أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - وديعة مثالية لدى رئيس، راعٍ ومحبّ















المزيد.....

وديعة مثالية لدى رئيس، راعٍ ومحبّ


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6419 - 2019 / 11 / 25 - 15:41
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


وديعة مثالية لدى رئيس، راعٍ ومحبّ
An Ideal Deposit with a President, Patron and Lover
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها إسرائيل بن جمال بن إبراهيم صدقة الصباحي (يسرائيل بن چمليئيل بن أبراهام تسدكه هصفري، ١٩٣٢٢٠١٠، من مثقفي الطائفة الحولونية، أصدر توراة مشكّلة ودقيقة لتعليم الأولاد وكذلك كتب صلوات، وكان ناشطًا في الحياة العامّة) بالعبرية على مسامع الأمين (بنياميم) صدقة (١٩٤٤ )، الذي بدوره نشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٤١٢٤٥، ١ آب ٢٠١٧، ص. ٥٧ ٥٨. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري من المائة والستّين في نابلس وحولون، ويعيش فيها قرابة الثمانمائة نسمة، وهناك مشتركون في الدورية من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحُسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”احترام الذات في أوقات الفقر والعَوَز

عندما كنّا نسكن في حيّ فقير في تل أبيب اختبرنا الجوع والحرمان في كلّ يوم. سنوات ثلاثينات القرن العشرين الأولى كانت عصيبة بنحو خاصّ، وبعد ذلك لم تتحسّن حالتنا كثيرا. والدي جمال بذل كلّ جهده في مزاولة أيّة صنعة أو عمل لتوفير لقمة الطعام لصغاره، أنا البكر وشقيقاي إبراهيم ومبارك (باروخ).

أصبحت الأيّام أكثر فأكثر صعوبة، تفشّت البِطالة ولم نجد إمكانية لسدّ رمقنا. استمرّت أُمّي في تحضير شيء ما لنا من لا شيء، ولكن في آخر المطاف حبكت أصابعها بشدّة ويأس، لأنّه لم يتبقّ في جيب أبي ولا قرش واحد. وديننا للبقالة تفاقم، والبقّال رفض أن ييع لنا على الائتمان (الدفتر).

أبي لم ير أي مخرج، كان في حيْصَ بيصَ. سمع ذات يوم بأنّ صديق السامريين العظيم يتسحاك بن تسڤي، رحمه الله، أتى لزيارتهم في يافا. بقلب متحسّر متألّم، أخرج والدي كتابي صلوات مخطوطين كانا بحوزته من تركة أبيه، لفّهما بمنديل حريري كبير، وسافر لمنزل كائن على الحدّ بين يافا وتل أبيب، حيث حلّ فيه بن تسڤي ضيفًا. أخذ أبي بنَ تسڤي جانبًا طالبًا إيداع المخطوطين عنده مقابل قَِرض. بن تسڤي، الذي كان مطّلعًا على الوضع الاقتصادي الذي كان أصدقاؤه الذين اعتنى بهم يعيشون فيه، استجاب حالًا للطلب وأقرض أبي مبلغ الوديعة.

توْق والدي

منذ ذلك اليوم، لم ينقطع أبي عن التأمّل بصوت في ذلك اليوم في المستقبل، الذي فيه سيكون بحوزته المبلغ المطلوب فدىً لكتابي الصلاة من يدي بن تسڤي. في بداية أربعينات القرن الماضي، تحسّن وضعنا الاقتصادي قليلا. أخذ أبي يراكم ليرة تلو ليرة من مبلغ الوديعة، وأودعها لحفظها برعاية أُمّي. أُمّي إستير (جميلة، اسم اختاره، كما يبدو، زوجها. أشكر صديقي الكاهن عزيز يعقوب على هذه المعلومة) أدارت شؤؤن بيتها وحافظت كلّ المحافظة على شرف العائلة في أعين الناس. إنّها أيقنت مدى أهمية استرجاع المخطوطين بالنسبة لأبي. عندما توفّر مبلغ الوديعة وتكاليف السفر، اصطحبني أبي وسافرنا إلى القدس. آونتها، كنت ابن اثني عشر ربيعا. أبي لم يبلّغ بن تسڤي عن نيّته في لقائه. كان معروفًا أنّ بن تسڤي مستعدّ للتفرّغ من أيّ عمل مهما كان مهّمًا، من أجل استقبال أيّ سامري. عندها كان بن تسڤي في نهاية منصبه، رئيس جلسات اللجنة الوطنية، وقبيل تعيينه رئيسًا لها وذلك المنصب كان من أهمّ المهام قُبيل قيام الدولة. اهتمام أبي بهذه الحقائق، كان أقلَّ من اهتمامه باسترداد المخطوطين.


