|
اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 2-2
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1553 - 2006 / 5 / 17 - 03:54
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
وتعتبر اتفاقية نافتا النموذج الذي تسير عليه أميركا في اتفاقياتها مع الدول الاخرى كما يقول الصحفي المتخصص بشؤون التجارة والاقتصاد بواشنطن وهو محرر التجارة العالمية والمال بوكالة أنباء IBS: "تتعمد بنود الاتفاقية إهمال العمال وظروفهم. فعلى سبيل المثال، تقوم الشركات الكبيرة بنقل المشروعات والوظائف من الدول التي تدفع مرتبات كبيرة إلى الدول التي تدفع مرتبات أقل حيث الإنتاج سيكون ارخص للشركات الدولية التي لا تهتم بوضع الاتحادات العمالية أو حقوق العمال، بل تهتم بالأرباح. ويعرف هذا النمط من نقل الشركات والمصانع إلى الدول الأرخص باسم "السباق إلى القاع". ويدلل مكي على أن وظائف اتفاقات التجارة الحرة لا تدوم إلا لسنوات قليلة، بأن معظم المصانع التي فتحت في مناطق تسمى "الماكيلادورا" بالمكسيك، وهي تشبه مناطق "الكويز" المصرية الإسرائيلية، تحت بنود "نافتا"، نقلت مصانعها إلى الصين والهند حيث العمالة ارخص. وعادت مشكلة البطالة إلى حالها . أما بالنسبة للأردن فعلى الرغم من الادعاء بنجاح نموذج المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، فإن مراجعة اقتصادية لأوضاع الأردن صدرت عن البنك الدولي في سبتمبر2004 قالت"ما زالت معدلات البطالة عند نسبة 15%، ونسبة العمل في وظائف أقل من المؤهلات مرتفعة، وبقيت بؤر الفقر المدقع على حالها".
استفحال الفجوة أضف إلى ذلك أن عدم التكافؤ في المنافسة ما بين المُنتِج المحلي والمستثمر المحلي وما بين سوق ضخمة ومنتِج قوي جداً سيصب لا شك في مصلحة الاقتصاد الأقوى على حساب الاقتصاد النامي كما هو الحال في مجتمعاتنا العربية، فتصور منافسة حرة دون حماية الدولة يعني كارثة بكل المقاييس على قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي. ولعل هذا ما توضحه نصيحة البنك الدولي قبل أيام لبلدان مجلس التعاون الخليجي، "بالتركيز على مجالات التجارة وعدم توجيه استثماراتهم الضخمة إلى مجالات مكلفة مثل لبنية التحتية والإنتاج الصناعي"؛ وهي نصيحة لا يخفى على أي منصف مدى إجحافها ومجافاتها للعدل. حيث تسعى إلى الإبقاء على اقتصادات دول مازالت في طور النمو ضمن إطار النشاط التجاري فقط، دون الاحتياط لتقلبات أسواق النفط أو حتى لحقيقة كونه موردا قابلا للنفاد، بتنويع مصادر الدخل عبر إقامة أنشطة مختلفة صناعية وزراعية تستلزم إنشاء بنى تحتية قوية. وهو ما تؤكده مؤسسة "Global Exchanging" التي أوضحت أن استمرار التركيز على نشاط المضاربات في رأس المال في الدول النامية وبدون مراقبة رأس المال الأجنبي، يؤدي إلى استمرار تبعية دول العالم الثالث للدول الصناعية الكبرى في الغرب واستفحال الفجوة باستمرار بين الأغنياء والفقراء. وهو الأمر الذي يؤكده الدكتور طاهر كنعان نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط الأردني الأسبق في حوار نشر على موقع الجزيرة نت: "حين ترفع الحواجز الجمركية بين دولتين أو أكثر وهما غير متكافئتين في مستواهما التنموي فالفوائد تكون منحازة إلى الدولة الأقوى على حساب الدولة الأضعف اقتصاديا." ولا شك أن الأقوى هنا أثبتت في أكثر من مناسبة أنها لا تفعل إلا ما يحقق مصالحها (أو بالأحرى مصالح القوى الاحتكارية المسيطرة على اقتصادها)، وفي سبيل ذلك فهي التي تتولى وضع القواعد، التي لا تسمح للآخرين بالخروج عليها أو حتى التململ من إجحافها، بينما تترك لنفسها الحق في الخروج عن هذه القواعد وقتما شاءت. وهو ما دفع منظمة "هيومان رايتس ووتش" للقول في رسالة أرسلتها في فبراير 2004 إلى المندوب التجاري للولايات المتحدة " كما تجلّى في المفاوضات التي أحاطت باتفاقية منطقة التجارة الحرة