|
تحليل مشروعية الملك في الحكم
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 6393 - 2019 / 10 / 28 - 22:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أين تتجسد مشروعية الملك عند ممارسته الحكم ؟ أولا ، لا يجب أن نُسقط المشروعية الدستورية الغربية على النظام المغربي ، لأنه يختلف عنها أصلا . ثانيا ، إن أيّ محلل يريد ان يحلل أصل المشروعية عند النظام المغربي ، دون التركيز على الموروث الإيديولوجي الضارب في التاريخ لما يناهز 350 سنة ، سيكون بمن يتجاهل أصل الحكم ، واصل المشروعية التي تغلفها المنظومة المخزنية ، كإطار إيديولوجي يعكس فلسفة الحكم العائلي العلوي . أن تاريخ الدولة بالمغرب ، هو تاريخ عائلات ، حيث نجد الدولة السعدية ، والموحدية ، والعلوية ، والمرينية ، والمرابطية وهكذا . فعندما كانت تسقط الدولة ،كانت تسقط العائلة ، و لتأتي على أنقاضها دولة عائلة أخرى ، لهذا فتعريف الدولة في المغرب ، لا علاقة له بتعريف القانون الدولي للدولة في المجتمعات العصرية . ثالثا ، بالرجوع الى المشروعية التي يستند اليها النظام في الحكم ، من جهة سنجد الدستور ، ومن جهة سنجد عقد البيعة . فبالنسبة للدستور ، فرغم انه يُفصّل السلطات والاختصاصات التي يزاولها الملك ، ومختلف السلطات الأخرى من تشريعية ، وحكومية ، وقضائية ، فانه يبقى قاصرا ، إنْ نحن حاولنا مقارنته بدساتير الأنظمة الغربية الديمقراطية . فإذا كان الحاكم في الأنظمة الغربية يتقيد بنص الدستور ، فان هذا التقييد غير ملزم للحاكم المغربي ، لان الدساتير الغربية هي دساتير الشعوب الغربية ، في حين أنّ الدستور المغربي هو دستور الملك . إن الحاكم في الأنظمة الغربية ، ملزم ومجبر ان يتقيد بالدستور ، في كل فصوله ونصوصه ، تحت طائلة المسائلة التي قد تصل الى الإعفاء ، او حتى الى المحاكمة عند خرق الدستور ، بينما الملك هو غير مقيد باحترام الدستور المغربي ، لان الدستور دستوره ، وليس دستور الشعب . فمنذ بداية الستينات والى الآن فجميع الدساتير في المغرب ، هي دساتير ممنوحة من قبل الحاكم للمحكومين . لذا فالملك غير ملزم بالتقيد بالدستور ، رغم ان هذا يركز كل السلطات بيده . ان الدستور العرفي الذي يؤسس لأصل مشروعية النظام السياسي المغربي ، يبقى عقد البيعة الذي يربط رئيس الدولة بالرعية ، كإمام ، وكأمير ، وليس كملك . وهنا فانْ حصل تعارض بين الدستور ، وبين عقد البيعة الدستور العرفي ، فان التطبيق يكون لعقد البيعة ، وليس للدستور الوضعي ، رغم انه مستفتى عليه من قبل المستفتين . ان ما يعطي لعقد البيعة قوة على الدستور ، هو انه يمْتَحُ من الدين الضارب في الوجدان الشعبي ، بينما يبقى الدستور صنيعة إنسانية ، تكون معرضة لكل التأويلات ، كما تكون معرضة للنقصان ، وللنقد ، والتجريح ، وللتعديل في كل مرة لزم الأمر ذلك ، فيما لا احد يستطيع انتقاد القرآن بدعوى انه الدستور الحقيقي للمسلمين . لهذا نجد انّ النظام السياسي المغربي الفريد من نوعه في العالم ، يتشبث حتى النخاع في ممارسته