عبد الرحمان أيت عبد الله
الحوار المتمدن-العدد: 6376 - 2019 / 10 / 11 - 21:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعتبر السوسيولوجي الفرنسي المعاصر" فرونسوا ديبي" من أبرز المنظرين لحقل سوسيولوجيا التربية "sociologie de l éducation"، فقد اشتغل هذا الباحث كمدير للأبحاث بالمعهد العالي للدراسات والعلوم الإنسانية بالعاصمة الفرنسية باريس، كما اشتغل كذلك كأستاذ للسوسيولوجيا بجامعة بوردو، وفي نفس السياق حاول هذا السوسيولوجي أن يتناول مسألة " الإستحقاق والمنافسة المدرسية " انطلاقا من كتابه " المواقع والحظوظ " * إعادة تفكيرالتفاوتات الإجتماعية *،حيث اعتبر فيه أن المدرسة هي بمثابة مجال يتم فيه التطبيق النظامي لنموذج مساواة الحظوظ،ويضيف أنه إذا كانت استفادة التلاميذ من التعليم شاملة فإن الفروق مابين التلاميذ المتفوقين والتلاميذ ( ضعاف المستوى )، لم تتقلص بعد مادامت الفروق تحددها مسبقا الأصول الإجتماعية للتلاميذ، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقمها أكثربالمؤسسة المدرسية.
لقد لاحظ السوسيولوجي الفرنسي " فرونسوا ديبي"، أن النخبة المدرسية هي التي تنحدر من النخبة المجتمعية، في حين أن المنهزمين في المنافسة المدرسية هم باستمرار المنحدرون من الفئات الفقيرة المسحوقة .
إن فشل نموذج مساواة الحظوظ بتعبير " ديبي" لايتوقف فقط على تلك التفاوتات التي تخص العرض المدرسي ولا على التفاوتات الإجتماعية، بل إن المسألة ترتبط بمفارقات تتواجد داخل هذا النموذج (... )،وفي نفس الإطار يؤكد الباحث على فكرة مؤادها "أننا كلما وثقنا في نموذج مساواة الحظوظ كلما وثفنا في قدرة المدرسة على تحقيق العدالة الإجتماعية مع كل جيل جديد"،ولكن حسبه كلما انخرطنا في نموذج مساواة الحظوظ واعتبرناه نموذجا مثاليا كلما اعتبرنا التفاوتات المدرسية عادلة،وتنبع من الإستحقاق الفردي،وبالتالي فقد تبدو للشواهد قيمة وميزة كبرى تساعد على الوصول للمواقع المهنية والإجتماعية، مادامت لها تلك القدرة على محو نتائج التفاوتات الإجتماعية الرئيسية،ولكن يعتقد هنا "ديبي" أن المشكل الحقيقي،يتجلى في كون الإيمان بهذا النموذج لدى بعض الأسر والتي تظن أنه لاتوجد فرص أو حظوظ خارج إطار ماتقدمه المدرسة،وهذا التصور سيؤدي على حد تعبيره إلى تصعيد المنافسة المدرسية مابين من يرغبون في توسيع هوة التفاوت من أجل تأمين فرص وحظوظ لأبنائهم، وبعبارة أخرى يقول"ديبي":" كلما آمنا بنموذج العدالة هذا أي نموذج مساواة الحظوظ كلما توسعت هوة التفاوتات المدرسية".
إن نموذج مساواة الأماكن أوالمواقع،حسب الباحث "ديبي"يتميز بالصرامة لأنه بكل بساطة يغلق على الأفراد في مواقعهم، أما بالنسبة لنموذج مساواة الحظوظ فيتميز بالقساوة والسلاسة لأنه يجبر الأفراد وخاصة الأكثر هشاشة وفقرا منهم على الإنسلاخ من مواقعهم (...)(1).
من خلال ماسبق، يتبين لنا أن "سوسيولوجيا التربية" "sociologie de l éducation" ستعرف منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي"توجها نحو التفسير على غرار رايمون بودون، بدل التحقق من التحقق من الأطروحات الصراعية أو الوظيفية، هذا التفسير سينحو نحو خلاصة مفادها أنه لايمكن اعتبار المدرسة كنظام متراص يشتغل في كل مكان بطريقة موحدة"(2).
إن التحليل الذي اعتمده "فرونسوا ديبي"، في مقاربته سواء لمسألة الإستحقاق والمنافسة المدرسية،أو لقضايا أخرى تدخل في إطار سوسيولوجيا التربية من قبيل التجربة المدرسية هو التحليل الميكروسيولوجي،هذا الأخير يحيل على الأفراد باعتبارهم فاعلين، كما يعطي أهمية كبرى للتفاعل والوضعيات الصغرى والسيروات الصغرى(3).
