أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماجد ع محمد - آلية من آليات الشحيح














المزيد.....


آلية من آليات الشحيح


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 6422 - 2019 / 11 / 28 - 10:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حسب علم النفس أن البناء النفسي للإنسان البخيل تم إكتسابه من تمسكه القوي بالحياة، ومن نظرته للحياة بأنها ثابتة ودائمة وغير منتهية، لذا يكون قابضاً على المال حتى في أحلك الظروف بالنسبة له، لأن انهماكه بالجمع، وكره الإنفاق، جعلاه يرى الدنيا كلها زائلة والمال وحده في ثباتٍ مبين، كما يتأتى حرصه من ظنه بأن معظم إن لم نقل كل الفرص الحياتية قد غادرته، وما عليه إلاّ المحافظة على ما بين يديه قدر المستطاع، حتى ولو كان بُغضه للصرف قد يحرمه من العافية نتيجة النقص الحاد في غذائه اليومي، وحيث يغدو حاله عندذاك كحال مالك صهريج ماءٍ لم يعد يُرفد بمياه الينابيع أو الأمطار، فمن زيادة حرص صاحبه على الماء المخزّن وخوفه من نفاده يكاد محتوى المخزون أن يتأسن فلا يستفيد من الاحتفاظ به.
من كل بد أن البخيل يعيش حالة نفسية تعيسة، ولكنها غير ظاهرة للعيان، طالما أن تلك الحالة لا تستدعي فخر الإعلان عنها، باعتبار أنها مذمومة من قبل عامة الناس، لأن البخيل يعرف بأن أي شكوى من الجود في سبيل الواجب سينكشف أمره أمام الملأ، ويكون عندها موضعَ استخفافٍ واستهجان لدى كل من يعرفه، لذلك وكوسيلة من وسائل الحماية وإبعاد الشبهة عن الذات، قد ترى مقتّراً يستخف بقرينه الشحيح ويتحدث جهارة عن مقابح البخلاء علّه يبعد التهمة عنه بضعة كيلومترات.
ويبقى المبتل بداء الشُّح مثله مثل المبتلين ببعض الأمراض الظاهرة والمعروفة لدى أبناء المجتمع، بينما أصحابها يظنون بأن لا أحد يلاحظ تلك العلل فيهم، أو أن ما من أحد ينتبه إلى الزوايا المخفية في ممارساتهم السلوكية، ولا يخطر على بالهم بأن ما كانوا يخفونه لسنوات طوال هو في حقيقته ظاهر للعيان وثمة من يدرك مكنوناتهم، والمخفي عملياً مكشوف من خلال تصرفاتهم بين الناس، والذي عادةً ما يظهر في المواقف التي لا يستطيعون فيها إخفاء ما يكنونه.
على كل حال فلن نتطرق هاهنا إلى ما ذكره الجاحظ في كتابه "البخلاء" ولا إلى الدراسة القيمة عنه، إنما سنختار حالة وآلية واحدة من آليات البخيل المعاصر، والتي ما تزال معمول بها وبكثرة من قبل الكثير ممن يحيطون بنا من الأصدقاء وعلى وجه الخصوص الأقرباء، وهي آلية إظهار الإنزعاج من أحدهم، وخلق إشكالية اجتماعية ما لأجل التخلص من بعض النفقات التي سيظل يدفعها، أو هو يشعر المتهرب بأنه مجبر على دفعها، لذا لا مفر له منها إلا في حال اختلاق مشكلة يجعله يقطع علاقته بفضلها إلى حين مع الجهة التي سيضطر الإنفاق عليها إن لم يجد سبباً لوقف ذلك الإنفاق، وذلك سواءً أكان مؤقتاً ذلك الأمر أم فترة زمنية طويلة، حيث يتذرع الشخص المقتر حينها بأتفه سبب حتى يزيح عن كاهله ثقل الواجب الاجتماعي أو العائلي، وخاصة فيما يخص أقرب الناس إليه كاخوته ووالديه.
ولكي يتخلص المقتّر من كابوس الإنفاق على الاخوة أو الأب والأم، فهو لديه قابلية واستعداد دائم للامتعاض من أي كلمة أو موقف، من أولئك الذين يشعر بأنهم يُشكلون عبئاً اقتصادياً عليه، فهو قد ينزعج من حركة طفل ما في البيت، أو من كلام سيدة ما في العائلة، أو من موقفٍ عاديٍّ لا يستدعي الإنزعاج أصلاً بالنسبة للشخص السوي والمتفاعل مع المحيط الاجتماعي والذي لديه المرونة على تقبل الأحداث وأسوأ الظروف والمواقف، لأن آلية الإنزعاج التي يلجأ إليها الكائن الشحيح هي السبيل الوحيد للتحرُّر من سطوة الواجبات التي يستثقلها، الواجبات التي يستشعرها وكأنها مداحل تمشي على جسده، وهو يفكر ليل نهار للتخلص من عبئها، وتلك الآلية لا شك تُستخدم سواء مع الأصدقاء أو مع العائلة والأهل في البيت الواحد.
لذا فإن المقاطعة على قلب الشحيح كالثلج الذي يغمر المرء المُعاني من قيظ البيداء، والمقتر في حقيقته يبقى جاهزاً لإشهار المقاطعة مع الجيران، أو مع العائلة، أو مع سكان البيت الواحد، فهو قد يختلق حجةً تجعله يتحرر من طلبات والدته، وقد يجافي والده عاماً كاملاً أو أكثر إذا ما شعر بأن والده بحاجة ماسة للمساعدة المالية من الأولاد، وقد يختلق مشكلة مع أخيه أو أولاده لكي يتحرر من هاجس التواصل معهم، فمجرد أن لا يقوم أحدهم بإلقاء السلام على الشحيح من باب السهوِ قد تكون فرصة ذهبية له لإظهار الإنزعاج، وبالتالي إغلاق باب المودة مع الطرف الآخر إلى حين زوال المخاوف الاقتصادية التي دفعته لاختلاق الذريعة.
والذرائع رغم كثرتها إلاّ أن المقتّر يتعب أحياناً في إيجاد الذريعة المناسبة التي يقدر أن يقنع المحيط من خلالها بصوابية موقفه حيالها، وكما قلنا فرغم كثرة الحجج إلا أن القابض على الفلس كما يقبض المرء على السائل خشية من الإنزلاق من بين أصابعه، بحاجة ماسة إلى دلائل مقنعة تدعم موقفه، وبعكس التصور العام عن إنسجام البخيل اجتماعياً، فالبخيل لا يحب أن تتم معاملته بصدق واحترام وعدل ومساواة لأن تلك العلاقة السليمة ستجبره على الإلتزام بالكثير من الواجبات تجاه المحيط الاجتماعي أو أهل بيته وعائلته، ولأن التعامل معه بناءً على القيم المذكورة أعلاه ستكون لاحقاً مكلفة مالياً بالنسبة له، لذا يكون في أتم احتراقه الداخلي إن كان الطقس مستقراً من الناحية الاجتماعية في محيطه، ونفسيته لا تكون في حالة الإنتعاش التام، إلاّ إذا ما ظهرت المشاكل، وكثرت الخلافات العائلية، لأن الأجواء المشحونة بالحسد والكراهية وبالتشنجات الاجتماعية هي المنقذ الوحيد للبخيل من الإنفاق على الأهل أو الأقارب أو المعارف.



