علي الاسد
الحوار المتمدن-العدد: 6405 - 2019 / 11 / 11 - 16:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من المتعارف لدى اهل اللغه ان هناك فرق بين اللفظ حين ياتي نكرة او معرف.. وبداهة ايضا نعلم ان المعرف معرف قطعا , اذن هو معلوم بين المتكلم والمستمع على الاقل .. وهذا ما درج عليه الكلام العادي بين الناس , فلو كنت تخاطب صديقك وقلت له : لقد رأيت الوزير
فقطعا ان هذا الوزير معروف لك ولصديقك ولا يعني اي وزير كان , بل وزير واحد تعرفه ويعرفه صديقك حق المعرفه . وسوف يختلف المعنى كليا فيما لو ذكرت نفس الجمله مع تنكير لفظ الوزير , حيث ستقول :لقد رأيت وزيرا
ففي هذه الحاله انت تعلم انك فقط رايت احد الوزراء ولعلك تلم بمعلومه اخرى عن صفته ولكن صديقك(المستمع)لا يعرف اي شيء عمن رايت سوى كونه وزير.
هذه القاعدة اللغويه والمنطقيه ,والتي يستعملها الناس في كلامهم اليومي بنسبة ما, وأن تجاوزوها احيانا خطأ ..اقول هذه القاعدة تم التغافل عنها والغائها كليا في التعامل مع النص القرآني . الا اللهم في بعض الحالات الخاصة , مثال لفظ الشيطان حيث ياخذونه من المسلمات انه يعني شخص محدد وليس اي شيطان كان .
هذا التغافل المتعمد عن قاعدة لغويه منطقيه ادى الى حدوث ابهام في فهم الكثير من المعاني القرآنيه , حتى اصبح الكتاب المهيمن المبين الذي فيه تبيان كل شيء محل الاختلاف الاكبر وليس مرجع حل النزاع.
وكمثال للفارق بين المعرف والنكرة نأخذ لفظ واحد وهو :
الدم :
في : سورة النحل-آيه 115
{إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم }
فان الميته والدم والخنزير في هذه الاية لاعلاقة له بالمتعارف من تحريم اكل لحوم الخنازير والدماء ولحوم ميته ,فلم تاتي اشارة الى كون التحريم هو تحريم الاكل.. والكلمات هنا معرفه وكل ما هو معرف فهو معرف, اذن هو موجود له كيانه الخاص المختلف عن بني جنسه فلفظ (الدم) في هذه الايه لفظ معرف لدم خاص وليس اسم جنس, ونستطيع ان نجده في ايه اخرى تعطينا بعض مواصفاته في سورة الأعراف-آيه 133
{فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين }
اذن هنا الجراد و...والدم ايات مفصلات اذن الدم ايه مفصله وتم ارسالها من موقعها بتصرف المجموعه المقدسه وليس دم من حيوانات كما يتبادر الى الذهن.
فلو سال سائل عن المحرم للاكل من دماء الحيوانات نجده في ايه اخرى وهي:
في : سورة الأنعام-آيه 145
{قل لا أجد في مآ أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم }
وهنا نجد دم وميته وخنزير غير معرفه , ونجد ان التحريم خاص بالطعام (محرما على طاعم يطعمه) وليس تحريم مطلق(حرم عليكم).
بالطبع ان هناك من يقول بعدم التفريق بين المعرف والنكره , وان المعرف هو اسم جنس , اي ان الدم يعني كل الدماء والانسان يعني كل الناس والمدينه تعني كل المدن , والجواب ان هذا يتعارض مع المنطق واللغه ناهيك عن تعارضه مع القران الذي استخدم كلا الصيغتين للتفريق بين المعنيين.
مثال ثان: (المدينة)
فلو سألنا اي مفسر عن معنى لفظ (المدينة) في اغلب الآيات التي ذكر فيها لقال انها من المسلمات البديهية, فهي مدينة النبي في الجزيرة العربية, كما في هذه الآيات:
= (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101 التوبة)
حيث تتكلم الآية عن منافقين(منافقون حسب النص) في المدينة المعروفه.
