|
شيء من مستقبل التعليم في المغرب
عبد الكريم لمباركي
الحوار المتمدن-العدد: 6415 - 2019 / 11 / 21 - 19:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأ الأمر بإعادة طباعة مقررات جديدة، لن أقول عنها سيئة فالحكم لكم، لكن ما سأقوله أنها نجحت في مغنطة الحشد الغفير من الناس الذي لا يهمه سوى الأحكام القيمية ببساطة.. نعم أو لا، جميل أو قبيح، هذا أو ذاك.. ، فحُمّل ما لا يستحق منه أكثر مما يستحق.
إنها بداية الترغيب عن التعليم العمومي، ففي وقت يصعب فيه خوصصة التعليم بين ليلة وضحاها تراهم لا يميلون بالطرف عما يوجه أنظار الرأي العام إلى بشاعة التعليم العمومي، والسير، وإن حبوا، إلى خوصصته. وها هي ألطف الكلمات المنسابة والمتسللة تضرب بالتعليم الجامعي وتثني على التكوين المهني. ترى ألم نعد بحاجة إلى المتطفلين الذين تنجبهم الجامعة؟ أنحن بحاجة إلى آلات بشرية، تضغط أزرار تشغيل الآلات الصماء، وتعُدّ نقود أحدهم.. أكثر من مفكرين يسهرون على الشأن العام ويناقشونه؟ لم كل تلك الاغراءات التي ترغّب عن، وترغّب في؟ أو ليس هذا ما يسمونه بالإديلوجيا الموجَّهة؟
على أيٍّ، لن ننكر ضائقة البلاد المالية خاصة إذا علمنا أن إجمالي الدين الخارجي العمومي للمغرب بلغ 337.8 مليار درهم خلال النصف الأول من سنة 2019، كما كشفت عنه وزارة الاقتصاد والمالية (حسب جريدة هسبرس) - وليس لنا أن نغض الطرف عن يد البعض فيها (الضائقة). وتبدو نسبة مؤشر كتلة الأجور المرتفعة، والتي بلغت سنة 2013: 49٪ من الخزينة العامة فقط لسداد أجور الموظفين، خاصة موظفي قطاع التعليم الذين يشكلون ما يقارب ثلثي موظفي الإدارة العمومية؛ إذ ما إن يتم توظيفهم من خلال الأكاديميات باعتبارها مؤسسات عمومية تستطيع تدبير شؤونها المالية بشكل مستقل إضافة إلى ما تقدمه إليها الدولة من دعم، في إطار تعاقد تحت بنود «النظام الأساسي للتعليم» التي تبدو غير محايدة (المادة 3، و10، و25...)، حتى يُحل جزء كبير من المشكل. لكن هل حقا ينبغي للحل أن يكون على حساب طرف واحد؟ إنها مشكلة بلد وليست مشكلة رجل واحد.
ناهيك عن محاولة تسرب طلبة الطب الخصوصي في صفوف طلبة الطب العمومي، الذي لا غرو كان سيفضي، ولا زال ذلك محتملا، إلى تناقص الوافدين إلى هذه، وتزايد الطلب على الأخرى التي تضمن لهم المسار المهني الأفضل فيما بعد؛ فمع سماح الوزارة لطلبة الطب الخصوصي بالتقدم لاختبار RESIDANAT الذي لايتيح أكثر من 700 مقعد، ومن ثمة دخولهم في صفوف طلبة الطب العمومي البالغ عددهم حوالي2000 طالب للتنافس معهم على هذه المقاعد، يقل احتمال ملء طالب الطب العمومي لهذا المقعد. وبيت القصيد هو أنه مع استمرار التحاق طلبة الطب الخصوصي إلى نظام طلبة الطب العمومي، لا شيء (لا بند)في «نظام الضوابط البيداغوجية لدبلوم دكتوراه في الطب» يضمن تكافؤ نسبة الطلبة بين الصفين مستقبلا، إذ من الممكن بناء كليات خاصة أخرى، وبالتالي يكون عدد طلبة الطب الخاص أكبر وعدد مقاعد التعاقد من نصيب هؤلاء على حساب ؤلائك، بكيف يجعل جامعات الطب العمومي (المجاني) أقل شأنا، فينكمش ويخبو شيئا فشيئا.
وتجدر الإشارة إلى آخر أحداث هذا الملف ونقصد به رفع التعليم الاجباري بعد الحصول على المستوى التأهيلي، ورغم تأكيد رئيس الحكومة سعد العثماني على أن المادة 48 لا تنص على شيء من ذلك، وهذا ما يؤكده «مشروع قانون - إطار رقم 51.17» نفسه، إلا أننا لسنا ندري دور أداء رسوم التسجيل في بداية كل سنة بدءا بالتعليم الثانوي في تحقيق ما ورد في الديباجة من مكافحة للهدر المدرسي، ولسنا ندري ما يعنونه ب"الأسرة الميسورة" طلما أن هذا النوع من الأسر يدرّس أبناءه في مدارس خاصة. ثم إن الغاء هذه المادة وتهدئة رئيس الحكومة للوضع لا يعني في الواقع إلا أن الوقت ما زال مبكرا، ما دام الطموح الإقتصادي يقتضي ذلك، وإن تحقق عبر وسائل إديلوجية وسياسية (مثل إرساء الجهوية الموسعة، وإعادة خلط أوراق نظام التعليم وترتيبها على نحو آخر).
