أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - السجن..مرة أخرى















المزيد.....

السجن..مرة أخرى


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 1559 - 2006 / 5 / 23 - 10:10
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


كان القمريرسل وشوشاته الحزينة بين الفينة والاخرى عبر النافذة العالية، يطل ويختبأ بين ثنايا الغيوم
المتنقلة من مكان إلى أخر.
صوت أثم وكريه يقطع الصمت والسكون... هدير يخرج من الزاوية الميتة..
لن اعطيه مهما كلف الامر.. لن اعطيه خمسة ملايين.
صوت نشاز.. قبيح وثقيل يخرج من الطرف الأخر، يظل يهذرطوال الليل.
أعود إلى التأمل، في محاولة الهروب إلى وجه القمرالخجول.
أترك لعيناي الحرية! أن تتسلل عبر فتحات النوافذ، تحلق فوق ضوء القمروأديمه. أرحل إلى مطارح أخرى، أركب أجنحة الخيال وأسرح في العوالم البعيدة. اتسلق ذرى الجبال واخضرار السهول، أقترب من موانئ البحار، أغتسل وأسبح تحت شموع الشمس ووهج الضوء.
أتمنى أن أكون انساناً أو وهما.ً
أطيروأحلق.
يأخذني القمرمرة أخرى بين شتلات ضوئه الجميل، وسحره الآخاذ. أسرق هذه اللحظات الهاربة من سلال الزمن، وأتابع. تستوقفني الظلال المكسرة والعيون التي تقبض علي بمخرزها القاسي. أعاود التجربة وأنا مكبل بالقبضان الصدئة، تمسك على ثنايا جسدي وتلجمه وتسد عليه المنافذ.
لن اعطيه مهما كلف الأمر.. لن اعطيه.
يسرقني الصوت الكريه.. الصوت الموبوء، من نفسي، يعيدني إلى حضيرة الواقع الأليم، أحدق في الجدران الكالحة، في وجوه وعيون زملائي المكسرة.
أقول: ستزداد عزلتنا وتطول... أفاقنا مسدودة.
لن أمسك رحيق القمرأبداً.
ما زالت هناك روافد تنشّط هذا المستنقع الراكد.
الزخم الذي يبقيه على قيد الحياة ليبقى على قيد الحياة.
النظام العاجز.. يتنفس.. هناك.. المعادلة الدولية والورقة الأقليمية.. لبنان بيضة القبان في كل توازنات المنطقة، احتلاله لها، يمد بعمره، يبقيه على قدم واحدة، يحبي ويتسول.
لن أعطيه قرشاً سورياً واحداً.
كان يرقد فوق سريره في الزاوية، يضع يده اليسرى على جبينه، دون مقدمات يصرخ بصوته المفزغ:
ـ لن أعطيه خمسة ملايين.. لن اعطيه .. هذا الحقير.. اللص. كلهم لصوص وقطاع طرق.
يعود لهدوءه القلق. يعاود الصراخ مرة ثانية: أنتم لا تعرفون من أنا؟
محمد السبسبي المهرب.
ثقيل الجسد والروح والصوت:
ـ عندما كنت أمشي في شوارع سويسرا أو برلين أو باريس يكون برفقتي أربعة رجال كحراس وحماية.
من أنتم؟
اذهبوا وأسألوا عني، عندها ستعرفون من أكون؟ اتريدون أن أغسل دورات المياه، المراحيض والحمامات مثلكم!. يتوقف ويعاود:
ـ لا.. وألف لا.. لن أفعلها، أغسلوها أنتم وخذوا المال الذي تريدونه. المهم إنني لن أنظف المراحيض.
"كان كل واحد منا في سجن عدرا يتولى تنظيف دورة المياه بالماء والصابون وكنس ممرات المهجع وجلب الأكل ومسح طاولات المطعم، كل واحد ودوره. اضحى هذا الشيء كتقليد يتماشى مع الفترة الزمنية الطويلة التي قضيناها هناك، ومن أجل صحتنا ونظافة مكاننا".
يمشي في الممرالطويل، يحرك رأسه نحو اليمين واليسار، يرفع يد ويخفض يد، يتمتم لوحده بالعبارات والكلمات التي لا تقدم ولا تأخر..
لن أعطيه.. لن أعطيه خمسة ملايين.. يشتم ويسب.. يلعن أبو الذي جلبني من الامارات.
ـ كنت امبرطورفي الخارج، لدي أموال لا تأكلها النيران، ما الذي جاء بي إلى هنا.
يرفع يده في الهواء، مثل المهووس:
