أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (20) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف















المزيد.....


(20) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف


أسماء غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6363 - 2019 / 9 / 28 - 00:25
المحور: مقابلات و حوارات
    


صبري يوسف:
أرى أنَّ من أهمّ أسباب تراجع السَّلام في العالم، هو تراجع الحسّ الأخلاقيّ، كيف ممكن أن نعالج هذه المشكلة العويصة، ونعيد للأخلاق الرَّاقية دورها الرَّائد وبالتّالي نعمّق عبر الأخلاق ثقافة السَّلام؟!
*
د. أسماء غريب:
بالعودة إلى المرأة ودورها الفعّال في بناء مجتمعاتٍ سليمةٍ فكريّاً وخُلُقيّاً. فالمرأة هي أساس الصّلاح والنّجاح في كلّ الأرض. وكلّ ما يجبُ فعله هو إعادة النّظر في حجم الأخطاء الَّتي ارتُكِبَتْ في حقّها باسم التّحرّر والدّيمقراطيّة وما إليها من إيديولوجيات جديدة هي نتاج ما حدث في المجتمعات من تغييرات بعد الثَّورة الصِّناعيّة فما فوق. تحرير المرأة من براثن الجهل والعبوديّة شيء لا جدال فيه، لكن المطلوب هو قبل كلّ شيء الحفاظ على فطرتها النَّقيّة وسلامتها الصّحِّيّة والفكريّة، دون الزّجّ بها في أشكال جديدة من الاستعباد والابتزاز الجسديّ والفكريّ. ضِف إلى ذلك أنّ المرأة هي بحاجة اليوم وأكثر من أيّ زمن مضى إلى تنشئة وتربية من نوع خاصّ، إذ يجب التّركيز على فكرها وروحانيّتها العالية. كما يجب أيضاً إعادة النّظر في مفاهيم الجندر والمساواة وتطويعها بشكل يجعلُ المرأةَ سيّدة نفسها وماسكة لزمام أمورها. خروج المرأة إلى العمل شيء جيّد وحضاريّ، لكن يجبُ الحرص بشكل مكثّف على ضمان الأجواء السَّليمة لعملها هذا، كما يجبُ الاعتناء بحقوقها وتوعيتها بما عليها من واجبات، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلافاتها العقائديّة والفكريّة وتحويلها إلى مصدرٍ لثراء الإنسانيّة، كما أنّه من الضُّروريّ تعميق نظرتها إلى الرّجل، شريكها في الحياة، وبدل أن تستمرّ في التَّعامل معه بالكذب والدّجل والخداع وكأنّه عدوّها اللّدود، فحريّ بها أن تتحرّر من كلّ السّموم الَّتي تنفثها الكتبُ والجمعيّات النِّسائيّة المُضَلّلة وما إليها، لتعود إلى فطرتها وتغسل قلبَها بالمحبّة والعشق الإلهيَّيْن، علّ ذلكَ يُساعدُ بصيرتَها على التّفتّح فترى بنور الله رجُلَها هديةَ الرّحمن إليها وتأخذَ بيده وتسير معه على درب الحياة مقمّطة بالأمل والرّغبة في النُّموّ أكثر وأكثر والوصول إلى شاطئ الأمان والسّلام.
/////
صبري يوسف:
ما هي أفضل السُّبل لتوعية المرأة بدورها الجديد؟!
