|
والديّ أكلا العنب وأنا أضرس
دعد دريد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 6380 - 2019 / 10 / 15 - 17:29
المحور:
الادب والفن
فكي الأيسر متورم. أهي الصدفة أن يكون الأيسر، حيث قلبي؟ كم أنا ساذجة ماعلاقة قلبي بأسناني، ربما هي روحي في الجهة اليسرى؟ أبدلت أطباء الأسنان، كما يبدل الرجال قناعاتهم حسب المناخ والتيارات وظروف الجيب، وكما تبدل النساء أحذيتهن وأقدارهن بأحلام مترعة بالآمال الزائفة. طبيبة قالت لي بخجل، أن لدي بكتريا خاصة، وبصعوبة اردفت، هي تتكون من التقبيل. ضحكت وأجبتها: لم أقبل منذ فترة طويلة، لعدم إكتشافي لشفاه رجل تقول ماتعني! فنظرت لي ببلاهة. أعود بذاكرتي للوراء، فتذكرت متى كان أول الم لضرسي. تذكرت حينها كان عندما غادرت العراق للدراسة في الخارج، وكان والدي بصحبتي. لم أعلم حينها أن رحلة غربة الروح قد أبتدأت، وأن آلام اسناني مرتبطة بشعور الإقتلاع جذوري القسرية المتكرر هذا. كان قد أبتاع بعض قناني الويسكي ليقدمها هدايا، فهو لم يكن يستطيع ان يحتسي الخمر، لأنه يصاب بصداع نصفي حاد وإرتفاع ضغط الدم( أورثني ميزتي يقظة الروح هذه أيضاً). ولأننا كنا حديثي القدوم ولانعرف اللغة، وآلام ضرسي حادة، فكان يسكب لي بغطاء القنينة قليلاً من الويسكي، لأتمضمض به على محل الضرس الموجوع، ليخدر المه. وحين كنا نتنزه يحمل قنينة الويسكي بكيس ورقي لئلاً يراه المارة، ويقول لي ضاحكاً: ماذا سيفكر الآخرون حين يرونني؟ ربما سيظنون أن رجلاً مسناً يغوي فتاة مراهقة صغيرة، وضحكت معه رغم ألمي. كل بلد أوشك على مغادرته يرتبط بآلام أسنان جديدة، وحين أحل في بلد أخرى يكتمل النخر والتسوس لحين إقتلاع سن تلو الآخر. أبدل الأطباء لأنهم لايصدقون المي. فهم يصورون أسناني ولايرون شيئاً، وأنا بداخلي يعتمل الغضب، واقول لهم صدقوني، جذور أسناني لاتروها انتم في صور الأشعة، لأنها عميقة ومختبئة مع كل فكرة وأمل مقتول وعفن في كون ينمو في أسناني، لماذا لايصدقوني؟ مظاهرات العراق، مقتل شباب وجرح لايشفى وأسنان تسقط تلو الأخرى، لأشعر بعدها بالم في سن جديد، وأذهب للدكتورة، وتقول لي: أسنانك نموذج أسنان نظيفة وصحية، لا أفهم ماذا يحدث لك؟ أفكر في قصص التاريخ، حين عقد ستالين مع هتلر معاهدة السلام، مقابل أن يكف عدوانه عن الإتحاد السوفيتي حينها، ويقدمون لألمانيا الدواء والغذاء. كيف لمعتوه أن يصدق أن شخصاً سيرأف ببلد غريب ومواطني بلده يقتلهم ويقودهم الى حرب كالنعاج؟ كيف لاتتعلم الشعوب من قصص وعبر التاريخ؟ أن تثق بأنظمة كأمريكا أو إسرائيل وهي تقتل شعوبها وتفقرها وتقودها الى حروب مؤدلجة، لأجل إشباع نهمها الى إنتاج مزيد من الأسلحة وتمريرها في حروب عقيمة، وإلهاء شعوبها عن حقوقها والتخلص من مطالبهم بخلق مستنزف لقيم زائفة تحت مسميات الإرهاب الديني، العقائدي والقومي. منهم من يعتقد بأن مبدأ عدو عدوي صديقي، سيقودهم الى حلم أرض الميعاد( على فكرة هذا المثل عربي، ولم يستغله وينجح بتطبيقه غير الغربي). كيف يعتقد الأكراد، بأن أمريكا ستحميهم من بطش تركيا؟ لست من متبنيات فكرة المؤامرة الإمبريالية، ولكن النظام الأمريكي والإسرائيلي محكوم بهذا الطريق، لايستطيع تغيره. فلأجل أن يبقى مستمراً حياً، عليه أن يجني الأرباح، وأني مصدر الربح يتحرك ويبطش، لاتهمه حياة الناس، فهم مجرد أرقام، كان سابقاً تفتك بهم المجاعات والأمراض واليوم الحروب، مجرد ارقام وأسنان. أسناني تؤلمني، أبتلع حبوب مهدئة الواحدة تلو الأخرى. أستمع للأخبار العالمية، ماهذا سن آخر تعفن؟ هل الإعلام مرافق للقوات التركية ويعلم بهجومه على شمال سوريا قبل أن يعلم حتى الأتراك بذلك؟ حين لايؤيد أو لايدين العالم مايحدث من ظلم تجاه الشعب العراقي، وفي هذه المعمعة بالذات، تقرر أمريكا الإنسحاب. تخرج المظاهرات في المانيا عشرة آلاف متظاهر، وفي السليمانية يخرج أكراد العراق للتظاهر مع إخوتهم في سوريا، وقبلها بأيام قُتل العراقيين كالغزلان البرية الجميلة في بغداد والناصرية والديوانية، ولم أرَ أي تظاهرة في مدن العراق، هل هذه معايير الأخلاق المزدوجة، حين يصبح التعبير عن الضمير الحي مرتبط بقومية أو دين أو مصالح دول؟ يزداد الم أسناني وتصبح اللثة متورمة، حتى خدي يتورم. ماذا تريد الشعوب، وأعني بالذات هنا شعوبنا، العربية والكردية؟ تريد الأمان والعيش الكريم، التكلم بلغتها ممارسة طقوسها وشعائرها الفلكلورية. أعتقد هذا هدف كل الشعوب. هذا لن يتم إن لم تتعايش الشعوب وتتعاضد وتقف صفاً واحداً متآخياً، بعيداً عن شوفينية القومية، الطائفية العقائدية والطبقية المادية. وحين تصل الشعوب لهذا الوعي لن يكون هناك داع في إنفصالات تدعو لها الطبقات الحاكمة التي مصالحها ضد مصالح شعوبها ولاتلتقيان أبداً. لكن للأسف هي معيار البشر في أهدافهم ومحركهم اليقيني في مصداقية مزعومة لا أساس لها من الصحة. اتصلت بطبيب أسناني الذي أبدلته حديثاً. لربما سيصدقني هذه المرة بعد أن يرى خدي الأيسر متورماً، من أني لست مجنونة، فأنانية ولا وعي البشر هي من تفتكان بأسناني !
#دعد_دريد_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يصح بالفعل أن يطلق علينا - إنسان -
-
هذيان وجودي
-
بغي ذكور باهظ الثمن
-
مرآة الكأس
-
هموم ظل
-
ريم تشحذ الفكر
-
هل هناك من وجد نصاً ؟
-
في ذكرى ضحايا حروب آثامنا
-
أصول القراءة
-
هل من غير المخزي إختزال ظلم وألم النساء في يوم يُحتفى بها أو
...
-
متى ستقلع عن فائض روح ؟
-
إن كان ولابد من الموت، مت بكل جوارحك
-
مسمار بلا أمل
-
رجال مذعورة من فئرانها
-
كن كما أنت، أو كما الآخرين يريدوك ان تكون، أو كما تريد أن يك
...
-
عبد المجيد غيفارا
-
من منا لا يحتاج ل -صك الغفران - ؟
-
بحر نسي قلبه الأزرق
-
ضياع الأدمغة في المدن الآسنة
-
الف كلمة وكلمة لاتُغني عن.......
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|