هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 6376 - 2019 / 10 / 11 - 11:40
المحور:
الادب والفن
لماذا علي أن أجيب على هذا السؤال ؟
ناقش أسباب عزوف الشباب في المجتمع الأردني عن الالتحاق بالمهن ذات الطابع العملي والتطبيقي ونظرتهم الدونية نحوها (ثقافة العيب) واقترح بعض الحلول التي يمكن من خلالها التغلب على هذه المشكلة؟
الإجابة :
ان التنشئة الأسرية وانتشار مظاهر البذخ وتقليد المسلسلات التركية وغير التركية أوجد فجوة بين ما نعيشه وبين ما نبتغيه
الكل ,للأسف , بات يستقرض من اجل شراء جهاز هاتف آيفون ,وكأن هذا الجهاز الجامد سيجعله يكبر في عيون الناس وكان وجود الناس ,هو سبب وجوده في الحياة , وكان الآيفون سيجعله يحصل على لقب متحضر رغم انه لم يكمل تعليمه والسيدة صارت تستعرض الجلاية رغم انها تحتاج لشهر لملئها بالأواني هذا فقط من اجل أن تكبر في عين جارتها أو سلفتها(زوجة أخ الزوج) وبات الجميع يفاخر بمايملك ولم يقف الحد عند ذلك بل صار مقرونا بالحسد والعين الشريرة التي خربت الجلاية بعد ان طرقتها عين الجارة
,وبتنا ندور بالدوائر المتخلفة الشبيه بهذه القصص , وما اكثرها
وبدلا من أن نتفاخر بعدد الصفحات التي نقرؤوها صرنا نتفاخر بالصور التي نضعها في مواقع التواصل الاجتماعي لتظهر اين شربنا قهوتنا واين امضينا امسيتنا
بل صرنا بتقمص ادوار التفاخر والتعالي ونحن لانملك شيء
فقط من اجل أن نعوض مشاعر النقص التي نشعر بها داخليا وتفضحنا تصرفاتنا التي نقوم بها بلا قصد لتفضح مركبات النقص التي نعاني منها
فسيدة لاعمل لها ولا مهنة لها سوى انها ربة بيت تمضي فيه جل وقتها ( 24 ساعة في بيتها ) ولا تعاني من اوجاع الكتف أواليد أو الوقوف
ماحاجتها لجلاية ! سوى إنها مريضة بالنقص و التقليد الأعمى وتنتابها مشاعر الغيرة من الآخرين - الذين يشاطرونها نفس مركبات النقص ونفس الأعراض الاجتماعية المريضة .
واشياء كثيرة يمكن سردها تشير بأصابع الإتهام الى ارواحنا المريضة - التي صارت تبحث عن شفاءها بعيدا عن ذاتها
غابت مظاهر الزهد والتقشف في حياتنا حيث صرنا نركض وراء الماركات و الأسماء اللامعة لعلها تجعلنا نمتلىء بعيون ذواتنا من كل مشاعر النقص التي تعترينا
وكأنها ستشفينا مما نحن فيه الا أن تحصلنا عليها ,فماذا وجدنا ياترى !
فنجد إننا كنا نطارد سراب ارواحنا المشوهة
ولكن قبل الخوض بما في الذات من امراض
دعونا نجيب عن السؤال السابق المطروح ممزوجا بين ماضينا السابق والحاضر اللاحق
لعلنا نلتقط خيط الوصول لما وصلنا له
ا ولا :لنتفق انها ليست ثقافة ,فمن المعيب ان يكون هناك ثقافة تسمى بثقافة العيب
ربما لو كانت تسمى ظاهرة العيب لكان اقل وقعا على الأذن ولا يمكن بحال تسميتها ثقافة لأنها ليست من اساسيات وشروط الثقافة المجتمعية التي من شروطها انها انتاج وتشاركية وخدمات تبادلية فهي نتاج تنظيم روح ومشاركة وتفاعل بجو صحي كما عرفها " جيمس سبرادلي" ضمن هذا التعريف "أنّ ثقافة المجتمع تتألف من كلّ ما يجب على الإنسان أن يعتقده أو يعرفه، بحيث يكون بطريقة يتقبلها أعضاء المجتمع،
بمعنى انها ليست مادية وليست سلوكيات , بل عملية تنظيم لكل الأشياء المادية
وما دمنا في هذه الظاهرة نسلك طريقه مختلفة من المعتقدات التي لا يتقبلها اعضاء المجتمع اذن انتفت عنها صفة الثقافة وصارت ظاهرة طارئة امتدت لتصبح واقعا حياتيا ..