باب بن تسڤي كان مفتوحًا بوجه السامريين

كما كان متوقّعًا، عندما علِم بن تسڤي بأن أبي يرغب في مقابلته، أسرع وتفرّغ من أشغاله. قابل أبي بالترحاب وببشاسة ولا سيّما لي. انحنى قليلًا وقرص خدّي بخفّة وسألني عن تقدّمي في دراستي، ولا سيما تراث الآباء. أجبته بما أجبت، ولكن أبي قاطعني بنفاذ صبر وقال:

” يا سيّد بن تسڤي لديك وديعة أودعتك إيّاها مقابل قَِرض أقرضتَه لي قبل عقد من الزمان تقريبا“. ”ماذا، ما الأمر؟“ استفسر بن تسڤي مندهشا، مستصعبًا تذكّر القرض الذي أقرضه لوالدي.
”أودعت بين يديك مخطوطين ورثتهما من معلّمك وصديقك الكبير أبي إبراهيم، رحمة الله عليه؛ إنّهما كتابا صلاة أرغب في أن يصلّي أولادي بهما. الآن أنعم الله عليّ واستطعت جمع مبلغ الوديعة، وأبتغي استرجاعهما ودفع قيمة القرض“.

أكّد بن تسڤي بإيماءة رأس أنّه تذكّر تلك الوديعة. شرح لسكريتيرته كيف يُمكن إيجاد المخطوطين في مكتبته الكبيرة. وبعد لحظات، بدت لأبي أنّها أبدية، عادت السكرتيرة وبيديها كتابا الصلوات اللذان حنّ أبي إليهما كثيرا. تناولهما بن تسڤي من يدها وناولهما مباشرة ليدي أبي الممدودتين. ورفض قبول مبلغ الوديعة من أبي بالرغم من إلحاحه الشديد. ”اعتبر هذا المبلغ مشاركة من طرفي في تعليم إسرائيل ابنك البكر“، قال بن تسڤي ورفع يده مشيرًا بوضوح أنه لا يريد سماع أي شيء بخصوص ما يستحقه من المال. شكر أبي بنَ تسڤي بحرارة.

في الباص شعرت بتجاهل وإهمال ما، طَوال الطريق جلس أبي محتضنًا كتابي الصلوات وابتسامة تشعّ من وجهه“.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجنيد شبابنا في الحرب العالمية الأولى
- الكاهن قتلني
- ماذا يكتب أبو العبّاس القلقشندي عن السامرة؟
- حول أسماء السامريين الشخصية
- كتاب مفتوح لرؤساء البلديات والمجالس المحلية العربية في البلا ...
- نافذة على السريان واللغة السريانية
- بعد الهزّة الأرضية عام ١٩٢٧
- مطر في بداية الصيف
- بابا هرتصل يبعث بقبلات رقيقة لابنته
- ملاحظات حول سامريي منتصف القرن التاسع عشر
- نصّ خاصّ لقصّة جرّة الزيت
- خبز الشاودار/الجاودار الفنلندي ذو القيمة الغذائية العالية
- نار جهنّم
- حُكم الساقط بين الكراسي
- كلمة عن الكاهن الأكبر يعقوب بن عزّي
- السرّاق والرجُل البارّ
- بعرق جبينك تأكل خبزا
- غيرة الكتّاب التي لا تُكثر من الحكمة
- دُعاء
- الكاهن الأكبر يعقوب بن شفيق (عزّي) فيلسوف ومفكّر


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - وديعة مثالية لدى رئيس، راعٍ ومحبّ