= (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120 التوبة)
= (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60الأحزاب)
ايضا الآيتين اعلاه تتكلم عن نفس المنطقة الجغرافية وهي مدينة النبي , بلا خلاف بين المفسرين.
فما الذي يحدث حين يأتي نفس اللفظ في آيات أخرى؟
هل السبب صعوبة في فهم انه نفس اللفظ المعرف ام ان الاقرار به يفتح الباب لتساؤلات اخرى تكشف جزءا من شفرة النص؟
كما في :
(قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123الأعراف)
لماذا يتغير معنى المدينة هنا, أبسبب ذكر فرعون؟ ويجب أبعاده عن هنا بأي ثمن؟
وكذلك:
(وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48)
ونسأل المختصين بالآثار ,هل جاء لقب فرعون في ذكر ملوك السلالات في دولة مصر الحالية,,او هل ذكر هجرة لاقوام عبرانية اليها؟
..
لفظ آخر ( البلادِ )
= (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196 آل عمران)
= (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5 غافر)
فأين هذه ( البلاد) التي يتكلم عنها النص بصيغة الحاضر, ويؤكد لمن يخاطبه ان لايغرره تقلب الذين كفروا فيها؟
جاء في خطبة البيان للأمام علي ع :
((ثمّ يخرج من الكوفة مائة ألف بين مشرك و منافق، حتى يقدموا دمشق لا يصدّهم عنها صادّ، و هي إرم ذات العماد)).
اما من يتسائل عن سبب التغافل عن التفريق بين المعرف والنكرة من قبل غالبية الامه منذ بدايتها الى الآن رغم وضوح الفارق , ناهيك عن الحل لكثير من التناقض في القران عند الالتزام بقاعدة التفريق بينهما , كمثال : فان المحرم في الاسلام هو (الخمر) المعرف بال التعريف وليس له علاقه بلفظ (خمر) سوى الاشتراك في صفة من الصفات ,ولذا ورد وجود خمر في الجنه : انهار من خمر).
اقول ان الاجابه على التساؤل اعلاه هي ان تطبيق هذه القاعدة المنطقيه البسيطه:
( كون المعرف معرف محدد متميز) تفتح الباب على فهم جديد قديم يهدم الكثير مما بنيت عليه المؤسسه الدينيه-السياسيه التي تصدت للوصايه على الدين وتمثيله بها وحدها.
وسوف يبدأ التساؤل عن كل الالفاظ المفردة المعرفه في القرآن والبحث عن مصاديقها في تاريخ الامه او في لحظة نزول الآيات.
فمثلا سوف يتساءل المسلمون عن هوية الجمل المذكور في الآيه:
((إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (( اعراف 40 ))
ولماذا لم تقل الآيه (حتى يلج جمل في سم الخياط) بدلا من (حتى يلج الجمل) ,فعن اي جمل محدد تتحدث الآيه؟.
وكذلك سوف يتم البحث عن هوية الظالم الذي يعض على يديه ((ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا.. آيه27 الفرقان))
والمجرم الذي((يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه..المعارج 11 ))
والكافر الذي((وكان الكافر على ربه ظهيرا..الفرقان 55 .. ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا ..النبأ 40 ))
والموؤدة التي قتلت(واذا الموؤده سئلت)
والأشقى الذي يصلى النار الكبرى ,
والفتح ,
واليوم الذي أكمل فيه الدين(اليوم اكملت لكم دينكم) ,
والنجم اذا هوى ..وهو نفس النجم الذي به يهتدون (وعلامات وبالنجم هم يهتدون..النحل 16),
والشهر الحرام قتال فيه(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه..البقرة 217) فأي شهر من الأشهر الحرم هو وعن أي قتال يحدث في هذا الشهر المخصوص وكيف ولم؟ ومن هم الذين لايزالون يقاتلونكم ,
والداع((يوم يدع الداع الى شيء نكر .. القمر 6))
وغيرهم
= جاء في مستدرك سفينة البحار :
((أقول: ورواه الشيخ في التهذيب بسند صحيح عن زرارة مثله، وروى فيه بسند صحيح عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: ما حرم الله في القرآن من دابة إلا الخنزير، ولكنه التكره. وفي نسخة الوسائل: ولكنه النكرة)).
-------------------------
#علي_الاسد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