أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - نزهة مسائية














المزيد.....

نزهة مسائية


سوسن السباعي الجابي

الحوار المتمدن-العدد: 1563 - 2006 / 5 / 27 - 06:56
المحور: الادب والفن
    


(كل شيء على ما يرام...)
حدثت نسرين نفسها وهي تدفع عربة طفلها الذي لم يكمل عامه الأول، في نزهتهما المسائية المعتادة. (كان كل شيء على ما يرام، أما الآن فهو يبني مستقبله بينما أنا توقفتُ. آه. حتى وائل صار عصيّا عليّ). وأحست بطعم الانهيار تحت أسنانها... لكنها دفعت العربة بهدوء وغالبت دمعةً. مشت. يأسها يسبقها وخيبة الأمل عصفور مكسور الجناح... مرّت بجانب المقبرة القريبة من بيتها (موت... موت) وتطلعت إلى القبور المتزاحمة. ارتعشت قليلاً. حاولت الإسراع. لكن هذه العربة اللعينة بماذا تعثرت؟ وتنبّهت إلى شيء صغير متناغم الألوان أعاق سيرها... (بلبل) توقفت. انحنت والتقطته. ازدادت رعشتها.؟ زعق صغيرها يريد أن يلعب به، فألهته بقطعة كعك مدورة. ثم دسّت البلبل الميت في جيبها وحرّكت العربةَ. تلمسته بيدها. (يا للمسكين. من قتلك؟ هل كان صوته جميلا مثلك؟ لا بد أنه كان يسحر البلابل كلها)... وتداعت إلى مخيلتها أيام كانت تغني في حفلات التعارف الجامعية... مدرجات... محاضرات... رحلات... امتحانات... ثم ابتلعت غصّة (كان قد بقي لي عام واحد على التخرج).
عند المنعطف أخرجت البلبل وتحت مصباح الشارع حدّقت فيه بسرعة ثم أعادته إلى جيبها (أية يد تجرأت على اقتلاعك من الحياة...) أي وائل انتزعها من شلّتها الجامعية واقتحم قلبها مثل برج ناريّ أحرق كل شيء ثم ظلّ وحده المنارة التي لا ترى إلا بها. تزوجا وبسرعة البرق كان بينهما طفل يشبهه الملاك... (صار للحياة طعم آخر. أنفق أيامي في المطبخ وفي تأدية واجبي زوجةً وأمّاً... بينما وائل يتغيّرُ يتباين، وتحلله الأيام مثلما الموشور يحلل اللون الأبيض إلى ألوان مختلفةٍ. لم أعد أراه إلا ليلاً. بل إن الفجر يأتي قبله. وحين يتكرم عليّ يحضر منتصف الليل يتناول عشاءه وبعدها يتشاغل بقراءة جريدة أو بالاستماع إلى الأخبار. يبدي بعد هذا تعبا مفاجئا ويذهب للنوم... وأذهب إلى أحزاني وخيباتي).
لقد جلّ الظلام تماماً. أدارت العربة عائدةً. مرة أخرى المقبرة. وضغطت على جسد البلبل الميت (كنتَ سيد غنائك وكنتُ حبيبته وتاج رأسه... تحولتَ إلى جثة وتحولتُ إلى فتاة حساء... إنها لعبة يا صديقي).
حين وصلت إلى منزلها، المنزل الذي فرحت به كثيرا قبل عامين. أحست به صامتاً كتابوت من خشب فاخرٍ. حملت صغيرها النائم، وضعته في سريرها ولم تشأ أن تكسر وحدتها بمشاهدة التلفزيون كعادتها. بل مشت ببطءٍ، أخرجت البلبل من مخبئه في معطفها وضعته على الطاولة أمام المرآة. واندهشت... (من هذه؟ أنا؟ لا أعرف هذا الوجه. من يعرفه؟)... وداهمتها قوة خفية. حدقت في البلبل الجميل الجميلِ الصامت الصامت... الميت المسكينِ. تمتمت... (لن أبكي عليك. أنت ضعيف ومتّ بسهولةٍ. وتستحقّ أن تموت مرة ثانيةً)... أمسكت بخيط أسود طويل. لفّته حول العنق الملون الناعم وشدّته. أحسّت بالاختناق. فركت رقبتها وعلّقت المشنقة في الثريا المتدلية وسط الغرفة وراحت تحملق بعينين حجريتين. زاغ بصرها. تكاثرت أضواء الثريا. تأرجح الخيط الأسود يمينا ويساراً.؟ خفقَ قلبها أكثر. قال البلبلُ. أنا لم أفعل شيئاً... قالت أنت لم تحسن الاختيار. قال أنا بريء. قالت ماذا تصنع البراءة لسجين أنفاسه لا تتجاوز قضبان قفصه المذهب؟ صفعها أبوها على خدها الأيمن فأدارت له الأيسر.؟ صرخ بها(خاطئة)... وتحوّلت ذات لحظة إلى عصفور كلما حرّك جناحيه شدّته كرة الحديد المربوط بها إلى أسفل. كبرت الكرة وكبر الحلم وزاغ البصر... وصغُر الأفق حتى صار نحيلاً كخيط أسود يتدلّى منه جسدها المسفوح. صفعها وائل على خدّها الأيسر فأدارت له الأيمن...وقالت أحبكَ... لا لا. تكاثرت الأصوات. ترنّح الخيطُ الأسود أكثرَ. قفزت إلى طرف الخيط لفّته حول عنقها. جلس البلبل يتفرج عليها... قال لها لن أبكي عليكِ فأنت ضعيفة وتستحقين أن تموتي بسهولةٍ... ثم...
فوجئت بالباب يفتح. حضر وائل وقت العشاء. دخل غرفة النوم. كانت هي مسمّرةً مكانها اقترب منها قرّب شفتيه من أذنيها وهمس فيها:
- أنا جائع ومستعجل...
نيسان 1991



#سوسن_السباعي_الجابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كلام امرأة بامتياز
- يقظة سميراميس وقصائد أخرى
- آخر الأوراق القديمة
- أوراق قديمة أخرى
- موسيقى ونصوص أخرى
- أوراق قديمة
- زورق في نهر الملل
- إن... ونصوص أخرى
- شمس ونصوص أخرى
- ضياع ونصوص أخرى
- حكمة أنثى القصيدة
- لعنة ونصوص أخرى
- ليلة رأس السنة
- طيور الليل
- ليلة من مطر
- رباعية الرعد
- أحوال امرأة تتحوّل
- أمل وغربة اخرى قصائد قصيرة
- عالم في كفي
- مجموعة قصائد قصيرة


المزيد.....




- عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل ...
- بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
- افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سوسن السباعي الجابي - نزهة مسائية