أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب القرش - آمد: قبلة العلماء وأعجوبة الحضارة الإسلامية.. كردية اللغة..عربية الثقافة















المزيد.....


آمد: قبلة العلماء وأعجوبة الحضارة الإسلامية.. كردية اللغة..عربية الثقافة


عبدالوهاب القرش

الحوار المتمدن-العدد: 6422 - 2019 / 11 / 28 - 00:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


آمد هي قصبة إقليم ديار بكر الكردي في جنوب شرق تركيا ، فتحها المسلمون عام (639م) في عصر بني أمية ، شهدت نهضة علمية رفيعة المستوى حتى قصدها العلماء من كل أنحاء العالم الإسلامي..اللغة اكردية هي لغتها المحلية ، وكان من المنتظر أن تأتي ثقافتها وإنتاجها الأدبي والعلمي باللغة الكردية ، أو هذا ما كان متوقعًا على الأقل، ولكن الذي حدث شيئًا آخر جاء كل النتاج الثقافي لآمد باللغة العربية..ومن ثم فكان لزامًا أن نلقي الضوء على هذه الظاهرة ، حتى لا نترك مجالاً مبهمًا يثير التساؤلات دون أن تحظى بإجابة تاريخية مقنعة.
رصد الواقع اللغوي في آمد:
أشار الرحالة والجغرافيون العرب في القرنين الرابع والخامس الهجريين على أن اللغة المحلية لآمد وديار بكر كانت اللغة "الكردية " ، التي كانت تختلط باللغة " الفارسية " ، وذكروا أن اللغة العربية كانت هي لغة الحكم والإدارة في ديار بكر..
أكدت المصادر التي تحدثت عن تاريخ مدينة آمد على أن أمراها كانوا يتكلمون اللغة العربية، ولم يتكلموا لغة أخرى ، وفي نفس الوقت لم ترد أي إشارة – فيما اطلعنا عليه من مصادر – تفيد أنهم كانوا يتكلمون لغة أخرى غيرها ، كما أنه لم تبد منهم أية محاولة لتشجيع أو تفضيل اللغة العربية على اللغة الكردية أو أي لغة أخرى ، ولا شك أن هذا الموقف من حكام آمد يدل على عمق نفوذ اللغة العربية وسيادتها في تلك المنطقة ، وخاصة في هذا العصر الذي برزت فيه القوميات، وشهد محاولات ناجحة لبعث اللغات المحلية في فارس وغيرها ، وبذلك اتسمت الحياة الثقافية في آمد بسمة عربية خالصة.
وعلى هذا فقد كانت اللغة العربية كانت اللغة السائدة في آمد ، وأنها كانت تشكل لغة الحضارة التي تستخدم في مجالات العلم والأدرب والإدارة ، أما اللغة الكردية فكان يتم بها التخاطب في مجالات الحياة اليومية ، ولم تستخدم كلغة أدبية يكتب بها الشعراء والآدباء ، وقد اعترف الباحثون الأكراد أنفسهم بهذه الحقيقة فيقول محمد أمين زكي:"لا نعلم شيئًا عن الأدب الكردي القديم ، وهذا ما يؤسف له ، ولا شك أن هذا وليد إهمال العلماء والمؤرخين الأكراد ، حيث أهملوا هذا الجانب أيضًا من جوانب حياة قومهم الملأى بالحوادث والوقائع إهمالاً شديدًا ، ونسوها نسيانًا تامًا، وبالرغم من هذا الإهمال الشنيع ، والذنب الذي لا يغفر فقد يظهر للباحثين المدققين ظهورًا واضحًا أن كثيرًا من الأدباء والشعراء الكرد قد تركوا آثارًا أدبية خالدة في غير اللغة الكردية ".
ونقول :أن هذه اللغة الأخرى التي جاء بها إنتاج الأدباء والشعراء في آمد هي اللغة العربية.
آمد قبلة العلماء:
تعتبر مدينة آمد أحد أهم هذه الرموز الحضارية الساطعة في التاريخ الإسلامي، لما اشتملته من صنوف العلم والمعرفة، فقد كانت قبلة للعلماء، والمفكرين والأدباء وذلك للسببين التاليين:
أ- تشجيع الأمراء:
بذل معظم الأمراء الذين حكموا آمد جهودًا عظيمة في تشجيع قيام حركة ثقافية وعلمية فيها ، وقد نجحوا بالفعل في جعل آمد مدينة مزدهرة يغشاها العلماء ، ويقيمون فيها ، ويرحل إليها الطلاب سعيًا وراء العلم والمعرفة.
