طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 6382 - 2019 / 10 / 17 - 09:56
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كتب الزميل فالح مهدي مقالا بعنوان
-رسالة الى عادل عبد المهدي الذي كان صديقاً في يوم ما!-
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=652606
و ادناه تعليقي على المقالة انشره بدوري كمقالة بسبب طول التعليق بعض الشئ.
--------
اعتراضي الرئيسي على المقالة ان الكاتب المحترم يركز اساسا على وحشية عادل عبد المهدي ودمويته, ووحشية عادل عبد المهدي امر اتفق معه تماما. ولكنه تركيز خاطئ واحادي الجانب في آن واحد كما ساوضح هنا.
ان وحشية عبد المهدي الدموية نفسها تذكرنا بتعاظم قدرة رأسمالية عصرنا التي جسدتها ملحمة فرانكينشاين, كما صورتها الكاتبة Mary Shelley, او تراجيدية دراكولا, كما رواها الكاتب Bram Stoker.
المزيد في
خرافة الحرية الرأسمالية (في عالمنا المعاصر)! (6)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=651673
او
الرأسمالية واستعارة ماركس -مصاص الدماء- (دراكولا)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=627258
فكما انه في علوم الطب قد تكون الحمى احدى اعراض مرض خبيث كالسرطان, فكذلك ان عادل عبد المهدي والعملية السياسية برمتها هي اعراض لسرطان النيوليبرالية التي جسدتها قرارات بريمر المائة والتي صادق عليها نيوليبراليون طائفيون, وبضمنهم من تلبس لباس الشيوعية.
والقضية, التي هي السرطان, لا يمكن اختزالها الى معرفة سيكولوجية او خبرة سردية بخصوص عادل عبد المهدي او غيره من اركان النظام. فعبد المهدي, حاله حال فرانكينشاين او مصاص الدماء دراكولا, هو تعبيرعن وحشية الرأسمالية الكلاسيكية التي تفاقمت الآن اكثر واكثر على ايدي الاقتصادي ميلتون فريدمان واتباعه صبيان شيكاغو الذين لعبوا دور العقل المدبر في قيام اول تجربة نيوليبرالية عالميا, التي اجهزت على نظام الرئيس الشيلي الشرعي سلفادور الليندي واحلت محله طاغية شيلي الجنرال اوغست بينوشيه الذي اقام حمامات دم بحق الديموقراطيين والمعادين لسياسات السوق المنفلتة. وفريدمان هذا هو الاب الروحي للحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر. فقد وعدت النيوليبرالية, كدين جديد, اقامة جنة الله, او جنة الرأسمالية, على الارض,
ونحن نعلم من الدولار الامريكي ان الله والرأسمال سيان. ولذا ظهر الله الامبريالية ليأمر (رسوله الدنيوي!) جورج بوش بغزو العراق, فغزى العراق. والله الامبريالية اشد سادية ووحشية بما لا يقاس من الله الابراهيمية, لأن الاخير, بعد ان امر يعقوب بذبح ابنه, عدل عن رأيه واستبدله بكبش. اما الله الامبريالية فلم يكن سيقبل باقل من تدمير العراق وقتل وتشريد الملايين من مواطنيه. وقد يتعلل البعض ان غزو العراق كان انتقاما الاهيا لسبي العراقيين لليهود ايام زعيهم نبوخذ نصر الثاني-الذي حسب الاسطورة العبرية انه فقد عقله لاحقا وتحول الى ما يشبه الحيوان.
http://www.iraqinhistory.com/%D8%B3%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%8A/2018-09-07-15-22-56
ولكن عقاب نبوخذ نصر, كما يبدو, لم يكن كافيا! فاللعنة يجب ان تلاحق العراقيين عبر الاجيال, كما تلاحقهم لعنة تخليهم عن امامهم الحسين.
والمرجعيات العظمى افتت بعدم مقاومة الاحتلال وذلك لربما ان عذابات الاحتلال كانت تكفيرا, جزئيا على الاقل, لذنب تاريخي اقترفه اهل العراق بحق امامهم-وقوانين فرويد تنطبق على كل البشر وبضمنهم المرجعيات العظمى او الصغرى, ان كان هنالك من صغرى!
لكننا علينا ان نتسائل الآن عن اية خطيئة اراد الحزب الشيوعي العراقي التكفيرعنها بانضمامه الى مجلس الاحتلال ومشاركته لاحقا ولحد هذه اللحظة في العملية السياسية؟ والجواب الوحيد الذي يخطر في البال انه لربما يكفر عن خطيئة تبنيه الشيوعية, وخصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ورفعه الآن راية راية الديموقراطية والتجديد (كذا!).