ـ لتسقط الأشتراكية .. ليسقط ديغول .. لتسقط فرنسا.. كل الشيوعيون حقراء وسفلة، كل الاشتركيين أنذال، يشتم ويسب لوحده، يشتم وهوفي ممرالمهجع. يتوقف مرات كثيرة:
ـ ليذهبوا إلى الموت.
عاشت الجزائرحرة مستقلة، عاشت جميلة بوحريد وحسين آيات أحمد وأحمد بن بيلا. على فرنسا الخروج من الجزائر، الموت للفرنسيين ولتحيا ثورة الجزائزحرة مستقلة..
يتوقف قليلاً يفكر...يعاود الشرود.
كان السبسبي بياع بندوره على العربة الصغيرة المتنقلة" البسطة" في بدايات حياته أمام كرجات الانطلاق في بدايات الستينات.
الحدث 1988 في سجن عدرا، على اطراف دمشق.
يبدو أنه استعاد شبابه في السجن، اواخر الثمانينات من القرن العشرين، نسي المسافات الزمنية المتأكلة، والتغيرات المذهلة التي طرأت على العالم. أخذته الذاكرة الملتوية بسهامها المسنونة إلى البعيد.. إلى نضالات الاستقلال والبساطة والصراخ على الزبائن عند نزول المسافرين من مختلف أنحاء سورية، في مرحلة اليفاعة والشباب والحماس والانفعالات الكبيرة والترابطات الوجدانية التي كانت تربط مشرق العرب في مغربها بعاطفة جياشة صادقة وصافية. يعود بنا إلى أزمان الحرية والرأي الاخر، والوطن للجميع قبل استكمال مؤسسات القمع وبطشها، هزيمة حزيران في عام 1967ووصول المهزومين إلى سدة السلطة ومفرخة النهب والسلب وتخريب البلدان والضمائر والنفوس.
أزمان هربت وولت، أزمان متقاطعة بين حدين، هيمنة استمعارية منحسرة، فرنسا وبريطانية العظمى وهيمنة استعماري ناشئة وفتية.
أزمان الانتقالت الكبيرة من موقع لموقع.
ربما أخذ الهوى محمد السبسبي ونسي الفارق ما بين نهاية الثمانينيات من القرن العشرين وبدايات الستينيات.
لن اعطيه.. لن اعطيه لهذا الفاجر..
اللواء عدنان بدرحسن رئيس الشعبة السياسية في سورية، منذ عام 1986 حتى عام 2003 . أحد أهم أجهزة المخابرات والقمع في نظام حافظ الأسد ومن ثم في عهد أبنه الميمون بشار الأسد. هذا اللواء، من عظام الرقبة كما يقولون، من صناع القرارفي سورية، ضابط كبيرفي جهاز أمني خطير فاوض السبسبي على خمسة ملايين ليرة سورية مقابل خروجه من السجن وتمزيق اضبارته. تحت سيف القانون 86 الذي يسمح للنظام بسجن أي واحد يثبت نقله اموالا تزيد عن الألفين دولار وقد أصبح هذا القانون محل ومجال ارتزاق للطبقة الحاكمة أو توزيع سرقة الوطن بين المهربين واللصوص من جهة والطبقة الحاكمة المنتفعة من جهة اخرى.
ـ اعطني خمسة ملايين ليرة سورية، ليس بالمبلغ الكبير، سأفرج عنك ثم تسافر، اسّهل لك الخروج.
ـ لن أعطيك هذه النقود، أنها من كدي وتعبي، من عرق جبيني، لقد حصلت عليهم بطلوع الروح، من صراخي ووجع صوتي على العربات في الشوارع والكرجات.
ـ إذاً ستبقى في السجن إلى أن تدفع أو تتعفن.
ـ لن أدفع.. مهما كلفني من أمر.
لكن في النهاية دفع السبسبي المال.. وخرج.
هل عدنان بدر حسن حالة خاصة، فريدة من نوعها في سورية؟
بالتأكيد لا..
كلهم لصوص، حافظ الاسد، رفعت الاسد، جميل الاسد، علي دوبا رئيس جهازت الاستخبارات العسكرية، شفيق فياض رئيس الفرقة الثالثة ووووووووو.
طاقم الهزيمة، هزيمة حزيران 1967قبض على الحكم في سورية.
ماذا سيفعل؟.
بالتأكيد عليه واجبات ومهمات: نسف المجتمع وتدميره، تخريب الذمم والنفوس وقلب المعايير الأخلاقية رأساً على عقب ليتسنى لهم الاستمرار.
هؤلاء.. بنوا نظامهم... نظام الهزيمة والركوع.
وكان المجتمع كله مداناً، عليه دفع دية المهزومين: السجن، التهجير، القتل ونهب الوطن...وبعدها..
