عبد الله هرهار
الحوار المتمدن-العدد: 1555 - 2006 / 5 / 19 - 11:07
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
شيطان الجسد
في انتربولوجيا السلوك الجنسي عند المراهق
كيف يواجه المراهق جسده؟ ذاته؟ جنسانيته؟
كيف يصالح بين ميولاته/ غرائزه وما يحيط به من قواعد وإكراهات؟
قد تساعدنا هذه الأسئلة المتتالية على معرفة سبل إدراك المراهق القروي لنفسه كذات راغبة، كاشفة عن بعد جنسي، أو بلغة فوكو: " ماهي ألعاب الحقيقة التي من خلالها يدرك الكائن الإنساني نفسه باعتباره إنسان الرغبة؟ " (1)
" يتخذ الإنسان شكل الأرض التي يولد عليها"
إذا انطلقنا من هذه القاعدة الإيكولوجية، سوف يتضح أن الإنسان ككائن حي، محكوم بالتفاعل مع محيطه، ذلك أن جسد الإنسان لا يخلو من خدوش وبصمات وآثار هذا المحيط، كما أن المحيط بشكله الطبيعي أم الاجتماعي لا يسلم كذلك من تأثير الإنسان.
من خلال هذا الجدل سنتابع خطوات المراهق وهو يكتشف ذاته، ساعيا نحو اللذة، وإن كان كل سعي نحو هذه اللذة والرغبة لا يخلو من معاناة ومخاطر، أمام ثنائية اللذة والحظر/ المنع يبرز الابتكار ممزوجا بشيء من المعاناة.
عندما تطفو الرغبة على السطح، تبحث لنفسها عن ملاذ، والرغبة هنا بيولوجية، ذاتية، يحاول الجسد تحقيقها، من خلال البحث خارج الذات عن الشريك ( الغير). فإذا كان الغير (الشريك) قابلا وقادرا فإن شروطه يمكن أن لا تتوفر، أو لا تتيسر، بفعل إكراهات ثقافية، اجتماعية، أخلاقية ودينية تحول دون تحقيق التواصل الفعلي.
ترى ما الذي يمكن أن يحد من الرغبة عند شخص يتميز بالقوة والاندفاع؟ وأي قوة يمكن أن تضاهي هذه القوة؟
المجال في حالتنا، مفتوح في طبيعة (محيط طبيعي) عبارة عن جبال وعرة، مكسوة بغابات وتخترقها أنهار ووديان، وتنتعش فيها العديد من الحيوانات والطيور، البعض منها تمكن الإنسان من ترويضه والبعض الآخر يعيش بدائيته، هذا الإطار الطبيعي والاجتماعي هو مجال للمراهق، وقد يظهر لنا أن المراهق يعيش حريته بعيدا عن الرقابة المفترضة، فالمراهق يتحرك من خلال مزاولته لأنشطة فلاحية كالرعي (البقر، الماعز الغنم، الدواب)، إذن عندما تبرز الرغبة في التعبير عن ذاتها، تجد ذات المراهق مجالا مفتوحا، غير أن هذه الحرية تبقى متبوعة أو مكبلة بقيم أخلاقية لا مرئية، لكنها تمارس سلطتها.
إذا فهمنا من الأخلاق " مجموعة قيم وقواعد عمل مقترحة على الأفراد والجماعات بواسطة، أجهزة فارضة مختلفة، مثلما يمكن أن تكون عليه العائلة والمؤسسات التربوية والكنائس" (2)
في حالتنا فالجسد لا يعبر بحرية عن ذاته، لأنه ما إن يبدأ الشعور بذلك إلا وتتدخل قنوات الرقابة المباشرة عن طريق الوالدين ( الأب والأم) أو الأقارب، أو عبر الأقران الذين أدركوا القواعد مبكرا، أو الرقابة غير المباشرة التي تجد ترجمتها في استبطان الأخلاق من خلال الذات، إذ عندما تستبطن لا تحتاج لأوامر ورقابة الغير، فالذات تراقب ذاتها بذاتها.
لا يتم الحديث عن الجنس مباشرة، بل تستهدف حوامله (أعضائه) عن طريق التربية (المنع، العقاب) أو العمل على تمييز الأعضاء الجنسية وإبلائها أهمية عن غيرها (الإخفاء) حتى يستشعر الناشئ الفرق والأهمية.