*
د. أسماء غريب:
تخليصها من الأفكار المضلّة الَّتي تصلها من كلّ ما يحيط بها في حياتها اليوميّة، بما في ذلك التّلفزيون والصّحافة وكل وسائل الإعلام والمعلوماتيّة. على المرأة أن تعيد النّظر ليس فقط في طريقة تفكيرها، بل أيضاً في طريقة تعاملها مع جسدها وتغذيتها لأنّ هذه الأخيرة لها دور كبير في إحياء عالمها الرّوحي الدّاخلي وتحريره ممّا يعانيه من ركود واحتجاب. إنّ حرص المرأة على سلامتها الصّحيّة يعني أنّها ستسمح لفكرها وجسدِها بأن يستمدّا ما هما بحاجة له من طاقة تُحَسِّن من الأداء الوظيفيّ على كافّة المستويات والأجهزة البدنيّة. فحينما يكون هذا المسارُ مُتحَرّراً من كلّ السّموم المعاصرة، فإنّ المرأة ستشعر بأنّها متوحّدة مع العالم بدون أدنى شكّ، وهذا سيؤثّر مباشرة على أسرتها ومجتمعها بشكل فيه الكثير من الإيجابيّة والتَّطوّر الرّوحيّ.
على المرأة أن تقول وداعاً للرّكود الرّوحيّ الَّذي عادة ما يُسبّب الكثير من الأمراض بما فيها انفصام الشّخصيَة والتَّفكير المحدود، والخوف والتَّعصّب.
عودي سيّدتي الجميلة إلى مطبخكِ، وأعيدي النّظر فيه، تخلّصي من الملح والسّكّر والدّهون والدّقيق الأبيض والمشروبات الكحوليّة والمأكولات المجمّدة، والأخرى الجاهزة مسبقاً. حرّري مسارك الرّوحي من مطبخكِ قبل كلّ شيء، ليتحرّر عالمُكِ الدّاخليّ، هذا هو الطّريق، والمفتاح بين يديْك، وما عليك سوى أن تفتحي الباب وتقولي: بسم الله مجراها ومرساها.
////
صبري يوسف:
لماذا لا نستغلُّ تقنيّات العصر في ترويج ثقافة الحبّ والسّلام والوئام بين البشر، ويتمُّ التَّركيز على الأفكار الاستهلاكيّة والمتع الفضفاضة، ولا يتمُّ التَّركيز على قضايا جوهريّة تهمُّ حياة ومستقبل الإنسان؟
*
د. أسماء غريب:
من يقول إنّ تقنيات العصر وُجدت لخدمة الإنسان فهو واهم جدّاً، لأنّ الحقيقة تقول إنّ الإنسان وإن كان يبدو أنّه قد حقّق تقدّماً علميّاً كبيراً في شتّى المجالات، فإنّه مع كامل الأسف تقهقر إلى الوراء بمئات السّنين، كيف لا وهو يستغلّ تقنية العصر هذه أبشع استغلال، فبها ينشر الأمراض، وبها يفرّق بين الشّعوب، وبها يُكرّس لثقافة التَّمييز العنصريّ وفوبيا الأديان، وبها يستعبد الأجيال، ولا يهمّه في كلّ هذا سوى جني المزيد من الأرباح عبر تحويله للأرض قاطبة إلى شعوب تستهلك دون أن تفكّر في أيّ شيء سوى المزيد من فقدان الحرِّيّة والهويّة والغرق في حروب لا أوّل لها ولا آخر.
////
صبري يوسف:
هناك ثقافة استهلاكيّة تهيمنُ على أغلبِ وسائل الإعلام في العالم، لماذا لا يتمُّ نشر الثَّقافة والفكر الرَّصين عبر منابر الإعلام المختلفة، أين دور المسرح والسِّينما والأدب الرّاقي لنشر الفكر الخلّاق؟!
*
د. أسماء غريب:
الكلّ مقصّر في هذا المجال، والأمر يقتضي البدء بالتَّخلُّص من ثقافة الأوهام الّتي تدعمها كافّة المجتمعات. سأروي لكَ حكاية تؤكّد ما تفعله ثقافة الوهم بالإنسان: حينما كنتُ صغيرة كانت فكرتي عن العالم محدودةً جدّاً، كنتُ أتخيّلهُ كما تلقّيتُه في كتب الجغرافيا والتّاريخ: مجموعة من الدّول بحدود جغرافيّة وتقسيمات سياسيّة وتاريخيّة، وحينما شاء الله لي أن أكبر وتتسّع آفاق طلبي للعلم، ركبتُ الطّائرة وحملتني أوّل ما حملتني إلى بلدي الثّاني إيطاليا، هل تعرفُ ما الّذي فاجَأَتني به السّماء حينما كنت أنظر من خلف زجاج النّافذة الصّغيرة؟! لم أجد أثراً لتلك الحدود الَّتي كانت تحدّثني عنها المراجع والكتب المدرسيّة، يا إلهي لقد رأيتُ الأنهار والغابات والجبال والمحيطات، ورأيتُ الغمام يتحرّك حرّاً طليقاً من أرض إلى أخرى دون أن يكون في يده جواز سفرٍ، ولا بطاقة هويّة ولا عَلَمٌ يؤطّر انتماءَه إلى بلد ما!
