آلاء نصّار
الحوار المتمدن-العدد: 6362 - 2019 / 9 / 27 - 09:17
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
كثرت موجات المطالبة بحقوق المرأة و مساواتها والرجل , و تزامن ذلك مع تصاعد أحداث كثيرة في منطقة الشرق الأوسط , فما إن فتحت جوالك صباحا حتى تتدفق أخبار الانتهاكات و الاغتيالات اللاإنسانية للنساء.
ووجود مثل هذه الحركات تنشط بالضرورة رداً على النساء اللوالتي يقدمن يومياً قرابيناً على مسامط الذبح الذكوري , أما عن الغريب في قياس الرأي العام هو وجود أشخاص لازالوا يدعون بأن هذه الحركة غربية صرفة باعتبارها أيديولوجية أجنبية مستوردة بل و راحوا في وصفها ( تقليعة جديدة ) أو ( هبّة ) و كأن للنسوية هوية إثنية معينة ! بل و كأن البنى البطريكية خاصية منفردة بقطر من العالم دون سواه , و من هذا التفكير الضحل أتت فكرة نبذ النسوية غير أن تاريخها يضرب في العالم الثالث منذ عقود حيث حظيت بدعم من الاصلاحيين رجالاً و نساء على حد سواء و لكن جهلنا بتاريخ بلداننا التي اختزلها تعليمنا البدائي بأرطغرل و المجازر العثمانية و عدة قصص متفرقة من هنا و هناك عن مواقع و معارك بين العرب و الفرس جعلنا نتوهم بأنها حركة حديثة صدرتها لنا نسويات الغرب عبر الانفتاح التكنولوجي الحاصل و تم ضمها الى نظرية المؤامرة التي تقتات عليها العقول الرافضة للتغيير .
و لكني لا أنكر بأن الاحتكاك بالغرب قد أعطى لهذه الحركات زخماً لكن هذا لا ينفي أصالتها في قطري الشرق الأدنى و الأقصى , و النسوية في كليهما مرتبطة بالقومية و الوطنية , فلا تجد حركات اصلاح نادت بالحرية و حفظ الحقوق إلا وجاءت مطالبةً بحقوق المرأة معها و سأقتبس هنا من توفيق حكمت (كاتب و ناشط تركي ) ما يلي : عندما يحط من مكانة المرأة , يحط من قدر الإنسانية .
قسمت (كوماري جياوارينا ) صاحبة كتاب النسوية و القومية في العالم الثالث دول الشرق الى قسمين حسب الأيديولوجية السائدة فجمعت تركيا و مصر و إيران في حراكها النسوي لسيادة الديانة الإسلامية في هذه البلدان ثم جمعت الهند و سيريلنكا ضمن البوذية و الهندوسية بتقاطعاطهما مع كل ما يتعلق بالمرأة , ثم انتقلت الى الشرق الأقصى كالصين و اليابان و كوريا باعتبار الكونفوشيوسية هي السائدة في ذلك الحين , أما فيتنام و الفلبين و إندونيسيا فقد تبعت الدول الأقوى من حيث التقسيم كالهند و الصين .
جياواردينا نسوية و أكاديمية ولدت في سيريلنكا عام 1931 و تنقلت من لندن الى باريس بعد إنهاء تعليمها الثانوي حتى حصلت على الدكتوراة عن أطروحتها في الحركة العمالية في (سيلان ) من مدرسة لندن للاقتصاد, و قد ركزت في كتابها على تركيا و مصر و إيران و تطرقت قليلا الى أفغانستان و سيريلنكا بالطبع و باقي دول الشرق الأقصى , معززة بذلك فكرة ارتباط الحراك النسوي بالقومي و مؤكدة على فكرة أصالة هذا الحراك الذي عززه الاحتكاك بالغرب .
و هذا الربط في طرحها لم يأت من فراع فبقدوم الرأسمالية تغير نظام المرأة الإجتماعي و صارت المرأة بذلك عمالة أرخص من وجهة نظر الرأسماليين و هذا الذي أدى الى الحراك النسوي المرتبط بالحركات الاجتماعية ككل .
و قد كان للأدب النسوي نشاط قديم في هذه البلدان كلها و قد نشرت اصدارات كثيرة أبتدؤها بالكاتبة التركية (فاطمة توبوز) أو كما تعرف بفاطمة علياء , حيث أنها كانت من أوائل النساء الاتي كتبن دفاعا عن حقوق المرأة و أنا هنا أتحدث عن عام 1988 , روائية تتحدث في تلك الحقبة عن النسوية في منطقية إسلامية منتقدة التقاليد القديمة التي تتعارض مع التطور و الحداثة و التي تهمش دور المرأة في نهضة مجتمعها .
