|
دولة الفشل المذهل !
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1561 - 2006 / 5 / 25 - 11:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في اخر تقارير لجنة شؤون التنمية المستدامة ومعضلاتها حول العالم ، والتابعة لمنظمة الامم المتحدة ، هناك اشارة واضحة ، لا تقبل الطعن ، تقول ان العراق يقف في مقدمة الدول الفاشلة بعد الصومال وافغانستان ، والفشل هنا فشل مستدام بالتمام والكمال ! انها شهادة تقدير جديدة ، تمنحها المنظمات الدولية ، لدولة الاحتلال الامريكي في العراق ! ، وستضيفها الى لوحة شهاداتها السابقة ، لتزين بها جدران بيتها ، البيضاوي الصبغة ، والسوداوي الروح والعقل .
اليوم كل شيء في دولة العراق معرض للفشل ، فشل كلوي يشمل البلاد والعباد ، حتى الولادات اما مشوهة ، او معاقة ، او تحمل انواع غريبة عجيبة من الحساسيات ، كيف لا ؟ وهي دولة مستباحة ومسبية سباية اهل الحسين ، دولة يخرب ويسرق منها وبها كل شيء من اجل ان لا يكون العراق عراقا ، النفط ، والماء ، والغذاء ، والكهرباء ، والدواء ، والخزينة والقوانين والوزارات ، والجيش ، والموظفين ، والمتقاعدين ، ارضا وشعبا ، وثقافة ومصير ، الكل سائر نحو الفشل المطبق . بلاد نزل عليها الاجتثاث والاستأصال والالغاء والتفكيك والتصعلك والسمسرة ، وتحميس جلد الذات باللطم والتطبير ، نزول الصاعقة ، مهيجا فيها كل ما فيها ، من غبار حثالتها المتيبسة ، والتي لفضتها منذ دهور وقرون وعقود ، لقد نفضته عن نفسها بتجاوز مبدع ، ومنذ دويلات المدن ، ايام العراق الاول ، العراق السومري ،، صحيح كانت هناك فترات ارتداد ، لكنها ارتبطت دوما بالتقهقرالمنفعل بعوامل خارجية ، طبيعية كانت ام بشرية ، كالاوبئة والطواعين والجفاف والفيضانات ، والغزو والاجتياحات البربرية كما في ، التتر والمغول ، ودول الخروف الاسود والابيض والصفويون والعثمانيون ، واخرها الغزو الامريكي الارهابي لعراقنا العصي والذي يحاول المحتلون العبث بمقدراته ، وجعله يكتسب صفات ليست فيه بمساعدة المتساقطين ، وارهابيي الطوائف من عراقيين وغير عراقيين ، وصارت بلادنا تئن تحت جلدات الاحتلال واعوانه ، لقد عملوا على ان تكون بلادنا التي استكبرت على نفسها الاقتناع بصكوك الغفران ومفاتيح الجنة ، ونصراخاك ظالما و مظلوما ، بلاد لا يطيق اهلها رؤوس بعضهم ، بلاد يستعاد بها اليوم قول وفعل من اذلته ، بعد ان جرب اذلالها "ارى رؤوسا قد اينعت وحان قطافها وانا لها" لقد جعلته يمشي متلفتا يمينا وشمالا ، جعلته لا ينام ، ويهرب لحصنن معزول طالبا السلامة ، انه الحجاج ، الذي لم يهنأ يوما واحدا بحكم العراق ، بالرغم من