يا إلهي، لماذا حدث كلّ هذا؟ وقد رأيتُ المطر حرّاً في حلّه وترحاله. هل يُمكنُكَ أن تتخيّل لو أنّ بحراً ما أصيب بالتَّلوّث والتَّسمّم؟ العالم كلّه سيؤدّي الثّمن، لأنّه في عرف الله أرضٌ واحدة، قلب واحد، لا يحمل جنسيّة معيّنة ولا يميّزه دين معيّن. لا بدّ لك أيّها الإنسان أن تفهم أنّ الطَّبيعة لم تكن بهذا الشّكل المنفصل والمنقسم، أنت فقط من خلق الحدود والملكيّة وحقوق السِّيادة والضّرائب والحكومات، والكلّ شارككَ في هذه اللُّعبة الكبيرة، والثَّمن كان باهظاً جدّاً: حروب في كلّ مكان، وفقر، ومجاعة وجريمة وإرهاب. عليك أن تحرّر نفسك الآن وليس غداً، عليك أن تستيقظ بسرعة من كلّ هذه الكوابيس، وتَأكّد أنّك إذا فعلتَ هذا سوف تكتشف أنَّ العالمَ سريع الزّوال، لذا عليك ألّا تتعلّق به كثيراً، وكن متأهّباً للرّحيل في أيّ وقتٍ ومستعدّاً لأن تقول لمن عرفتَ إلى اللّقاء، وشكراً جزيلاً لكم، لأنّ الحياة معكم كانت فعلاً ممتعة، وأرجو لكم أن تستمتعوا بأوقاتكم قدر ما يُمكنكم ذلك. ومن يدري لربّما نلتقي من جديد!
/////
صبري يوسف:
بمَن تأثَّرتِ من الأنبياء والقدِّيسين والرُّسل ورجالات الفكر والحكمة ممَّن كرّسوا حياتهم للسَّلام؟!
*
د. أسماء غريب:
شيء جميل أن يتأثّر الإنسانُ بسيرة الأنبياء والرّجال الصّالحين والأولياء والقدّيسين ويقرأ لهم ويتعمّق في فكرهم، لكن الأجمل من هذا هو أن تشقّ لنفسك طريقاً ومنهاجاً يحملكَ إلى الملكوت الدّاخلي. هُم جرّبوا ذلكَ فرأوا ووصلوا، وأنـتَ عليكَ أن تفعل الشَّيء نفسه إذا أحببتَ أن تكون مثلهم، أنتَ أيضاً لك الحقّ في في تجربة متفرّدة وخاصّة بكَ، ولا ينفع أن تحكي عنها لأحدٍ، لأنّك لستَ مُجبراً على ذلكَ مادمتَ تؤمنُ إيماناً مطلقاً بأنّ لكلّ عالمه الخاصّ، ولكلّ تجربته الرّوحيّة وحدائقه السِّرّيّة الَّتي عليه أن يدخلها لوحده، ليكتشف هو الآخر ما اكتشفه غيره. صدّقني أيّها القارئ العزيز، وحدها التَّجربة الفرديّة كفيلة بأن تعيد لك ترتيب ما يزعزعه النّاس من حولك بجهلهم وغرقهم في المادّة والفكر السّطحيّ. وتأكّد أنّه كلّما كانت التَّجربة صافية وصادقةً، كلّما لفّك صمتٌ مهيب يدفعُكَ إلى الحفاظ على عالمك وأسراركَ بيقين عجيب، دون أن تفسده بالرّياء والتَّكبّر: اكتموا محاسنكم يا أهل الله، وإن كان لا بدّ من أن تطلعوا أحداً على جواهركم فلتفعلوه مع صحب الحضرة الأحرار، أهل النّور والسّناء الأبرار.