يصور لنا ابن الأثير تدفق العلماء والشعراء على ناصر الدولة الحمداني فيقول:" كان مقصدًا للعلماء من كل مكان ، وكثروا ببلاده ، وكان ممن قصده أبو عبد الله الكازروني وعنه انتشر المذهب الشافعي في ديار بكر(آمد) وقصده الشعراء وأكثروا من مدحه ، وأجزل جوائزهم "
وقد قرب الأمير السعيد الأرتقي العالم شمس الدين أبو عببدالله وجعله وزيرًا له ، كما وزر أحمد بن مروان الكردي الشاعر ، والكاتب أحمد بن يوسف السليكي.
وكانت الحفلات التي تقام في المناسبات الرسمية في مدينة آمد ذات أثر كبير في تشجيع الشعراء ، لأنها كانت تعتبر بمثابة حلقة يتبارى فيها الشعراء ويتسابقون في إنشاد قصائد المدح والهناء أو التأبين والرثاء فعلى سبيل المثال عندما عقد ناصر الدولة سنة (403ه) مجلسًا لاستقبال رسل الخلفاء والملوك لتهنئته بولايته " حضر الشعراء والقراء ، وكان يومًا ومشهودًا "..وعندما جلس ناصر الدين سنة (453ه) للعزاء في والده " أحضر الشعراء والمقرئين ، وأنشدوا وعزوه في أبيه ".
ب- كثرة المؤسسات التعليمية:
لم يتوان معظم من حكم آمد في بذل الجهود لرعاية النهضة الثقافية بالبلاد ، فأكثروا من إنشاء المساجد التي تتخذ - بجانب القيام بأداء وظيفتها الدينية – مدارس علمية تعقد فيها حلقات العلم والدراسة ، فأوقفوا للإنفاق عليها عليها الكثير من الأوقاف ، كما أنشئت المكتبات وزودت بالكتب النادرة التي تساعد الطلاب على الدرس والتحصيل..فيروي لنا ابن الأزرق الشاعر المنازي كاتب الإنشاء في – وهو ما يمكن أن نطلق عليه وزير الثقافة بلغتنا الحديثة – وقد " جمع كتبًا كثيرة وقسمها بين آمد وميافارقين ، وأوقفها في الخزانة في جامع ميافارقين ، وخزانة في جامع آمد "..ويذكر بن خلكان(ت681ه) أن هذه الكتب كانت موجودة في عصره ، وأنها كانت تعرف في مكتبتي المسجدين بكتب المنازي.
تعد مدينة آمد مركزًا من المراكز العلمية المتعددة في العالم الإسلامي ، التي يتجه إليها العلماء من كل مكان ، ويتضح لنا ذلك حين نعمل على تقصي العلماء الآمديين والوافدين إليها ، وإن العدد يعطي فكرة تامة على عن تفضيل العلماء الوفود إلى آمد لما وجدوا فيها من الأمن وتشجيع العلم والعلماء.
فبعد إحصاء العلماء الذين كان لهم باع في العلوم التي سادت وانتشرت في آمد في القرن الخامس الهجري ، توصلنا إلى أن عدد علماء الذين وجدوا في آمد بلغ (295) عالماً.

العلماء المجموع الكلي للعلماء الآمديين والوافدين المجموع الفعلي للعلماء الآمديين والوافدين العدد المكرر النسبة المئوية إلى أعداد العلماء الكلي
علماء آمديون 107 72 35 36،27%
علماء وافدون 188 142 46 63،73%
المجموع الكلي 295 214 81 100%
لقد تم إحصاء أعداد العلماء من خلال مؤلفات كلاً من : ابن الأزرق " تاريخ ميافارقين وآمد " ، والذهبي " سير أعلام النبلاء " ، وابن خلكان " وفيات الأعيان"..ولا ندعي - بعد كل ما بذلناه من جهد - أننا تمكنا من أحصاء جميع العلماء الذين عاشوا في آمد ووفدوا إليها خلال خلال القرنين:الخامس والسادس الهجريين . وذلك لفقدان بعض المصادر ، وعدم طبع بعضها الآخر ، وصعوبة الحصول على المخطوطات الموزعة في أرجاء العالم.
