|
الإطار القانوني للإعلام الفلسطيني
هشام عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 6410 - 2019 / 11 / 16 - 16:35
المحور:
القضية الفلسطينية
يتصدر النظام القانوني في أي من الدول الدستور أو الوثائق الأساسية، الذي تضعه في الأحوال العادية هيئة تشريعية دستوريه تنعقد خصوصًا لوضع الدستور، ويتبع الدستور في التدرج التشريعات العادية التي يضعها البرلمان يضاف إليها القوانين الصادرة بالقرار من الرئيس في حال عدم انعقاد المجلس تحت مسمي (قرار بقانون) أو (قانون مؤقت)، وذلك بشرط توافر حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير، ويكون لهذا النوع من التشريع قوة القوانين العادية إلى حين انعقاد المجلس التشريعي الذي يكون له الحق في إقرارها أو إلغائها. يلي ذلك في التدرج التشريعي (المراسيم) التي تصدر عن الرئيس، وتليها الأنظمة أو اللوائح التي يصدرها مجلس الوزراء، وتليها التعليمات التي تصدر عن الوزراء، وارتباطها بمبدأ التدرج التشريعي يعتبر كل تشريع من مرتبة أدنى مخالفًا، إذا ما تعارضت أحكامه مع أحكام التشريع الذي يعلوه، وبالطبع يبقى وجود أي نوع من تلك التشريعات مرتبطًا بكل نظام قانوني على حدة، إلا أن الوصف أعلاه هو الأقرب للحالة الفلسطينية. فقد ورثت السلطة الفلسطينية الوليدة في العام 1994م، جميع القوانين والتشريعات التي كانت قائمة في مناطق ولايتها قبل إنشائها، وهذا ما أكده قرار رئيس السلطة الفلسطينية رقم 1 الصادر في 20 مايو 1994م , والذي نصت مادته الأولى على استمرار العمل بالقوانين والأنظمة والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل تاريخ 5 يونيو 1967 م في الأراضي الفلسطينية حتى يتم توحيدها. ويجب التأكيد أن المعاهدات والقوانين والمواثيق الدولية التي تصون حرية الرأي والتعبير تمتلك قوة القانون الذي يجب احترامها، خاصة من الدول الموقعة عليها والملتزمة بتطبيقها، وفي هذا الإطار، أعلن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في 30 سبتمبر 1993 م الالتزام باحترام المواثيق والمعاهدات والقوانين الدولية، التي تتكفل بحماية حقوق الإنسان ومن ضمنها حق الرأي والتعبير، وهذا يتطلب أن تنسجم القوانين المحلية بشكل كامل لا جزئي مع ما ورد في القوانين والمواثيق الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومبادئ جوهانسبيرغ حول الأمن القومي وحرية التعبير والوصول للمعلومات وغيرها. وفيما يتعلق بالصحافة، لم ترث السلطة منظومة تشريعات كاملة أو حتى مقبولة لتنظيم العمل الإعلامي وحرية الصحافة، وذهبت في مرحلة مبكرة إلى سن قانون المطبوعات والنشر رقم (9) لسنة 1995م، الذي ألغي بموجبه قانونا المطبوعات والنشر الانتدابي 1933 م، والأردني 1967م، اللذان كانا ساريين في قطاع غزة والضفة على التوالي، على أن الإطار القانوني والتشريعي لحرية الصحافة في فلسطين يتضمن وفق التدرج آنف الذكر القوانين التالية: القانون الأساسي وقوانين أخرى: يمثل القانون الأساسي الوثيقة الدستورية الأبرز المتعلقة بتنظيم الإعلام بحكم صلته المباشرة بالسلطة الفلسطينية وسنه من قبل المجلس التشريعي.. وبحكم انسجامه ومعايير الصياغة التشريعية، كما أنه بمثابة الدستور المؤقت للسلطة الوطنية الفلسطينية، وقد صدر عن الرئيس