////
صبري يوسف:
ماذا يراودكِ وأنتِ تنظرينَ إلى ملايين ملايين البشر وهم غائصون في حياة استهلاكيّة فاقعة، وهم بعيدون كلَّ البعد عن كلِّ ما فيه حكمة وسلام ووئام وكأنّهم لم يفهموا حتَّى الآن لماذا جاؤوا إلى الحياة؟!
*
د. أسماء غريب:

نعم، إنّهم لم يفهموا حقّاً لماذا أتوا إلى الحياة، والعالم بأسره بحاجة إلى إعادة النّظر في البنية الأُسَريّة السّليمة والَّتي منها ينطلق التّغيير والتّجديد. فكما نلاحظ اليوم ليست هناك بِنية عائليّة قويّة وقد انهار كلّ شيء والعائلات تتفكّكُ في كلّ يوم بشكل رهيب، لا أحد يجتمع مثلاً حول مائدة الطّعام كما في سابق العهود ومازال يهوذا يُسقط الملح فوق الموائد وداخل البيوت. نعم عزيزي القارئ، لربّما تستغرب كيف أنّني أربطُ سلام الإنسانيّة بالمائدة والأكل، ولكن صدّقني، فكلّ شيء يبدأ ممّا تأكل، لأنّ تدهورك الفكريّ ناتج عن تدهورك الصِّحّيّ بسبب ما تتناوله من سموم، وبسبب غياب الدّفء الإنسانيّ من حول الموائد، وتأكّد أنّه حينما ستتّبِعُ العائلات الطّرُقَ الصّحِّيّة في تناول الأطعمة، فسوف نحصل على مجتمعات سليمة، وسيبدأ التَّفكير العالميّ في التّغيير، ولن تكون هناك أيّة ضرورة لفرض أيّ قرار تسييريّ من قبل أيّة سلطة أو حكومة، لأنّ أوضاع تنظيم المجتمعات نفسها ستتغيّر بتغيّر التَّفكير السِّياسيّ والاقتصاديّ الَّذي ستصبح بموجبه الحكومات موجَّهةً نحو العمل على الدّعم الزِّراعيّ والتَّعليميّ والصّحّيّ مع السّهر على معالجة كلّ المشاكل الّتي قد تصادفها خلال اهتمامكَ بتحسين بنية عالمنا الجديد.
////

صبري يوسف:
ماذا تقصدين بالعالم الجديد؟
*
د. أسماء غريب:
عالمي الجديد، هو عالم مبنيّ على العائلة السّليمة، حيث الأعضاء الأكبر سنّاً لا يُعانون من الأمراض المزمنة، ويتمتّعون بفكر ثاقب مفعم بالحيويّة والنّشاط، ولهم القدرة على تنوير الأجيال الجديدة بما يملكونه من خبرات واسعة في تسيير أمور الحياة بكلّ مستوياتها الفكريّة والسِّياسيّة والاقتصاديّة والعلميّة. عالمي الجديد قائم على قوانين كونيّة لا يُظلمُ فيها الإنسانُ ولا يُقهر، لأنّها تحترمُ مبادئ التَّحوّل والتَّقدّم، لذا فإنّي أرى أنّه على الحكومات المستقبليّة أن تكون قادرة على تطبيق هذه القوانين والأنظمة بإعداد علماء جُدد لهم القدرة على تفسير الكون من حيث أنّه العالم الأكبر المتجلّي في الإنسان.