الحكم ، بعقد البيعة الديني ، على الدستور الإنساني الوضعي ، ومن ثم يحرص النظام ان تكون البيعة ، بالطرق الأركاييكية المجسِّدة للإمام والأمير ، كصورة خليفة مبعوث من الله ، ويمثل ظله ، مما يعطي لأوامره سلطة الجبر والتنفيذ ، تحت طائلة اعتبار المخالفين ، خارجين عن الإجماع ، والأمة ، ومرتدين عن الإسلام . لذا سنجد ان الملك ، بقدر ما يستعمل ويوظف الدين في تثبيت نظامه ، فان الحركات المعارضة والمناوئة له ، تستعمل كذلك الدين ، وتوظفه في سحب البساط الثيوقراطي من تحت أرجله ، فمنها من تشكك في مشروعيته الدينية ، ومنها من لا تعترف له بأي مشروعية من هذا القبيل . انطلاقا من هذه المسلمة ، فان الملك المغربي حين يريد التخاطب مع الغرب الديمقراطي ، فانه يوجه خطابه كملك ، وليس كإمام ، او أمير خليفة الله وظله في أرضه . لكنه حين يوجه خطابه الى الداخل ، فهو يوجهه للرعية ، وليس للشعب ، كما يوجهه كإمام وأمير، يمثل السلطة الدينية في أبشع صورها الأركاييكية المُقْرفة . وبالرجوع الى التاريخ الحديث ، الكل يتذكر مقلب الحسن الثاني لمعمر القدافي ، عندما اقترح عليه وحدة بين المغرب ، وليبيا باسم الاتحاد العربي الإفريقي ، لإبعاد ليبيا عن دائرة الجزائر ، وجبهة البوليساريو . والكل يتذكر، كيف جرى اعتماد المعاهدة عندما طرحها النظام المغربي للاستفتاء الشعبي ، الذي وافق على المعاهدة بنسبة 100 في المائة . لكن وبعد ضربة رونالد ريگن لخيمة العزيزية ، واستشهاد ابنة القدافي بالتبني ، ولزوم النظام المغربي الصمت مما جرى للقدافي ، خوفا من واشنطن ، حيث لم يصدر أي بيان إدانة ، او شجب ، او تضامن من الرباط ، وبعد ان وجه القدافي عبارات جريحة للنظام ، وليس للشعب المغربي ، لم يتردد الحسن الثانية ثانية ، في إعلانه فسخ ، وحل ، وإنهاء معاهدة الاتحاد العربي الإفريقي ، واعتبارها كأنها لم تكن أصلا . معمر القدافي وفي تصريح مباشر له ، رفض الإجراء المغربي ، وطالب بضرورة احترام الإرادة الشعبية المغربية التي أقرّت المعاهدة ، وليس النظام من اقرها . لذلك طالب القدافي بعرض حل المعاهدة ، على الاستفتاء الشعبي ، مثلما تم عرضها بواسطة الاستفتاء عند قبولها . كما طالب بان تبُثّ في مسألة الحل ، المحكمة المنبثقة عن معاهدة الاتحاد . وكالمعتاد في مثل هذه المواقف الحرجة ، ولتبرير إجراء الملك بحل المعاهدة من جانب واحد ، ودون عرضها على الاستفتاء الشعبي ، استدعت وزارة الداخلية أساتذتها ، وبعض أساتذة الكلية الثرثارين مثل ما هو الحال اليوم ، ليشرحوا للشعب المغربي ، أبعاد وقانونية الإجراء المغربي ، وكان من بين الحاضرين حسبي العامل ، والسرغيني العامل مدير تكوين الأطر . لكن للأسف عوض مسك أصل الإجراء ، بدأ هؤلاء يشرحون ويفسرون المعاهدات في القانون الدولي ، تعريف المعاهدة ، أنواع المعاهدات ، سريان المعاهدات ، أطرافها ، ثنائية او متعددة ، إنهائها ... الخ ، أي كأنهم كانوا يلقون محاضرة في القانون الدولي بكلية الحقوق . الملك الحسن الثاني حين ألغى ومن جانب واحد معاهدة