هشام عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 6405 - 2019 / 11 / 11 - 09:42
المحور:
القضية الفلسطينية
تعد وسائل الإعلام وسيلة لتداول وجهات النظر المتعددة وإسماع الأصوات المختلفة، مما يتيح الممارسة الفعلية للمواطنة مثل المشاركة والنقد والانتخاب؛ فالمواطن الواعي بإمكانه المساهمة على نحو أفضل وبنشاط أكبر في عمليات صنع القرار في مجتمعه. وتضطلع وسائل الإعلام بدور غير مسبوق بشأن مسألتي التنشئة والمواطنة. وتتمتع وسائل الإعلام وتكنولوجيات المعلومات والاتصال بقدرات هائلة في تدريب وتثقيف الجماعات المحلية.
ولكي تؤدي وسائل الإعلام دورها كاملًا في تمكين المواطن والمساهمة في تعزيز المواطنة لا بد أن يكون مفهومًا أن حرية الصحافة لا تقتصر فقط على حرية الصحفيين في إنتاج الموضوعات والتعليق عليها، بل إنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحرية الجمهور في الانتفاع بالمعلومات والمعرفة والإسهام بنشاط في الحياة السياسية.
إن الإعلام الفلسطيني لا يقدم كل ما هو مطلوب منه في سبيل تعزيز مبادئ وقيم المواطنة وشروطها؛ فهو في أغلب الأحيان منحاز لرؤى السلطة ومواقفها وتبريراتها للسلوكيات التي تنال من حقوق المواطنين؛ وذلك في ظل غياب واضح لسياسة إعلامية متحررة من القيود السياسية والبيروقراطية، تراعي التحولات التي يشهدها الناس محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا وتؤمّن حرية التعبير وتدفق المعلومات وانسياب الأفكار بعد زوال الكثير من العقبات والصعاب، وتطويع معطيات العلم لخدمة الإعلام الحر. وحتى يمكن أن ينتصر الإعلام للمواطنة فلا بد أن يشارك المجتمع كله بمختلف طبقاته وفئاته وشرائحه وتوجهات أفراده ومشاربهم في صياغة السياسة الإعلامية. فللإعلام بمختلف وسائله أهمية بالغة في تعزيز وحماية الهوية الوطنية. والإعلام ليس فقط أغنية أو مسرحية للوطن، بل هو معالجة فكرية أيضًا وحضور وتفاعل ومناقشة صريحة وجريئة لمشكلات البلاد، ومن بينها مشكلة المواطنة التي باتت في حاجة إلى حل ناجع وسريع، لمقاومة استراتيجيات ترمى إلى النيل من وحدة المجتمع، وتكامله الوطني.
فالإعلام الفصائلي الفلسطيني له دور إيجابي يؤديه في سياق تفاعل الأحزاب والفصائل الوطنية مع مكونات المجتمع لتعزيز وتدعيم قيم المواطنة, هذا الدور يعكس طموح كل فلسطيني بأن ينعم بالحرية والمساواة والعدالة, وترسيخ التعددية والمشاركة والشعور بالانتماء والمواطنة.
الأمر الذي ينعكس على تماسك وترابط المجتمع وتوجيه طاقات الشباب الجامعي في فلسطين لتحمل مسئولياتهم نحو القضايا المختلفة وقيادة التغيير في المجتمع الفلسطيني.
وهذا يتطلب وجود مقومات تساعد على توجيه الرسالة الإعلامية الفلسطينية لأداء عملها بمسئولية وطنية صادقة تتحلى بروح المهنية المتحررة من قيود الحزبية والتي تسهم في توحيد الجهود لتعزيز قيم التسامح والتلاحم والتعاون بين مختلف الأطياف الفلسطينية تحقيقًا للمصلحة العامة؛ وذلك بهدف إرساء حياة ديمقراطية خالية من الفساد والفقر والبطالة تصان فيها الحريات الفردية والجماعية والكرامة الإنسانية
إلا أن الإعلام الفلسطيني يعاني من العديد من المعوقات، أهمها يتمثل في المرجعيات القانونية المنظمة لعمل الإعلام, إضافة لممارسات الأجهزة السلطوية, بالإضافة لما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى للتضييق على وسائل الإعلام واستهدافها, وعلى الرغم من أن سائل الإعلام الفلسطينية تمارس دورًا إيجابيًّا على الصعيد الوطني وفضح ممارسات الاحتلال، إلا إنها انخرطت في دوامة التجاذبات السياسية في الساحة الفلسطينية ومارست دورًا توتيريًّا من خلال استخدامها للمصطلحات التحريضية في خطابها الإعلامي.