في الجدول السابق قمنا بتقسيم العلماء إلى قسمين ، يشمل القسم الأول على العلماء الآمديين ، وهم علماء آمد أصالة وولاده ، أو ممن وفد إليها للإقامة بها فانتسب ، أو نسبته المصادر التاريخية إليها ، واستخدمنا تعبير العدد الفعلي ، وقصدنا به عدد العلماء الذين ورد ذكرهم في القرنين:الخامس والسادس الهجريين في علم من العلوم ، سواء تكرر اسم العالم في أكثر من علم ، ولهذا ازداد العدد الكلي للعلماء زيادة واضحة عن العدد الفعلي ، فمثلاً بلغ العدد الكلي للعلماء الآماديين (107) عالماً ، على حين كان العدد الفعلي لعلماء آمد (72) عالماً ، أي بفارق (35) عالماً ، وهو العدد المكرر ، لأن هؤلاء نبغوا في أكثر من علم ، ووردت اسماؤهم فيها كلها..أما العلماء الوافدين إلى آمد فكان عددهم (188) عالماً ، وعددهم الفعلي (142) عالماً ، أي بفارق (46) عالماً..ويعود السبب في وجود ذلك الفارق بين العددين إلى أن العالم في هذه العلوم مارس العلم في أكثر من فرع من فروع العلوم الإسلامية والإنسانية والأدبية.
ولكي تتضح لنا الصورة أكثر فأننا عمدنا على إعداد إحصاء لعدد العلماء الوافدين إلى مدينة حسب المناطق التي قدموا منها:
مكان الوفود مجموع الكلي للعلماء الوافدين إلى آمد حسب مناطق وفودهم النسبة المئوية إلى مجموع عدد العلماء الوافدين والآمديين النسبة المئوية إلى مجموع عدد العلماء الوافدين الكلي
المشرق الإسلامي 87 29،49% 46،27%
بلاد الحجاز 12 4،06% 6،38%
باقي الجزيرة الفراتية 49 16،61% 26،38%
الشام 8 2،71% 4،25%
العراق 21 7،11% 11،17%
المغرب 2 0،67% 1،06%
مصر 7 2،37% 3،72%
اليمن 2 0،67% 1،06%
العلماء الآمديين 107 36،27% 56،91%
المجموع الكلي 295 100%
يتضح من الجدول أن العلماء الوافدين من المشرق الإسلامي كان أكثر العلماء وفوداً إلى مدينة آمد ، فقد وفد من هذه المناطق إلى آمد (87) عالماً شكلوا نسبة (29،49%) إلى إجمالي أعداد العلماء الآمديين والوافدين ، كما شكلوا نسبة (46،27%) من إجمالي أعداد العلماء الوافدين إلى آمد.
ولا شك أن هذا العدد من العلماء الوافدين إلى آمد من المشرق الإسلامي يعد كبيراً قياسًا لأعداد بقية العلماء ، فقد قطعوا للوصول إلى آمد مسافات بعيدة هانت عليهم لأنها في طلب العلم ، مع ظروف السفر القاسية..وقد يكون بسبب وفودهم إلى آمد الظروف الدينية التي سادت في بلادهم ، وما عاناه الشافعية في بعض مناطق المشرق الإسلامي من إضطهاد دفعهم إلى الرحلة والتوجه إلى آمد حيث العلم والهدوء ، إضافة إلى كثرة الحروب في المشرق الإسلامي التي لم تتوقف بسبب الصراع بين الدويلات التي ظهرت في المنطقة مثل السامانية والسلجوقية والغزنوية والغورية.
ويأتي في الدرجة الثانية بالنسبة لعدد العلماء الكلي الوافدين إلى آمد العلماء الوافدون إليها من بقية إقليم الجزيرة الفراتية ، الذين بلغ عددهم (49) عالماً ، شكلوا نسبة (16،61%) من إجمالي العدد الكلي للعلماء الآمديين والوافدين ، كما شكلوا نسبة (46،27%) إلى مجموع العدد الكلي للعلماء الوافدين إلى آمد.