الاتحاد العرب الإفريقي ، ومن دون الرجوع الى استفتاء الشعب ، فهو كان يتصرف كإمام وأمير ، وليس كملك ، ومن ثم فانه لم يلتزم بالدستور، ولا بالقانون الوضعي الذي يفيض في شرح الاستفتاء ، بل استند مباشرة على عقد البيعة ، الذي أعطاه حق التصرف ، دون الرجوع الى الرعية ، التي فوضت له التكلم باسمها وفي غيبتها ، كما فوّضت له اتخاذ نيابة عنها ، وحتى بدون الرجوع أليها ،أي قرار او إجراء ، ما دام يتصرف كإمام ، وأمير ، وخليفة الله في أرضه وظله ، ولا يتصرف كملك . ان الملك حر في اللجوء او عدم اللجوء الى دستوره ، ما دام ان الدستور دستوره ، وليس بدستور الشعب ، كما لا توجد سلطة جبرية او معنوية ، تملك الصلاحيات لإجبار الملك على التصرف ، او عدم التصرف في شيء يخصه ويدخل في ملكه . ان النظام السياسي المغربي يمارس ازدواجية تقليدانية في ممارسة الحكم ، و هذه الازدواجية ،هي الجمع بين دستور الملك الممنوح للرعية ، وبين عقد البيعة المستوحى من الدين الإسلامي ، لا المستوحى من القانون الوضعي . لكن حين يصبح الدستور الممنوح في موضع حرج ، فان الملك يتجاهله أطلاقا ، لصالح الدستور العرفي الإلهي المستمد من القرآن ، و المسمى بعقد البيعة . ان هذه الازدواجية ، هي ما يحرص النظام البتريمونيالي ، الكمبرادوري ، الاوليغارشي ، البطريركي ، الثيوقراطي والاثوقراطي المغربي على تفسيرها ، بالجمع بين الأصالة ( لا أصالة ) والمعاصرة ( لا معاصرة ) . وهي سلاح خطير يثير وجدان الناس الانفعالي في التصرف ، دون التركيز على العقل والمنطق ، أي انه نوع من الدّعْوشة المجسدة بين الحاكم والرعية ، التي غالبا ما يتم تصريفها في المساجد ، وبدعاوى الإفتاء التي تصدرها المجالس العلمية المخزنية . وإذا كانت الدساتير كلها ممنوحة من قبل الحاكم للمحكومين المغلوب على أمرهم ، وبتزكية من الأحزاب والنقابات ، فان الأخطر هو ممارسة فلكلور البيعة بطريقة مقززة تحيل الى ابعد من القرون الوسطى . إن هذه البيعة تتم في مرحلتين وفي مناسبتين متباعدتين : الأولى ، وهي البيعة التي يجريها النظام عند حلول كل عيد الجلوس على كرسي الحكم ، وليس العرش لان العرش لله الواحد القهار . ان هذه البيعة التي تتم بطريق تثير سخرية الغربيين والدول الديمقراطية ، يحضرها كل من هب ودب ، ودون اعتبار لمكانة ، او لمنصب ، او جاه ، او انتماء قبلي او ما شابه ذلك . وهي البيعة التقليدية . أما الثانية ، وهي الأكثر قوة من الأولى ، فهي البيعة التي تحصل كل جمعة ثانية من شهر أكتوبر ، وهذه يفتتحها رئيس الدولة كإمام ، وكأمير للمؤمنين ، وليس كملك . والخطاب الذي يوجهه للنواب ، المفروض فيهم أنهم نوابا لمن صوت عليهم ، وليسوا نوابا للأغلبية الشعبية التي قاطعت العملية الانتخابية ، وفي الحقيقية هم نواب للملك من خلالهم ، تمارس نوع من البيعة الشعبية للإمام الأمير ، وهي بالبروتوكول الذي يرافقها ، وهو ملزم لكل النواب ، حيث يرتدي النواب لباسا مخزنيا لا وطنيا ، تعتبر أكثر دلالة على طبيعة الدولة الثيوقراطية التي تمزج في ممارستها