ولا بدّ لأبناء العائلة الإنسانيّة كما أتصوّرها أن يكونوا ممّن يتمتّعون بالحكمة والصّحّة الجيّدة والوعي الرّوحيّ المُكتمل ليُصبحوا مؤهّلين إلى بناء كون جديد قائمٍ على احترام الأرض والإنسان والحيوان، ومكتوبٍ بلغة عالميّة جديدة بعيدة عن لغة الدّمار والعنف والكذب والدّجل، ولا تؤمن إلّا بالسّلام والسّلم والأمن والأمان.
////
صبري يوسف:
إنَّ السَّلام هو أكثر حاجة يحتاجها الإنسان على وجه الدُّنيا، ما هي أنجع الطُّرق لتحقيق السَّلام؟!
*
د. أسماء غريب:
لن يظلّ السّلام مجرّد حُلمٍ يراود المفكّرين والمثقّفين من النّاس، قريباً سيستيقظُ الإنسانُ من نومه العميق، وسوف يسعى إلى تصحيح أخطاء الماضي الفادحة. وقريباً سيعرف معنى العائلة التّي أشرتُ إليها في الأجوبة السّابقة، وسيظهر على ساحة الواقع اليوميّ اقتصاد يكون هدفه الاندماج مع الطّبيعة الكونيَّة بدل استغلالها بهذا الشَّكل البشع الَّذي تقوم به السِّياسات الاقتصاديّة الحاليّة. وسيهتمّ الطّبّ بالحمية الصّحِّيّة وطرق العيش اليومي، وسيستغني عن العقاقير وستصبح الوقاية أفضل من العلاج، لأنّ الكلّ سيُكَوِّنُ قناعات جديدة قائمة على ربط الفكر بالغذاء، ممّا سيحدّ من انتشار العديد من المشاكل الاجتماعيّة والخُلقيّة بما فيها الجرائم والعنف الأسريّ.
////
صبري يوسف:
هذه نقلة نوعيّة كبيرة في الفكر أساسها الغذاء السّليم، كيف برأيكِ ممكن تبنّيها من أجل إحلال السّلام في العالم؟
*
د. أسماء غريب:
الغذاء الصّحّيّ الآمن السّليم سيُنهي مشاكل الجوع في العالم، وسيضمن للإنسان كمِّيّة هائلة من الطّاقة تساعده على فهم الكون من حوله، وتطوير قدراته الفكريّة والرّوحية بشكلٍ خلّاق، ومن الممكن جدّاً أن يؤدّي كلّ هذا إلى أن تصبح البشريّة على تواصل مع العوالم الخارجيّة الذكّية وتستفيد من علومها المتقدّمة. لأجل هذا أقول إنّه لا بدّ لإنسان اليوم أن يغيّر نظرته للعلوم والطّبّ والفلك والتَّاريخ والكونيات بشكل عامّ.
////
صبري يوسف:
يبدو لي أنّكِ تتحدّثين عن ثورة صناعية جديدة، أليس كذلك؟!
*
د. أسماء غريب:
نعم، هذا بالضّبط ما أتحدّثُ عنه، الثَّورة العلميّة والصِّناعيّة الجديدة ستكون قائمة على التَّطوّر المستمرّ في علم التّحوّل الذَّرِّي، وهو التَّطوّر الّذي سيقود الإنسان عبر علوم الفيزياء والكيمياء إلى اكتشاف طاقة كونيّة جديدة ستغيّر كلّ النَّظريّات العلميّة البالية، وستدفعه إلى تبنّي نظريات جديدة ترى أنّ الذَّرّات تتحوَّل باستمرار تحت ظروف جويّة طبيعيّة، وهذا سيؤدّي إلى انتشار تكنولوجيا التَّحوّل في العالم، ممّا سيلغي التَّسابق على الموارد الطبيعيّة والحروب على مصادر الطّاقة، لأنّ الإنسان سيكتشف مصادر أخرى بما فيها الطّاقة الإلكتروميغناطيسيّة، وكيف لا يتحقّق ذلك والعِلم سيتوحّد مع الفلسفة والثِّيولوجيا، وسيصبح الكلّ في خدمة الإنسان!
