|
تحرش
محمد الدرقاوي
كاتب وباحث
(Derkaoui Mohamed)
الحوار المتمدن-العدد: 6410 - 2019 / 11 / 16 - 21:14
المحور:
الادب والفن
كثيرا ما كان يصادفها في طريقه ،صباحا وهو يقصد متجره ،أو مساء عند الرواح ، عيونها الكحلية الناعسة من وراء النقاب هي ما كان يثيره بسحر جذاب .. انثى فارعة الطول ، جلابيبها المغربية المزدانة بأصداف أمامية كجلابيب الشمال المغربي والتي كانت تغيرها كل يوم تقريبا تدل على أنها ميسورة الحال .. استطاع أن يعرف من بعض فضولي الحي انها مطلقة ، أتت من مدينة شمالية لتدير مؤسسة تعليمية خاصة . حاول كثيرون التقرب منها طمعا في مالها وجمالها ، ولكنها كانت صارمة في صد كل من يحاول التحرش بها ، فهي تفرض على نفسها عزلة تامة، لاتكلم أحدا غير تلميذات مؤسستها ان صادفتهن في الطريق .. حين دخل مكتب متجره هذا الصباح ، أخبرته كاتبته أن أنثى محجبة صاحبة مؤسسة حرة قد توسلتها أن تحجز لها موعدا معه وحبذت لو يكون الموعد بعد السادسة مساء .. استغرب أن تسال عنه متحجبة ، فهو عادة لا يربط علاقات مع هذا النوع من النساء ، ولا سبق له التعامل مع زبونة تتقمط في السواد، وقد ازدادت حيرته حين وصفت كاتبته المرأة فعرف أنها المطلقة الوافدة على المدينة والتي يصادفها في طريقه .. بعد السادسة بخمس دقائق اقبلت ، دخلت المكتب يتقدمها عطر هادئ مدت يدها بسلام بعد أن خلعت قفازها الأسود عن يدها اليمنى ، أشار لها بالجلوس على كنبة من وراء مكتبه .. قبل ان تستقر على الكنبة فتحت جلبابها من قُدام ،فظهر صدرها الناهد وقدها الممشوق ، وتنورة داخلية بنفسجية بزهور ملونة لا تتجاوز ركبتيها ، ثم رفعت نقابها فوق شعر أسود فاحم تنسدل خصلاته على جانبي جيدها ،..انبهر لهذا الجمال المتخفي الذي تحجبه جلابية وعنه يتكتم نقاب .. ادركت دهشته من سلوكها ، وبخبرة أنثوية خمنت ما يمور في راسه من استفهام .. لا شك ان أكثر من سؤال يغلي في مخه ، فكيف تتصرف محجبة صارمة في تعاملاتها بهذه التلقائية ومن أول لقاء برجل لم يسبق لها التعرف عليه ؟ بادرته بعيون ضاحكة : لو رزقني الله ذرية لكنت أنت في عمر اصغر ابنائي ، فانا جاوزت الخمسين . أصابته دهشة أخرسته ، فهو لن يصدق ان تكون التي أمامه قد تجاوزت الأربعين على ابعد تقدير ، حتما تريد أن تصرفه عن عمرها الحقيقي ،ربما خوفا من أن يغريه جمالها فيتحرش بها ، خصوصا وهي تراه أمامها شابا طويل القامة ،أنيق ،بهندام متناسق ،ووجه مليح قد يستهوي أي أنثى .. استدار الى خزانة حديدية بجانبه وأخرج علبة شوكولاطة ، قدمها اليها وهو يسال : هل اطلب لك قهوة أم شاي ،أم تفضلين كوكطيلا ؟ مدت يدها وهي تقول : لا شيء ، دعه لفرصة أخرى ، وأتمنى أن تكون قريبة .. أنا قصدتك من اجل هذه ،وأشارت الى علبة الشوكولاطة بلع ريقه وقال : تفضلي ما المطلوب ؟ تنهدت وقد اطمأنت ان الذي أمامها لايحاول أن يتجاوز حدوده مما قد يتهور فيه غيره من بعض من تعاملوا معها في مدرستها أو خارجها ، حتى كلماته تأتي على قدر المقال بلا مبالغة أو تهور في حركة .. تراجعت مسندة ظهرها على الاريكة وكأنها تتعمد ان يبرز صدرها الناهد ثم قالت: من سنة تقريبا ، غادرت مدينتي التي شهدت طفولتي وشبابي بعد طلاقي من رجل أراد ان يتزوج بأخرى عساها تهبه مايتوهم اني عاجزة عنه ، في حين أنه هو من كان عاجزا ان يهب لنفسه ما يريد ، فقد كان عنينا فاشلا .. كان يسمعها بكل انتباه ، وقد اثارته جرأتها ، فبين عفويتها وطلاقة لسانها وهي تتحدث معه الآن وبين ما يحكون عن صلابتها هو الفرق ما بين السماء والأرض، كان يتمعن في كل عبارة تتفوه بها دون أن تتصنع أو تجهد نفسها في الكلام ، فهي تناقض ادعاءها كونها قد تجاوزت الخمسين ، فكيف تكون قد بلغتها وهي على يقين انها قادرة أن تمنح زوجها مالا يستطيع أن يمنحه لنفسه لعجز فيه، لكنه ظل ينظر اليها بامعان وهي تتابع حديثها بحماس وسعادة تعكسهما عيناها الضاحكتين ..