في عام 2002 م، وتم تعديله للمرة الأولي في مارس 2003 م واصطلح رسميًّا على تسميته بالقانون الأساسي المعدل وبالتالي يلحظ أن الوثيقة التشريعية الأسمى قد صدرت عقب صدور عشرات القوانين العادية الأقل درجة والتي صدرت في غيبة الوثيقة الدستورية ومن بينها قانون المطبوعات والنشر 1995. ويرى الباحث أن قانون المطبوعات يعتبر المرجعية التي تنظم العمل الإعلامي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية بالإضافة إلى قرار مجلس الوزراء رقم (182) لسنة 2004 بشأن ترخيص المحطات الإذاعية والتلفزيونية والفضائية. قانون المطبوعات والنشر: أصدرت السلطة الوطنية الفلسطينية في الخامس من يونيو 1995 قانونًا للمطبوعات والنشر لم يكن مصدره السلطة التشريعية التي تعد الأصل في سن التشريعات والقوانين، بل بموجب مرسوم رئاسي؛ وذلك لإصداره قبل وجود المجلس التشريعي المنتخب، فكانت آلية إصداره موضع انتقاد ونقد بل وطعن في دستوريته من قبل عدد من الباحثين والساسة. وقد استندت السلطة في إصداره إلى المادة 28 من القانون الصادر عام 1962 التي تنص على أنه إذا اقتضت الأحوال اتخاذ تدابير عاجلة لا تحتمل التأخير، فالمجلس التنفيذي يمكنه أن يصدر قرارات لها قوة القانون ويجب عرضها على المجلس التشريعي عند انعقاده، وتظل نافدة ما لم يقرر المجلس التشريعي إلغاءها. أما فيما يتعلق بالمواد التي نظمت الإعلام فيما يتعلق بالأحزاب والإعلام الحزبي، فقد احتوى القانون على ما يلي: نصت المادة (1) من القانون على توصيف كلمة الحزب وخصصته بأنه "الحزب المعترف به قانونًا والحاصل على ترخيص من السلطة الفلسطينية وكان مجلس التشريع والإفتاء الفلسطيني نقل المادة الثانية المتعلقة بتعريف الكلمات الواردة في القانون الأردني، وأعطيت الرقم واحد في القانون الفلسطيني وأضاف تعريفًا للحزب فإضافة تعريف لكلمة الحزب في القانون الفلسطيني هو أفضل من عدم تعريفه لتعليق ذلك في الصحافة الحزبية سواء اتفقنا مع التعريف أو اختلفنا معه . وأشارت الفقرة "هـ" من المادة (4) إلى حرية الصحافة مؤكدة على حق الأحزاب السياسية في التعبير عن الرأي والفكر والإنجاز في مجالات نشاطاتها المختلفة من خلال المطبوعات وتضمنت المادة (5) أن لأي شخص بما في ذلك الأحزاب السياسية الحق في تملك المطبوعات الصحفية وإصدارها وفقًا لأحكام هذا القانون على أن تنطبق عليها الشروط. وبحسب المادة (11) لا يشترط أن يكون رئيس تحرير المطبوعات التي يصدرها حزب سياسي صحفيًّا، وأن يكون مسئولًا لتحرير أكثر مطبوعة، ولا يشترط أن يمارس وظيفة أخرى في الصحيفة التي يمارس رئيسها تحريرها أو غيرها أو يكون من الأشخاص المتمتعين بالحصانة القضائية وذلك بخلاف رئيس باقي المطبوعات، ويتشرط أن يكون مقيمًا إقامة فعلية في فلسطين إلا واقتضت الضرورة غير ذلك وغير محكوم عليه بجناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة وأن يتقن لغة المطبوعة التي سيكون رئيس تحريرها. ونصت المادة (17) بمنح الرخصة الإصدار مطبوعة لعدة جهات منها الحزب السياسي كما تستثنى المطبوعة الصحيفة اليومية وغير اليومية التي يرغب أي حزب في إصدارها من الحد الأدنى لرأس المال المنصوص عليه في كل من الفقرتين "اْ" من المادة (21) والتي تتضمن أنه يشترط في منح الرخصة للمطبوعة