نحن أمام ظاهرة تعتبر طابوها، وفي مجتمع شفوي، يمكن للمرء أن يتسرع ويقول أنه ليس هناك " تربية جنسية "، إن الصمت والسكوت عن الجنس داخل العائلة وبين الأبناء والوالدين، لا يعني أن الجنس لا يمارس ولا يعني أنه ليس هناك ثقافة جنسية، بل نستخلص أن لكل مجتمع طرقه الخاصة في تمرير وتلقين أبنائه، ففي حالتنا إن من يعلم هم الأقران والأجيال السابقة، والتلقين يتخذ أشكالا وطرقا متقدمة لا يستشعر معها الناشئ أنه يربى ويعلم، بل يتم ذلك إما بالإشراك كما سنرى، أو من خلال جلسات للسمر والضحك يتخللها النكتة والحكي مما يجعل المتلقي أمم أدب شفوي جنسي (ثقافة)، وما يجعل الباحث أمام وثائق سوسيولوجية لا تضاهيها أهمية.
يمنع المجتمع أفراده من تحقيق الجنس خارج مؤسسة الزواج، وهذا التحريم " الرسمي" يقابله نشر ثقافة وآداب الجنس في صمت أو بشكل غير مباشر، من هذه الملاحظة/ المفارقة نفجر التساؤل التالي؟
إذا كان المجتمع يحرم الجنس، ويمنعه على غير المتزوجين، فهل هذا يعني أن الجنس لا يمارس اجتماعيا؟.
ما يضع حدا لهذه المفارقة هو القاعدة الاجتماعية التالية: "كل محظور، وكل ممنوع فهو مرغوب"، أو كما يقول أرسطو " الرغبة هي دوما رغبة في شيء مستحب " إذ لا يمكن أن تكون هناك رغبة بلا حرمان، دون فقدان الشيء المشتهى" (3).
المجتمع يحرم ـ يمنع ويراقب، ولكن سوسيولوجيا، الأفراد يقاومون، بالحيلة، فهم لا يخضعون، بل يمارسون شغبهم بطرقهم الخاصة، الإنسان لا يقبل ما يفرض عليه، ولا يخضع لكل ما يملى عليه، بل لكل جماعة بشرية طرقها الخاصة في تجاوز المحظور / الممنوع.
كيف يواجه المراهق القروي نداء الجنس؟ وكيف يواجه رقابة المجتمع؟ ماهي سبل تحقيق اللذة؟ وما دلالتها انتربولوجيا؟
قلنا أن الجنس رغبة بيولوجية ذاتية، بيولوجية ذاتية, يحاول الجسد تحقيقها عندما تطفو على سطحه, والرغبة في الإشباع تولد لدى المراهق مشروع البحث, مشروع السفر, هذه المشاريع ناتجة عن الاكتشاف: اكتشاف تضاريس الجسد الذكوري والأنثوي.
للاكتشاف طبيعة مزدوجة: فهو ناتج عن التحولات البيولوجية التي يعرفها الجسد, أي نتاج طبيعي لعملية نشوء, ونتاج لملاحظة السلوكات الجنسية لدى الحيوانات الأليفة التي تشارك الإنسان مجاله.في كلتا الحالتين نحن أمام سلوكات جنسية مكتسبة, محكومة بنضج بيولوجي, مرحلة الاكتشاف هاته, تبدو مسبوقة بتفاعلات طبيعية وعفوية بين الذكور والإناث من خلال اللعب, إذ في اللعب تقسم الأدوار وتهيئ, نحن أمام جنسان يلعبان, يلعبان دور الشريكين إنهما يمسرحان مؤسسة الزواج ويلعبان أدوار أطرافها كما يلعبان الجنس, إنهما يلعبان ويتعلمان من خلال اللعب, أليس الجنس لعبا ؟
يستمتع الأطفال بلعب هذه الأدوار, لكن بعد الوعي بالجنس بيولوجيا, وثقافيا تبدأ عملية التحريم هنا نلمس التراجع أو المراوغة أو التحايل والإخفاء, هنا تتدخل القيم والأخلاق والتربية لخلق المسافات, وتبيان الحدود بين الجنسين, لإعلان حرب ضد "لعب الجنسين" لكن هل فعلا ينتهي اللعب ؟ وهل يمكن فعلا أن ينتهي؟
المجتمع لا يمنع الجنس بل يؤجله.