الاعداد الهائلة للرؤوس التي دحرجها على صدور الالاف من اهلها ، كل شيء مباح مادام يفضي الى القطع الكلي مع عراق كان ، عراق اليوم ينحدر تحت الصفر بشريا وماديا وفكريا، وتتصاعد فيه مقاييس الناقص ، لتشمل كل شيء ، حتى لا يعود هناك شيء . درنات هوس القطع ، والبتر العتيقة ، والمتيبسة في تربته ، يجري استنساخها واعادة تاهيلها ، واعمارها لتسود وتجود في ارجاع البلاد واهلها الى ان تكون فعلا ، ارض معمرة بالشقاق والنفاق ، لتنشغل عن مواجهة اجتياح وتسلط واستعباد برابرة الروم والاعاجم الجدد لها . كان للبعد الحاد والرادع في موروث التعاطي مع الحلول لمشاكل الصراع والاختلاف والتباين والتنافر بحكم التشكيل الانثوغرافي والتاريخي ، تجلياته المنحازة دوما لقطب حاسم وكلي النزعة ، متجنبا التجريب في منطقة التغاضي ، او التدرج ، وحلول الوسط ، التي يقل فيها استخدام النصل لذبح المشكلة ، واعطاء فرصة للاستفادة من استقصاء علاجها بمراهم قد لا تحرم التفاعل الحيوي من طرف مهم فيه ، عن طريق انهاءه وقطعه وبتره وذبحه ، نعم قد لا تنفع المراهم ، والبلاسم في الخلاص من الغرغرينا ، لكنها تعطي فضاءا للامتلاء في علاج غيرها ، اكثر من خواء القتل كعلاج ، يفني ارواح لم يأتي زمنها ، " اذبحها على قبلة ـ قص الرأس وموت الخبر ـ اقطع عرق وسيح دم ـ قطع الاعناق ولا قطع الارزاق ـ اجعلهم يتمنون الموت خوفا من الحياة ببترهم بترا ـ سيذكرها لك المعاودون يوما فيجزعون ويفرون فرا " ، وهذا النمط من القصب والسلخ في ادب الصراع والاختلاف هو وريث الحدة المترابطة مع الحراك القاسي ، والفاعل ، والمتأزم والمتشابك ، عاشتها العديد من البلدان الاخرى ، مثل ايطاليا ، المانيا ، اليابان ، تركيا ، الجزائر ، لبنان ، ايرلندا ، وان كان للعراق فيها بصمة ، فجذرها يعود الى المطاولة والمعاودة ، بسبب موقعه وعمره الطويل في قمة التصارعات الحضارية ، التي صيرته ليكون الاكثر حدة ورهافة ، لقد عرف العراق عن حس الجمال وفنونه ما لم يعرفه احد ، وعرف عن حس الموت والقتل والتعذيب وعلومها ، ما لم يعرفه احد ، انهما وجهان لعملة الذات الخفية والتي يستدعى اليوم وجهها القاتل ، ان هذا الحاصل اليوم ليس قدرا لا مفر منه كما يراد له ان يكون ، انه جريمة بفعل فاعل هيأت لها السبل ونبشت من اجلها النعرات والعنعنات ، وما يثير العصبيات والفتن ، الاحتلال ومن يجاريه من المراهنين ، والامعات من العراقيين هم المجرمون بحق العراق وشعبه ، كل شيء في هذا العراق ينحدر للفشل ، الاعقول وضمائر الشرفاء من المرابطين والصامتين غيضا الى حين ، والمقاومين من اجل استعادة العراق الذي كان ، والذي نريده ان يكون .