لقد انتقد السوسيولوجي الفرنسي " رايمون بودون" التحليل الماكروسوسيولوجي، من خلال تمييزه بين "أنساق التبعية البينية" و" الأنساق التفاعلية"، فالأولى لا تعتمد على مفهوم الفاعل، بل على مفهوم "الوكيل" "Agent"،كما تقصي مفهوم الدور الذي يلتصق بالفاعل وبأنساقه التفاعلية، بالإضافة إلى أنها تنتج،على المستوى الكلي،ظواهر غير متوقعة من طرف "الوكلاء". أما بخصوص الثانية فتعتمد على مفهوم الفاعل، بحيث يكون فاعلا ومنتجا، كما تولي أهمية لمفهوم الدور، هذا الأخير يرتبط ارتباطا وطيدا بالفاعل وبأنساقه التفاعلية، ناهيك أنها تنتج على المستوى الذي لا يعترف بالكل، ظواهر غير متوقعة من طرف الفاعلين(4).
اتجهت سوسيولوجيا التربية الجديدة بقيادة "فرونسوا ديبي" و"ماري دوغيبلا" وأيضا "فان زنتين" وسوسيولوجيين آخرين منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى محاولة البحث "في المتغيرات المدرسية باعتبارها مؤثرة بشكل مستقل عن العوامل الإجتماعية" (5) في عملية إنتاج التفاوتات المدرسية وظواهر سوسيو تربوية أخرى، وفي هذا الإطار يظهر أن التحليلات "التي تعتبر المدرسة فضاء لاستراتيجيات الفاعلين قد تطورت"(6) بشكل كبير، وبالتالي فإن هذا التوجه الميكروسوسيولوجي يهدف إلى "الحصول على نموذج للفاعل، بحيث تكون النتائج الماكروسكوبية قابلة للقياس، ويسمح بفهم التمفصل بين البنى التربوية والسلوكات الفردية"(7).
-الهوامش:
1-ديبي فرونسوا، " المواقع والحظوظ " *إعادة تفكير التفاوتات الإجتماعية*، ترجمة " كنزة القاسيمي"،منشورات " إفريقيا الشرق 2016"٬ د ط، ص 84 -87.
2- إعبدون عواد، "سوسيولوجيا النجاح بالوسط القروي جماعة بني عروس نموذجا"، بحث لنيل شهادة الماستر في سوسيولوجيا التربية كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة ابن طفيل القنيطرة،الموسم الجامعي: 2017-2018، بحث غير منشور، د ط، ص:30.
-ورد في بحث الباحث عواد إعبدوان كتاب مهم في سوسيولوجيا التربية للسوسيولوجي ديبي وهو بعنوان: "الثانويون ".
-أنظر المرجع:
.Dubet(F), Les lycéens, éditions du Seuil, 1991,p:26.
3-جعفري علي، " الميكرو- الماكرو: في إلزامية إثبات آليات الإنتقال"، منشوارات مجلة العمران، العدد 8/29، س2019، ص:37.
4-نفسه، ص: 46-47.
-ورد في مقال الباحث علي جعفري، " الميكرو- الماكرو: في إلزامية إثبات آليات الإنتقال"، كتاب مهم للسوسيولوجي المعاصر "raymond boudon".
- أنظر المرجع:
.Raymond Boudon, La logique du social: Introduction à l’analyse sociologique, Collection Pluriel 25 (Paris: Hachette Littératures, 1990), pp. 117–159.
5- إعبدون عواد، "سوسيولوجيا النجاح بالوسط القروي جماعة بني عروس نموذجا" ،مرجع سبق ذكره، ص: 30.
6- نفسه، ص: 31.
-ورد في بحث الباحث عواد إعبدون، كتاب جماعي بعنوان : " سوسيولوجيا المدرسة " للباحثة ماري دوغيبلا و فان زنتين.
- أنظر المرجع:
.Duru-Bellat (M), Agnès Van Zanten, "Sociologie de l’école" , Collection U. sociologie,3éme édition, 2007, p :210.
7-نفسه، ص: 30.
-ورد في بحث الباحث إعبدون عواد، نفس المؤلف السابق .
- أنظر المرجع :
.Duru-Bellat (M), Agnès Van Zanten, "Sociologie de l’école" , Collection U. sociologie,3éme édition, 2007,p :212.
#عبد_الرحمان_أيت_عبد_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