اليومية ألا يقل رأسمالها عن خمسة وعشرين ألف دينار والفقرة "ب" والتي يشترط في منح الرخصة للمطبوعة الصحفية غير اليومية ألا يقل رأسمالها المسجل عن عشرة آلاف دينار. وجاء في المادة (23) من القانون أن مطبوعات الأحزاب السياسية تستثنى من الاعتبار رخصة المطبوعة ملغاة حكمًا من الحالات التالية: إذا لم تصدر المطبوعة الصحيفة خلال ستة أشهر من تاريخ منح الرخصة وإذا توقفت المطبوعة الصحفية عن الإصدار عن الصدور دون عذر مشروع يقبل به الوزير (المطبوعة اليومية لمدة ثلاث شهور متصلة - المطبوعة الأسبوعية اثني عشر عددًا متتاليًا- المطبوعة التي تصدر بصورة منتظمة في مدة أطول من الأسبوع أربعة أعداد متتالية). ويتضح مما سبق أن هناك تسهيلات واضحة للأحزاب تختلف عن أية جهة إصدار ترخيص، ولكن المشكلة التي تطرحها الأحزاب والعاملون فيها تتمثل في عدم تطبيق القانون وعدم التعامل على أساسه وبوجود تداخلات تفرضها الاتفاقات المرحلية وطبيعة المرحلة السياسية والوضع الداخلي الفلسطيني . ونلاحظ أن ما تضمنته الفقرة "1" من المادة (59) لأمن قانون العقوبات، التي اعتبرت كل من أذاع ألفاظًا أو طبع أو نشر أو أخرج مطبوعًا ينطوي على نية الفساد أو استورد أي مطبوع ينطوي على نية الفساد إلا إذا لم يكن سبب يحمله على الاعتقاد بأن ذلك المطبوع ينطوي على نية الفساد، يعتبر جنحة، وهذا بالطبع يكيل حرية الرأي والتعبير لدى المواطنين فأيًّا كان قد يُتهم بنية الفساد إذا انتقد الحكومة أو ضلل العدالة أو شخصيات الحكم وكل ما جاء في هذه المادة من قائمة محظورات وبالتالي قد يحكم عليه لارتكابه جنحة . وإمعانًا في تقييد الحريات فإن الفقرة "2" من المادة (59) من قانون العقوبات تحمل كل شخص النتائج التي تنشأ عن تعبيره عن رأيه حتى وإن لم يكن فعله منطويًا على نية الفساد؛ لذا فقد يمتنع أي حزب عن التعبير عن موقفه خوفًا من أن يسبب فعله أي عمل يقوم به آخرون ويعتبر بمثابة إفساد. إن تحديد الأفعال التي تنطوي على نية الإفساد قد تختلف تفسيراتها من شخص لآخر وبالتالي توجد ضبابية في كثير من المصطلحات والعبارات؛ وهذا قاد في كثير من الحالات إلى إغلاق صحف ومجلات تصدرها صحف وأحزاب معارضة للسلطة الوطنية الفلسطينية، كما أن الحدود الدنيا التي تتحدث عنها القانون غير مطبقة؛ الأمر الذي لا يساعد الأحزاب المعارضة في أن تقوم بدورها الجوهري في كشف ملابسات قد تكون في غير مصلحة الشعب . يمكننا القول: إن قانون المطبوعات والنشر عام 1995 هو قانون فضفاض يعتمد تقييم الكثير من بنوده على وجهة نظر الشخص المسئول وبالرغم أنه لا يزال القانون ساريًا ضمن تعاملات السلطة مع وسائل الإعلام وأحزابها ومواطنيها، إلا أنه مهمش بشكل كلي ولا يطبق في معظم نصوصه وخصوصًا تجاه الأحزاب التي تخالف مواقف السلطة الفلسطينية ورغم وجود كثير من البنود التي تضمن حرية التعبير والرأي، إلا أن ذلك لم يمنع من ممارسة السلطة الوطنية عددًا من حالات الانتهاكات والمخالفات بحق العمل الصحفي واللاحزبي بشكل يتعارض ويتنافى مع القانون وإذا كان هذا حال السلطة الوطنية فإن حركة حماس بعد سيطرتها على الحكم في قطاع غزة لم تكن أفضل حالًا منها. كانت التجربة الفلسطينية في مجال الإعلام ومازالت تقوم على أساس التعددية الفكرية والسياسية. والقانون