عندما يواجه المراهق بالفصل بين الجنسين, وعندما يستبطن التحريم ما الذي يقوم به ؟
عجبا لهذا الإنسان الذي لا يستسلم,. فهو دائم الإبداع, إن اكتشاف الجسد, والإنصات لنداءاته, ومتابعة السلوكات الحيوانية ميدانيا تجعل المراهق يفكر في أشكال أخرى من اللعب, وقد خبرنا هذا العمل ميدانيا عن مدى الصعوبة التي يلاقيها الباحث وهو يجمع مادته, فإليك ما تمكنا من الوصول إليه عند الذكور أما عند الإناث فلا زال الطريق شاقا والباب موصدة, وكيف لا توصد وأنت من جنس الذكور وتسعى لمعلومة تعد من الطابوه
يتم حفر ثقب استعارية في الأرض أو بجانب النهر, بعد تنقية المكان من المواد والأشياء الحادة, والتي يمكن أن تسبب الأذى, تملأ الثقوب الرملية بالماء ويترك في مواجهة أشعة الشمس مما يكسبه دفئا وحرارة بعد ذلك يرتمي المراهق عاري الجسد فوق هذه الثقوب وظهره للشمس مواليا, هذه العملية البدائية تمارس بشكل جماعي من طرف المراهقين, تتخللها نوادر وألعاب ومسابقات ومواجهات
• كما يتم حفر ثقب مماثلة على أجساد بعض الأشجار الضخمة, لصناعة جسد أنثوي رمزي, ومعانقته لمدة معينة, تتزامن في الغالب وممارسة السباحة النهرية.
مجمل هذه الممارسات والألعاب تمارس خلال الصيف لتحرر الإنسان مكن إكراهات البرد وقساوة المناخ الجبلي.
كما يتم البحث أو الانفراد ببعض الحيوانات وتطويعها قصد ممارسة الجنس عليها(بغلة, أتان, كلاب, دجاج...) هذا في الوقت الذي تستثنى فيه حيوانات أخرى لقدسيتها( الفرس, البقرة
• الالتجاء إلى ممارسة العادة السرية(ذات مع ذات) بشكل فردي أو بشكل جماعي, إذا كانت الممارسة الفردية اتسمت بنوع من السرية, وإذا كانت جماعية اتسمت بنوع من التباري والمنافسة بين الأقران
• الدخول في علاقات جنسية مع الغير(ذكر مع أنثى) وهذه العلاقات بدورها تتسم بالحذر والإخفاء, كما يمكن أن تنشأ أيضا علاقات بين ( ذكر، ذكر) أو بين (أنثى، أنثى) وهذين النوعين الأخيرين يعتبران ممارسات شاذة. وتطلق كلمة (حمو أقرشال) على العلاقة الجنسية التي تجمع بين الأنثى والأنثى، و (أقرشال) كلمة أمازيغية يقصد بها تلك الأداة المزدوجة والشائكة التي تستعمل في صناعة الصوف (ترطيبه) قبل غزله، والتشبيه هنا ناتج عن عملية الاحتكاك بين فتاتين كما يتم الاحتكاك بين طرفي أقرشال أثناء ترطيب الصوف.
الفحولة كما الرجولة بناء وتكوين: فحولة الحيوانات والتماثل بسلوكاتها يجعل المراهق يلتجئ إلى بعض الوصفات:
- كأن يأخذ مثلا" علقة" من الماء ويضعها في إناء من الماء لمدة أسبوع، وبعد ذلك يستعملها لممارسة العادة السرية ويعتقد من وراء هذا الفعل أن قضيبه سيصبح في شكل (العلقة) سرعة والتواء.
