أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح محسن جاسم - الفعل .. بستان














المزيد.....

الفعل .. بستان


صباح محسن جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1554 - 2006 / 5 / 18 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


لفت انتباهي إصراره وقوة إرادته. رغم كونه أستاذا للعلوم غير أن اهتماماته قد فاقت تخصصه . يتحدث عن فن الرسم والموسيقى والرياضة والزراعة وعن عالم مفترض وسعادة متخيلة وعواطف رقمية ومستقبل استقى اضاءاته زمن المسيح عليه السلام. ما كان يحكي لنا عنه ويشدنا إليه فاق كل تصوراتنا نحن طلبته العابثين.
صبيحة ذلك اليوم الربيعي حين يكون للهواء والماء مذاقهما المميز والخاص ، جمعنا أحد الدروس الشاغرة ومضى كعادته يحدثنا عن واقعنا المؤلم وعن جيوش أسقطت أعتى دكتاتورية وأسوأ نظام وعن ما سيخلف ذلك من تسيّب وفراغ ومشاكل ستقظ لنا مضاجعنا وتزيد من وجعنا وما سيترتب على ذلك من خراب.
نصحنا محاولا التخفيف من حدة الكلام كيف بأمكاننا تجاوز المحن مؤكدا أن أقل فعل يمكننا تأديته سيساهم في التخفيف عن كاهلنا وهو ما سندركه لاحقا في خطواتنا الأولى والمهمة في الطريق تجاه حياتنا ومستقبلنا.
بدا فيلسوفا وهو يحاضر ببساطة عن قوة الفعل مهما صغر وسط الجماعة وكيف علينا أن نكتشف سحر هذه الكلمة المشعة – التعاون-.
ختم حديثه مقترحا أن يساهم كل منا بقدر ما يستطيع لأحياء حديقة كليتنا.
" نحرث ما نقدر عليه ونبذر ونزرع المتوفر من الخضار والشجيرات"، ثم يرفع قطعة الطبشور بين أصابعه الطويلة نسبيا مواصلا": " لا ضير حتى من زراعة شجرة واحدة وبذرة خضار واحدة".
فوجئنا بعد انتهاء المحاضرة وجلوسنا في نادي الكلية نحتسي الشاي ، أستاذ فالح مشمرا عن ساعديه ممسكا وتد – مسحاته- الخشبي بقوة وقدماه تنغرزان في تربة الأرض المحروثة توا.
البعض منا تبسم ممتنا لمثل ذلك العزم الذي لدى أستاذنا وفكر بما يمكن المساهمة فيه.
هرع اثنان من زملائنا يزيلان بعض الأدغال اليابسة فيما راح آخران يتناوبان واستاذهما الفلاح مما حفز آخرين المشاركة في تلك المغامرة.
كذلك كانت البداية.
في البيت فكرت بمساهمتي والشجرة التي سأختارها. جاءني الجواب سريعا كأنما تستصرخني نخلتنا الوحيدة التي لم يحن أوان نضوجها بعد حتى اعرف نوعية الثمار التي ساجنيها ، وكثافة فسائلها التي حفّت بها كأفراخ تلثغ الحليب.
صباح اليوم التالي كنت احمل معي فسيلتي لأزرعها في الساقية التي شذبها أستاذنا. زادني فرحا ما فكر به زملائي.. معضمهم قد جلب معه شجرة صغيرة وبعضهم من الطالبات فضّل شجيرات ورد.
توزعت الشجيرات بأنواعها في محيط حديقة الكلية. الجميع بدا عليه الارتياح عدا – سامي- الذي بدا كئيبا بسبب شجرته التي جلبها دون أن يعرف نوعها. عقب –سعيد- ضاحكا : يا لها من شجرة غـَرَب رائعة!
بيد أن أستاذ فلاح سرعان ما تدارك الأمر فدافع مشجعا منبها إلى جمال الشجرة وما تحمله أوراقها الخاصة الراقصة من عطر يضوع قبل الغروب وبعده وهواء جوها المحيط المنعش. ومن ثم مضى مؤكدا أن كل نبات مفيد إذا ما أحسن استعماله.
بعد تخرجنا لا أخفي كيف تحولت حديقة كليتنا إلى بستان يزهو بوروده الملونة وخضرة أشجاره الوارفة.
لفتنا الحياة بجلباب حروبها البالي وشح علينا الزمن في اللقاء في بستان كليتنا ، وشاءت الصدف أن أعاود زيارة كليتي طلبا لكتاب تأييد. وقد حز في نفسي أن تسوء حالة نخلتنا الأم في بيتنا حتى ذبلت وماتت دون أن أعرف سببا لموتها. كنا قد وزعنا فسائلها دون أن نلحق معرفة نوعية ثمار الأم عملا بنصيحة والدي الذي لم ينقطع عن نصحنا: اقتدوا بنبينا المصطفى ، صلى الله عليه وسلم، إذ يذكر( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).
كم كانت فرحتي عظيمة حين دلفت إلى حديقة كليّتنا لأفاجأ بأشجارها الكثيفة وقد قويت سيقانها وتشابكت أغصانها. كانت نخلتي ناهضة بحجمها رغم ما تزال فتية الآ أن ما زاد من فرحتي حملها البكر. فكرت حينها إن نخلة دارنا لم تمت فعلا .
جلست تحت ظل شجرة وارفة متأملا أوراقها الراقصة المرحبة وشعور بالاعتداد يملأني تشوبه دهشة خاصة وما تمكنا من فعله نحن الطلبة البسطاء الأبرياء. شعور استثنائي شدني إلى أني اجلس عند ذات شجرة الغـَرَب التي زرعها- عماد- صديقنا الحميم.
ما زاد من متعتي اني بدأت أسمي الأشجار بأسماء صحبي واصدقائي الذين بادروا بزراعتها.
سألت بفضول عن من سيقوم بتلقيح نخلتي؟
أجابني موظف التسجيل بسرعة:
- أستاذ (ساطع) هو من تبنى مهمة رعاية الحديقة بعد غياب استاذ –فالح-.
- غياب؟!!
التفتّ فلم ألحق محدثي الذي على ما يبدو قد فضّل الأكتفاء بذلك القدر من اسئلتي فقفل عائدا دونما رغبة لإحراجي بأقسى ما توقعت سماعي له من أجوبة!



