|
السياسة بوصفها «فعل خير»
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 6367 - 2019 / 10 / 2 - 21:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السياسي الناجح ليس هو «الغالب» أو «الفائز» أو «المنتصر»، بل هو من يروّج لقيم الخير والحرية والعدل والمساواة والجمال والتسامح والمحبّة. هل السياسة فعل خير حقاً؟ إذاً، لماذا ينصرف ذهن عامة الناس، إلى أنها عمل يتميّز بالحيلة، وإخفاء الحقائق، بل ونشر الأباطيل والخداع للوصول إلى الأهداف المرجوة؟ وحسب كتاب «الأمير» لمؤلفه نيكولو ميكافيلي الذي احتفي في العام 2013 بمرور 500 عام على صدوره، فإن «الغاية تبرر الوسيلة»، بغض النظر عن عدالة، أو شرعية، أو شرف هذه الوسيلة، من عدمها، لاسيّما بالنسبة إلى الحاكم لكي يدوم حكمه، ويبسط سيطرته. ولهذه الأسباب شاع الاعتقاد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بشكل عام، أن السياسي لا يتورّع من فعل أي شيء لتحقيق أهدافه باستخدام جميع الوسائل، بل يبرر أحياناً أن غايته الشريفة تعطيه مثل هذا الحق، وقد وقع الكثير من الأحزاب والتيارات ذات الأيديولوجية الشمولية في مستنقع الاستبداد بتبرير وسائلها غير الشريفة، بما فيها ضد المعارضين في صفوفها، باستخدام العنف، والتعذيب، والاغتيال، وحتى الإرهاب، أي القوة الخشنة والناعمة، تحت عنوان «السياسة»، والمباراة مع العدو، أو الخصم للفوز في المعركة. وكما يعتقد البعض أن «السياسة تبيح المحظورات» بزعم الأهداف الشريفة، فلا مانع من استخدام وسائل غير شريفة، أو تبرير استخدام ما يستخدمه العدو، أو الخصم، أو الطرف الآخر، ومحاربته بسلاحه كجزء من «المعاملة بالمثل»، وهكذا يختلط مفهوم السياسة بالمكر والدسيسة خارج منظومة القيم الإنسانية، والاعتبارات الأخلاقية، خصوصاً حين يمارس بعض السياسيين جميع أنواع الدجل، والاحتيال، والغش، والتزوير، للوصول إلى الهدف بغض النظر عن شرعيته، وعدالته، وشرفه. وبالضد من ذلك، كان المهاتما غاندي ينظر إلى السياسة بأنها اتّحاد الوسيلة بالغاية، مثلما تتّحد البذرة بالشجرة، ولا غاية شريفة من دون وسيلة شريفة، وإذا كنّا نستطيع أن نحدّد الوسيلة لأنها ملموسة، وقريبة، وآنية، إلّا أن الغاية غير ملموسة وبعيدة أحياناً، وحتى غير منظورة، ولذلك فالوسيلة هي ما يمكن التحكّم فيه، واختياره، لأنها ممكنة، ولهذا نقول إن الغايات الشريفة تتطلب وسائل شريفة، والعكس هو الصحيح أيضاً. وإذا اقترنت الوسيلة بالفساد، والطائفية، والعنف، والإرهاب، وتقديم المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة، فذلك سيعني الانقلاب على قيم السياسة، ومُثلها الإنسانية، فالسياسة، حسب أرسطو في كتابه «السياسة»، تُعنى بالأفعال النبيلة، ووفقاً لابن خلدون: السياسة هي صناعة الخير العام، وهي أمانة وتفويض، فليس لأحد الحق في امتلاك أركانها، باسم استخلاف إلهي، أو ما شابه، وإلاّ فستبقى دواوين التاريخ مفتوحة على أخبار قوى التسلّط، والتحكّم، المناقضة لشرائع النقل، والعقل. السياسة تعني «علم إدارة الدولة»، وهي «فن الممكن»، كما درجنا عليه للتعبير عن «الواقعية السياسية»، و«توازن القوى»، وإنها تعبير مكثّف عن الاقتصاد، حسب فلاديمير لينين، أما وفقاً لحنّا أردنت «فأصل السياسة هو الحرية»، ومفهوم الحرية