تابعت : وحيث اني تربيت في ملجأ فلا أهل لي ، رحلت الى هنا حتى ابتعد عن القال والقيل وتحرشات الرجال في مدينتي السياحية التي غيرت الدعارة وجه سكانها المحافظ ،فامراة جميلة ومطلقة مثلي تصير فريسة الأغراض والشهوات من قبل الرجال .. هنا في هذه المدينة سبق أن أقمت أربع سنوات مع زوجي ،وهو من بنى المدرسة التي تنازل لي عنها كصك الرضا بعد أن توهم ان الطلاق حل لما يعانيه ..كما أنها ثمن صمتي وقبولي الطلاق بلا توابع .. كان يفسخ ويفتت كل عبارة تتفوه بها، وقد اثارته كلمة تحرش ترددها كلما تحدثت عن الرجال .. ربما عانت من ذلك ، ربما تبالغ ، ربما هو مرض الأنثى حين تريد أن تبرر مواقف ترسخت في عقلها بلا استئذان !! .. لكن وهي تتعرى من جلبابها، وترفع نقابها عن وجهها الفاتن ، وتسمح لصدرها أن يبرز أمامه ، أليس هذا نفسه اغراء عن قصد منها ،وتحرش به ربما خططت له قبل مجيئها اليه ،وعليه أن يقاومه ويحذره حتى لا يصير ضمن الرتل الذي تحكي عنه ؟؟ وهل ياترى تمارس نفس السلوكات مع كل رجل تستفرد به ؟ام أن ما وقع هو من اثارة اللحظة ؟أم من مطحونات الرحى العقلية التي لا تتحكم فيها بعض النساء ؟ صمتت قليلا ثم تابعت وكأنها تحدث أليفا تعودت أن تجالسه وتبثه كل مشاعرها ، فقد صارت تتكلم بكل حاسة فيها ، تنيم عيونها تارة او تغمز أخرى ، تزم على شفتيها او تمدد السفلى منهما ، جذلى كمراهقة لاتسعها فرحة : بعد غد سنشرع في عطلة الربيع ، وسيبدأ كل اليف يحن لأليفه ، فالدفء يثير كل كائن حي ، والربيع هنا يضيف سحرا للمدينة ، أليس كذلك ؟ وستزورني صديقات كن معي في الملجأ وأريد مكسرات وفواكه جافة وشكولاطة رفيعة ، وقد دلوني على متجرك .. ابهرته طلاقتها والتعبير عما تريده بعفوية منقطعة النظير ،كما شده الى وجهها غمازة على خدها الأيمن ، وخال مثير اسفل أذنها اليسرى اضافا الى لونها القمحي وسحر العينين جمالا مغريا ؛ فبين تناقضات القول وجمال الطلعة سحر يحتاج الى فك غموضه ؛ انثى فريدة تسكنها الحياة بقدر ما يسكنها التناقض ......تبسم في وجهها وقال : رغم ان متجري لا يبيع بالتقسيط فسأزودك بكل ما تحتاجين .. كضيفة وزائرة لمتجري ..طيب كم عدد زوارك ؟ قالت وكأن كلامه قد اراح صدرها مما أبلغته لها الكاتبة في أول زيارة كون المتجر لا يتعامل بالتقسيط : ـ هن ثلاثة فقط ، لكن أحب أن اهديهن مما عندك .. ــ لا عليك اتركي عنوانك عند الكاتبة وسيصلك كل ما يكفيك .مع أحد عمالي . تحركت كمن لسعتها نحلة : لا ارجوك ! ..اكره أن يطرق باب بيتي رجل . قطب جبينه وان ظلت عيناه تتبسمان لقولها ثم قال : طيب مري على المتجر بنفسك غدا في أي وقت شئت وستجدين الطلبية جاهزة .. فتحت فمها وصبت عيونها في عيونه بنظرة عميقة كانها تريد أن تقول : لماذا لا يكون الحامل أنت ؟ لكنها تراجعت ، مررت لسانها على شفتيها ثم مسحت الأرض بعيونها وكأنها تفكر في شيء معين ، قالت : لن أخفي عليك انا لا أكره كل الرجال كما يتبادر الى ذهنك حقدا على زوجي الذي طلقني ، فانا ما أحسست يوما بوجوده في حياتي ، أكره بعض الرجال لان أحدهم قد أغتصبني و عمري 6سنوات ولم يكن المغتصب غير ابي الذي استفرد بي بعد موت أمي ..