وقد يكون سبب كثرة وفود العلماء من بقية أرجاء إقليم الجزيرة الفراتية لقرب مدينة آمد من مدنهم من جهة ، ولوجود علماء في آمد لهم مكانتهم العلمية ، وتصح الرحلة إليهم للإستفادة من علمعم ..إضافة إلى تعرض بعض مدن الجزيرة الفراتية إلى غارات البيزنطيين ، وإضطرار علمائها للهجرة من مدنهم إلى آمد.
كما وفد من العراق إلى آمد (21) عالماً ، ومن الغريب أن يفد إلى آمد مثل هذا العدد ، حيث أن بغداد ظلت في القرنين الخامس والسادس الهجريين مركزاً للحضارة الإسلامية ، بما اجتمع فيها من جهابذة العلم والمعرفة في كل فن ، ومع ذلك فأن مركز بغداد الحضاري والعلمي لم يمنع علمائها من الوفود إلى آمد ، وأن يحلوا في المرتبة الثالثة بالنسبة لعدد العلماء الوافدين إليها.
ولابد أن يكون السبب المذهب الشيعي في العراق خلال القرن الخامس الهجري بسبب حكم البويهيين فيها أثر في وفود علماء العراق إلى آمد التي كان المذهب السني سائد فيها ، إضافة إلى رغبة علماء بغداد للرحلة في طلب العلم ، وللقاء علماء آمد والأخذ عنهم.
ويأتي علماء بلاد الحجاز الوافدين إلى آمد – من الناحية العددية – بعد علماء العراق ، فقد بلغ عدد العلماء الحجازيين (12) عالماً ، شكلوا نسبة (4،06%) إلى إجمالي العدد الكلي للعلماء الوافدين والآمدينن ، بينما شكلوا نسبة (6،38%) إلى إجمالي عدد العلماء الوافدين ، ويرجع السبب في قلة عددهم ، لكون الحجاز منطقة جذب للعلماء الوافدين ، أكثر منها منطقة نبذ ، ويرجع السبب في ذلك إلى وجود الأماكن المقدسة بها ، ووفود العلماء إليها في كل موسم من أرجاء العالم الإسلامي ، إضافة إلى عامل المجاورة الذي كان علماء العالم الإسلامي حميعًا يرغبون فيها ، وذلك لمجاورة في الأماكن المقدسة ، وهذا جعل علماء الحجاز يأتيهم العلم إلى دارهم ، ولذلك قلت رحلتهم إلى آمد وإلى وإلى غيرها ، وإن كانت الرحلة لم تتوقف.
أما مصر فقد قدم منها (7) علماء وشكلوا نسبة (2،37%) إلى إجمالي العدد الكلي للعلماء الوافدين والآمدين ، كما شكلوا نسبة (3،72%) إلى إجمالي عدد العلماء الوافدين ، وحلوا في المرتبة الخامسة ، ووقد يكون السبب في ذلك إلى استغناء علماء مصر بما عندهم من علماء يمكن التعلم على إيديهم ، وتلقي العلم عنهم ، هذا إضافة إلى رحلتهم إلى الحجاز للحج والمجاورة ، ولقاء العلماء فيها وإلى بغداد مركز الحضارة الإسلامية.
أما اليمن والمغرب العربي فجاءوا في المرتبة الأخيرة فلم يفد منهما إلى آمد إلا (2) عالمان من كليهما ، شكلوا نسبة (0،67%) إلى إجمالي العدد الكلي للعلماء الوافدين والآمديين كما شكلوا نسبة (1،06%) إلى إجمالي العدد الكلي للعلماء الوافدين ، وهما عدد قليل ونسبة ضعيفة ، وقد يكون السبب في ذلك بالنسبة لليمن أنها كانتمن طقة صراع بين أنصار الفاطميين واعدادهم من جهة ، وأن العلماء فيها كانوا أقل عدداً من العلماء في غيرها من المناطق ، وأن رحلتهم إلى آمد كانت قليلة ورحل أكثرهم إلى مصر ودمشق وبغداد لتلقي العلم فيها لأهمية هذه المناطق ، كونهم مركز من مراكز الحضارة الإسلامية ، أو إلى الحجاز لأنها مركز المسلمين الديني والمجاورين ، وهذه الأسباب تنسحب أيضًا إلى المغرب والأندلس.