لقد جاءت ظاهرة العيب من فقدان تراثنا ومكتسباتنا وعاداتنا وتقاليدنا مما يسمى بالإنتاجية التي باتت تشير الى الفقر وضيق اليد أكثر منها الى سلوك بشري عادي فامتلاك المال ليس مدعاة للتفاخر, فالوزراء في المانيا يستقلون المترو و رئيس هولندا يذهب لوزارته راكبا البسكليت (العجلة الهوائية) وزعيمة المانيا ميركل تعيش في شقتها المتواضعة.
فهل هؤلاء ينقصهم المال !
في الماضي كانت السيدة –ربة البيت تجهز العجين المخمر قبل النوم لتستيقظ صباحا لخبزه ,فتنتشر رائحته على مسيرة بيوت ساخنا ومنفوخا وطريا وشهيا ( اشتقتوله , اليس كذلك )
ولكن بعد ان ظهرت الافران في الأسواق , دب الكسل في نساء الحارات ولم يعدن يخمرن العجين ولا يصنعن الخبز .
فصار الكسل ,سمة شعوبنا و مع استيراد الأفران الكهربائية الجاهزة والكثير من الاجهزة التي سهلت الحياة ولكنها لم توفر السعادة المبتغاة
فالنساء مازلن يشكين ويبكين ويلطمن في كل مناسبة عن زيادة اعباء العمل الذي لا ينتهي.
فما الذي حدث ؟
تاريخيا ,يمكن القول أن المجتمعات تغيرت ادوارها نتيجة ظهور الثورة الصناعية في اوروبا واكتشاف القطارات مع ظهور آبار النفط - التي ابتلينا فيها كعرب حيث اصبحنا مسيرين اكثر مما كنا فيه واصبحنا أكثر تبعية واكثر هوانا
حيث جاء المستعمر لسرقة النفط وسرقة حضارتنا التي نامت على آخر بطولات لها ورضيت بالمقسوم.
كان لظهور النفط ان يجعلنا اكثر استقلالية واكثر حضورا في المشهد العالمي ولكننا للأسف سقطنا في وحل الكسل والتبعية , وبتنا نستورد لا نصدر
واسترخينا فيما شركات استخراج النفط تسرقه بأبخس اثمان وتصدره لنا باعلى الاسعار , ونحن نشتري وننام ,وننعم بالراحة والدلال , حتى تغيرت كثير من سلوكياتنا المنتجة وصرنا نعتقد ان ذلك هو التطور والتحضر والتمدن
وصار فعليا ينطبق علينا قول نزار" لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية ".
فعلى مستوى ثوب الزفاف وتكلفته الباهضة في دول الخليج ,تقول عارضة ازياء اجنبية :" إننا نقيم عروضنا لبيع منتجاتنا لدول الخليج , نحن لانقدمه لنساءنا , فالنساء هنا عمليات , لايهتتمن كثيرا بهذه الأمور التافهة ,يذهبن للكنيسة في بنطلون الجينز
ولكن هناك ( وتقصد دول الخليج ) نساء يعانين من مركبات نقص ,تجعلهن يدفعن الالاف من اجل قماشة وترتر ,
هناك المال والغباء المجنون !
وهو فعلا غباء مجنون ,اليس كذلك !
