|
هل توجد تقنيات جاهزة لكتابة القصة القصيرة؟
نبيل عودة
كاتب وباحث
(Nabeel Oudeh)
الحوار المتمدن-العدد: 6381 - 2019 / 10 / 16 - 23:45
المحور:
الادب والفن
يذهب بعض النقاد والمتعاملين مع الفن القصصي الى طرح تقنيات تساعد على كتابة القصص القصيرة. وقد خضت مع بعضهم نقاشات طويلة حول عبث ما ينظرون له. وكتبت تعقيبات على مقالات ادعى كتابها انهم يقدمون للراغبين في كتابة قصة قصيرة الشرح الوافي والكامل لكتابة القصص. طبعا قدموا شرحا مفصلا حول كيفية كتابة قصة قصيرة، مبناها، ابطالها، بدايتها، وسطها ونهايتها. أي طرحوا شبلونات وبنود يمكن على اساسها كل من يعرف كتابة انشاء عربي ان يكتب قصة قصيرة. وانا اعتقد انها كتابات فائضة عن الضرورة وسلبياتها أكبر من ايجابياتها. وكتاب هذه الارشادات، حتى من حملة شهادات عليا، هم فقراء فكرا ومعدومي المعرفة للفن القصصي. وصمتهم افضل من ثرثرتهم الفارغة من أي مضمون ثقافي. هل حقا توجد تقنيات يمكن الالتزام بها لكتابة القصة القصيرة؟ اي شبلونة (مسطرة) يمكن ان نكتب قصصا حسب مقاساتها؟ اصحاب تلك المقالات تجاهلوا مسألة جوهرية تتعلق بمفهوم لغة القصة القصيرة. طبعا هي اللغة العربية في حالتنا، لكنها لغة نص مختلفة عن أي نص كتابي آخر. ما اعنيه انها ليست نفس التركيبة اللغوية للمقال السياسي مثلا، او للمقال النقدي، او للمقال البحثي. الشرح عن تركيبة القصة القصيرة يبدو لي انه يؤطر المضمون والحركة القصصية داخل صندوق مغلق ومفرغ من الهواء، أي كتابة "مخنوقة". ان لغة القصة هي موضوع لا يمكن تناوله بمثل هذه البساطة والفوقية التي يتناول فيها البعض شرح تركيبة القصة القصيرة، وكأنه يشرح مسالة في الرياضيات، وانا على ثقة ان تلك المقالات لم ولن تنتج كاتبا قصصيا واحدا، بل قد تضلل كتابا موعودين. المعضلة الكبيرة، او الهوة الكبيرة لمثل هذه المقالات هي استحالة شرح تراكيب قصصية بمقاييس جاهزة، وخاصة استحالة شرح مضمون اللغة القصصية. مثلا هل بإمكان أحد ان يشرح مفهوم اللغة الدرامية التي هي لغة الابداع القصصي الجوهرية؟ ان مفهوم الدراما (للتوضيح) ليس في الفكرة فقطـ انما في تركيبة اللغة نفسها؟ لغة لها مركبات مميزة عن السرد النثري لمواضيع غير قصصية، ولكن هذا لا يكفي. مثلا كاتب متمرس بإمكانه تطوير اساليب لغوية جديدة وأفكار قصصية غير تقليدية للنص القصصي. مثلا استعمال أسلوب الخبر الصحفي ولغة الصحافة الأقرب للمناخ الثقافي السائد واللغة الأكثر فهما واستعمالا في حياتنا اليومية. واسلوب بناء الحدث القصصي عن طريق مبنى الخبر الصحفي او الريبورتاج (وهنا صعوبة كبيرة لدرجة الاستحالة لكاتب غير متمرس)، او بأسلوب الكتابة التاريخية او التوثيقية، او حتى اخضاع الطرفة وتطويرها لجعلها مادة قصصية. حتى السماء ليست حدودا لقدرات الانسان الابداعية!! قد يقول ناقد ما مستهجنا ان هذا اسفاف لمضمون اللغة القصصية وانا اقول ان الموضوع أبعد من التفكير الفوقي، والأحكام المتسرعة، لمن يعجزون هم أنفسهم ان يصيغوا قصة قصيرة رغم اجادتهم الكبيرة في شرح مركباتها. طبعا شرحهم يعتمد المنهج الكلاسيكي – التقليدي وهو تقريبا تلاشى من السرد القصصي او تقلصت مساحته. قرأت ابحاثا عديدة لكتاب اجانب أيضا. ولا اظن انه يمكن انتاج عمل قصصي حسب شبلونة تطرح بنودا يمكن على اساسها صياغة قصة قصيرة. مسبقا اقول ان القصة عملية خلق ابداعية لا تلتزم بأي مقاييس مسبقة، وتبدع لغتها وتركيبتها بمسارها الذاتي وليس حسب بنود يضعها الكاتب امامه ليستعملها في بناء القصة. البطل في العمل الأدبي ليس مجرد اسم وشكل، ثم نركب عليه حدث قصصي، او نفتعل له عقدة ما، ثم نجد له الحل سلبا او ايجابا. اين اختفت سيكولوجية البطل؟ كيف نستعمل مفاهيم علم النفس الاجتماعي في تركيبة الحدث او التضاد بين الأبطال والواقع الذي تطرحه القصة؟ لا أظن ان مؤلفي هذا النوع من النصوص يقصدون ما قد يفهم من العنوان. ربما قصدهم شرح فكرتهم حول مركبات النص السردي القصصي. لا يوجد تماثل بين قصتين لنفس الكاتب الا ما ندر، فكيف الحال مع مئات الاف الكتاب؟ لا يوجد خط عريض واضح في حركة الإبداع لنفس الأديب. الكاتب هو اديب مجرب والتجريب لا ينتهي من اول قصة يكتبها حتى آخر قصة يكتبها. واذا استمر بدون تغيير تولد اعماله ميتة ومكررة لدرجة الملل. الأمر يشبه هنا انتاج حيوات، والحياة شديدة التعقيد والتركيب وعدم التماثل بين عنصرين. تماما مثل بصمة الأصابع . ربما افضل طريقة لمعرفة فنون الكتابة القصصية، هي قراءة الاف الأعمال الأدبية بانتباه كامل لأسلوب السرد ومركباته المتنوعة، شكل بناء الشخصيات وتطورها، خصوصية اللغة في العمل القصصي، (اللعبة القصصية او الروائية) وطريقة بنائها والتلاعب بالأحداث، روح الحوار وعلاقته بالشخص، ومطابقة الحوار للشخصية القصصية (او الروائية) وغير ذلك الكثير من التجديدات التي لا تتوقف، صياغة وفكرا، وقراءة تجارب الكتاب انفسهم اذا وجدت. لا يمكن ان تصاغ مفاهيم ثابتة للقصة القصيرة او لأي عمل أدبي. يمكن حث الموهوبين للاطلاع عبر تمهيد يعرض عليهم مركبات اولية، لكنها مجرد خطوات اولى لا يمكن جعلها قانونا قصصيا. الأمر الأساسي ان الكتابة، أي كتابة كانت، تحتاج الى موهبة خاصة. يمكن تطوير الموهبة، بدونها لا يمكن تحريك شيء، لا يمكن ان تتطور الموهبة بدون قراءة واعية وموسوعية، واطلاع واسع على العديد من كتب النقد القصصي ، والانتباه ان بعضها يشوه الرؤية القصصية اذا لم يكن القارئ واعيا لفلسفة الأدب تحديدا والقصة القصيرة عموما . نصيحتي لعشاق الابداع القصصي بسيطة جدا، اقرأوا بوعي وعبر دراسة النصوص وتحليلها الذاتي. اسلوب تركيب الحدث، مميزات النص، تركيبته اللغوية، الحوار ومطابقته للشخصيات، انتبهوا الى الدراما في لغة النص وليس الدراما في الفكرة القصصية فقط. نص بدون لغة درامية، هو نص فاشل. الفكرة الدرامية ليست مشكلة، احيانا الفكرة القصصية بلا دراما لكن اللغة القصصية تصنع الدراما. والأهم لا تتوهموا ان هناك شبلونة جاهزة لكتابة قصة قصيرة، ولا تلهيكم تلك الشروحات، لأنها نتاج عقول لا ترى ابعد من أنفها!!
#نبيل_عودة (هاشتاغ)
Nabeel_Oudeh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما قبل الثقافة، ما بعد الثقافة
-
هل لدينا حداثة حقا؟
-
نقدنا وفلسفة النقد الغائبة
-
فلسفة مبسطة: مفهوم الله في تاريخ البشرية
-
فلسفة مبسطة: رؤية واقعية...؟
-
لن يبقى إلا أربعة عروش لأربعة ملوك
-
حين خطف الموج حبيبتي
-
علي سلام فتح الطريق لبناء تعاون شامل بين بلدية الناصرة والقا
...
-
انطباعات اولية عن رواية جورج اوريل الرائعة: 1948
-
حوار اوكسترالي بالكلمات
-
نهضة ثقافية ام أزمة ثقافية؟
-
يوميات نصراوي: حكايتي مع الابداع الثقافي
-
محاولة لرؤية جديدة: جذور العنف في الوسط العربي
-
مخيم الناصرة يستقبل رئيس البلدية علي سلام بالأغاني والرقص ب
...
-
أنقذونا من هذا الشعر
-
القائمة المشتركة: مشكلتها لجنة الوفاق!!
-
انطباعات أولية من زيارة مخيم الناصرة البلدي
-
كلمات للتفكير بعد عاصفة تي بي جوشوا في الناصرة
-
سياسة نتنياهو: تفاهة الأعمال وعظمة الأوهام
-
اللغة العربية بين الإتقان والتهريج
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|