الاعتراف بالفشل فضيلة :
الاعتراف بالخطأ والفشل صفة واثقة يتسم بها من يعتز بمنزلته ، بينه وبين نفسه اولا ثم بينه وبين الاخرين ، اي ان يكون في قرارة نفسه صادقا ومحترما لها ، وبالتالي له منزلة حقيقية وصادقة بين الناس ، وهذه الصفة تتصادم مع مركبات النقص في التكوين النفسي للافراد ، كالمكابرة في الاصرار على الخطأ ، والنرجسية الانوية وامراض الدونية ، والشعور بالنقص التي تنم عن سريرة غير سوية ، ان الاعتراف بالخطأ هي فضيلة نضج ، وسلامة نفسية واخلاقية ، و يمتاز بها من يتعفف عن تلويث يديه بتجاوزات يحاسب عليها القانون او العرف والاخلاق العامة والخاصة . ما يهمنا هنا هو ممارستها على صعيد العمل العام ، فمن يمارس نقد ذاته واعترافه بالفشل والخطأ مهما كانت درجته ، هو فقط صحاب القيم السياسية البناءة والتقاليد الحصيفة والمتزنة والصادقة ، والعكس صحيح . سيدخل "العراق المحرر من سيادته واستقلاله وحريته واستقراره" عامه الرابع وهو ينحدر من سيء الى اسوء ، وثبت بما لا يدع مجالا للشك ، ان اصحاب هذا المشروع الاحتلالي واتباعه من عراقيي الجنسية قد فشلوا فشلا صارخا في كل مجال حاولوا تلميعه بالتزييف والخداع ، انهم يثيرون الغبار باختلاق مشاكل جديدة هروبا من استحقاقات عمليتهم الكاذبة ، وعندما قال الشرفاء ان الباطل لا يلد الا باطلا ، تطوعوا للتحدي بانهم سوف يثبتون خطل ما يقوله القائلين ، ولم نجد شيئا مما وعدو ، غير الخراب والدمار والفساد والابادة الطائفية وانهيار مقومات الدولة التي يعتز بها كل عراقي . اعترفوا بالفشل ودعوا الامر لاهله ، عسى ان يغفر لكم هذا الشعب ذنوبكم ، كونوا رجالا ولو لمرة واحدة ، واعتذروا لشعب كنتم ادلاء عليه ومجرمون بحقه ، وان استصعبتم ذلك ، وهو ما يتوقع من امثالكم ، اكشفوا كل الاوراق امام الناس ودعوا الناس تحكم وتختار حقا ، فهل ستكونون من اصحاب الفضائل وتفعلوها ؟
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هم الارهابيون ؟ من المطالب بتزكية نفسه ، المقاومة ام الاح
...
-
هنري كسينجر يطالب بالانتقام من العراق
-
المقاومة الرقم الاصعب في المعادلة العراقية
-
في داخل العراق ازمة شعر وشعراء
-
حزورة المليشيات في العراق
-
البنتاغون يتأبط حربا جديدة
-
الطبقة العاملة العراقية العدو الاول للاحتلال
-
لقطات
-
القيادات الكردية العراقية مدمنة على التصيد في المياه العكرة
-
اليُتم اليساري في العراق
-
الاعلام العراقي بين التخلف والتزلف
-
بين الاستهتار الامريكي والخبث الايراني
-
الجحيم لم يأتي بعد العقدة والحل
-
الطينة الفكرية لرجالات العهد الجديد في العراق
-
نقطة نظام - حالة الدجيل مسببة حسب القانون العراقي وقتها
-
احتلال المرأة
-
التحشيش الطائفي والتجييش الامريكي
-
العراق في مزاد سياسي مزدحم
-
يا أعداء الاحتلال وفتنه اتحدوا
-
خبر التفجير والتفسر عند السفير
المزيد.....
-
العثور على جثث 4 أطفال في الجزائر عليها آثار حروق
-
-إعصار القنبلة- يعصف بالساحل الشرقي لأمريكا مع فيضانات ورياح
...
-
في خطوة رائدة.. المغرب ينتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في
...
-
أذربيجان تتهم الخارجية الأمريكية بالتدخل في شؤونها
-
ماكرون يسابق الزمن لتعيين رئيس للوزراء
-
نائب روسي ينتقد رفض زيلينسكي وقف إطلاق النار خلال أعياد المي
...
-
ماكرون يزور بولندا لبحث الأزمة الأوكرانية مع توسك
-
الحكومة الانتقالية في سوريا تعلن استئناف عمل المدارس والجامع
...
-
رئيس القيادة المركزية الأمريكية يزور لبنان للتفاوض على تنفيذ
...
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
المزيد.....
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
المزيد.....
|