- ينتزع خيط من ذيل الثور ويتم ثقب قضيبه من جهة الحشفة وبالضبط مم تبقى من عملية الختان ويتم الاحتفاظ بهذا الخيط لمدة أسبوع أو أكثر أي حتى ينتزع لوحده، والغرض من هذه الوصفة هو أن يكون للمراهق قضيب في مستوى قضيب الثور أي أفحل وأقوى من الثور( التشبه والتماثل بالسلوك الجنسي الحيواني).
انتربولوجيا، ما دلالة هذه السلوكات؟ وما وظيفتها الاجتماعية؟ .
قد نختزل السلوك الجنسي لدى المراهق القروي في إشباع وتحقيق اللذة، غير أن التفكير في الأمر جديا، يظهر أن وراء هذه السلوكات المسكوت عنها عقلا جماعيا يسعى إلى إعداد أبنائهم للمستقبل فهناك تربية جنسية جماعية وتمرير لثقافة وسلوكات جنسية لضرورة الجنس وطبيعته من جهة. ومحاولة إعداد وتهيئ جنود القبيلة ورجالها من جهة أخرى.
نحن إذن أمام عملية عبور واختبار للشخصية وتأهيل لها لتتحمل مسؤولية المستقبل، مسؤولية الحفاظ على سلالة الجماعة/ القبيلة, ليس فقط جنسيا وإنما اجتماعيا وعسكريا, إذ بإمكاننا أن نستحضر طقسا آخر لتفسير الاجتماعي بالاجتماعي, فخلال عيد الأضحى, تحتم العادة أن تخصص كل أضحية لرجل متزوج وسط عائلة ممتدة, وقبل الإقبال على الزواج, يسعى الأب اختبار رجولة ابنه: هل هو مؤهل للزواج أم لا. بمعنى لكي يصبح للشاب أضحيته الخاصة ينبغي أن يكون"رجلا", والرجولة هنا اختبار عبور أي أن تمر من حالة العزوبة إلى حالة المسؤولية:
يذبح الأب ذبيحتين, يطلب من الابن مساعدته, لسلخ الأولى ثم يترك الثانية المخصصة للابن وغالبا ما تكون من نوع الماعز, واختيار الماعز ليس صدفة هنا, وإنما هو فعل مقصود, لصعوبة سلخه, عندما ينتهي الأب من الذبيحة الأولى تكون الثانية قد فقدت دفئها يطلب الأب من الابن أن يتكلف بالثانية, وهنا سيوضع المراهق أمام اختبار/فخ, نظرا لأن الذبيحة تكون قد فقدت دفئها مما يجعل سلخها أمرا صعبا.
خلال هذا الطقس يتأكد الأب من مدى نضج ابنه من عدمه, فإن هو تمكن من سلخها زوجه, وإن لم يفعل فهذا دليل عن عدم نضجه.
أما الدلالة الاجتماعية والرمزية والثقافية لهذا الطقس: إن الابن أو الشاب لن يتزوج ما لم يكن قادرا على مواجهة الصعاب والمشاكل التي يمكن أن تواجهه,. كما يمكن القول إن التجربة الجنسية التي يمر منها المراهق القروي هي تجربة عبور مرتبطة ببناء شخصيته وتكوينها, هذا البناء يمر عبر عالم الدناسة( المدنس) إلى عالم القداسة( المقدس): دناسة الجنس تعكسها بعض التفسيرات التي يقدمها القروي لموت بعض النباتات وسط حديقته, إذ يعزي ذلك إلى أن الحديقة تم اختراقها من قبل"مدنسين" أي من قبل أشخاص لم يغتسلوا من الجنس, ولمقاومة ذلك أو الحد منه توضع"كدرة" وسط الحديقة دفعا للشر والدنس, وكأن المدنس لن يواجه إلا بالمدنس حماية للمقدس, فالمدنس هنا هو الجنس, وسواد الكدرة, أما المقدس فهو الحديقة ونباتاتها. غير أن الجنس كمدنس بدوره يقتحم عالم القداسة عندما يصبح مؤسساتيا أي عندما يشرعن في إطار مؤسسة الزواج.
(1) م. فوكو: استعمال اللذات: ترجمة جورج أبي صالح, مراجعة مطاع صفدي, مركز الإنماء القومي 1991 ص9
(2) ن. م: ص25
(3) ن.م: ص34
#عبد_الله_هرهار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