////
صبري يوسف:
الفكر الخلَّاق، التَّطوُّر وتراكم تقنيّات كلّ العصور، الإنسانيّة بكلِّ سموِّها وأخلاقيّاتها، إلى أين؟! هل الكرة الأرضيّة، في خطر ممّا يموج في فكر الإنسان، أم أنَّ هناك تآلف فيما بينهما لحلِّ المفارقات؟!
*
د. أسماء غريب:
لا تقلق عزيزي القارئ، سنقول وداعاً للخطر، ربّما سيحتاج الأمر إلى مئة سنة أخرى من تاريخ الإنسانيّة، لكنّ التَّغيير سيحدث بالتّأكيد، لأنّ الإنسان سيستدلّ بثورته العلميّة الجديدة على مفاهيم أخرى تقوده نحو أصالته الرّوحيّة والكونيّة، والّتي بها سيكسرُ العوائق الثّقافيّة والدّينيّة القائمة على التَّعصّب والتَّطرّف وعدم تقبّل الآخر، ليحقَّق بعد ذلك نوعاً من الوحدة الإنسانيّة تحت إحساس عامّ بروحيّة كلّ الأكوان. وهذا سيعزّز من رغبة الإنسان في التَّحرّك نحو العوالم الأخرى وستبدأ الأسفار الشَّمسيّة تمهيداً لعهد جديد من حياة الإنسان، وسنقولُ وداعاً لجوازات السّفر والتّأشيرات.
////
صبري يوسف:
عمر البشرية ملايين ملايين السِّنين، والحروبُ تزدادُ عاماً بعدَ عام وقرناً بعد قرن، متى سيحلُّ علينا عصر السَّلام وتعمُّ علينا ثقافة السَّلام في كلِّ أرجاء المعمورة وتصبح الحروب من الماضي الغابر؟!
*
د. أسماء غريب:
السرّ في التّربية الرّوحيّة المنبنية على الغذاء السَّليم والعلم الآمن، لذا فإنّي لستُ قلقة بشأن مستقبل الإنسان لأنّ حروبه ستصبح فعلاً من الماضي الغابر، وقد صدق اللهُ وعده حينما كرّمَ الإنسانَ وجعله أفضل المخلوقات. وليس لنا سوى أن نعطي للأشياء الوقت الكافي لتتحقّق، لأنَّ الأمر يتعلّق بمسار تطوّري يحتاج إلى صبر وزمن لتتكلّل التَّجربة الإنسانيّة بالنّجاح وبلوغ أرقى مدارج الكمال.

/////

صبري يوسف:
تشتغلينَ بهدوءٍ عميق وصبرٍ عندما تكتبين، تترجمين، تقيّمين وتحلِّلين النُّصوص. من أين تستمدِّين هذه الخصوصيّة والفرادة في تواصلكِ مع الحرف والكتابة والتّرجمة والإبداع؟!
*
د. أسماء غريب:
رُبّيتُ على الصّبر والحِلم عند الشّدائد، والكتابةُ شدّة من شدائد الزّمان لمن لا يعرفُها، لأنّها عملٌ يحتاج إلى عمق في التَّفكير، وهو العمق الّذي لا تُكسبكَ إيّاهُ سوى التَّجارب والخبرات العميقة في الحياة. إنّها شيء يشبه ابتلاع نار الكون، وبدل أن تنفثها على الجمهور كما يفعل نافث النّار في السّيرك فإنّك تنفثها في أعماق روحك وتحوّلها إلى نور يتلألأ فوق الورق. لأجل هذا فإنّ الأدب الحقّ هو شُغل من يحوّل النّار إلى نور ببركة الرّوح القُدُس الَّتي بها أعمل في كلّ مجالات إبداعي من شعر وترجمة ونقد وفنّ تشكيليّ أيضاً.
/////
صبري يوسف:
ماذا ينتابُكِ وأنتِ تشاهدينَ تفاقم الحروب في الكثيرِ من البلدانِ، وما هو موقفكِ من الحروب؟!
