|
دَارْفُورْ: شَيْلُوكُ يَطلُبُ رَطْلَ اللَّحْمِ يَا أَنْطونْيُو!
كمال الجزولي
الحوار المتمدن-العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23 - 10:14
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
ختمنا مقالة الأسبوع الماضى بالتحذير من مغبَّة إكراه حركات دارفور على التوقيع على وثيقة الوسيط الأفريقى التى سكب فيها موقف الحكومة التفاوضى بأكمله ، متنكراً لأهمِّ مطالب الاقليم العادلة ، وعبَّرنا عن خشيتنا من أن ذلك من شأنه أن يبدِّد فرصة (السلام) الحقيقى ، ويهئ لانفجار الأوضاع مجدَّداً ، وبأشرس من ذى قبل. لم تكن تلك نبوءة ولا حتى تحليلاً فذاً ، بقدر ما كانت قراءة متاحة لكلِّ من ألقى السمع وهو شهيد! فليس مِمَّا يحتاج إلى عبقريَّة ، لو صدقت النوايا ، إدراك العدالة فى المطالبة بوحـدة إلاقليم ، وتعويض الضحايا ، ومنصب نائب لرئيس الجمهوريَّة ، ونسـبة مئويَّة من الثروة القوميَّة ، واحتفاظ الحركات بقواتها خلال فترة انتقاليَّة بضمانات ملائمة ، مقابل حلِّ مليشيا الجنجويد ، وما إلى ذلك. ولا يعقل أن يكون استيفاء مثل هذه المطالب كثيراً على مهر إطفاء حرائقنا الوطنيَّة الهائلة ، لا فى مستوى الاقليم فحسب ، بل وفى مستوى السودان بأسره. لكن بوادر ما كنا حذرنا منه ، وحذر منه كثيرون غيرنا ، وقعت ، للأسف ، قبل أن يرتد إلينا طرفنا. فما كاد القائد منى أركو مناوى يوقع على (الوثيقة التاريخيَّة) بتاريخ الجمعة 5/5/06 ؛ وما كاد الوفد الحكومى المفاوض يفرغ من تبادل عناق الفرح مع وسطاء أبوجا ، وإصدار بيانات الشكر للرئيس النيجيرى ، والاتحاد الأفريقى ، والشركاء ، والمسهِّلين ، والمراقبين ، ومندوبى الاتحاد الأوربى ، والجامعة العربيَّة ، مناشداً ".. الجميع أن يضعوا (ما مضى) خلف ظهورهم ، وأن يتطلعوا إلى المستقبل بروح التفاؤل .. ويشحذوا الهمم بمساعدة المجتمع الدولى لتنفيذ الاتفاقيَّة على الأرض" (الرأى العام ، 8/5/06) ، كأن شيئاً من هذا مِمَّا يمكن تحقيقه بمحض (المناشـدات) ؛ وما كاد مجلس الوزراء فى الخرطوم يعبِّر ، بتاريخ الأحد 7/5/06 ، عن سروره بتوقيع مناوى ، معتبراً إياه ".. نقطة تحوُّل أساسيَّة فى مأساة أهل دارفور" (المصدر نفسه) ؛ حتى عاد ما كان الوفد الحكومى قد عَدَّه ، قبل قليل ، ضمن (ما مضى) ، كما عَدَّه مجلس الوزراء (نقطة تحوُّل أساسيَّة) ، ليصمَّ الآذان ، فى اليوم التالى مباشـرة ، بدوىُّ مدافعه فى (تلتل) ، قرب (بيضا) بغرب دارفور ، مِمَّا أسفر عن عشرات القتلى والجرحى ، حسب مصدر رسمىٍّ أشار إلى أن المتسبِّب فى الحادث ".. بعض عناصر الحركات المعارضة" ، وإن كان قد عزا الهجوم ، بالأساس ، إلى "قوات تشاديَّة .. بدبابتين ورتل من العربات ذات الدفع الرباعى المحملة بالدوشكات!" (المصدر نفسه). ثم ما لبثت الاحداث أن تداعت يوم الاثنين 8/5/06 ، فتحت وطأة الاحساس الشديد بخيبة الأمل تجاه (الاتفاق) أطبق آلاف النازحين