|
العين وآلية الرؤية
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6383 - 2019 / 10 / 18 - 14:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما هو الواقع؟ وهل نستطيع إختزال الواقع إلى ما ينتج عن عملية الرؤية أو البصر؟. ببساطة، نستطيع الإبصار ورؤية الأشياء بسبب جزيئات الضوء التي تُدعى “فوتونات” Photon، التي تسقط على الأجسام حولنا، ثم ترتد على أعيننا في مدة وجيزة القصر،لا تتعدىى جزء ضئيل من الثانية. تستقبل أعيننا هذه الفوتونات الضوئية ملايين الخلايا، مايقرب من “126” مليون خلية حساسة للضوء في شبكية العين. بالإضافة إلى وجود الــ”Opsins”، وهو البروتين الذي يشكّل جزءاً من صبغة “رودوبسين” Rhodopsine البصرية، التي يتم إطلاقها وتحفيزها بواسطة الضوء. هذه الجزيئات الصبغية في خلايا الشبكية تمتص الطاقة الكهرومغناطيسية من تأثير الفوتونات مُولدة بذلك إشارات كهربية. هذه الإشارة تنتقل عبر العصب البصري إلى الدماغ، ويقوم الدماغ البشري بدوره بتحويل التفاوت أو الاختلاف في الاتجاهات والطاقات للفوتونات الساقطة إلى أشكالٍ و ألوانٍ مختلفة، وبالتالي نستطيع تمييز الأشياء حولنا ما إذا كانت لوناً أم صورة أم أجساماً وما إلى ذلك من الأشياء التي تشكل ما نسميه بالواقع. ولكن ليس هناك ما يضمن لنا حقيقة ما نراه بواسطة هذا الجهاز المعقد "العين" وواقعيته المطلقة، فربما الذي نراه تحت أعيننا ما هو إلا ظلال وأشباح وأوهام، أو ربما ما هو إلا حلم ـ أو كابوس مزعج ـ مستمر منذ الولادة ولا ينتهي إلا بالموت. وربما الإنسان ضحية "ميكانيكية جهنمية" توحي له بما يراه وما يعيشه وأنه في حقيقة الأمر لا يتحكم في أي شيء، وأن هذا الواقع يتغير ويتشكل حسب برنامج ومشيئة هذه الآلة، أو هذا الشيطان، حسب فرضية ديكارت. هناك العديد من الإفتراضات والنظريات المختلفة، بعضها محتمل وبعضها شديد الإحتمال، والكثير منها مجرد فرضيات عبثية للتسلية ولقتل الوقت. الفلاسفة الإغريق منذ عدة آلاف من السنين انتبهوا إلى هذه المشكلة، الواقع وحقيقة ما نراه او عدم حقيقيته وحاول العديد منهم تقديم الحلول والفرضيات المختلفة. لننظر أولا كيف تعمل العين بالتفصيل: تدخل أشعة الضوء العين من خلال القرنية La cornée هي مادة شفافة تُعَدّ بمثابة نافذة للعين. عند خرق القرنية، تنحرف الأشعة لتمرّ عبر الحدقة la pupille، وهي فتحة صغيرة في الجزء الملوّن من العين المعروف بالقزحية Iris. والحدقة تشبه الغالق في الكاميرا، فهي تتّسع وتنقبض حسب كمية الضوء لتتحكّم بكمية الضوء التي تدخل العين. بعد ذلك، تبلغ الأشعة العدسة البلورية Lentille cristalline وهي عدسة شفافة ليّنة ومقعّرة الوجهين، تشبه عدسة الكاميرا. تتأقلم هذه العدسة مع الصورة التي تصلها، فتزداد تحدّباً عند الحاجة لتركّز صورة الشيء الذي تراه بحسب بعده عن العين. ثم تعمل العدسة على حرف الأشعة لتعكسها على شبكيّة العين rétine بالطريقة الأنسب، وحسب القوانين الفيزيائية لأشعة الضوء، فإن