إن الإعلام الحزبي استغل عاطفة الجمهور الفلسطيني في حقبة الانقسام المستمرة، وسخّرها في التحريض وبث الشائعات؛ ما أوصل الفلسطينيين إلى انقسام مجتمعي حاد أثّر على نواحي الحياة كافة، وخلق ظواهر اجتماعية سلبية، حتى إن العديد من دور العبادة أصبحت ممتلكات حزبية يصلي فيها أصحاب اللون الحزبي الواحد، عند مقارنة حيز الأخبار الحزبيّة مع حيز الأخبار الوطنية المتعلقة بجرائم الاحتلال وقضية الأسرى والقدس وغيرها، يلاحظ المرء توسع الأخبار الحزبية على حساب غيرها من الأخبار الوطنية؛ ما يمكن أن يكرّس الانطباع بأن العداء الفلسطيني - الفلسطيني أشد من العداء الفلسطيني – الإسرائيلي.
ويقول الاعلامي أحمد سعيد * إن الإعلام الحزبي في أغلب الحالات "يعتبر إعلامًا غير وطني؛ فعندما تتناقض مصلحة الحزب مع مصلحة الوطن فإنه من البديهي أن مصلحة الحزب ستؤخذ بعين الاعتبار". ولفت إلى أن "الأخبار الحزبية التحريضية في فترة الانقسام كانت تأتي في بداية النشرات الإخبارية، ومن ضمن العناوين الرئيسية في الصحف الحزبية، في حين أن مسائل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تذيّل سلم أولويات هذا الإعلام، كما أن حزبيّة الإعلام لا تعني فقط تكريس الاعتبار الحزبيّ كموجّه للأخبار والبرامج والسياسات التحريريّة، بل إن الأمر تعدّى ذلك لكي يصبح الانتماء الحزبيّ شرطًا في التوظيف في مؤسسة الحزب الإعلامية.
يمكن القول إن هناك علاقة جدلية بين غياب الديمقراطية ووجود حالة من الفوضى الإعلامية خلال فترة الانقسام السياسي الداخلي, حيث كان الإعلام أبرز الأدوات المستخدمة لتأجيج الصراع بين فتح وحماس.
لقد لعبت وسائل الإعلام الفصائلية دورًا في عملية الاستقطاب السياسي بين طلبة الجامعات الفلسطينية, كما ساهمت في رفع وتيرة التعصب الحزبي, والتخندق خلف مواقف الفصائل, من الأنصار والعناصر التي تتبع لها بشكل خاص, كما أن الجمهور عمومًا ومن بينهم طلبة الجامعات يتأثرون بما تنشره تلك الوسائل لتقديمها كمًّا هائلًا من المعلومات عن الأحداث والمناسبات الوطنية وما تتضمنه من حقائق؛ مما يوفر لهم المقدرة على تقييم الأمور والمستجدات وتحديد نظرتهم لها, بصورة أكثر منطقية, على الرغم من ضعف الثقة في بعض تلك الوسائل. كون تلك الوسائل الإعلامية الفصائلية تشكل مصدرًا مهمًّا في صياغة توجهات الطلبة؛ الأمر الذي من شأنه أن يستدعي الوقوف على حقيقتها والمضامين التي تحملها في الجامعات في قطاع غزة ورسالتها الإعلامية للأجيال المتعاقبة, وعلى الأخص الشباب الفلسطيني في الجامعات, وهم الفئة التي يعول عليها حمل أعباء المرحلة الحالية والمستقبلية.
إن التجربة الفلسطينية شكلت انتكاسة حقيقية لتجربة الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء المجتمع الحر, حيث كانت التجربة مريرة وقاسية لواقع العمل الإعلامي الفصائلي ابان الانقسام؛ الأمر الذي ظل يقيد الإعلام بما تريده الفصائل من خطاب ومواقف تخدم مصالحها الحزبية.
إن الخروج من هده الانتكاسة يستوجب توافر حرية التعبير والاعتقاد, وكذلك حرية الصحافة والبحث والمعرفة تقتضي العدالة في تكافؤ الفرص بين مختلف أبناء المجتمع دون النظر إلى انتماءاتهم أو روابطهم الطبقية أو المعرفية أو الدينية.
وذلك لتتحقق الأسس والقيم التي تقوم عليها المواطنة وترجمتها إلى واقع يرتبط بها المواطن بروابط الانتماء – والهوية الوطنية – قائمة على نظام قانوني يكفل سيادة القانون، وعلى منظومة الحقوق والحريات الأساسية، بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي يتمتع بها المواطنون على قدم المساواة، وفي إطار من المسئولية وقبول الآخر والتعايش في إطار الوحدة الوطنية الشاملة.