الغاضبين فى مخيم (كلما) بجنوب دارفور على وفد إيان إيجلاند ، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الانسانيَّة ، فقتلوا مترجمه بالفئوس والحجارة ، وكادوا يفتكون به هو نفسه لولا أن غادر على عجل ، وأحرقوا خيمة قوات الاتحاد الأفريقى ، كما أصابوا خمسة من أفراد الشرطة بجراح ، وأعلنوا أنهم لن يغادروا المخيم ".. حتى يأتى إلينا عبد الواحد بنفسه .. ليقول لنا إن هناك سلاماً" (السودانى ، 9/5/06). ولكن عبد الواحد ما زال متمترساً عند موقفه المعلن: "لم ولن نوقع على الوثيقة إلا بعد تعديلها وإدخال مطالبنا فيها" (الرأى العام ، 8/5/06). وفى الخرطوم سيَّر طلاب دارفور بالجامعات ، فى نفس يوم الاثنين 8/5/06 ، موكباً إلى مقرِّ السـفارة الامريكيَّة ، ومكتب البعثة الدائمة للأمم المتحدة ، ومكاتب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ، حيث سلم مندوبوهم مذكرة أعلنوا فيها رفضهم (لاتفاق أبوجا) ، كونه ، كما قالوا ، لا يعبر عن تطلعاتهم ، مطالبين بالحكم الذاتى الاقليمى لدارفور ، والتعويضات الفرديَّة والجماعيَّة ، والتمثيل فى مؤسَّسة الرئاسة بمنصب نائب لرئيس الجمهوريَّة ، وضبط القوات الحكومية خلال الفترة الانتقاليَّة ، والمشاركة فى السلطة والثروة على أساس حجم السكان ، وإرسال قوات حفظ سلام للاقليم بأسرع ما يمكن ، وتقديم كلِّ الذين ارتكبوا جرائم حرب فى الاقليم للمحاكمة (السودانى ، 9/5/06). وبداهة ، فإن على الاتحاد الافريقى ، ومن يقف خلفه من القوى الدوليَّة ، أن يحاولوا (اكتشاف) شئ ما فى تلقائيَّة التزامن هذه بين نفس المطالب ترتفع فى (شارع الجامعة) بالخرطوم وفى (مخيم كلما) للنازحين بجنوب دارفور ، وفى أوساط الدارفوريين فى شتى مهاجرهم ومغترباتهم! أوَليست هى ذات المطالب العادلة التى طاش الوقار من عقل (الشيخ) أوباسانجو إزاء صلابة (الفتى) عبد الواحد فى الاصرار عليها ، فعمد إلى (طرده) من (قصره) فى أبوجا قبيل توقيع مناوى (الرأى العام ، 6/5/06) ، ثم أليست هى نفسها تلك التى فقد السيد برونك ، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة فى السودان ، أعصابه حيالها ، فتخلى عن كلِّ ما علموه من (كياسة الدبلوماسى) المفترضة ، لينحدر إلى قيعان (البذاءة) و(الصفاقة) ، واصفاً الرافضين للتوقيع تمسكاً بها بأنهم "جبناء .. لا يملكون إرادتهم"؟! (الصحافة ، 9/5/06). واهمٌ ، بطبيعة الحال ، من يتصوَّر قوى النظام العالمى الجديد وتوابعها الاقليميات بلا مصالح أو أجندات خاصَّة فى مواقفها بإزاء مشكلاتنا الوطنيَّة. وكنا أشرنا فى مبحثنا بعنوان: (وما أدراك ما الآى سى سى) إلى أن مشروعيَّة التدخل الدولى لأجل (الانسانيَّة) ، قد أقرَّها فقه القانون الدولى ، من الناحية التاريخيَّة المعرفيَّة ، مؤخراً جداً. وأشرنا ، فى ذات الوقت ، إلى أن ذلك لا ينبغى أن يفهم كعاصم لهذه المشروعيَّة من سوء الاستخدام لمصلحة الدول الكبرى على