#صباح_محسن_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكنيتا فالك .. الحبّ وضده
- أكنيتا فالك : الحبّ وضدّه
- سهراب : الحبّ ُ كلّ شيء
- أطوارُ .. كعادتها تضحكُ
- !أسطورة الوحدة الوطنية
- !أيُّ مفسَى للتهكم يمكنه أن ينقذ العراق
- !السيد قوجَمان و أسطورة الوحدة الوطنية
- لمّوا شمل شعبنا يا مراجعنا ورجال حكومتنا الكرام
- راجمو سعدي يوسف .. لا توغلوا في المأساة
- فُروغ فاروخزاد وعيد الحب ..قادمة كما وعدت
- على هامش رسوم الكاريكاتير: أمام التحريضية وما وراءها
- أزنا.. هو ذا المعْبر .. فأقفزوا
- د. الصائغ.. هو ذا المحك للعراقية الحقّة يا حكومة
- جاك هيرشمان شاعر أمريكا الشيوعي يثقّف للحب
- *سعدي يوسف على غرار - إملأها علنا مولاي
- فزيكلي البعث والجبكلك جبكلي
- جبران تويني : من يطفيء الشمس من يعدم القلم!
- لهونا كفايتنا فنسينا شواربنا
- في اليابان :علاقتنا مستقلة مع إيران
- إلى بن عبود .. وصراحته وفرارية الحزب الشيوعي العراقي!


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح محسن جاسم - الفعل .. بستان