|
الطرف الثالث
طالب عبد الأمير
الحوار المتمدن-العدد: 6427 - 2019 / 12 / 3 - 14:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في صغري كنت أسمع بمصطلح الطابور الخامس، لكني لم أكن أعرف معناه، وكنت أتسائل، وأنا أقف في طابور الخبز، حيث كانت والدتي توقظني قبل طلوع الفجر لأذهب الى المخبز القريب من بيتنا لشراء خبز الإعاشة اللذيذ، الحار والرخيص، كونه كان مدعوماً من الدولة، في ذلك الوقت. كنت أتسائل: أنه طابور واحد، هذا الذي أقف أنا فيه، فما هي تلك الطوابيرالأربعة الأخرى؟ كانت سذاجتي الطفولية أوحت لي بأن طوابير الخبز خمسة، وأنا في الطابور الأول، الذي يصطف الناس فيه واحداً بعد الآخر، مع بداية فتح المخبز أبوابه فجراً، ويبدأ ببيع أولى وجبات الخبز.. ثم يأتي الطابور الثاني والثالث والرابع، والخامس وهو الأخير الذي يغلق بعده المخبز أبوابه. وأغلب ممن يأتون الى المخبز متأخرين، من الذين ينامون الى الظهاري، يقفون في هذا الطابور، وهولاء كثيراً ما يعودون الى بيوتهم وأيديهم خالية من الخبز الذي ينفد احياناً بعد الطابور الرابع. لما كبرت قليلاً عرفت أن الطابور الخامس، مصطلح سياسي - اجتماعي، أُطلق على مجموعة العملاء الذين كانوا يدعون بوقوفهم الى جانب حركة المقاومة الوطنية، التي أطلقها الشعب الأسباني ضد الديكتاتور الجنرال فرانكو، خلال الحرب الاهلية في العام 1936 ولكنهم في الخفاء يعملون لصالح حكم الجنرال ويبذلون ما بوسعهم للتنكيل بأفراد المقاومة الشعبية. فأُطلق عليهم الطابور الخامس، الذي يأتي تسلسله بعد الطوابير "الفرق" الأربعة" التي توزعوا عليها أفراد حركة المقاومة. والآن في أيامنا هذه كثيراً ما نسمع بمصطلح "الطرف الثالث" وهو ما تطلقه الحكومة العراقية على العناصر التي تقنص وتقتل وتخطف الشباب المنتفضين العزل، في بغداد ومحافظات الجنوب والفرات الأوسط. وذلك كي تنأى بنفسها عن إراقة دماء المئات وجرح الآلاف من الشباب المنتفضين. وقد خرجو ومعهم قطاعات واسعة من الشعب، مسالمين لا يملكون سوى علم العراق وحناجر تهتف من أجل إستعادة الوطن الذي يضيعه أقطاب الحكم، بين الفساد المستشري، والمحاصصة المقيتة وجعلوه مستباحاً لقوى أجنبية طامعة. مصطلح الطرف الثالث ليس بدعة عراقية، وإنما أستخدم في أماكن وفي سياقات أخرى كثيرة. بل يكاد أن يكون نسخة مستعارة مما عرف بالربيع العربي والتجربة المصرية تحديدا في عام 2011. حيث حاول النظام المصري وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على أيدي الشبيبة المنتفضة، يسوِّق لفكرة "الطرف الثالث". حينها وقف الشعب المصري مذهولاً مما يجري. فهم يرون بأن الجيش كان محايداً ولم يتدخل في قمع المتظاهرين، فيما جرت، عمليات قتل للمتظاهرين ، أستخدمت فيها الجمال والبغال والخيول في دهسهم، مما عرف بموقعة الجمل، في مشهد يعيدك الى القرون الوسطى. وفي العراق بثت فيدوهات من النجف، شوهد فيها شباب يحملون سيوفاً يهجمون على آخرين. مصطلح "الطرف الثالث" تردد أيضاً في تركيا، العام الماضي. وقد ورد ذكره على لسان ياسين أقطاي، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ومستشار رئيس الحكومة التركية، في إشارة منه الى الجهة التي لها علاقة بقضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي في السفارة السعودية بأنقره، في تشرين أول، من العام الماضي. والتي إنتهت بإقرار ولي عهد المملكة السعودية محمد بن سلمان بمسؤوليته "غير المباشرة" عن مقتل المواطن السعودي في سفارة بلاده في تركيا. فمن هو ياترى، الطرف الثالث في الحالة العراقية ؟ إذا ما عدنا الى مصطلح "الطابور الخامس" الذي يختلف، بطبيعة الحال، عن مفهوم "الطرف الثالث"، ولكنه قد يقاربه في شئ . وهو من سخريات القدر أن الحكومة العراقية، ظلت تجاهر علناً، وخاصة على لسان السيد عادل عبد المهدي وفي أكثر من مرة ، بوقوفها الى جانب المنتفضين في مطالبهم الحقة والعادلة والسلمية، وفي ذات الوقت يتم قتل المنتفضين بدم بارد. وليس ثمة دليل أبلغ من مجزرة الناصرية التي نُفذت تحت إمرة قائد عسكري جاء بمهمة من بغداد في محاولة لقمع الانتفاضة. وراح ضحية تلك المجزرة حوالي مائة شهيد وأكثر من ألف جريح، خلال يومين فقط، في واحدة من أكثر الساحات اشتعالاً. وما حدث في النجف من عمليات قتل وتنكيل. وقد أدى هذا التصرف الدموي الأرعن الى أن يبدي المنتفضون أصراراً أشد على المضي في مطاليبهم المشروعة. فلم يكتفوا بأسقاط الحكومة التي قدم رئيسها، عادل عبد المهدي، أخيراً، إستقالته، ومعه كل الكابينة الوزارية، بفعل ضغط الإنتفاضة الباسلة، ودعوة المرجعية الدينية، بل يطالب المتظاهرون بإسقاط كل المنظومة الفاسدة التي جئ بها الى الحكم بعد سقوط حكم الطاغية في عام 2003. وبغض النظر إذا كان الطرف الثالث هو الطرف الأول، أي الحكومة، كما يطرح المحللون السياسيون، أو عناصر فيها، قامت بتلك التصرفات من وراء ظهرها، أم الطرف الثالث يُقصد منها الميليشات الملثمة التابعة الى إيران، كما يُلمح أحياناً، أو غيرها، فالسلطة هي من تتحمل مسؤولية قتل المتظاهرين العزّل حتى وإن كان بشكل "غير مباشر".
#طالب_عبد_الأمير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ساحة التحرير
-
هذه ليست كسابقاتها
-
أهمية الوعي الإعلامي لفهم تطور تقنية المعلومات ووسائل الاتصا
...
-
في محل والدي
-
قصة قصيرة: في محل والدي
-
نوبل في الأدب توسع آفاقها
-
هل يحصل على جائزة نوبل هذا العام؟ أدونيس يقول أن منتقديه لم
...
-
في الذكرى السادسة لرحيلة كاظم السماوي شاعر ومناضل اممي
-
تراتيل الرجوع
-
غموض وصية ألفريد نوبل وراء مأزق جائزته للآداب، عبارة «الأدب
...
-
مرثية للوطن
-
لوركـــــــــــا المتألق ابداً
-
هل إنتهت حرب الولايات المتحدة على الارهاب؟
-
مصافحة بيد واحدة
-
عز الدين ميهوبي: لا يمكن تصور اتحاد يعلق عضوية الأدباء العرا
...
-
سلام عبود في (زهرة الرازقي) العودة للنقاء العراقي وطيبة الجذ
...
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|