حساب الدول الصغرى ، خصوصاً إذا أخذنا جدل السياسة الدوليَّة فى الاعتبار. على أننا استدركنا أيضاً بأن ذلك أمر آخر خاضع لتعديل موازين القوى العالميَّة ، فلا يصحُّ أن يُجابه بإنكار مبدأ (المشروعيَّة) ذاته المحروس الآن بإرادة ملايين الناس فى العالم. ولعلَّ ذلك هو ما يجعل هذا المبدأ يتجلى ، فى اشتغاله العملى ، كظاهرة شديدة التعقيد. ومع ذلك ، فإن السؤال الأكبر الذى ما ينفكُّ يهشُّ ، منذ حين ، بإلحاح هو: كيف يمكن فضُّ طلاسم التناقض البيِّن فى مواقف هذه القوى من قضيَّة دارفور؟! وربما يفضل البعض طرح السؤال بشكل أكثر مباشرة: لماذا تغيَّر موقف هذه القوى من قضيَّة دارفور فى الفترة الأخيرة؟! د. عبد الوهاب الأفندى يقدِّم ، فى معرض الاجابة ، تفسيراً لا يخلو من وجاهة ، وإن كنا نتحفظ فى الاتفاق معه. فهو يرى أن حركات التمرُّد فى الدول الصغرى محكومة بأن تخدم أكثر من أجندة. حرب الجنوب ، مثلاً ، كانت لها أهداف موضوعيَّة ، ولكن الدول الكبرى استخدمتها أيضاً لتصفية حسابات أخرى مع الانقاذ. وما أن استنفدت تلك الحسابات ، حتى صار لزاماً دفع الطرفين لتوقيع اتفاق سلام. الأمر نفسه حدث الآن فى دارفور ، حيث للأزمة شقان من زاوية مصالح القوى الدوليَّة: التمرُّد نفسه كموضوع اهتمام هامشى محدود ، وردَّة الفعل الحكوميَّة المبالغ فيها كمحور إدانات دوليَّة مكثفة. فتوقيت (تمرد دارفور) أغضب تلك القوى التى (استثمرت) حثيثاً فى (اتفاق نيفاشا). لكن نظرتها للمشكلة سرعان ما تغيَّرت بعد ردَّة فعل الحكومة العنيفة التى استقطبت الاعلام والرأى العام العالميَّين ، بحيث أصبحت دارفور أخطر أزمة إنسانيَّة فى القرن الحادى والعشرين ، مِمَّا ولد ديناميات سياسيَّة فرضت على الحكومات الغربيَّة أن تتحرك لمعالجة الأزمة. وكان لا بُدَّ أن ينعكس ذلك على ميزان القوة فى المنطقة ، حيث ساند المجتمع الدولى المتمردين ، ومارس ضغطاً على الحكومة التى أصبحت معرَّضة لعقوبات دوليَّة ، حتى أجبرها على القبول بدخول قوات أجنبيَّة (قوات الاتحاد الأفريقى). لكن حركات التمرد ، بقلة خبرتها وانشقاقاتها ، تلهت بهذا السند الدولى الذى لم يكن موجهاً لها بقدر ما كان موجهاً ضد خصمها ، ففشلت فى استثمار تلك الفرصة الذهبيَّة لانتزاع التنازلات من الحكومة. وهكذا عادت نفس ديناميات الحراك الدولى لتلعب ضد الحركات ، حين فتر الاهتمام الاعلامى بالقضيَّة بعد أن تحقق استقرار نسـبى خفف الضغط على الحكومات الغربيَّة التى ظلت تفصل ، أصـلاً ، بين الجوانب الانسانيَّة والجوانب السياسيَّة ، فأضحت تطالب بحلٍّ عاجل للأزمة ، مدفوعة بثقل الانفاق على الاغاثة وعلى بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى. ثم جاءت تهديدات بن لادن الأخيرة لتجعل من انهاء النزاع أولويَّة لدى الغرب. ولهذا كان لا بُدَّ أن يأتى (سلام أبوجا) باستجابة محدودة لمطالب التمرد ، مع الوعيد لمن لا يمتثل (الصحافة ، 9/5/06). ما