الأسر العلمية:
ومن واقع التراجم لعلماء آمد من أهلها ومن الوافدين إليها ، والذين عاشوا في آمد في القرن الخامس الهجري ، وجدنا أسر توارث أفرادها إتقان وإجادة علم بعينه اشتهرت به هذه الأسر ، كما اشتهرت بعض الأسر في أكثر من علم.
ومن هذه الأسر أسرة الحنائي (نسبة إلى بيع الحناء وهو نبات يخضبون به الأطراف) التي اشتهرت بعلم الحديث ، ونبغ من أفرادها عدة أشخاص نذكر منهم إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن عبد الله أبو إسحاق الحنائي (ت 420 ه) وألف الكثير من الكتب ، وحدث بشيء يسير ومع هذا الوصف الذي ذكرته المصادر في كثرة مؤلفاته فأنها لم تذكر هذه المصنفات.
ومن علماء أسرة الحنائي الإمام الحافظ المقرئ أبو الحسن علي ب ن محمد بن إبراهيم بن الحسين الحنائي(ت 428 ه) أخو أبي القاسم الحسين الحنائي (ت 459 ه) ، وعم الشيخ أبي طاهر محمد بن الحسين (ت 510 ه) وما زال هناك الكثير من أفراد أسرة الحنائي لا يتسع المقام هنا لذكر اسماءهم فقط.
ومن الأسر العلمية التي زار أفرادها مدينة آمد أسرة السلمي التي برز منها الشيخ العالم أبو القاسم علي بم محمد يحيى بن محمد بن عبد الله السلمي الحبشي (المعروف بالسميساطي) من أشهر المحدثين ، ولد سنة (374 ه) ، وينتمي إلى أسرة علمية نبغت في الحديث ، فقد كان جده أبا القاسم يحيى بن محمد كان من علماء الحديث والمؤلفين به ، وولده محمد بن يحيى السلمي (ت 402 ه) أحد العلماء الموسوعيين ، فقد ورث الجد والأب العلم لأبي القاسم علي بن محمد الذي سمع من أبيه وغيره .
ومن الأسر العلمية في آمد أسرة ابن البغل التي تولى ثلاثة من أفرادها منصب القضاء في آمد ، وكذلك أسرة بن بكرون ، وبن العقيل وغيرهم الكثير ، ولا يتسع المقام لترجمة لأفراد هذه الأسر..
ويمكن القول أن ظهور الأسر العلمية الآمدية والوافدة دليل واضح على الاهتمام بالعلم وتشجيعه وتعليم الابناء.
منح الألقاب العلمية:
اتخذ العلماء ألقاباً متعدد أطلقت عليهم حتى صارت علمًا يعرفون بها ، ومن الألقاب التي لقب بعض العلماء الذين وفدوا إلى آمد ، فلقب بعضهم بالإمام الحافظ ، وقد حمل هذا اللقب ممن زاروا آمد كثير من المحدثين منهم أبو الحسن الغازي (ت 468 ه) وغير ه كثير ، ومن الألقاب أيضًا شيخ القراء الذي حمله الحسن بن علي الأهوازي (ت 446 ه)، ولقب "جمال الإسلام" الذي حمله علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح أبو الحسن السلمي الدمشقي الفقيه الشافعي(ت 533ه) ، كما لقب بعضهم بلقب شرف الإسلام ، وقد حمل هذا اللقب عبدالوهاب بن عبد الواحد الحنبلي (ت 536 ه) ولقب بمنتخب الدين أبو المعالي محمد بن يحيى القرشي (ت 537 ه).
ومن ذلك يظهر أن الألقاب التي لقب بها العلماء منها ما كان لقب تعريف ، ومنها ما كان لقب تشريف ، وبعضها ألقاب دينية.
منح الإجازات العلمية:
الإجازة هي الشهادة التي يمنحها العالم الواحد أو عدة علماء للمتعلم وتكون الأجازة مكتوبة أو شفهية..ونظرًا لمكانة علماء آمد وتمكنهم من علومهم حرص الآباء المهتمون بالعلم على أن يحص أبنائهم على الإجازات ، فقد حرص والد أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 ه) على أن يحصل على إجازة من آمد من خثيمة بن سليمان بن حيدرة أو الحسن القرشي الشامي الأطرابلسي(ت 343ه) ، وهناك الكثير والكثير لا يحصيه البمقام من المجيزين والمجازين ، وهو دليل أن مدينة آمد كانت قبلة علمية يقصدها الطلاب الحريصين على الحصول على مرتبة علمية عالية.