للحكم العصري بالتقليدي . وكإمام فان خطابه أمام البرلمانيين منزه عن أية مناقشة ، حيث يكتفي النواب بالإنصات والتصفيق . الملاحظ ان كل الأحزاب التي تشارك في استحقاقات النظام ، تؤمن بهذه الازدواجية في الحكم ، بل أكثر من هذا ، فكلها تؤمن بإمارة أمير المؤمنين ، وبسلطة الإمام حتى ولو كان جائرا . لهذا لا نتفاجأ حين ترفع كل الأحزاب ومن دون استثناء ، شعار ( الحداثة ) من جهة ، ومن جهة الارتماء في الطقوس ، وفي التقاليد المرعية البالية ، التي تجسد للأركاييكية ، والفاشية باسم الدين البراء منها . ان الدخول لأي نظام ديمقراطي حقيقي ، يلزم بالضرورة القطع مع الدساتير الممنوحة ، وتعويضها بدستور الشعب ، كما يلزم وضع حد لمساحيق الدولة الثيوقراطية التي تتصرف ضد الطبيعة ، حين تمزج الأضداد بعضها البعض في صورة مشوهة ، تعكس عقلية الواقفين وراءها من قبيل ( الأصالة ) و ( المعاصرة ) . أما ممارسة الحكم بالمزاوجة بين مشروعيتين متناقضتين ، الدستور الممنوح الذي يركز كل السلط في يد الملك ، وعقد البيعة الذي يجعل منه إماما وأميرا للمؤمنين ، فهو قمة العبث الذي يجعل النظام السياسي المغربي نظاما فريدا من نوعه في العالم .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فشل وقفة باريس ، وفشل وقفات المغرب --
-
تفاديا لكل ما من شأنه
-
هل النظام المغربي ( مخلوع ) خائف من دعوة النزول الى الشارع ف
...
-
فلادمير بوتين ( يُمقْلبْ ) -- مقلب -- البوليساريو .. Poutine
...
-
على هامش دعوة النزول الى الشارع في 26 اكتوبر الجاري من اجل م
...
-
دعوة النزول الى الشارع في 26 اكتوبر الجاري
-
عمار سعداني يعترف بمغربية الصحراء
-
كتالونية انفصال ام استقلال ؟
-
الاستاذ محمد الساسي يحمل النظام ، والاحزاب مسؤولية الازمة ال
...
-
تحليل خطاب الملك بالبرلمان
-
النظام السياسي الإيراني
-
العربان -- Les Arabes
-
الدكتاتور . المستبد . الطاغية
-
تجار اللحم البشري
-
فرنسا صديق حميم للمغرب
-
النائب البرلماني عمر بلفريج
-
مجلس الأمن -- Le conseil de sécurité
-
تقرير الامين العام للامم المتحدة عن نزاع الصحراء الغربية - L
...
-
التعديل الحكومي
-
الثورة سلسلة -- La révolution est une chaîne
المزيد.....
-
سوريا.. فيديو حراسة موكب أمير قطر بدمشق ولقطة مع أحمد الشرع
...
-
-سيفعلان ذلك-.. تصريح جديد لترامب عن مصر والأردن وخطة استقبا
...
-
الحوثيون على قائمة الإرهاب: ماذا يعني ذلك لليمن؟
-
بعد الدمار.. نازحون فلسطينيون يعودون إلى شمال غزة وينصبون خ
...
-
تحذير لمكاتب الكونغرس الأمريكي بعدم استخدام تطبيق -ديب سيك-
...
-
اليونان.. قرار بإزالة طوابق فندقية مخالفة قرب معبد الأكروبول
...
-
الصليب الأحمر يدعو إلى عمليات نقل -آمنة وكريمة- للرهائن
-
قنبلة نووية في متناول اليد!
-
السعودية.. فيديو يشعل تفاعلا لشخص وما فعله بمكان عام والأمن
...
-
-بلومبيرغ-: شركات العملات المشفرة تبرعت بملايين الدولارات لح
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|