يجعلنا نتحـفظ فى الاتفاق مع هذه الرؤية ، على سلامة بعض جوانبها ، تعويل الأفندى ، بالكليَّة ، على إرادة الحكومات والسَّاسة فى الغرب ، مع تغييب أىِّ أثر لإرادة الشعوب ، الناس ، الجماهير ، سواء جماهير السودان ، وبالأخص جماهير دارفور نفسها التى جاءت ردَّة فعلها ، كما قد رأينا ، بذات عنف خيبة الأمل فى الاتفاق ، أم شعوب العـالم التى لعبت ، بتحليل الأفندى ذاته ، العامل الأكثر حسماً فى تشكيل الديناميات الأساسيَّة التى دفعت الغرب للتصدِّى لعنف الدولة السودانيَّة غير المبرَّر تجاه أهل الاقليم. ولعلنا نتفق فى أن إرادة الشعوب لا تكتفى بألا تشتغل ، بالضرورة ، على نفس موجة الارادات الحكوميَّة ، الغربيَّة أو خلافها ، بل وتشتغل بالمصادمة لها فى كثير من الأحيان. ودونك ناتج هذه الارادة بشـأن غزو العراق فى الانتخابات الأسبانيَّة مؤخراً ، على سبيل المثال ، دَعْ نتائج استطلاعات الرأى الحديثة فى الولايات المتحـدة وبريطانيا ، والكثير من حراكات المجتمع المدنى التى يشهدها الغرب بإزاء فلسطين والعولمة وما إلى ذلك ، دون أن نغفل عن الحقيقة الموضوعيَّة البسيطة المتمثلة فى كون تقدير هذه الحراكات نسبى ، بطبيعته ، وليس مطلقاً! الأمر الآخر الذى لا نستطيع الاتفاق معه هو ما أسَّس عليه د. الأفندى استنتاجاته من أن (استثمار) الحكومات الغربيَّة فى (نيفاشا) يمثل القضيَّة الأساسيَّة بالنسبة لها ، فلا تريد (لأبوجا) أن (تبدِّده). هذا نظر يحيِّد ، فى تقديرنا ، لب (المصالح) الغربيَّة فى كلا قضيَّتى (الجنوب) و(دارفور) ، ويعلى ، فى ميزان الحكومات الغربيَّة ، بلا منطق مستقيم أو سبب مفهوم ، من مجرَّد (الجهد) الذى (استثمرته) هذه الحكومات فى القضيَّة الأولى مقابل (جهد) آخر (مفروض) عليها فى القضيَّة الثانية ، بينما هى تراه (تبديداً) لا (استثماراً)! لقد ذهل د. الأفندى تماماً ، للأسف ، عن موقع أفريقيا ، ومن ثمَّ السودان لأسـباب معلومة ، فى استراتيجيات الغرب وإسرائيل لجهتى الموارد والجغرافيا السياسيَّة ، خلال العقود القادمة ، فاضمحلت تحليلاته لدرجة تغليب (الجهد المبذول) فى قضيَّة ما على (الجهد المطلوب) فى قضيَّة أخرى ، دون اعتبار (للمصالح الاستراتيجيَّة) الكامنة فى كلا القضيَّتين. وسوف يصعب على هذا الباحث النشط ، من جهة ثالثة ، إقناع أحد بأن ".. ثقل الانفاق على الاغاثة وعلى بعثات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى" هو ما جعل (إنهاء) نزاع دارفور (أولويَّة) فى حسابات تلك القوى الدوليَّة. وإلا فبماذا يفسِّر طلب الرئيس الأمريكى إلى الكنغرس ، بعد الاتفاق وليس قبله ، إقرار إرسال معونة غذائيَّة إلى دارفور بما قيمته 225 مليون دولار ، وإصداره تعليمات بشحن كميات من الغذاء من مخزونات الطوارئ إلى الاقليم ، علاوة على شراء 40.000 طن من الغذاء وشحنها فى خمس سفن إلى السودان ، على وجه السرعة ، للمساعدة فى تخفيف حدَّة الأزمة