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التاجر والسياسي الجوّال
- دلباز برازي: الفنان بحاجة إلى مساحة من الحرية والأمان حتى يت ...
- أثمة كُرد جيّدون
- القهوجي في حضرة الخاقانات
- مخيمات مؤقتة أم مستوطنات دائمة
- أحمد كبار: الفنان يؤرخ الوقائع في لوحات فنية لا تموت
- الإنكسار على أنغام الفلاح
- أدلجة الأخبار
- استخفاف
- ترشُّحات العنصرية
- دور الإعلاميين في تأجيج الصراعات
- العنصرية مُنتج محلي قميء
- دبلوماسية النذالة
- حورِبوا كمؤمنين كما حورِبوا كملحدين
- في أدراج الشذوذ وأهله
- دون الاحتلال وأبعد من الغزو
- الإعلام بين المعمول به والمقول
- عندما تكون العادات الاجتماعية أفضل من القوانين
- مواجع الضحية
- إرشاد الطاغية


المزيد.....




- المدافن الجماعية في سوريا ودور -حفار القبور-.. آخر التطورات ...
- أكبر خطر يهدد سوريا بعد سقوط نظام الأسد ووصول الفصائل للحكم. ...
- كوريا الجنوبية.. الرئيس يون يرفض حضور التحقيق في قضية -الأحك ...
- الدفاع المدني بغزة: مقتل شخص وإصابة 5 بقصف إسرائيلي على منطق ...
- فلسطينيون يقاضون بلينكن والخارجية الأمريكية لدعمهم الجيش الإ ...
- نصائح طبية لعلاج فطريات الأظافر بطرق منزلية بسيطة
- عاش قبل عصر الديناصورات.. العثور على حفرية لأقدم كائن ثديي ع ...
- كيف تميز بين الأسباب المختلفة لالتهاب الحلق؟
- آبل تطور حواسب وهواتف قابلة للطي
- العلماء الروس يطورون نظاما لمراقبة النفايات الفضائية الدقيقة ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماجد ع محمد - آلية من آليات الشحيح