|
فارس المنابر
عدنان العريدي
الحوار المتمدن-العدد: 6380 - 2019 / 10 / 15 - 21:38
المحور:
الادب والفن
من روائع معين بسيسو شاعر الحياة والناس واللغة إذا كان لقب شاعرٍ مخضرمٍ يطلق على من عاصر حقبتين تاريخيتين مختلفتين، فما بال معين بسيسو الذي عاصر عدة حقب ومراحل مفصلية من التاريخ، إن من لا يرى من الغربال هو الأعور، فتراث معين واضح وضوح الشمس، ولا يمكن تجاوزه أو المرور عنه، فهو مدرسة شاملة تربت عليها أجيال وتتلمذ عليه أساتذة وشعراء .
إذا أردت أن تعلم أن المناهج مغرضة، فاعلم أنها تجاهلت ديوان المسافر، والمعركة، وحينما تمطر الأحجار، ومارد من السنابل، وفلسطين في القلب، والأشجار تموت واقفة...هذه الدواوين التي استقى منها الشعراء قصائدهم، وشكلت وحي غنائياتهم، فشكلت وحي إلهام القصائد والبرامج، وهي أولى دواوين شاعر الثورة معين بسيسو. فلو عدنا إلى بدايات معين بسيسو وتمعنا في أساليب وطرق بنائه الممتعة النابعة من مدرسة كلاسيكية عقلية فلسفية، نجد بداية قوية تربط ما بين الشكل والجوهر، ما بين ظاهر النص وباطنه، متمتعا بمقدرة صياغة لغوية قل نظيرها صياغة وقوة، بألفاظ ذا طبيعة فونيمية أصيلة التركيب وعالية النبرة، وإسناد حقيقي ومجازي عقلي، وفق تشبيهات وصور عقلية متنوعة، فأسند الغير عاقل للجماد والعاقل لغير العاقل، والغير محسوس للمحسوس ... كما جاء في قصيدة العبد التي لا أدري لماذا لم يحتويها ديوانه الأول المسافر. زمجر القيد وضج الألم فحشاه باللظى تضرم راقد في جوف كهف موحش مفزع قد طوقته الظلم تصرخ الأشباح فيه الردى جاثم مرتقب منتقم
نلاحظ هذه البدايات الجميلة تدلل على طبيعة النشأة القوية والوسط الذي نشأ فيه من خلال التمكن اللغوي والعلاقة الجامعة المعبرة عن التواصل ما بين التراث المستمد من جذور لغوية أصيلة، بحيث ساهم في زيادة تأصيلها، وبدايات كهذه لم تأتي جزافا، أو عفوية بل نتيجة تواصل مع الموروث، هذا التراث الذي قام بتوظيفه لخدمة قضايا محلية وعربية وإنسانية.
نافذة الكهف --------- وبالعودة لقصائد المسافر والتي كتبت ما بين أربعينيات وستينات القرن العشرين، أي مرحلة ما قبل الاحتلال وما بعده، حيث نجدها جاءت معنونة على شكل تلميحي رمزي أو بلاغة القصر، تسهم في استنطاق المتلقي ليستغرق في أسباب البحث الدلالي للرمز، فالنافذة تشكل عملية إطلالة على الكهف الذي أضيف له النافذة والإضافة أتت مسوغا للبداية بالنكرة الرمزية، لتشكل مثابة نقلة من حالة إلى حالة، لأن النافذة عبارة عن إطلالة على الضوء، ونجد الشاعر جعلها تطل على الكهف الرامز للعديد من نقائض النافذة وطبائعها المطلة على الحياة، وكل هذا أتى من خلال إدراك الشاعر لقيمة العنوان وأهميته للولوج في القصيدة. فحينما لا يكون للطائر جناح، نجد الطائر نقيضا لطبيعته، ويمكن إدراك ذلك من خلال تخيل لواقعين يعيشهما، واقعه في كبد السماء طليقا متكبرا، وواقعه على الأرض مكسور الجناح ذليلا مهان." في مكان ينهار فيه الجناح وتسوق الزمان فيه الرياح" حينما تأتي الرياح وتقتلع جناحي طائر تلقيه في مكان العزلة وحيدا يكابد سكرات الموت،وإن لم يكن بميت، تماما مثل أفعى سدد لجسدها طعنات قاتلة وإن لم تمت في حينه تبقى تعاني من الجراح."ويفوح النسيان ألهثه الموت كأفعى قد ألهثتها جراح" ورغم البعد الرمزي ما بين الأفعى والطير المتناقض والمتداخل معا فالطير قد يخطف الأفعى والأفعى قد تأكل أفراخ الطير وقد تلسعه، إلا أنه لا بد من وجود سبب ما يعلل لمثل هذه الصورة الشعرية لدى الشاعر من خلال الرمزية المتناقضة والمتداخلة في آن، والذي يمكن تعليله من خلال مخاطبة البعد الإنساني لدى الجاني المالك لأسباب القوة، بعكس الطائر المجرد من أسباب القوة، بدليل ذكر عنصر الزمان الذي لن يدوم على حال، فلا القوي يبقى قويا ولا الضعيف يبقى ضعيفا. هذا الوضع الساكن للكهف الباعث للتكهنات، يشيه وداعة طفل لا يدرك التكهنات بمدى خطورة ما يحيط به أخطار. "ويخاف السكون منه كطفل علقت فيه الأشباح" حينما يرى الإنسان نفسه غارقا في الظلم بلا معين مع وجود إمكانيات من يرفع الظلم ويعينه على دفع العدوان عنه وعن بلاده يكون كمن يرى نجما بعيدا لكن مجرد توهم وفي النهاية لا نجني سوى عناء الشباك بلا أسماك. "كوكب ترصد النهاية عيناه ولا شاطئ ولا ملاح" ليبقى الليل مسيطرا على واقع نعيشه، فنغرق في ظلام كضرير لا يفيده النور ولو امتشق مصباح. "ليس فيه من الحياة سوى الليل ضريرا يقوده مصباح" هذه البلاد التي التقت عليه الإرادات الدولية من كل الاتجاهات فصبت عليه نيرانها. "وصحار من العواصف تلتف عليها من اللظى أدواح" هذه البلاد التي أثكلتها الحرب فدمرت قراها وهجرت أهلها وتركتها خربا ومساكن للجن. "وسماء من الخرائب تجتاح سماء نجومها أرواح" ويستمر شاعر الثورة في عملية تصويرية تمتد ظلالها وفق قواعد التصوير الفني البديع في صور فنية راقية تكاد تؤرخ لما حل في بلادنا من دمار وخراب نتيجة احتلال فلسطين عام ثمانية وأربعين، من خلال نافذة عاشت المأساة وعاصرت أحداثها، فسطر التاريخ من خلال لوحة فنية، أرخت لما حل في البلاد من خراب وتشريد وتقتيل.
#عدنان_العريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاشقة الخريف عقول فارغة جيوب مليئة
-
عاشقة الخريف حينما تهز الأم السرير
-
عاشقة الخريف حينما يبكي الرجال
-
عاشقة الخريف
-
جدلسة المعاني عند معين بسيسو
-
لا حزنا أو حسرة
-
لا تصالح
-
أرى ما أرى
-
العشق في زمن الشهادة
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|