الانسانيَّة فى دارفور ، وإلى ذلك ما أعلنه لويس ميشيل ، المفوَّض الأوربى للتنمية والمساعدات الانسانيَّة ، من تخصيص الاتحاد الأوربى ، بعد الاتفاق أيضاً ، لمبلغ 100 مليون يورو كمساعدة جـديدة لدارفور ، وما أعلنته أولا تيرنس ، وزيرة التعاون الدولى بالدنمارك ، وأيضاً بعد الاتفاق ، من تخصيص بلادها مساعدات إنسانيَّة إضافيَّة لدارفور بقيمة 2.68 مليون يورو (السودانى 9/5/06) ، وهذا على سبيل المثال فحسب؟! المفتاح الصحيح ، فى رأينا المتواضع ، لفض مغاليق هذا التغيُّر المفاجئ فى موقف الحكومات الغربيَّة من حركات دارفور هو (المغامرة) الانقاذيَّة غير المفكر فيها جيِّداً ، بإطلاق النظام ، فى لحظة يأس ، وفى واحدة من (ألاعيبه الصغيرة) ، كما يسميها الأستاذ عادل الباز ، ما حسبه محض (بالون اختبار) للقوى الدوليَّة ، أو ربما (قفزة فى الظلام) يرمى من خلالها (عظمة شهيَّة) للقوى الدوليَّة ، عساها تعدِّل موقفها فتميل إليه قالبة ظهر المجن للتمرد! فقد فجَّر الأستاذ على عثمان طه ، نائب رئيس الجمهوريَّة ، تصريحه الداوى ، خلال الأسبوع الثانى من مارس 2006م ، لدى اجتماعه فى بروكسل مع خافير سولانا ، منسق الشئون الخارجيَّة فى الاتحاد الاوربى ، وروبرت زوليك ، نائب وزيرة الخارجيَّة الأمريكيَّة ، قائلاً: "سندرس نشر قوات دوليَّة فى دارفور بعد توقيع اتفاق السلام!" (وكالات وصحف وقنوات فضائيَّة ، 9 ـ 10/3/06). وسواء قصد الأستاذ طه ، بتصريحه ذاك ، أن يبعث برسالة محدَّدة إلى القوى الدوليَّة ، مفادها استعداد حكومته لأن تبرم معها صفقة محدَّدة على غرار (صفقة شايلوك وأنطونيو) فى مسرحيَّة شكسبير الشهيرة (تاجر البندقيَّة) ، أو أن التصريح قد جاء ، فحسب ، فى سياق ارتباكات النظام المشهودة ، فإن تلك القوى قد فهمت ، على أيَّة حال ، ما أرادت أن تفهمه ، وشرعت ، منذ تلك اللحظة ، فى التصرُّف على هذا الأساس بدفع الحركات دفعاً للتوقيع على اتفاق (سلام) تقبله الحكومة! ذلك أن دخول القوات الدوليَّة تحت راية الأمم المتحدة أقل كلفة بما لا يُقاس ، عسكرياً وسياسياً ومالياً ، كما أشرنا فى مقالة سابقة ، من دخولها بخطة (الغزو) ، على نموذج العراق وأفغانستان ، والتى تعتبر البديل الوحيد فى حالة عدم موافقة الحكومة! فى هذا الاتجاه ما لبث مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى أن أصدر من فوره ، فى اجتماعه رقم/46 بتاريخ 10/3/06 ، قراره بإحلال القوات الدوليَّة محل قواته فى دارفور بعد ستة أشهر من ذلك التاريخ ، مستنداً ، حرفياً ، ضمن البند الخامس من هذا القرار ، إلى تصريح الأستاذ طه المشار إليه. وفى تعليق ذى مغزى صرَّح هيدى أنابى ، مساعد الأمين العام للامم المتحدة لعمليات حفظ السلام ، بأن ".. الوقت اللازم لتعبئة وتزويد قوَّة تابعة للأمم المتحدة بالمعدَّات ونشـرها يستغرق ما بين ستة إلى تسعة أشهر!" (السودانى ، 15/3/06) ، وذلك بالتطابق ، حذوك النعل بالنعل ، مع كلمة ألان قولتى ، موفـد بريطانيا الخاص إلى السودان ، والتى كان أدلى بها فى مؤتمر صحفى لدى زيارته لنيالا أواخر فبراير الماضى ، بأن القوات الدوليَّة "تحتاج إلى ما لا يقل عن تسعة أشهر إذا وافقت عليها جميع الأطراف"! هكذا مضت القوى الدوليَّة تعد عُدَّتها غير عابئة لا بالقسَم المغلظ لرئيس الجمهورية ووزير دفاع بأن يجعلا من دارفور (مقبرة) لقواتها ، ولا بالتصريح الآخر الذى كان الأستاذ طه قد سارع لإطلاقه ، فور عودته من بروكسل ، مشدِّداً على رفضه نشر تلك القوات فى دارفور "سواءً قبل أو بعـد الوصول لاتفاق سلام فى الاقليم" (الصحافة ، 15/3/06) ، ولا بأىِّ تصريح أو إفادة رسميَّة أخرى مِمَّا ظلت الانقاذ تنفى به موافقتها المبدئيَّة على دخول القوات الدوليَّة للاقليم. لذا لم يكن مدعاة لاستغراب المراقبين مسارعة كوفى أنان ، الأمين العام للامم المتحدة ، إلى مطالبة الحكومة ، ولما يكن قد جفَّ ، بعدُ ، حبر التوقيع على الاتفاق فى أبوجا ، بالتهيُّؤ لاستقبال تلك القوات! والآن ، وقد راحت السكرة وجاءت الفكرة ، وحان أوان سداد الفواتير ، فلتنظر الانقاذ ماذا هى فاعلة ، وشيلوك على الأبواب يطلب حقه المستحق من لحم أنطونيو! الخرطوم بحرى 13/5/2006م
#كمال_الجزولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عَضُّ الأصَابع فِى أبُوجَا!
-
بَا .. بَارْيَا!
-
إسْتِثناءٌ مِصْرىٌّ وَضِئٌ مِن قاعِدةٍ عَرَبيَّة مُعْتِمَة!
-
خُوْصُ النَّخْلِ لا يُوقِدُ نَاراً!
-
التُّرَابِى: حَرْبُ الفَتَاوَى!
-
سِيْدِى بِى سِيْدُوْ!
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ (الحلقة الأخيرة) مَا العَمَ
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (13) الوَطَنُ لَيسَ (حَظَّ
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (12) وَطَنيَّةُ مَنْ؟!
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! إِشَارَاتُ -أُوْكامْبُو- و
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (10) إنقِلابُ اللِّسَانِ ا
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (9) سَيادَةُ مَنْ؟!
-
التَوقِيعُ على -نِظَامِ رومَا-: غَفْلَةٌ أَمْ تَضَعْضُعْ؟ومَ
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (7) طَريقَانِ أَمامَكَ فَا
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (6) مَطْلَبٌ ديمُقرَاطِىٌّ
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (5)المَسَارُ التَّاريخِىُّ
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ! (4) الحَرْبَانِ العَالَميّ
...
-
ومَا أدْرَاكَ ما الآىْ سِىْ سِىْ!
-
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الآىْ سِىْ سِىْ مِنْ حُقوقِ الدُّوَلِ إل
...
-
السُّودَانْ والآىْ سِىْ سِىْ: بَيْنَ المَبْدَئِى وَالعَارِضْ
...
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|