ومجلة الرأسمالية العالمية, الايكونوميست, زعمت بأن غزو العراق سيحقق الحلم الرأسمالي,
If it all works out, Iraq will be a capitalist s dream
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=627258
والحلم الرأسمالي هو بطبيعة الحال هو نفسه الحلم الامريكي, والدستور الامريكي ينص على حق المواطن في السعادة
We hold these Truths to be self-evident, that all Men are created equal, that they are endowed by their Creator with certain unalienable Rights, that among these are Life, Liberty, and the pursuit of happiness—
The Declaration of Independence & theConstitution of the United States
https://www.uscis.gov/sites/default/files/USCIS/Office%20of%20Citizenship/Citizenship%20Resource%20Center%20Site/Publications/PDFs/M-654.pdf
ويبدو ان سعادة الدستور الامريكي قد اصبحت, بفضل الله الامبريالية, الله الدولار, هي نفس السعادة التي يتضمنها شعار الحزب -وطن حر وشعب سعيد!-.
اما -وطن حر- فهي التسمية المموهة ل-وطن محتل -, فليس هنالك قانون ٌيلزم الشيوعيين بقول الحقيقة! كما ان الوهم قد يحقق السعادة والحقيقة الألم!
ان عادل عبد المهدي هو ظاهرة دراكولية او فرانكشتانية تسم عصر الرأسمالية وخصوصا بعد تخليها عن اقتصاد جون كينز لصالح اقتصاد ميلتون فريدمان.
و لكن تفكيك ظاهرة عادل عبد المهدي, ان صح التعبير واني اعتقد بوجود ظاهرة, سيظهر لنا للاسف خواء الثقافة العراقية وبضمنها الثقافة الشيوعية او اليسارية الرسمية. انها ثقافة ضحلة وسطحية وترفض ان تكلف نفسها عناء البحث والغوص في الاعماق لاكتشاف حجراللؤلؤ الثمين, ولذلك فهي تتاجر بالرمل او بما يعلو سطحه من مزابل او نفايات.
ان عادل عبد المهدي هو الصوت الهادر والمجلجل للرجعية والرأسمالية الطفيلية العراقية. وهو وفيّ لتاريخه. لذا ان التخلص من هذا الشخص او القاء اللوم عليه فقط سيعني منح صح البراءة للعملية السياسية برمتها او لمن غزا العراق وقتل شرد الملايين من شعبه. انها تبقي على السرطان وتعالج اعراضه فقط.
اما بصدد الراحل الدكتور فالح عبدالجبار وهمسته بان عادل عبد المهدي -روزخون- كما تذكرالمقالة, فهو امر يثير استغرابي لسبب محدد. فاني شاهدت فيديو يتزاحم فيه الراحل عبد الجبارمع مثقفين كتلويين تاريخيين- نسبة الى الكتلة التاريخية لغرامشي, لمصافحة مقتدى الصدر, لأن الراحل كان احد الفرسان الروحيين لتشكيل تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع الصدر الذي اصبح يعرف الآن باسم سائرون. لذا يبدو ان سؤالي سيبقى بدون جواب من قبله وان كان هذا لا يحول دون اجتهادات الآخرين: لماذا اعتبر عبد الجبار (عادل عبد المهدي) روزخونا ولم يعتبر مقتدى الصدر روزخوزنا هو الآخر ايضا, بل وحتى انه, الصدر, حسب منطق عبد الجبار الظاهر, ينبغي ان يحتل مرتبة اقل من الروزخونية-واذا كان لا يوجد مثل هكذا مرتبة فينبغي استحداثها! ولكن فالح عبد الجبار, كما بدا, اعتبر مقتدى الصدر زعيما محتملا لكتلة تاريخية على نمط الكتلة التاريخية لانطونيو غرامشي. وللاسف فان رأي عبد الجبار هذا ايضا يشكل احدى علامات احتضار الثقافة الشيوعية- اليسارية العراقية الرسمية وشعاراتها الفجة. ان الصدر قد يكون زعيما لكتلة تاريخية, ولكنها كتلة تاريخية بريمرية, نيوليبرالية, كتلة دراكولية-فرانكشتانية, كتلة لتحقيق, على حد تعبير مجلة الايكونوميست الوارد اعلاه, الحلم الرأسمالي. والحلم الرأسمالي يقتضي ان يكون الناس نائمين كي يحلموا. و-سائرون- هي الاسم الآخر لزومبيات افلام الخيال العلمي, فزومبيات الرأسمالية تتحرك ولكنها لا تسير!
