|
المثقف ومكافخة الأشاعة
محمد أبوالفضل
الحوار المتمدن-العدد: 6362 - 2019 / 9 / 27 - 09:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بات من الضرورى تكاتف جميع شرفاء الوطن من أحل مكافحة آفة وجرثومة الٱشاعة فقد لا يعلم الكثيرون أنها تعد من بين أشرس الأسلحة والأشد فتكا بالشعوب والأمم، وإن هناك جيوشا جبارة صمدت طويلا أمام أقوى تكنولوجيا الحرب، لكنها هزمتها في النهاية «إشاعة» مثل الجيش العراقى فى عصرنا الحالى ومن وحي تجاربنا العربية،هناك أمثله عديدة منها المغول التتار عندما فكروا بإجتياح بغداد محوا من رؤوسهم أية مخططات لخوض منازلة مباشرة مع أهل العراق وقرروا أن يغزوها أولا بالطابور الخامس من مروجي الإشاعات وبث الفتن فاستأجروا من العراقيين أنفسهم والعرب أناسا أوكلوا لهم مهمة إشاعة قصص خياليه وأسطورية عن شجاعة الجندي التترى المغولي وضخامة جسمه، وقوة ساعدية، ووحشية بطشه .. حتى إذا ما أنتشرت هذه الأخبار، وتناقلتها المجالس كالنار والأسواق كالنار فى الهشيم كان أهالي بغداد قد هزموا نفسيا قبل الدخول فى أية مواجهات عسكرية قتاليه على أرض المعركة .. ويروي المؤرخون أن جيوش المغول التتار عندما غزت بغداد كان الجندي المغولي يطرق على الباب فيخرج له صاحب الدار فيطلب منه إحضار سيفه حتى إذا ماجاء به تناوله منه وقتله به ! وذلك كان بفعل الرهبه بسبب الإشاعات المسبقه اما الإشاعة في زمننا الحاضر فأصبحت علم تفرد له المؤسسات العسكرية إدارة خاصة بأسم الحرب النفسية، ليس مهمتها بث الإشاعات وحسب بل الأهم هو رصد الإشاعات، وتحليلها، وتعقب مصادرها ثم إعداد الخطط المناسبة لمواجهتها وصدها وتفنيدها. والخطأ الفادح الذي تقع به بعض الدول هو أن جهازها المنوط به رصد الإشاعات قد يكون ليس على دراية كامله بأليات تنفيذ مهامه وغير مؤهل كفاية، أو يعاني معاناة شديدة من ضعف في قيادته المركزية، أو الجهل بآليات تنسيق البيانات ومعالجتها، فيحدث ألا تدرك الإشاعة إلا في وقت متأخر، وبعد أن تكون أستفحلت في الوسط الشعبي وأنتشرت كسريان النار فى الهشيم ، وبدأت تأتي ثمارها، مما تصعب عملية مواجهتها تماما .. لكن في أحيان أخرى لا يكون الخلل في أجهزة الرصد وأنما بأجهزة تحليل الإشاعة وتقرير وتقدير سبل وأليات مكافحتها وهو ما ستترتب عنه ضلال الجهود لأهدافها الصحيحه ونجاح الإشاعة في خلق للرأي العام الذي تريده. وفي كل الأحوال فإن عامل الزمن مصيري جدا في مكافحة الإشاعات والخبرات الفنية حاسمة في تقرير مستوى الفاعلية، كما أن الأستعدادات المسبقة ونظام العمل تلعب أدوارا رئيسة في تحديد مستقبل المواجهة في الحرب النفسية. وفي مصر يأتي القلق الرسمي من الإشاعات مبررا، نظرا لمحاولة تجهيل المجتمع منذ أمد بعيد ولأرتفاع مستوى الأمية والجهل والفقر التي تعد البيئة الأوفر حظا لبث الإشاعات، علاوة على أن تقاليد المصريين تكفل فرصا أخرى لسهولة إذاعة أي خبر وتناقله