إن دولتنا في أمس الحاجة إلى خريجي الجامعات، وفي أمس الحاجة إلى النقوذ التي تصرف في سبيل ذلك، بل إن "رأسماليي" بلدنا يسعون إلى الاستثمار فيه بدل النفقة عليه. فهذا سيرفع الناتج الداخلي الخام ويملأ بعض الجيوب، كما سيحافظ على مناصب العدالة (المقاضاة، المحاماة...) والاقتصاد (مقاولات، شركات...) لصالح فئات معينة هي صاحبة النفوذ المالي سلفا، والأمرّ من ذلك احتكارهم للفكر، إذا ما تمت خوصصة التعليم، وهذا ما نحن مقبلون عليه. إذ أن نسبة المؤسسات التعليمية الخصوصية قد بلغت 13٪، و50٪ بالنسبة للمدن الكبيرة مثل الرباط والدار البيضاء وفاس... حسب ما أقره سعيد أمزازي نفسه.
لقد تم التصريح داخل الحكومة نفسها بشكل لافت إلى أثر الإستدانة من صندوق النقد الدولي، وشروطه القاسية التي بها يضمن استرجاع قروضه - على حد قوله - أهمها تعويم الدرهم، وقد تم ذلك، ثم رفع الدعم، وهو في طور الإنجاز، وكذا خوصصة القطاعات العامة. إن من شأن هاته الشروط ليس فقط ضمان القروض - وهذا واضح لكل متأمل فيها - بل اشعال فتيل مشاكل أكبر تُدخل الدولة في فوضى عارمة. فوحده خوصصة التعليم من شأنه أن يعزز من الفارق الاجتماعي بين الطبقتين، ويهضم أقدس الحقوق (التعليم)، وهو ما لن يرضاه الشعب لنفسه فتُقام من الثورات المؤججة لمشاعر الجمع ما لا حل لها غير الدماء. ثم إن الدعوة إلى خوصصة القطاعات العامة يفتح المجال لأعتى أنواع الإستعمار بتكالب الأجانب عليها. فما لم نرد تصديقه بعد أننا لم نعد مستعمَرين من طرف اسبانيا أو بريطانيا فقط، حتى إن مفهوم الإستعمار هذا بات في طي الابتذال، وإنما انتقل من المستوى الجغرافي إلى المستوى الاقتصادي، فقد أضحى أكثر تجريدا وتعقيدا ونستطيع ضرب ما لا يُحصى من الأمثلة بدءا بحرب البترول على السعودية، وحرب السباق النووي على إيران...وغيرهما. فالمستعمر لم يعد دولة واحدة وإنما شركة تنصهر فيها دول عدة، فتكون السيادة بذلك للشركة أكثر مما هي للدول، لدرجة أضحت فيها الشركة بالنسبة للدولة بمثابة الكنيسة فيما مضى. لذا فإننا سنسمح لأنفسنا بالقول أن خوصصة القطاعات العامة بما في ذلك التعليم ليس إلا بوابة للإستعمار.
إننا لا نرى سبيلا لتلافي هذا، ولسنا ممن يصفقون لسبّ العورات وللثورات الساذجة التي ما إن ترى قماشا أحمر حتى تركض نحوه. لكن إذا بدأ كل هذا بئديلوجية فإن عليه أن ينتهي بحرب عليها. ووحده الوعي بأهمية الحياة الفكرية - لا الميكانيكية الروتينية اليدوية المريحة - ما سيملأ الجامعات ويحافظ على ثبوت قدمها وحُرمتها. إنها حبل النجاة الوحيد المتبقي.
#عبد_الكريم_لمباركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قلق الموت والوعي بها
-
الساعة الإضافية بين الغائية والنتيجة.
-
عاشوراء, بين الطقوسي والخرافي والإحتفالي.
المزيد.....
-
-جزيرة إنستغرام-.. أكثر من 200 زلزال يضرب سانتوريني في اليون
...
-
-لم أتوقف عن البكاء-.. رصاصة تخترق جدار منزل وتصيب طفلًا نائ
...
-
تشييع جثمان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في 23 فبراير.. وهذا
...
-
-9 آلاف مجزرة وأكثر من 60 ألف قتيل- في غزة.. أرقام مرعبة يكش
...
-
الرئيس الكولومبي يصعّد انتقاداته لسياسات الهجرة الأمريكية وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يفجر 23 مبنى سكنيا في مخيم جنين
-
كيف نطق الإنسان؟ أهم الفرضيات حول أصل لغة البشر
-
ملك الأردن يلتقي ترامب بواشنطن في 11 فبراير
-
نائبة أيرلندية: إسرائيل دولة فصل عنصري والعالم بدأ يدرك ذلك
...
-
دفعة ثانية من الجرحى والمرضى تغادر قطاع غزة عبر معبر رفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|