الأساسي المعدل يمنع الرقابة ويشجع الإبداع ويضمن حرية الرأي والتعبير، كما أن وثيقة الاستقلال وقانون المطبوعات والنشر؛ ومن ثم الدستور الفلسطيني كل ذلك شكل أطرًا وركائز قانونية وأخلاقية لممارسة حرية اعتناق الرأي والتعبير، ويرتبط مستوى تراجع أو تقدم الحريات الإعلامية في فلسطين ارتباطًا وثيقًا بالوضع السياسي القائم، سواء أكان على صعيد الاحتلال الإسرائيلي، أو على الصعيد السياسي الداخلي المتمثل في استمرار الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وقد عملت السلطة الفلسطينية على توفير أرضية قانونية لتشريع العمل الإعلامي في ظلها، فأصدرت قانون المطبوعات والنشر، وضمنت القانون الأساسي لبنود تتناول حرية الصحافة، لكن تلك القوانين احتوت على بعض المواد التي تتعارض مع المعايير الدولية والاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان، وتعارضت بين قانون وآخر، ولم تلق الاحترام المطلوب من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية، ولم يتم إلغاء أي من تلك القرارات حتى إعداد هذه الدراسة، كما لاحظ الباحث أن القانون ما زال مهمشًا ومعطلًا عن متابعة الانتهاكات المرتكبة بحق الصحفيين ولم يتمتع بأي سيادة، ولا يتم الرجوع إليه وتطبيق أحكامه من قبل الجهة المكلفة بإنفاذه. وقد عزز هذا الوضع بشكل كبير حالة الفلتان الأمني؛ مما أدى إلى ارتفاع عدد الانتهاكات التي قام بها مجهولون لأسباب حزبية وسياسية ضد وسائل الإعلام المختلفة . وقد اشتمل قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني الصادر عام 1995 على (51) مادة، وبموجبه فإن حرية الرأي والتعبير مكفولة بنص المادة الثانية، وحرية الصحافة التي هي إحدى صور حرية الرأي والتعبير مكفولة أيضًا بنص المادة الثالثة. كما أن القانون الأساسي (الدستور المؤقت) الصادر في 18 مارس 2003، والمعدل في 13 أغسطس 2005 تكفل هو الآخر في المادة رقم (19) بضمان حرية الرأي والتعبير قولًا وكتابة، وتكفَّل في المادة (27) بضمان حرية وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية والطباعة والنشر والبث والتوزيع، وحظر الرقابة على وسائل الإعلام، فلا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها، إلا وفقًا للقانون وبموجب حكم قضائي .. كما أنه من المعروف أن هناك العديد من الأحزاب والفصائل الفلسطينية التي تقوم بنشر بعض الصحف والمجلات الحزبية التي تعنى بالشأن التنظيمي الداخلي، حيث تعمل هذه الأحزاب على تقييد كافة ما ينشر من معلومات أو آراء أو حقائق أو وقائع في حالة تعارضها مع التوجهات الحزبية والتنظيمية؛ مما يعني أن هناك حالة رقابية مشددة ومحبطة لكافة عمليات النقد البناء داخل البنية التنظيمية والفكرية للأحزاب ذاتها؛ لذا نجد أن معظم الفصائل الفلسطينية قد اعتادت على النمط الإقصائي حتى للآراء الداخلية الناقدة لكثير من الموروثات التنظيمية. تكرس النمط السلبي من الرقابة الحزبية على الصحافة الفلسطينية من خلال التهديدات التي طالما تلقتها من قبل معظم الفصائل الفلسطينية على كثير من الأخبار والمعلومات التي تنشر أو التي كانت في طريقها إلى النشر، في توجه بارز على عمق الأزمة التي تعانيها الصحافة الفلسطينية جراء الرقابة الحزبية وتوابعها . فالتجربة