في الأوساط الشعبية بخاصه.. كما أن حريات الصحافة تضاف إلى أسباب القلق حيث أن بعض الصحف لا ميثاق مهنى لديها ولا تلتزم بأخلاق مهنية راسخه ولا تحترم الثوابت الوطنية وعاجزة من تقدير مسئوليات الحالة التي تروج لها ولا تلتزم الحياد والجديه .. وفي جميع الحالات الآنفة ليس بوسع الدولة نشر الوعي بين ليلة وضحاها، ولا إغلاق المقاهى وأماكن التجمع ، ولا التراجع عن حريات الصحافة والتعبير،، وهو ما يجعل مهمة مكافحة الإشاعة معقدة وصعبة إلى درجة كبيرة.إذن تتحول المهمة إلى مسئولية وطنية مناطة بكل المخلصين الشرفاء من حملة الأقلام ـ سواء كانوا صحافيين أم أدباء ، أو معلمين، أو مثقفين بشكل عام إلى جانب السياسيين والعسكريين وغيرهم وبغض النظر عن أية انتماءات حزبية نظرا لكون الإشاعة غالبا ما تستهدف الوطن وليس شخصاً أو حزباً بعينه .. وغالباً ما تستهدف زعزعة الأستقرار الأجتماعي للبلد عبر أكاذيب وتزوير وتضليل للرأي العام، إذ أن الحقائق تفرض نفسها على أرض الواقع وليست بحاجة لمن يسوقها بإشاعات.. كما أن القوى الوطنية المخلصة لا تلجأ إلى أسلوب الإشاعات لتسريب بعض الآراء أو المواقف، والأحداث مادامت تمتلك مؤسسات دستورية تمنحها حق المساءلة والمحاسبة كما هو الحال مع مجلس النواب، وتمتلك صحافة حرة بوسعها طرح مالديها عبرها وتحمل مسئوليته و الجهل والفقر متأكده منه.إن الشرائح المثقالواعية مسئولة على فرض المنطق على أرضية الواقع اليومي وتحكيم العقل في كل مايتم تداوله بين عامة الناس وتفنيد كل قول غير سوي بالحجج والمنطق المقنع لتجنيب بسطاء الناس من الوقوع ضحية الإشاعات والأكاذيب .. وإننا عندما نخص الشرائح المثقفة والواعية بالمسئولية إنما لأنهم قادة الرأي ونخبة المجتمع المتميزة، أولأنهم الأكثر معرفة بما يعنيه غياب الأمن والأستقرار في مجتمع ما.. وما تعنيه الحياة عندما تحكمها الفوضى والشائعات المضللة.
#محمد_أبوالفضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التسلط آفة وحشية
-
دكتاتورية الشعوب
-
نهضة التعليم
المزيد.....
-
ترامب يريد معادن أوكرانيا الثمينة والنادرة مقابل الدعم المال
...
-
الصفدي يكشف عن رسالة لوزير الخارجية الأمريكي بشأن -حل الدولت
...
-
قاعدة عسكرية تركية وسط سوريا.. أنقرة ستوسع حضورها العسكري في
...
-
بعد سنوات في قيادة الناتو.. ينس ستولتنبرغ على رأس وزارة الم
...
-
شتاينماير يتفقد قوات بلاده في الأردن ويجري محادثات مع الملك
...
-
حاكم ولاية تكساس يوجّه الحرس الوطني بفرض قانون الهجرة على ال
...
-
بيدرسون يعلق على -نجاح المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا-
...
-
تحذير جديد.. ارتفاع -مقلق- في مستويات البلاستيك الدقيق داخل
...
-
بيسكوف: العالم يصبح متعدد الأقطاب ولا يمكن تجاهل ذلك
-
حل لغز الغبار المشع الذي جاء إلى أوروبا من إفريقيا
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|