و أظن بأني لو تحدثت بإسهاب عن الأعمال النسوية الأدبية المبكرة سأحتاج كتابا و ربما كتبا لعرض هذه الأعمال و مناقشتها إلا أنها في أغلبها ركزت على مفهوم ( المرأة الجديدة ) و قد حمل كتاب قاسم أمين في مصر هذا العنوان إضافة الى جمعية المرأة الجديدة التي تشكلت على أيدي نساء مصريات عام 1919 ,و اذا أردنا ذكر الأسماء على سبيل الأمثة لا الحصر من الشرق أقصاه و أدناه و ببحث بسيط عبر المصادر الموثوقة ستظهر لنا أسماء كثيرة الا أنها لم تحظى بالاعترافات الكافية و مع ذلك كان لها التأثير الكبير في وقتها كخانم آزامودة في ايران و جيوجين من الصين , هدى الشعرواي من مصر و لا ننسى مي زيادة و دفاعاتها عن حقوق المرأة , فالذات النسائية حاضرة منذ ما يقارب 60 الى 80 عام سابقة و هذه ليست موجة جديدة مستحدثة من نسويات الغرب , أما عن تأثرها بالغرب فهذا و مما لا شك فيه طبيعي , فقد ناقشت كوماري موضوع الغرب و الشرق في كتابها و الارتباطات بينهما و مسألة الاستعمار و سنجد بالتاللي بأن الامور متشابكة و لا يمكن الفصل بينها و من الطبيعي بان تأثير الغرب العقلاني و الوضعي مع ظهور العلمانية قد أثر في هذه المنطقة ككل , و لا يمكن فصل الكيان الغربي من ناحية الجذور عن هذا الكيان الشرقي , حتى أن اللغات الاوروبية كانت مرتبطة بالسنسكريتية كما ذكرت كوماري في كتابها محاولة توضيع فكرة أن البناء المعرفي للأمم مرتبط بشكل و أو بآخر و بأن هذا التشابك لا يمكن فصله بأي شكل من الأشكال و لكن هذه الدول التي تقع في الشرق كانت فريسة الاعتداءات الأجنبية من أجل مواردها الضخمة و كان ينظر لها دائما نظرة دونية و عندما تم استعمارها نهضت الحركات القومية جنبا الى جنب مع النسوية كردة فعل طبيعية , إلا أن الاصلاحات السطحية لم تفي بالغرض فقبل الاستعمار هناك سلالات حاكمة و معتقدات دينية تحكمت في المرأة على مدى قرون طويلة و بذلك صارت الإصلاحات الداخلية لازمة ,فازدهار الليبرالية و العلمانية في القرن 19 أدى الى المطالبة بإعادة تفسير النصوص الدينية و الحد من نفوذ رجال الدين و هذا الشيء يتكرر في وقتنا الحالي مرة أخرى فما كان يعتبر مقبولاً كحرق الأرملة بعد وفات زوجها مثلاً صار عملاً لا إنسانيا و منافيا للأخلاق و للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948, و أرى بأن النسوية يجب ألا تقتصر على مطالبات بحقوق مساواة هنا و هناك بل أعتقد بأننا في حاجة ماسة لإصلاحات جذرية تعالج التمييز و الى تكثيف وعي مجتمعي حقيقي , فلطالما كان لمحو الأمية و للحراكات الأدبية التي تعالج هذه القضية نتائج على المدى البعيد فالاصلاحات الداخلية تعد من وجهة نظري أهم بكثير من القشور و المطالبة بالمساواة فقط و كل الادعاءات التي تعادي هذه الإصلاحات كونها عملية تغريب للنساء عن دينهن و عن عاداتهن ستبوء بالفشل أمام هذا الإنفتاح المعلوماتي الضخم و الإحتكاك الكبير بالعالم من حولنا.
و مع ذلك تبقى النساء حتى وقتنا هذا أهدافاً للعنف الجسدي ما إن حاولن تجاهل العادات و التقاليد و المطالبة بحقوقهن الإنسانية , فقد شهدنا قبل قرابة عام من الآن مظاهرة نسائية في هوليوود تطالب بها أهم الممثلات العالميات بحقوقهن و رفض الإبتزاز الجنسي و المساواة في الأجور و هذا إن دل فيدل على شيء واحد فقط أن العقل الجمعي لازال يرى المرأة شيئا منذ تحول المجتمعات من أمميمة الى أبوية .
في النهاية نستطيع أن نتبع خطى من أعادوا تفسير حرق الارملة و من جعلوا النصوص تعمل عملاً جديداً و هذا على أقل تقدير , فالجميع اليوم يتحدث عن التمكين و يسلط الضوء على بهرجة إعلامية توحي للغرب – الذي يهمنا رأيه بالدرجة الأولى _ بأن حال المراة قد تغير و لكننا نعلم يقيناً تاماً بأنها لا تزال أسيرة عادة و مجتمع تحمل في جسدها شرف قبيلة و تقوض حريتها في التعليم الى يومنا هذا بدافع (عيب ) و ( حرام ) .
و لأكن أقل تشاؤمية فهناك بصيص أمل جيد و جديد عبر الحراك الإلكتروني الذي يتزايد مع كل ضحية تعنيف و جريمة شرف و زواج قاصرة في دول العالم الثالث و لكن هذا لا يكفي مادام القانون ينكمش أمام حكم العشيرة و سطوة العادات و التقاليد , فمن عروض الجمباز عام 1929 في مصر و من لطيفة النادي كأول إمراة تطير منفردة في عام 1934 الى ضحايا الشرف عام 2019 .
في النهاية أود ذكر الدكتورة العظيمة نوال السعداوي التي أشعلت أول شرارة للنسوية في حياتي و التي أعتز بها كامرأة شرقية واجهت رجال الدين و السلطة بكل جسارة و احترام , واجهتهم بعقلها و أدبها و كتبها لا بالصراخ و الهيمنية و (البلطجة ).
هي التي غيرت مفهوم الشرف لدي في وقت مبكر جداً في حياتي فعلمتني أن كلمة المرأة شرف و عملها شرف و استقلالها المادي هو الشرف الحقيقي الذي ينبغي أن تسعى له , فقد عالجت السعداوي جيلاً كاملا بالصدمة و تم توجيه إتهامات تكفيرية كثيرة لها عندما تعارضت مصالح الذكورية الضاربة في مجتمعاتنا مع أفكارها النيرة التي طالبت بالإصلاح الداخلي و أتمنى أن نطالب جميعنا بذلك قبل المطالبة بالقشور .
#آلاء_نصّار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