّا ما في جعبتيهما من رونق وَجْد طافح.
الحديث المؤدلج ليس كل شيء، حتى الصمت الذي يلف روحيهما له صدى قرع الطبول في غابة العدم.
وبينا هما في غطسة الانتشاء، لاحت القديمة من بعيد وهي تحمل تاريخاً موغلاً في عسر الزمن والأحداث الغابرة.
كانت الصورة ضبابية مُبهمة فانكسارات جذوع الغابة الاستوائية الممتدة نحو أفقِ الكونِ عتَّمت الرؤية المستنيرة، وعندما اقتربت الأقدام وسُمع وجيب الأفئدة امتدت الأذرع لتطوق الأجساد الحائرة. تعانقتا والأعين منصبة نحو جبينه الذكوري المنتشي.
قبّلتها بضراوة الضِباع وغرابة أسطورية فريدة وهي تُرسل نسمات الوَله، وتتدنى إلى ذاته الموغلة بالظمأ.
كانتا أمامه روحين وجسدين معاً يجمعهما بكيانه ذي الجسد المتوثب والروح الحائرة تجاذب الأضداد وتنافر الأتراب في هذه البقعة من أرض منسية تركها الأقوام في العصور الغابرة عندما كانت تدك أديم الثرى بالسَنابك.
#يحيى_نوح_مجذاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