الحزبية الفلسطينية عانت الكثير من الثغرات والممارسات المؤسسية في صناعة القرارات التي أسهمت في تعزيز التناقضات والانشقاقات داخل الفصائل؛ مما تجلى في غياب الممارسة الحقيقية نتيجة الاحتكام إلى الضوابط التنظيمية وعدم اللجوء إلى الحوار؛ مما انعكس على استقرار النظام وتقدمه. ويكمن السبب في ذلك في عدم نضج الوعي السياسي الفصائلي، وضعف أداء الفصائل، حيث أخذت تعمل عمل الأحزاب رغم أنها حركات تحرر دون الفهم الحقيقي لطبيعة هذا العمل؛ مما انعكس على التنشئة الحزبية المتطرفة في ظل عدم وجود الإطار القانوني الذي يمكن أن يراقب الأداء الحزبي . من هنا ندرك أن وجود حرية للتعبير والرأي وللصحافة ترتبط طرديًّا بالحياة الديمقراطية، والعلاقة بينها جميعًا هي علاقة سببية متبادلة، حيث إن وجود الديمقراطية تؤثر سلبًا وإيجابًا في الحياة الإعلامية، والحياة الإعلامية الفاعلة والقوية من شأنها تعزيز الممارسة الديمقراطية، والتأسيس لها، وتفعيلها، ومساعدة المعنيين والجماهير على ممارستها وتطبيقها وفق الأعراف المتداولة دوليًّا بطرق صحيحة. فحين تعمل وسائل الإعلام وسط حرية واستقرار ووضوح القوانين وتطبيقها، وتحقق وظائفها فهي تجري عملية تشكيل رأي عام متراكم تجاه القضايا المختلفة المطروحة محليًّا وعالميًّا . وحتى تؤدي وسائل الإعلام دورها الكبير المأمول منها فلابد أن تعيش في جو من الحرية والانطلاق، فوجود حرية ممارسة إعلامية، وأجواء من الأمان لوسائل الإعلام تجعلها تحقق وظائفها الأساسية للفرد والمجتمع: من توفير المعلومات، وتوضيح الآراء، وتفسير وشرح المواقف والأحداث، وتوجيه وإرشاد المواطنين، ومساعدة أفراد المجتمع على تبني أفكار معينة، وإكسابهم سلوكيات وقيم وطنية، بالإضافة لتثقيف المواطنين وتعزيز قيم التعددية والشراكة وترسيخ مفاهيم الانتماء للوطن وليس للحزب أو الفصيل. تعد اتفاقيات التسوية المرحلية التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل مليئة بمضامين ذات أبعاد غير ديموقراطية، وكانت من ضمن القيود التي فرضتها إسرائيل لإعاقة المسار الديمقراطي الفلسطيني تلك القيود المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية. فقد أكدت المادة 12 من اتفاقية القاهرة التي وقعها الطرفان في مايو 1994، على أن إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية سوف تعملان على منع التحريض والدعاية العدائية والإرهاب. بذلك تعد السلطة تمارس انتهاكاتها بغطاء ديمقراطي. وهذا التناقض يجعل المجتمع يعيش حالة انتظار وترقب ليصبح هناك تطابق وتوافق بين شكل الديمقراطية ومضمونها المجتمعي، كما يجعله يعيش حالة من الخوف وعدم الاستقرار، وعدم الثقة بالسلطة القضائية، فالقانون مهمش، وأي جهة تستطيع أن تأخذ القانون بيدها، وهذا أثر بطبيعة الحال على العمل الصحفي والرسالة الإعلامية، فكما يرى السيد طلال عوكل مدير الإعلام الحكومي في وزارة الإعلام، فإن غياب القانون وعدم وجود حصانة تحمي الصحفي من الاعتداء الذي قد تمارسه جهات حكومية أو مجتمعية أدى إلى منع الصحفي من الكتابة بحرية ونقْل الحدث كما هو بكل موضوعية ومصداقية. كما يمنع أي مواطن من التعبير عن رأيه بحرية خوفًا من التعرض للمضايقة أو الاحتجاز أو الاعتقال . أما الصحافة ووسائل الإعلام في