|
كارمين في أرض المسلمين
مصطفى منيغ
الحوار المتمدن-العدد: 6404 - 2019 / 11 / 10 - 10:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
برشلونة : مصطفى منيغ التفكير بِهدوء نِعمة، والخروج منه بقرار كرامة ، والرجوع إليه لتوسيع الاستفادة أكمل خدمة، والاحتفاظ بالمواضيع المُتطَرَّق في شأنها كل منها على حدة (بين مساحاته غير المقيدة بالطول أو العرض) بالمُعجز مختومة، ما يُستردُّ به غنيمة ، وما يضيع في التنفيذ لسبب يدخلُ في دوامة ، منتهية بما يؤكد أن العوامل ممسوكة و بصلاحياته محكومة ، ما دام الذهن متيقظ بصحبته الدائمة. التَّفكير يُحوِّل البَصر لبصِيرة تلجُ بصاحبها ما وراء أسلاك شائكة له غير دامية ، يجتازها بالحسنى عن إرادة للخير رامية ، وهكذا جسدنا بالروح مزوَّد بما نحتاجه أو يزيد طيلة حياة نجعلها بالتفكير إن أردنا سَامية. ... التفتُ للوراء في جلستي تلك ، على نفس الكرسي اللُّغْز فلمحتُهما معا في اتجاهي قادمتان ، السيدة والخادمة ، الأخيرة باقترابها مني رأيتُ دمعتان تكادان النطق لي بشيء لكنها تغادر كأنها مجرورة بسلسلة لناحية ما ، ولولا السيدة التي شرحت لي أمر انتقال أمها لجسدها كي تترك لنا مجال تدبير شؤوننا الخاصة والتفكير جدياً في مصيرنا، لبقِيَ التجهُّم يلازمني لغاية مقابلتها ، كان الجو حراً والبحيرة يغرينا ماؤها بالعوم وهذه المرة استعدتُ لذلك بنشاط وحيوية ، بتلقائية وجدتُ السيدة سابحة بجانبي وَرّدَ خَدَّيْها المرح وأسقطت السعادة من عمرها سنين ، بعد ساعة لم نشعر كيف مرَّت سمعنا صوت السائق ينادي لاعلان حضوره في الموعد المحدد من طرف مشغلته التي طلبت مني العودة للبيت إذ الذهاب لبرشلونة أوانه حلّ . ... ركن السائق السيارة أمام مقهى لنقضي ما أتينا من أجله المدينة ثم نعود إليه، بقيتُ صامتاً كعادتي طوال الطريق لغاية منزل كائن بنفس حي كارمين فتحَته قائلة :"مرحباً بك في بيتك أيها السيد الغالي". بداية لم أفهم شيئاً إلى أن شرحَت لي الموضوع بكونها اشترت هذا البيت باسمي كما تؤكده الوثيقة التي قدمتها لي صحبة مفاتيح سيارة موجودة في مَرْأب ملحق بنفس البيت تليق بمستوي عملي في مكتبة ومطبعة فاخرة حالما نعود من المغرب . شيء يفوق الخيال بمراحل، مَن أكون بالنسبة لهذه المرأة ، حتى استحق ما تجاوز بكثير الكرم الحاتمي تغدقني به ؟، هل من سبب وجيه وراء ذلك ؟ ، بالفعل لم أعد أفهم شيئاُ ، وكأنها قرأت أفكاري لتوضِّحَ لي : "أقدِّمُ لكَ هذا القليل في حقك، أولاً لأنني أحبكَ حُباً لستُ مسؤولة عن أي حد يوصلني معك وأنتَ مُعلق فؤادك بامرأة غيري؟ ، ثانيا لان والدتي أوصتني خيراً بجعلكَ متمتعاً بما هاجرتَ من أجله وطنكَ المغرب عامة ومدينة القصر الكبير خاصة ، ثالثا للدور الشجاع الذي ما كان غيرك ليقوم به حتى تعرّفتُ على والداي معاُ ولم أعد بيني وبين نفسي تلك اللقيطة إن لم أقل النَّكِرة ، مَن كان مثلك يستطيع أن يلْقِيَ نفسه وسط مخاطر لا تُحصى وفاءً لكلمة سمعتُها منك حينما قلتَ لا تخافي سأبقى معكِ وبالفعل هذا حصل ، لذا لا تعترض أرجوك عن أي شيء أقدِّمه لك " ، لم أقتنع ولكن أحببتُ أن أساير الموضوع حتى ينتهي بأي منوال ينتهي إليه ، أقفلتُ البيت ووضعتُ وثائقه والسيارة في جيبي محتفظاً أيضا بما يخصهما من مفاتيح ، وخرجنا لنتوجه لمطعم والداي كارمين ، حيث استقبلني والدها المحترم بعناق حار كأنه احتضن ابنا غاب عنه من سنين ، أما والدتها تركت ما كانت منشغلة به وأسرعت لتعانقني ودموع الفرح تسبقها ، ألهذا الحد أحبني هؤلاء أم يتهيأ لي ؟، لا أدري إن كانت الدنيا سخية معي أم ثمة فخ تطوقني به لفترة مُرتقبة ؟، سألتُ عن كارمين فوجدتها أمامي لتتعامل معي بما لم تعبأ به لا بوالديها ولا بزبناء المطعم الذين باركوا ما رأوه بالتصفيق ، حقيقة المنظر يستحق إيقاظه من الذاكرة كلما أردتُ معايشة إحدى أهم لحظات حياتي على الإطلاق ، جعلتني كلها أعتز اعتزازا حقيقيا بمن وضعتهم الأقدار في طريقي كانسان أدًَّى معهم مهمته في الحياة كما أرادها بمسؤولية وحرية وعزة نفس ، إلتَفَتْتُ للسيدة فوجدتها تبكي بكاء نابعاً من صدق مشاعرها والحب قد تشخَّص أمامها لتهمس في أدنى: "لك الحق أن تتمسك بهذه الإنسانة أزيد ممَّا أنت متمسك بها ، طامعة أن أكون بينكما دون أن أسبب لكما أي إحراج . ... في دقائق كانت كارمين مهيأة لمرافقتنا بعدما استأذنتُ والدها وأخبرتُه بقضائها الليلة معنا مانحا إياه رقم هاتف السيدة ، مُقَبِّلاً والدتها بين عينيها. ... وصلنا الضيعة لنجد خادمة أخرى معلنة أن الطعام جاهز فانتقلنا للمائدة فورا لإحساسنا بالجوع، بعد ذلك استأذنتني السيدة في جولة تقوم بها رفقة كارمين لأجدها فرصة وأنام في غرفة الطابق الثاني . ... سمعتهما تتحدثان بصوت منخفض قبل طرقهما الباب ليدخلا للاطمئنان عليَّ كما ادعت السيدة لكن الأمر بدا لي مغايرا فقررتُ مغادرة الفراش مستعدا لسهرة نقاش قد تستغرق لساعة متأخرة من تلك الليلة حيث القمر يطل علينا مبتسما بنوره فرحا بجلسة غرام يستبشر خيرا بتوسطه عالم ازرق من حيث عُلُوِّه مستأنس بالنجوم الآخذة منه إشعاعا يبحثون به عن مقر في عيون المحبين الآدميين مثلنا الشاخصة أبصارهم لعلياء نفس الشرفة المطلة المهيأة مسبقا لمثل الجلسة التي اعتبرتها جد مهمة وربما تكون الحاسمة بالنسبة لمواضيع ظلت مُعلقة فوصل الوقت لحلها جملة وتفصيلا . كانت كارمين أولى المتحدثين قائلة :" سيدي الغالي ، وضعتني السيدة في صلب القضية لأكون عضوة في الفريق المتوجه للمغرب ، بما حكت لي من وقائع كنتُ غائبة عليها بإصرار منكَ حتى أبقى بعيدة عن مخاطر قد تنجم عن انفلات أساسه سوء تقدير طرف للطرف الثاني ، وطالما وُضِعْتُ موضِعَ مقايضة فانتصرتَ دوماً للحفاظ عليّ بجانبكَ عن بُعْدٍ لخوفكَ فُقْداني ممَّا زاد تقديري لكَ أضعافاً مُضاعفة ، طبعاً قراركَ قراري أنت أدرى بمصلحتنا المشتركة ، صراحة لا مانع عندي أن تحبكَ السيدة وذاك حقها عِلماً أنني لا استطيع التخلِّي عنكَ تحت أي ظرف من الظروف ، لكن الكلمة الأخيرة لكَ وما عليَّ إلاَّ التأكيد أنها كلمتي من قبل ومن بعد "، تضيف السيدة قائلة: " الأمور تبدو الآن أكثر وضوحاً ، المهم نحن الثلاثة في كفة وحبنا لبعضنا البعض في كفة ولنترك الزمن حاكما بينهما "، صمَتَت لسماع رد فعلي الذي كان على الشكل التالي : " بعد يومين أو ثلاث سنكون في المغرب مسافرين عبر البر بواسطة سيارة السيدة تجمعنا نحن الستة الخادمة بداخلها أمك وأنت العزيزة السيدة والحبيبة كارمين وأنا والسائق ، فليستعد كل منا وفق مسؤولياته لنكون في مستوى ما ينتظرنا . ... وصلنا للمغرب عن طريق الجزيرة الخضراء فسبتة ثم تطوان لنواصل لغاية مدينة وَزَّانْ حيث توقفنا للاستراحة فصرخت فينا الخادمة واللعاب يتطاير من فمها بعدم التوقف حتى نصل مدينة تِزْنِيتْ ، أخذتُ مكان السائق فاسحاً له المجال كي يستريح .(يتبع) [email protected]
#مصطفى_منيغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كارمين تُخْرِسُ المُتَكَلِّمين
-
كارمين وسياسة ألاف المهتمين
-
كارمين مزج الخيال باليقين
-
كارمين الإسبانية جوهرة الإنسانية
-
الحكومة الجديدة عن الشعب بعيدة
-
المغرب للمفسدين لا يُحارب
-
السِّيسِي وتَقْدِيس الكُرْسِي
-
السِّيسِي المَاسِك المَمْسُوك الأسَاسِي
-
المغرب في قلب اليهود حبيب
-
كما تريد الأردن، لن يكون
-
مصر بين كوخ و قصر
-
المُواجَهَة للواجِهَة مُتَّجِهَة
-
بقية مُحْدِقَة ببوتفليقة
-
المؤشر يشير من بشَّار إلى البشير (1من5)
-
بعد الصراصير قد تُبْعَثُ المسامير
-
أحزاب خلف الباب
-
أهو المغرب أو -الركن الغريب؟؟؟.
-
العرب بين السغب والشغب
-
عدوى التخطيط، من الخليج للمحيط
-
بدعة البردعة
المزيد.....
-
في روما.. يختبر السيّاح تجربة جديدة أمام نافورة -تريفي-
-
لغز مرض تسمم الحمل الذي حير العلماء
-
-بايدن قد يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية قبل انتهاء ولايته- -
...
-
قلق على مصير الكاتب صنصال إثر -اختفائه- بالجزائر بظروف غامضة
...
-
هل نحن وحدنا في الكون؟ ماذا يقول الكونغرس؟
-
مشاهد لآثار سقوط صواريخ لبنانية في مستوطنة كريات أتا (صور +
...
-
-حزب الله-: إيقاع قوة إسرائيلية بين قتيل وجريح
-
مشاهد لـRT من موقع الضربة الإسرائيلية لمنطقة البسطة الفوقا ف
...
-
مجموعة السبع ستناقش مذكرات التوقيف الصادرة عن الجنائية الدول
...
-
لماذا يضاف الفلورايد لمياه الصنبور وما الكمية الآمنة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|