صفات علماء آمد:
كانت الصفة الغالبة على علماء آمد - إضافة إلى علمهم وتفقههم ، وحصول أكثرهم على الإجازات – التدين ، وحب قراءة القرآن وتعليمه ، إضافة إلى صفات خلقية متعددة على رأسها الزهد والتقشف ، والتفاني في التدريس، فقد كان العلماء يقضون عدة سنوات في تعلم القرآن الكريم وعلومه وتعلمه ، ومن الذين برزوا في هذا المجال أبو الحسن علي بن محمد بن عبدالرحمن البغدادي (ت 468 ه) الذي أقرأ الناس في مسجد آمد ، ونصر بن عبد إبراهيم بن داود المقدسي (ت490 ه) من فقهاء الشام ، رحل إلى آمد واستقر بها ، وكان ذو همة عالية وكان زاهدًا متقشفًا محبوبًا من كل الناس.
كما اتصف علماء آمد في العصر الإسلامي بأنهم أصحاب همة عالية في التعليم والتعلم ، ولا يبخلون ببذل الجهد في علمهم ، وإعادة الدرس بكامله أو بعض فقرات منه أكثر من مرة ، حتى يستوعبها المتعلمون جميعًا ، كما أنهم يحترمون المتعلم كبيرًا كان أو صغيرًا ، ومن أثال هؤلاء أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد الروياتي الطبري الشافعي (ت 502 ه) كان من " رؤوس الأفاضل في أيامه مذهبًا وأصولاً وأخلاقًا ، وبلغ من تمكنه في المذهب الشافعي أنه كان يقول: لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من خاطري ".
كما تميز العديد من علماء آمد بالكرم والسخاء والإحسان إلى الفقراء وطلاب العلم الفقراء، فقد كان الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني عالم آمد وفقيهها موصوفًا بالسخاء والكرم، وكذلك كان أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنبلي الآمدي صاحب مروءة مع ضيوفه.
كما اتصف علماء آمد بصفة العفاف والكتفاء بالكفاف ، وعدم التزلف لرجال السلطة . فقد رفض الكثيرون منهم الصلة بالأمراء والحكام وتجنبوا أعطياتهم ، واكتفوا باليسير ، وكان هذا إلى جانب حبهم لعمل الخير ، ومن هؤلاء العلماء بدر الدين محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة المارديني الحلبي الحنفي الذي كان لا يأخذ على عمله في التعليم أجرًا ، وينفق على نفسه من أملاكه الخاصة ، وذلك خشية أن يضطر للخنوع لأولي الأمر ، ويحيد بذلك عن جادة الصواب.
د/عبد الوهاب القرش
باحث في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية
مصادر والمراجع
- ابن الأثير:الكامل في التاريخ ، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت ، لبنان ، 1997م.
- ابن الأزرق:تاريخ الفارقي ، القاهرة : 1959م.
- ابن خلكان: وفيات الأعيان، دار صادر - بيروت 1972م.
- ابن كثير: البداية والنهاية، مكتبة المعارف ، بيروت: 1990م.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء ، مؤسسة الرسالة ،ط11، 1996م.
- المقدسي :أحسن التقاسيم ، مكتبة مدبولي، ط3، القاهرة،1991م.
- محمد آمين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، نقله الى العربية وعلق عليه. الاستاذ محمد علي عوني ، مطبعة السعادة : 1939م.
- ياقوت الحموي: معجم الأدباء ، دار الغرب الإسلامي 1993م.



#عبدالوهاب_القرش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينة سميساط ..موطن العلماء والأتقياء والأشقياء..والملائكة
- الدعاة إلى الله..بين الانتمائية الحزبية وفتاوى الكيل بمكيالي ...
- العرب من عبادة الأصنام إلى تقديس الأقدام!!
- من جرائر الفكر الديني المنغلق!!


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب القرش - آمد: قبلة العلماء وأعجوبة الحضارة الإسلامية.. كردية اللغة..عربية الثقافة