ففي مقالتها رأسمالية الزومبيات Zombie Capitalism, تقول مجلة Socialist Review
http://socialistreview.org.uk/338/zombie-capitalism
-كتب لينين ذات مرة عن السياسة قائلا، "هناك عقود عندما لا يحدث شيء؛ وهناك أسابيع يحدث فيها اكثر مما يحدث في عقود". بالنسبة للناس في جميع أنحاء العالم, الأغنياء والفقراء, صغارا وكبارا, نادرا ما كان هذا القول أكثر صدقا من أواخر عام 2008 عندما ارتطمت مع الارض الأرثوذكسية الاقتصادية بعثرة قوية.-
-من إصرار مارغريت تاتشر على أنه "لا يوجد بديل" للرأسمالية النيوليبرالية, ولحديث جورج بوش الأب عن "نظام عالمي جديد" أصر حكامنا على أن السوق الحر غير المقيد يمثل أفضل, بل هو السبيل الوحيد لإنشاء مجتمع مزدهر لكل الأجيال."
من خلال ديناميكية النمط الرأسمالي للإنتاج وعدم المساواة, "نرى كيف أن رأس المال, في حد ذاته,... يصبح أكثر قوة كنظام للهيمنة, على حد تعبير ماركس, "يشبه مصاصي الدماء, يعيش فقط عن طريق امتصاص العمالة الحية, ويعيش أكثر كلما زاد عدد العمالة التي يمتصها."
لقد تخلت الثقافة العراقية الحقة, الى حد كبير, عن ثوريتها فاصبحت ثقافة الذل والامتهان, ثقافة مازوخي كوجه العملة الآخر لسادية السلطة, وانضم الشيوعيون السلطويون العراقيون الى جوقة النيوليبراليين بتخليهم عن اللينينية في مؤتمرهم المسمى -مؤتمر الديموقراطية والتجديد- في عام 1993. ولذا نحن لا نلوم هذا الحزب ان غفل حقيقة ما قاله لينين ان عصرالامبريالية, التي هي لازالت سمة عصرنا وان لبست ثوبها الجديد على حد تعبير ديفيد هارفي, هي عصر التزاوج بين (رأس) المال او السوق والدولة.
و شيوعيو السلطة يزعمون بانهم تخلوا عن اللينينية بحجة انها قد شُوهت على يد ستالين واتباعه! و لكنهم في واقع الامر باعتناقهم, فعليا, فلسفة السوق يكرسون الاخطاء التي ساهمت في انهيار الاتحاد السوفيتي والتي يزعمون ان تجديدهم يعني نقدا ضمنيا لها. وهم, باعتناقهم فلسفة السوق, يكرسون نفس اخطاء النظام الستاليني ويثبتون ايضا انهم ستتالينيون بتخليهم عن لينين او اللينينية. انهم تخلوا عن لينين وابقوا على ستالين.
-ان الارتباط المشترك بين الدولة ورأسمالها المحلي يجبر بيروقراطية الدولة على العمل كعامل لتراكم رأس المال. هذا لا يفسر فقط تصرفات الدول الرأسمالية الغربية خلال فترة الكساد الكبير وما بعده, بل أنه ايضا يشكل دعامة هامة للنظرية... بأن الاتحاد السوفياتي و الدول التابعة كانت يتحكم فيها نظام رأسمالية الدولة الذي يحفزه التراكم من أجل التنافس عسكريا على نطاق عالمي.-
وتختتم المجلة مقالتها باستنتاجها
-مثل ارادة عيون الدكتور فرانكنشتاين التي تمنح الكهرباء القدرة على منح الحياة, فإن حكامنا قد ضخوا مليارات الدولارات في الاقتصاد العالمي لإبقائه واقفا على قدميه,، تاركيننا ب"رأسمالية مترنحة", عقيمة وغير مستقرة, لا تهدد فقط بحدوث الأزمات والحروب, ولكن ايضا التدمير البيئي لكوكبنا."
ونحن نستطيع بكل سهولة ابدال دكتور فرانكينشاين باشخاص مثل بوش الابن او عادل عبد المهدي, والمعنى هو نفس المعنى!
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