الصورة المنعكسة على الشبكية تكون مقلوبة. ولكي تبلغ الشبكية، تمرّ الأشعة عبر الزجاجية (vitreous) وهي مادة تشبه الهلام أو الجِل، تفصل العدسة عن الشبكية، وهي التي تحافظ على الشكل الكروي للعين. أما الشبكية (retina) فهي نسيج حساس للضوء يكسو الجزء الخلفي من العين ويشبه عمله عمل الفيلم في الكاميرا، تحتوي شبكية العين على الملايين من الخلايا العصبية الحساسة للضوء les cellules photoréceptrices والمعروفة بالعصي Bâtonnets والمخاريط cônes نتيجة شكلها المميز. وتختلف مواضع هذه الخلايا وأدوارها، فالمخاريط موجودة داخل البقعة rétine centrale ـ macula وسط الشبكية. وعندما يكون الضوء ساطعاً، تؤمّن المخاريط رؤيةً مركزية حادّة وتسمح بتمييز الألوان. أما العصي فهي تملأ المساحة خارج البقعة وصولاً إلى أطراف الشبكية، وهي تؤمّن الرؤية المحيطية كما الرؤية في الضوء الخافت وفي الليل، وتسمح بتمييز الحركة. تحوّل المخاريط والعصي الضوء إلى نبضات كهربائية تنتقل من النهايات العصبية إلى العصب Nerf optique، ومنه إلى الدماغ. فالشبكية تلتقط أشعة الضوء وتحوّلها من خلال الملايين من الألياف العصبية إلى نبضات كهربائية تنتقل إلى الدماغ عبر العصب البصري. وأخيراً، يترجم الدماغ هذه النبضات إلى صورة يبصرها الشخص، بعد أن يرجعها إلى وضعها الطبيعي غير المقلوب. من هذه المقدمة المبسطة لميكانيكية العين، نكتشف أن الرؤية ليست مباشرة، وأنه هناك عملية ترجمة من قبل الدماغ البشري للمعلومات التي تصله عن طريق العصب البصري، مما يجعل المجال واسعا لإختلاف ما يراه إنسان وآخر، بل وما يراه الإنسان نفسه في أوقات مختلفة وفي ظروف نفسية وإجتماعية مختلفة.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنتحار إنكيدو
-
الأشباح، وظاهرة الشخص الثالث
-
أفيون الفقراء
-
العار والمحبرة
-
والتر بنيامين وتجربة الحشيش
-
مقبرة الكلاب
-
بذور القلق
-
الفن والحشيش
-
الوجه المثقوب
-
العقل المخدر
-
شكسبير والحشيش
-
تصفيف أولي
-
اللسان المقطوع
-
ساندويتش من الضوء والمطر
-
الجسر الوهمي
-
عودة إنكيدو
-
آلام كوشيز
-
الإنتظار
-
ما هي فائدة الجيوش؟
-
الشاعر وعالم الغيب
المزيد.....
-
بعد تصريحاته عن -التهجير-.. الملك عبدالله سيلتقي ترامب بواشن
...
-
جورجيا: احتجاجات في تبليسي بعد تشديد العقوبات على عرقلة الطر
...
-
بدل نقل الأسماك.. تحقيق يفضح تهريب بقايا النمور المهددة بالا
...
-
الكبد الدهني.. خضار وفاكهة تساعد في العلاج والوقاية من الإصا
...
-
تحديد هوية المسؤول عن جريمة سودجا
-
غزة.. إسرائيل تخلف معدات عسكرية مدمرة
-
بيان من الرئيس السوري أحمد الشرع بعد لقائه ولي العهد السعود
...
-
أسير إسرائيلي أمريكي محرر يوجه رسالة شكر إلى مقاتلين في -الق
...
-
النيابة الإسرائيلية تفتح تحقيقا جنائيا ضد سارة نتنياهو في أع
...
-
خامنئي: الشعب الإيراني لديه الشجاعة ليقول -الموت لأمريكا-
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|