تقديم جميع الوطنيين السوريين إلى المحاكم.، بتهم متنوعة، سجون مفتوحة ومشرعة، أحكام عرفية وقوانين طوارى سارية المفعول إلى أجأل غير مسمية، محاكم ميدانية وأمن الدولة.
ويسجن من يعترض على نقص البيض في الاسواق وهذه حقيقة عشناها في سجن عدرا بدمشق.
وبقي أغلبنا في السجن خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات. وهو يكيل التهم للجميع، من الشيوعيين إلى الأخوان المسلمين، إلى بعث العراق والناصريين.
كل من ليس معنا فهو ضدنا، وكل من لا يؤيدنا فهو خائن للوطن وعليه الرجم.
"النظام السوري لديه شعور مرضي في مسألة تماهييه بالوطن".
الضحية الأكبر.. كان لبنان.
لبنان الجريح، المجروح، المغلوب على أمره، المحتل، المنهوب. كان السفينة التي عوم النظام نفسه عليه وابقاءه على قدميه واعطاه مسافة كبيرة ليعيش.
هل تغيرجوهرالنظام؟
المعادلة الدولية سقطت بسقوط جدار برلين والاتحاد السوفييتي.
وتغيرت قواعد اللعبة الدولية.
الولايات المتحدة الامريكية وبعد احداث أيلول 2001انتقلت في رؤيتها الاستراتيجية والسياسية نقلة نوعية إلى الامام بتغييرها قواعد اللعبة على الصعيد الأقليمي والدولي.. احتلال افغانستان والعراق وترتيبات جديدة للمنطقة والعالم توازي الترتيبات التي أدخلتها على العالم بعد خروجها من الحرب العالمية الثانية.
الولايات المتحدة الامريكية لاعب أقليمي في منطقة الشرق الاوسط وإلى جوار سورية.
وخرج النظام من لبنان ذليلاً يجرالخيبة والعار وراءه
هو الأن عارتماماً على أثر خروجه من لبنان وفي ظل غياب الحماية الدولية والاقليمية له.
محدودية توزيع النهب والمال العام على المنتفعين والمقربين منه، محدودية الثروة المحلية وشراسة النهب، ضعف الأقتصاد وبناه المتأكلة منذ أزمان، هشاشة مؤسساته، عدا الأمنية.
ما العمل..
ـ إما التأكل، اقصد تأكل النظام، تصفية بينهم، انقلابات، صراعات مسلحة، المزيد من النهب والسلب والبطش.
ـ المزيد من الاعتقالات والملاحقات والسجون والتصفيات.
ـ المزيد من التمزق في اللحمة الوطنية.
الولايات المتحدة تنتظر، الوقت، لتنتهي من الشأن العراقي وترتيب وضع القوى المتحالفة معها لخلق توازن هش في المعادلة عبر فئات برغماتية تجيد اللعبة باقتدار، قوة هذه القوى في ضعفها وترابطها ببعضها بعرى وثقى لا تنفصل ولا تنفصم. عندها يكون الوضع السوري قد نضج .. بعدها لسوريا سيكون شأن اخر.. وهذا لن ادخل فيه الأن.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليل في سجن تدمر
- بعض الذكريات من منزل الموتى


المزيد.....




- تقنية التعرف على الوجه سلاح الجيش الإسرائيلي للإعدامات والاع ...
- نائبة مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة تشير إلى ازدواجية معايير ...
- أول رد فعل من نتنياهو بعد اعتقال اثنين من مكتبه في قضية التس ...
- حماس: اتفاق يوليو الماضي هو المفتاح لوقف الحرب وعودة الأسرى ...
- ممثل الأمم المتحدة يؤكد للسيستاني عدم التدخل في شؤون العراق ...
- فيديو: ما وراء قرار الاحتلال وقف عمل وكالة الأونروا؟
- السيسي يؤكد لعباس دعم مصر للسلطة الفلسطينية وحماية حق تقرير ...
- بعد توقيف 4 أشخاص بمكتب نتنياهو.. اعتقال ضابط إسرائيلي في قض ...
- أسامة حمدان: حظر الاونروا يؤكد اصرار الكيان على التمرد والاس ...
- موسكو تطلق سراح بعض العسكريين الأوكرانيين الأسرى


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - آرام كربيت - السجن..مرة أخرى