لهذا فإن مصدر الوعي بالمواطنة يأتي كجزء من منظومة قيم تشكل بدورها الثقافة السياسية للمواطن الصالح, عبر اتخاذه جملة من القيم القياسية أو المعيارية وتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الحزبية أو الخاصة ,
لابد هنا من إدراك أن المواطنة الكاملة لا تعتمد على المشاركة في العملية السياسية أو الحصول على الحقوق السياسية فقط, بل لابد أن يتمتع المواطن بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية أيضًا، التي من شأنها أن تعزز لديه الشعور بمعني المواطنة والولاء للوطن عن طريق إشعاره بالإنصاف (العدل والمساواة).
إن من الدلالات السلوكية لقيم المواطنة, ليس فقط المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية, وانما الالتزام في المحافظة على إنجازات المجتمع, وبذل الجهود لدعمها والإضافة إليها, ويعتبر غياب الوعي بقيم المواطنة من أهم المشكلات التي تعوق التنمية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الواقع العملي أكثر تعقيدًا، وأن أي محاولة لفرض أي ثقافة سياسية معينة يجب أن يسبقها تأهيل سياسي من خلال وسائل الإعلام, بمعني إعادة تشكيل الثقافة السياسية للمجتمع الفلسطيني.
ومنظومة التأهيل هي جزء من إعادة تشكيل القيم المجتمعية والوطنية داخل المجتمع؛ مما يستوجب استنهاض فكري يدعو لصياغة ثقافة سياسية قائمة على الحوار والتوافق وترتكز في جانبها الآخر على المواطنة.
ففي مجال الثقافة السياسية الفلسطينية هناك إجماع على وجود تباين حاد بين الفصائل حول العديد من القضايا السياسية؛ مما أدى إلى عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية.
الأمر الذى يدعو إلى ضرورة الاعتراف بوجود تنوع فكري, قد يشكل صمام أمان, وقد يسهم في تعزيز مفهوم المشاركة وممارسة الحقوق المدنية والسياسية, باعتبار أن البعد الثقافي يرتكز أساسًا على وجود علاقة وثيقة توفر الديمقراطية, وشكل المواطنة على اعتبار إنهما وسيلتان لنفس الهدف المتمثل في صهر العناصر والثقافات والولاءات الفرعية إلى ولاء أرحب وأوسع يستشعر منه كل فرد أن له دورًا ما في اتحاد القرار؛ وبذلك فإن العمل على استرجاع سيادة الشعور بالمواطنة يتطلب الكثير من العمل على كل المستويات وفي جميع الاتجاهات.
من هنا يقع على عاتق المؤسسات الإعلامية للفصائل الفلسطينية دور كبير في تعزيز أبعاد المواطنة بمختلف مظاهرها من خلال برامجها المنوعة التي تعمق وتعزز قيم المواطنة, وتزيد من تماسك المجتمع الواحد وتكامله.
ويعد مجتمع الجامعة بمثابة البيئة الملائمة والحاضن النشط لتنمية قيم الانتماء الوطني, من خلال ما توفره للطلبة من ثقافة واعية وسليمة حول مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدل والمساواة, والاطلاع على تجارب الشعوب والأمم التي قطعت شوطًا في التقدم الاجتماعي والسياسي.
إن عملية تعزيز المواطنة الصالحة تتطلب تضافر كل الجهود لتصبح سلوكًا يمارسه الجميع, فتتحول ثقافة الرأي الواحد لتصلح ثقافة المشاركة وقبول الآخر, وثقافة العداء إلى ثقافة الحوار الفكري, وكذلك التسلط إلى إشراف وتوجيه, ونشر ثقافة الديمقراطية, وتوضيح أهميتها في المجتمع الفلسطيني, والعمل على ربطها مع المواطنة الحقيقية عند إقرارها في المقررات الدراسية للجامعات, وتسخير وسائل الإعلام بشتى مجالاتها للعمل على ترسيخ مفهوم الثقافة الديمقراطية, فثقافة الديمقراطية هي التي تؤسس علاقة المواطنة وتقوى الولاء العام لدى الإفراد والدولة. وتحقق لهم المساواة في الحقوق والواجبات من غير النظر إلى الدين أو العرق, كما أنها تعمل على تعزيز النسيج الاجتماعي والثقافي من خلال نشر مبادئ التسامح ونبذ العنف, والمشاركة الإيجابية التي تسعى لإشاعة أجواء الثقة والتفاهم داخل المجتمع ومؤسساته المختلفة والانخراط في المشاركة السياسية وترسيخ علاقة المواطن بالمجتمع والدولة.
كما بإمكان وسائل الإعلام المستقلة والمتعددة أن تعزز قدرات الطلبة باستمرار من خلال تزويدهم بالمعلومات عبر وسائل الإعلام لتطوير مهاراتهم وتعزيز قدراتهم على تنشيط المشاركة الشعبية بالإضافة لفتح بوابات الحوار المفتوح والواعي وتشجيع المبادرات المحلية لإشراك المواطنين في اتحاد القرار.
#هشام_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