فبعد ظهور البترول "الذهب الأسود " الذي جعل حياة بعض رعاة الأبل والمواشي وزواريب الهوش تتقزم ويعلو بدلا منها ابراج زجاجية باتت تتطاول في البنيان , فصارت بلاد الرعي والفلاحة تستهلك اكثر مما تنتج وصارت تستورد ولا تورد الا التمر وبول البعير حاشاكم .وهذا هو حال الأمة في هذا الزمان
وفي الحقيقة ليس هنا حال ابدع مما كان.
فثقافة العيب ارتبطت بتغيرات المجتمع الاستهلاكية ومحاولة الغرب جعل بلادنا العربية بلادا استهلاكية لترويج منتجاتها وتصدير كل ما يعزز حياة الترف والترفيه بدلا من جعلها شعوب منتجة عن طريق ما تعرضه الأفلام من بذخ وثراء في القصور وحياة الملوك
وبات الجميع يحلم بتلك الحياة المرفهة حتى لو استقرض من البنوك - التي باتت تقنع الناس انها اسلامية عن طريق الالتفاف والتحايل ,وهي بنوك اكثر من ربوية من البنوك الاخرى التي لا تدعي انها اسلامية .
ولكن من يهتم !
وهكذا وقع الناس في شرك الاقتراض وفي اقفاص الربا من اجل الحصول على المكانة التي يعتقد انه يحصلها من عيون الناس المعجبة بما وصل اليه.
اختلفت الصنائع وتبدلت المهن وتغيّرت مسمياتها , فصار محل الخياطة , دار ازياء وصار الطوبرجي متعهد بناء والزبال عامل وطن , وكل ذلك من اجل تحلية اسماء المهن الدونية وجعلها مقبولة في المجتمعات ولكن على مين !
فمجتمعاتنا تلاحق من اخطأ–مرة واحدة في حياته " ليموت بها الآلآف المرات في حياته ويتم اهانته وشتمه وملاحقته بها حتى يموت مادام فقيرا وان كان غنيا فينسى ولا احد يتذكر اخطاءه
,صحيح ان بعض الدول بدأت ترفع من رواتب بعض المهن المتدنية مثل اليابان التي جعلت وظيفة الزبال تكاد تساوي راتب الوزير وصحيح انه تم رفع رواتب الممرضات في الاردن لتساوي راتب دكاترة الجامعات وكل ذلك من اجل رفع نسبة الالتحاق بتلك المهن ولكن ليس من اجل تغيير الدور المنوط بها كخدمة اجتماعية سامية ونبيلة (فسامية ونبيلة للأسف هذول بنات اختك كما يتمسخر العامة عليهم )
فالغني الكل يرقص له ويغني لصلعته في حين الفقراء لا يدخلون الجنة ابدا وخطأ الغني مغفور ,وخطا الفقير يحمله فوق ظهره حتى يموت
فالزبال بنادى بالزبال , حتى لو عمل بهذه المهنة لمدة شهر واحد , فسيظل يحمل لقبه هذا حتى الممات .
يقول الشاعر الأرجنتيني الزاهد نوعا ما " خورخي بورخيس "عن صحفي مغمور جاءه لبيته المتواضع وعمل معه مقابلة اسمه " ماريو فارغاس اوسا " والذي لم يخفي تعجبه من بساطة بيت الشاعر الأعمى -الذي عمت اخباره العالم كله
فسأله "لما لايزال يعيش في هذا البيت !
ولماذا لا ينتقل لبيت اجمل
فرد بورخيس عليه قائلا فيما بعد في معرض تهكمه عن هذا الصحفي المغمور
:" لقد علمت الآن من يكون
انه احمق البيرو
وفعلا هي حماقة كبرى , حيث ان الاحمق حصل على جائزة نوبل للأدب وكان يحتفل بمليونها بتجهيز مكتب ملوكي له
فيما كان ذلك الشاعر الأعمى مازال في بيته المتواضع
تعكس مراياه
ظل زوجته وذكراها
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