يمثل جوهر الفعل السياسي الذي يرتبط بمفهومين آخرين، هما: البراعة، والشجاعة. وإذا كانت الحرب وجهاً آخر للسياسة، فالأخيرة يمكن أن تكون «وسيلة حربية»، باستخدام «أسلحة ناعمة ولاعنفية»، أو إنها «وجهٌ آخر للحرب»، أو امتداد آخر لها، حسب تعبير المفكر العسكري النمساوي كلاوزفيتز، إلّا أنها لن تصبح سياسة بمعنى «إدارة وتدبير وتنظيم وفنّ» ضمن قواعد ومعايير إنسانية، إلّا باقترانها بفعل الخير، وإلاّ ستكون السياسة وفعلها ومنتجها شرّاً.. والشرير ليس شجاعاً، مهما واجه من مصاعب، وتعرّض لمخاطر، وتصدّى لتحدّيات لبلوغ مآربه، وسيبقى «جباناً»، لأن صفة الشرّ هي الغالبة عنده. أمّا الشّجاعة فهي «فضيلة من فضائل القلب» التي يتمكّن فيها الإنسان من الإمساك برباطة جأشه في الوقت المناسب، وتقتضي منه الشّجاعة مقاومة الشرّ لا الاقتداء بالشرير، وكذا الحال هي السياسة أيضاً، والسياسي الناجح ليس هو «الغالب»، أو «الفائز»، أو «المنتصر»، بل هو من يروّج لقيم الخير والحرية والعدل والمساواة والجمال والتسامح والمحبّة. وإذا كانت الحركة السياسية خارج السلطة في البلدان النامية، ومنها البلدان العربية، تجنح في الأغلب للتغنّي بالسياسة باعتبارها «فعل خير» منزّهة نفسها عن كل ممارسة من شأنها أن تندرج في «فعل الشر» الذي غالباً ما تنسبه للحكام، فإن معيار اختبارها الحقيقي حين تصل إلى السلطة، فهل ستبرّر كل ما كانت تعارضه؟ وأين ستصبح شعاراتها ذات الجذرية والرنين العالي؟ أم أنها ستتبرأ من ذلك بزعم الواقعية السياسية، وربما ستكون أكثر محافظة من الحكومات التي عارضتها؟ ولعلّ هذا ما واجهته مجتمعاتنا بعد موجة ما سمّي ب«الربيع العربي»، وآن الأوان لردّ الاعتبار للسياسة على أساس القيم الإنسانية والمثل النبيلة التي تضع الإنسان مقياساً لكل شيء.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الناصر في انفراداته الوطنية والقومية
-
في خفايا تجارة الأعضاء البشرية
-
نبوءة فوكوياما
-
وعد نتنياهو
-
من فيض ذاكرة إدوارد سعيد
-
الاحتلال «الإسرائيلي» وهدم المنازل
-
شينزن وليس تيانانمين
-
الشاعر شيركو بيكه.. نبض الروح وضوء الشعر
-
نحو فكر عربي جديد
-
في تفسير الظاهرة الإرهابية
-
بلد الفصاحة والشعر يحتفي بالمفكر العراقي عبد الحسين شعبان
-
«الاسلاموفوبيا» و«الويستفوبيا»
-
«تفاهة الشر»
-
67 دقيقة.. مانديلا!
-
نوري عبد الرزاق- الذاكرة والزمن الجميل
-
الفساد ضد الفساد
-
«سلطانات الرمل»
-
«عبء» الديمقراطية!
-
حين يُضرب السفير البولندي في «تل أبيب»!
-
إيران و«تخوم الحرب»!
المزيد.....
-
إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل
...
-
ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
-
حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
-
عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا
...
-
ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
-
أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
-
تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
-
مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس
...
-
العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
-
ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|