حاولت أن اتناسى ، لكن في الملجأ ما كنت لديهم غير سمكة ،كل رجل يرمي لها بسنارة و طعم ، لهذا لم أنس اغتصابي من ابي فظلت الحادثة تؤرقني ليلا ونهارا ، وقد صرت أخشى ظل الرجل اذا مر بجانبي، لهذا بادرت بقبول طلب مدير الملجأ فتزوجته رغم أن اثنتين قبلي قد سبقاني اليه ، مع الأسف لم يكن غير رجل عاجز ، كان يشتري صمتي بماله مما ولد عندي ميولات أخرى اعوض بها حرماني وجوعي الجنسي .. لكن الحق يقال فقد أستطاع ان يذيب بعض خوفي من الرجال فقد علمني كيف اتحدى واتجاوز كل مشاعر الاشمئزاز التي كانت تتملكني كلما مسني رجل ،وها انا اللحظة معك ، وقد خلعت كل كلفة بيننا بل تركتك تراني كما أنا بلا خلفيات دينية ، أنثى حرة لا تخشى الرجال او تتجرد من رغباتها .. اطلقت تنهيدة عميقة ، أخذت حبة شوكولاطة ، تذوقتها باستمتاع وتلذذ ثم تابعت : الأنثى منا تتحجب ولكن في عمقها ألف وسواس خناس يحرك فيها كل ما وهبها الله من رغبة وتوق وجوع جنسي ، وكل من تدعي غير ذلك فهي تنافق أو تنتحر عن إصرار ... لقد أخضعت نفسي لحجاب ليس لرغبة أو رهبة وانما اتقاء ما صرنا نعانيه كنساء بين الرجال ، خصوصا اذا كانت المرأة مثلي لها ميولات أخرى تعودتها لسد جوعها وما عاد لها بالرجال رغبة لما عانته منهم . توقفت قليلا ثم استدركت : مع استثناءات طبعا عندما يتحرك شوق ورغبة وأناقة حضور .. أحس بان التي أمامه تريد أن تجره الى حياتها الخاصة ، تتعمد اثارته ؛ تململ في مكانه وهو يقارن بين زيها وسلوكها وبين تناقضات حياتها وكأنه يعلن انتهاء المقابلة ، وقفت ، و قد تعمدت ان تترك فتحة فستانها السفلى تكشف عن فخدها المرمري الايسر .. ثم قالت : لم تخبرني عن الثمن ؟ قال : لايهم ستجدين كل شيء عند الكاتبة اعادت جلبابها و شرعت تقفل صدفاته ، تراجعت قليلا الى الوراء فظهر نهدها البض ،وهي تركز النظر فيه كانها تتمنى أن يرتمي عليها ويطوقها بيديه ، فقد رأت فيه رجلا يستحق ان تتعرى له انثى .. انزلت نقابها على وجهها ثم مدت يدها تودعه وقد تعمدت أن تضغط بقوة على يده .. انتبه الى أنها تسرق النظر الى علبة الشوكولاطة وكأنها تتوسل اخذها .. حملها ثم قدمها لها : " ذي هدية من المتجر " ضحكت وقالت : الشكر لمالك المتجر على لطفه وذوقه ..ثق أنني قد ارتحت اليك ، و سأزورك مرات أخرى .. اذا كان وقتك يسمح بذلك طبعا .. ادرك أن السيدة لها ميولات قد كشفت عنها كما كشفت عن تناقضات في سلوكها ، وهو نفس التناقض الذي جعل ماحكته ينحل شكا في ذهنه ؛ أطلق زفرة عميقة بعد انصرافها ثم أخذ ورقة ودون عليها كل ما يلزم الزائرة ؛ دعا كاتبته ،سلمها البطاقة ثم قال : اجمعي المطلوب في صندوقة كبيرة وضعي داخلها فاتورة صغيرة بلا اثمنة ، لا تنسي أن تكتبي عليها هدية من المتجر ، لكن اياك ان تسمحي لها بالدخول عندي مرة أخرى
#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)
Derkaoui_Mohamed#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من القاتل ؟
-
أنثى تعيد للنهر الجريان
-
القطاف غربة
-
حر الظمأ
-
هل حقا ماتت ؟
-
صغيرة مقتولة بعشق
-
غياب
-
لماذا طلبت الطلاق؟
-
وجوه
-
ليت أصواتكم صوتي
-
في قلبي رجل آخر
-
من فينا يرتق لنا معنى ؟
-
ابواب الريح
-
جفاف
-
منتخب كذاب
المزيد.....
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|