الأراضي الفلسطينية، فيكاد دورها يكون معدومًا كسلطة رابعة، فهي بدل أن تكون فوق السلطات أصبحت أداة ووسيلة بيد السلطة التنفيذية، التي تسيطر بدورها على السلطتين التشريعية والقضائية. وبدل أن تتعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تهم الشارع، بموضوعية ومصداقية وحيادية، فإنها تردد ما تقوله السلطة التنفيذية وتريده، تستوي في ذلك وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، وذلك بدلًا من أن تصبح لسان الشارع، تعبر عن نبضه واهتماماته، وتكون منبرًا له. ولتفعيل دور الإعلام كسلطة رابعة يرى البعض أنه يفترض أن تلغى السلطات المفروضة على وسائل الإعلام، بما في ذلك وزارة الإعلام، ويستشهد أصحاب هذا الرأي بدولة قطر التي ألغت وزارة الإعلام، وأدى هذا إلى ظهور قناة الجزيرة على أرضها، وهي أقوى قناة فضائية إخبارية في المنطقة . يتضح أن الإعلام الفلسطيني إعلام ضعيف من الناحية المهنية، إضافة إلى أنه إعلام رسمي تسيطر عليه السلطة التنفيذية، مما يلغي إمكانية الكشف عن انتهاكاتها، لم تستطع وسائل الإعلام مخاطبة الشارع، بأسلوب موضوعي وعقلاني، وهذا يؤدي إلى اختلال العملية الديمقراطية. كما يفترض أن تلعب الفصائل الفلسطينية دورًا إيجابيًّا وفعالًا في ترسيخ مبادئ الديمقراطية بسبب استقلاليتها وتخصصها، كما أن لها دورًا كبيرًا في تغيير المفاهيم المجتمعية السائدة. ويتم ذلك التغيير عن ذلك طريق عقد ندوات وورشات عمل خاصة بمختلف قطاعات المجتمع الفلسطيني، لتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم وبالقوانين المعمول بها في أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، وتنمية روح المواطنة لديهم، فالعملية الديمقراطية لا تنحصر بالمشاركة في الانتخابات. كما يقع على الأحزاب السياسية في الأراضي الفلسطينية دور كبير في التأثير على أعضائها ومؤيديها، ومن الضروري أن تمارس هذه الأحزاب دورًا أكبر في تثقيف الشارع الفلسطيني، وفي التوعية الاجتماعية، ونشر مبادئ الديمقراطية، وتعريفهم بواجباتهم التي لا يمكن فصلها عن حقوقهم، كما يفترض بهذه الأحزاب التي تنادي بحرية الرأي والتعبير، والعمل السياسي، أن تتقبل الاختلاف، وحرية الآخرين في التعبير عن آراءهم، فلا تمارس القمع الفكري على مؤيديها، وعلى الأطراف المعارضة الأخرى.
#هشام_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام و تشكيل الوعي السياسي الفلسطيني
-
انا الوداع الاخير للمخيم
-
التعصب الحزبي في فلسطين
-
خصوصية النضال وعدالة القضية الفلسطينية
-
تأثير الإعلام الفصائلي الفلسطيني على صنع القرار السياسي
-
الاحزاب السياسية في فلسطين
-
موجوع بكٍ أنا
-
لست نبيا حتي لا اخطأ
-
إشكالية الهوية الفلسطينية بين الفكر الوطني والإسلامي
-
هدا الحب يغتال برائتي
-
الحركة الطلابية وبلورة الهوية في الجامعات الفلسطينية
-
الإعلام الفصائلي والأزمة السياسية الفلسطينية
-
اصلي الفجر وادعيك
-
دور الإعلام الفلسطيني وأثره على المواطنة
-
محاربة الفساد و تعزيز الانتماء و المواطنة
-
تعالي نوقد شموع الفرح
-
ويسألونك عني
-
الإعلام الفصائلي أو التنظيمي في فلسطين
-
ثريتي قليلاً مولاتي
-
ثمة أشياء تشدني نحو المحراب
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|