أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علي الحمداني - يوميات الحرب والحب والخوف(19)














المزيد.....

يوميات الحرب والحب والخوف(19)


حسين علي الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 6426 - 2019 / 12 / 2 - 22:50
المحور: الادب والفن
    


رحلت أمي عن هذه الحياة شتاء 2005 شعرت إنني فقدت آخر معقل لي،في مقبرة وادي السلام دفنت بجوار والدي،لم يكن حفار القبور متذمرا من ألأرض التي اشتراها،الحرب جلبت لهم مزيدا من الموتى وستجلب لهم ما تبقى من أبناء العراق،كنا وصلنا ليلا كانت الحركة مستمرة من وإلى المقابر التي أمتدت طولا وعرضا.
إنتكس الوضع ألأمني بعد أسابيع قليلة من تشكيل أول حكومة يقودها رئيس وزراء شيعي،تم تفجير مرقد الأماميين العسكريين في سامراء،شرارة انطلقت منها حرب طائفية قاسية هي ألأشرس من حرب إيران وحتى حرب الكويت والحرب الأخيرة،لم نكن قادرين على مغادرة مناطقنا،بات القتل على الهوية عنوان هذه المرحلة،مرحلة الخوف من كل شيء،حتى أسمائنا نخاف منها،الكثير كان يحمل معه أكثر من هوية تعريفية حسب المكان الموجود فيه.
يوميا نسمع عن حوادث قتل بدون سبب قتل لمجرد القتل هكذا سارت الحياة في مرحلة الخوف التي عاشها الجميع دون استثناء،التنقل من حي إلى آخر يعد مجازفة ويتطلب أن يتصل بك الأهل مرات عدة ليطمئنوا إنك لازالت على قيد الحياة.
أنا شخصيا قيدت نفسي في مسار ثابت من البيت للمدرسة،لم أفكر حتى بعبور الشارع الثاني،قد لا أكون مستهدفا ،لكن الصدفة قد تقودي لمناطق الموت، بدأت التفجيرات والسيارات المفخخة تحصد من يصادفها،فقدنا الكثير جدا من الأصدقاء والأحبة وأبناء المدينة.
كان البعض يلقي باللوم على الضحايا الذين يجلسون في مقهى ويتم تفجيره،لا أحد يلوم المجرم،يبدو إن هنالك رغبة في القاء اللوم على الضحايا.
ذات مرة قلت لهؤلاء لماذا لا تلومون الذي وضع العبوة الناسفة والسيارة المفخخة،وتلقون باللوم على الجالسين في المقهى والواقفين في طابور فرن الصمون أو المارين صدفة من هذا الشارع فإذا بهم يلقون حتفهم.
المصادفة وحدها تبقينا أو تميتنا،كنت أجلس دائما في مقهى أبو علية ،مقهى شعبي عندما يحصل تفجير إنقطع عن هذا المقهى،هو خوف وتلك هي سنوات الخوف التي عاشها الجميع،المدينة مع غروب الشمس تتحول إلى مدينة أشباح وأحيانا كثيرا بعد الظهر تكون هكذا.
الإرهاب عبث في المدن،الخالص كانت ضحية كبيرة وقدمت آلاف الشهداء الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى إن من يدعم الإرهاب يريد هذا.
أما الذهاب إلى بعقوبة أو بغداد يشبه إلى حد كبير الذهاب إلى ساحة حرب لا أحد يمكن أن ينجو منها،أنا شخصيا لم أذهب إليهما لأكثر من ثلاث سنوات، وحتى اللحظة عندما أذهب أكون حذرا جدا،هو الخوف الذي عشناه وترك بصمته فينا.
ولعل أشد معاناة عاشتها مدينتي تلك الحادثة التي أودت بحياة أكثر من مئة شخص في يوم واحد عبر تفجير سيارة مفخخة مقابل مقهى أبو عليه ، هذا المقهى الذي لم أكن جالسا فيه تلك الساعة،مثنى كان من بين الذين نجو بأعجوبة شاهدته بوجه مترب وثياب فيها رائحة الموت،فقدت الكثير من الأصدقاء، أتصل بي محمد ليطمئن لأنه يعرف إنني من رواد هذا المقهى،لم أكن فيه لأنني كنت مشغولا بترتيب بيتي الجديد الذي انتقلت إليه وكذلك أنتقل محمد لبيته الجديد أيضا.
بعد ذلك تم عمل خندق حول المدينة وتم وضع الحواجز ونقاط التفيش والحراسة من أجل حمايتها وحفظ الأمن فيها.
قلت لمثنى وأنا أطمئن عليه، هي سنوات الخوف يا صديقي،قال فعلا نحن نعيشها بكل تفاصيلها التي لا يمكن لأحد بعد سنوات طويلة أن يصدق إننا نجونا بالصدفة ونموت بالصدفة،تذكرت إنني نجوت بالصدفة حينما فكرت بالذهاب للمدرسة بعد ظهر أحد أيام لكن شغل ما جعلني أتأخر بضعة دقائق، في هذه الأثناء إنفجرت سيارة مفخخة بالقرب منها واقتلعت بعض أبوابها وأحرقت المحلات المجاورة لها.
ظلت مدينتا عرضة لهجمات تارة بالعبوات وأخرى بالسيارات وثالثة بالهاونات التي تقع عشوائيا لكنها في كل الأحوال تقع على مناطق سكنية،حتى مدرستنا كان لها نصيب من هذه القذائف التي سقطت في ساحتها الخلفية.
هي حرب من نوع آخر لم نألفه من قبل،حرب لا تحمل مواصفات الحروب التقليدية أو ربما هي جيل جديد من الحروب،أنا اسميتها حروب بالنيابة بين الدول الكبيرة والصغيرة في أرضنا وبدمائنا.
وحتما هذه الحرب ستنتهي شأنها شأن كل الحروب التي عشناها وتعايشنا معها وأنتهت،ستنتهي هذه الأيام حتما،لكن الكثير من ألأصدقاء الذين بدأت أجلس معهم في المقهى أجدهم في قمة التشاؤم،ربما لم يعد هنالك مكانا للتفاؤل جراء ما يحصل يوميا خاصة وإن جيل من السياسيين بدأ لا يجد نفسه إلا عبر الطائفية وصراعات الهوية ويحاول إحياء ذلك كلما إحتاج له.
مرت هذه السنوات القاسية وتجاوزناها وكالعادة كانت فاتورتها باهضة جدا يصعب تعويضها أو نسيانها.



#حسين_علي_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات الحرب والحب والخوف (18)
- يوميات الحرب والحب والخوف(17)
- يوميات الحرب والحب والخوف (16)
- يوميات الحرب والحب والخوف(15)
- يوميات الحرب والحب والخوف (14)
- يوميات الحرب والحب والخوف (13)
- يوميات الحرب والحب والخوف (12)
- يوميات الحرب والحب والخوف (11)
- يوميات الحرب والحب والخوف (10)
- يوميات الحرب والحب والخوف (9)
- يوميات الحرب والحب والخوف (8)
- يوميات الحرب والحب والخوف (7)
- يوميات الحرب والحب والخوف (6
- يوميات الحرب والحب والخوف (4)
- يوميات الحرب والحب والخوف (5)
- يوميات الحرب والحب والخوف (3)
- يوميات الحرب والحب والخوف (2)
- يوميات الحرب والحب والخوف (1)
- لماذا الخدمة الالزامية؟
- الصوت الإنتخابي


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علي الحمداني - يوميات الحرب والحب والخوف(19)