*
د. أسماء غريب:
سينتهي كلّ هذا، اطمئنّ. سيسطع فجر السّلام، وستأكل القمحَ تحت الشمس الذّهبية ووسط الحقول الغنّاءة المعطاءة. تذكّر فقط أنّ ثمن الانتظار باهظ جدّاً، لأنّه مازالت هناك دموع في الأفق، وأحزان وليل طويل. لكنّ الأمل في استيقاظ الإنسان من غفوته كبير.
////
صبري يوسف:
ما رأيكِ، باللُّغة، الكلمة؟ مندهشٌ كيفَ لا يستطيع الإنسان التّفاهم مع بني جنسه وهو الكائن العاقل؟
*
د. أسماء غريب:
مازال الإنسان سيّد المخلوقات وأعقلها، أنا أحبّه وأؤمن به، لأنّه مِن صُنع الرّحمن، ولا يُمكنُ لشيء خلقَه الله أن يكون سوى على صورته. ما تراه أنت عزيزي القارئ، هو مجرّد غشاوة لا بدّ ستزولُ، وسيُظهِرُ لكَ اللهُ الإنسانَ بكلّ مجده وقدسيّته. تذكّر أجدادك العظام، وانظر إلى البرهان، وثق بأن الشّمس ستشرق على مرّ الأزمان. قل يا الله وافتح قلبك الّذي هو كتابك الكونيّ، واقرأ عليّ منه سورة الإنسان!
///
صبري يوسف:
كيف ممكن أن يعيشَ المرء من دون لغة، أم أنّه حمل اللُّغة في مشاعره الدَّفينة وتشرّبها مع الزّمن؟!
*
د. أسماء غريب:
لغتي لغة الإنسان، ذاك البكر القادم من أطهر الأزمان، إنّها لغة حبّ ومحبّة، تخرجُ نوراً من جسدي العاشق الصّوفيّ، لتنتشي بصبابتي، وترتعش بوجدي، وتتدثّرَ عند الهجر بالحداد. ومثلما يتعرّى المحبّ من أعراف وتقاليد من يدّعي العقل والمنطق، فإن لغتي هي لغة أهل الحضرة والقلوب؛ ولأجل هذا فإنِّي أرى اللّغات الرّسميّة الممتدة عبر هذا العالم الفسيح عقالاً وسجناً وحجاباً لأنّها غير قادرة على استيعاب دلالات المحبّة والعشق، ولأجل هذا أيضاً أكتفي في كثير من الأحيان بالإشارة، لأنقل ذوقي ومواجيدي وأجعلها تتدفّق نحو أهل القلوب المتبتّلة في محاريب العشق. لغتي لغة محو ونسيان، تخترقُ لغة الظَّاهر وتجاوزها، ولا شأن لي بلغة أهل هذا الزّمان.
///
صبري يوسف:
لغتُكِ حيرى إنها تخترق الأُلْفَة وتدفع بالحرف نحو أفق الغرابة والدّهشة، كيف تفسّرين ذلك؟!
*
د. أسماء غريب:
أعتقد أنّ ذلك نابع من خصوصية التّجربة الّتي أحياها، والّتي غالباً ما أجد نفسي ضمنها مدفوعةً إلى وصف ما لا يوصف؛ وقول ما لا يُقال، وكتابة ما لا يُطيقُه قلم إنسان. لأنّي كمن يرقم وَجده على الماء، بصمتٍ مثخن بالحيرة، بل صمت تُفصح عنه لغةٌ مبلّلة بالنّدى، ندى الغيب والجمال. لأنّني أقول الوحدانيّة بلغة التَّعدّد، وأفصحُ عن الوتريّة بلغة الشّفع، وأعلن عن الجمع بلغة الفرق. من هنا حيرتي المنحفرة كما الوشم فوق جسدي العاشق.
/////



#أسماء_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (19) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (18) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (17) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (16) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (15) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (14) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (13) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (12) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (11) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (10) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء ...
- (9) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (8) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (7) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (6) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (5) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (4) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (3) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- (2) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غ ...
- رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب ...
- حَجَرُ باخ


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أسماء غريب - (20) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف