|
خصوصية نظام الرق في السلطنة الزرقاء
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 6427 - 2019 / 12 / 3 - 14:20
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
نسلط الضوء في هذه الدراسة علي سمات وخصوصية نظام الرق في مملكة الفونج أو السلطنة الزرقاء( 1504 – 1823 م)، ومعلوم أن تجارة الرقيق اتسعت بشكل كبير من القرن السادس عشر الي القرن التاسع عشر ، أي في فترة السلطنة الزرقاء ، وهذا التوسع كان مرتبطا بتاريخ الرأسمالية الحديثة التي يؤرخ لها بالقرن السادس عشر ، وكان من العناصر الجوهرية في نموها الرق وتجارة الرقيق. يقول ماركس في مؤلفه” رأس المال”المجلد الأول: (إن اكتشاف الذهب والفضة في امريكا وافناء السكان الاصليين واسترقاقهم ودفنهم في المناجم وبداية غزو ونهب جزر الهند الغربية ، وتحول افريقيا الي منطقة لصيد ذوي البشرة السوداء علي نطاق تجاري ، كل ذلك أعلن الفجر الوردي لعصر الانتاج الرأسمالي”. وبالتالي ننظر لتجارة الرقيق في فترة السلطنة الزرقاء كحلقة من تلك التجارة العالمية التي اسهمت في نشأة النظام الرأسمالي. كما ننظر لنظام الرق كتشكيلة اجتماعية استغلالية عرفها المجتمع البشري ومن ضمنه المجتمع السوداني منذ الممالك القديمة تقوم علي استحواذ الاسياد علي كل عائد عمل الرقيق مقابل اعاشتهم وابنائهم. فماهي سمات ووظائف الرقيق في السلطنة الزرقاء أو ( سلطنة الفونج)؟. يمكن تلخيص وظائف الرق في الآتي:- أ. كانوا يعملون في مزارع السلطان أو ملاك الأرض أو شيوخ الطرق الصوفية وفقاً لعلاقات الإنتاج العبودية : كل ناتج عملهم يستحوذ عليه الاسياد مقابل معيشتهم وأسرهم ، وتقول الروايات السماعية للعبدلاب أن الرقيق كانوا يخدمون ويقومون بزراعة اقطاعيات العشيرة العبدلابية ( العبيد يزرعون في الجزيرة والترس ويخدمون البحر والصخرة ويزرعون السواقي والجروف ) . ب. كان الرقيق مصدراً أساسياً من مصادر أرباح التجار حيث كانت تجارة الرقيق من الأنشطة الاقتصادية المهمة في تشكيلة الفونج، أشار الرحالة” كرمب” إلى حجم المعروض من الرقيق في اليوم في سنار 200 يشتريهم الإتراك لبيعهم في مصر والهند . وعندما زار الرحالة” بروس” سنار في سنة 1772 كان جيش السلطان يضم 14 ألف من الرقيق والنصف الأخر يدخل في التجارة الخارجية . كما أشار بركهارد إلى حجم تجارة الرقيق في سوق شندي التي كانت مركزاً كبيراً لتجارة الرقيق حيث ذكر أنه كان يمر خلال سوق شندي نحو خمسة الأف شخص من الرقيق كل سنة ويشير الرحالة” بركهارد ” إلى أثمان الرقيق ترتفع باضطراد كلما أقتربوا من البحر الأحمر ، كما أن أغلب المعروض كان دون الخامسة عشر من العمر وعن الأسعار قال : ثمن العبد الذكر نحو خمسة عشر ريالاً إذا كان أثر الجدري واضحاً في وجهه أما إذا لم يكن في وجهه أثر الجدري لا يزيد على ثلث هذا المبلغ (حوالى خمسة ريالات) أما ثمن الجارية فخمسة وعشرون ريالاً ، كما أن معظم تجار الرقيق يقومون بتأجير الجواري للبغاء وهذا شكل مصدراً أخر للأرباح . ج . من أسوأ ما أنتجته تلك التجارة اللعينة هي عملية الخصي ، تلك العملية الوحشية التي تجعل الخصيان أشبه بالهياكل العظمية ، وهذه العملية ترفع من ثمن العبد . د. الرقيق من الإناث (الجواري أو السراري) كن يعانين نوعين من الاضطهاد : اضطهادهن من خلال العمل المنزلي المرهق والمفسد للجسد والعقل معاً ومن أضطهادهن كجنس حيث يرغمن على المضاجعة القسرية . هـ. من وظائف الرقيق يرد أيضاً أنهم كانوا يستخدمون كوسيلة تبادل أو دفع سواء أكان مقايضة أم تسديد الضرائب أم الجزية في شكل رقيق وكان من ضمن (الشيلة) التي كانت تقدم لأهل العروس جواري أو سراري (أو فرخات) ورد أسم (الفرخة) في الطبقات . و. كان الرقيق موضع الثقة من أسيادهم يعملون في التجارة الخارجية نيابة عن أسيادهم ، جاء في الطبقات أن فاطمة بنت سالم" كانت صاحبة دنيا عريضة وعيلتها تجار الهند والريف ، ويوضح د. يوسف فضل العيلة " بقوله " لعل المقصود أن عبيدها يتأجرون نيابة عنها في الهند ومصر وقد إعتاد كثير من التجار أن يعهدوا إلى مواليهم القيام برحلات تجارية نيابة عنه ، وكان هؤلاء الرقيق موضع ثقة كبيرة منهم. ز. كان العبيد يشكلون العماد الفقري لجيش الفونج ، يقول شقير كان ملوك الفونج يجهزون في أيام عزهم جيشاً لا يقل عن 25 ألف مقاتل مسلحين بالحراب والسيوف والدرق وفيهم أربعة الأف إلى خمسة الأف فارس من العبيد والفونج وكانوا يقيمون في بلاد البرون إلى الجنوب ولهم ثلث الغنائم التي يغنمونها من فازوغلي وجنوبها (). كما كان للعبدلاب جيشاً خاصاً من الرقيق (الدواقة) يتقدمون الخيل أثناء الحرب ، وكانت وظيفة هذه القوات هي قمع وتأديب الممالك الداخلة في إطار مملكة الفونج والتي تشق عصا الطاعة (مثل عدم دفع الجزية) كما إضافة للحملات والغزوات الخارجية وحملات صيد الرقيق . هكذا نرى أن الرقيق كان جزءاً هاماً من نسيج مجتمع الفونج وجزءاً هاماً من نشاطه الاقتصادي وبالوظائف المتنوعة التي كانوا يقومون بها في تشكيلة الفونج. وهذا يوضح خصوصية وسمات نظام الرق في دولة الفونج ، وبالتالي من الخطأ مطابقة أو مماثلة نظام الرق ، الذي كان سائداً في أوربا (روما أو أثينا) مع نظام الرق عند الفونج ، رغم وجود تشابة وسمات عامة ولكن الثابت أن دولة الفونح عرفت نظام الرق بخصوصات وسمات محددة . أهم المصادر والمراجع: 1- تاج السر عثمان: لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي، مركز محمد عمر بشير ، 2004 2- محمد إبراهيم ابوسليم: الفونج والأرض “وثائق تمليك” ، مطبعة التمدن 1967م. 3- محمد إبراهيم نقد: علاقات الرق في المجتمع السوداني، دار الثقافة 1995م. يوسف فضل: طبقات ود ضيف الله “ تحقيق” ط3 دار جامعة الخرطوم 1985م.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كما طائر الفينيق تتجدد الثورات في المنطقة العربية
-
تجربة الحزب الشيوعي في الحركة النقابية
-
الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية(2)
-
قضايا الصراع من أجل انجاز مهام الفترة الانتقالية(1)
-
المليشيات الخطر المباشر علي الفترة الانتقالية
-
مواكب 21 أكتوبر : الثورة مستمرة
-
لماذا السير في الطريق الذي قاد للأزمة والثورة؟!!!
-
حتى لا تتكرر انتكاسة ثورة أكتوبر 1964
-
هيغل: الحقيقة هي الهدف الأسمى
-
كتاب ثورة ديسمبر 2018 : طبيعتها وتطورها
-
السيادة الوطنية في اتفاقيتي : فبراير 1953 وأغسطس 2019
-
الثورة تُولد من جديد
-
أوراق من دفاتر المقاومة السرية - 4 -
-
في ذكراه المئوية : دور عبد الريح في تطوير الأغنية السودانية
-
الحل في المزيد من الديمقراطية
-
أوراق من دفاتر المقاومة السرية - 3 -
-
أوراق من دفاتر المقاومة السرية - 2 -
-
خطر انهيار الاتفاق الهش
-
في ذكرى انقلاب 30 يونيو 1989
-
مفهوم التجديد عند حمزة الملك طمبل
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|