للأميركيتين، واتفاقية التجارة الحرة لأميريكا الوسطى، وفي اتفاقيات تجارية أخرى، يبدو أن الولايات المتحدة تنفرد باستخدامها لسلطتها التجارية في تقويض الإنجازات التي تحققت في الدوحة. " تعليقا على التعسف الأمريكي في التشديد في مشاورات اتفاقية التجارة الحرة مع المغرب على البند الخاص بحقوق الملكية الفكرية في الأبحاث والمنتجات العلمية وهو ما يؤثر بشكل خاص على مجال تصنيع الدواء فالاتفاقيات تمنع الشركات المحلية من إنتاج تلك الأدوية لفترة قد تزيد عن 20 سنة، مما يجعل الشركات الأميركية تتحكم في الأسعار، الأمر الذي يهدد صناعة صناعة الدواء القومية ويمنع الأدوية من الوصول إلى الطبقات الفقيرة. وقالت المنظمة في خطابها ” أكدت الولايات المتحدة في الاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية الذي عُقد في العاصمة القطرية، الدوحة، في العام 2001، على حق أعضاء منظمة التجارة العالمية أن يستخدموا "للحد الأقصى" شروط الاتفاقية المنبثقة عن منظمة التجارة العالمية، حول الجوانب التجارية في حقوق الملكية الفكرية (اتفاقية TRIPS)، والتي تُتيح للأعضاء مرونة تهدف إلى تحسين إمكانية الوصول للأدوية الأساسية. وتتضمن هذه الشروط، الحق في الحصول على تراخيص إلزامية لتصنيع نسخ عن الأدوية المشهورة، والحق في تحديد الظروف التي تُشكّل حالة طوارئ وطنية، وحريةّ تأسيس نظام وطني للتحرّر من التزامات حقوق براءة الاختراع (إعلان الدوحة، البند رقم 5). إن الإعلان واضح بخصوص هذه المرونة التي تتيح لبلدان مثل المغرب، التصدي لأي تهديد طارئ للصحة العامة. علماً بأنه حسب تقديرات السلطات المغربية يوجد ما يقارب 16ألف مصاب بمرض الإيدز في المغرب." ولعل في هذا أبرز مثال على "وحشية" تلك التجارة "الحرة" التي تتيح للأغنياء "حرية" التحكم في حصول الفقراء على علاج يخفف عنهم شراسة أمراض خطيرة. أضف إلى ذلك أن الاتفاقيات التجارية مع أمريكا تفرض عدم تفضيل الشركات المحلية حتى في التوريدات الحكومية والمناقصات والعطاءات الرسمية. ويتم منع الحكومات من فرض أية مواصفات فنية في العقود العامة إذا رأت فيها أميركا وشركاتها إن هذه المواصفات قد تمثل "عائقا غير ضروري". وعلى صعيد الاحتياجات الأساسية للمواطن العربي العادي، تشكل هذه الاتفاقيات تهديدا كبيرا لقدراته الاستهلاكية؛ حيث تتيح للشركات امتيازات تمكنها مقاضاة الدول مباشرة ومطالبتها بتعويضات إذا طبقت الحكومة قانونا محليا ترى فيه الشركة تهديدا لأرباحها. كما تتطلب هذه الاتفاقيات خصخصة الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية. فضلا عن الكهرباء والمياه والمواصلات وغيرها؛ مما يعني أعباء إضافية على كاهل المواطنين. ولا يسمح للدول النامية برفض استيراد المنتجات الغذائية الأمريكية المعدلة وراثيا، التي لا يمكن تصريفها في السوق الأوروبية لعدم تأكد سلامتها للاستخدام البشري. وتعمل الشركات الأمريكية المنتجة للحبوب الزراعية المعدلة وراثيا على الترويج لاستخدام حبوبها، وعدم استخدام الطريقة التقليدية بادخار بعض الحبوب والبذور من محصول العام الحالي للعام المقبل. لكل هذه الأسباب، لا يمكننا إلا أن نتفق مع قول الدكتور طاهر كنعان "إن الضرر الأساسي سيلحق بتماسك المنطقة العربية كإقليم جغرافي- سياسي تربط بين دوله مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة حتى لو تجاوزنا الرابطة القومية...هنا ستكون العلاقات بين كل بلد في المنطقة العربية وبين المركز الصناعي سواء الأوروبي أو الأميركي وليس مع أقطار المنطقة العربية ذاتها، وهذا أصفه بأنه بعثرة للتكامل الاقتصادي العربي ويأتي على حساب تماسك المنطقة وهويتها.
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اتفاقيات التجارة الحرة مع أمريكا داء أم دواء؟ 1 2
-
الشهيد المسيحي الذي قتلناه
-
الملف النووي ..اختبار جديد للقطبية الأحادية
-
نهب الماضي والحاضر واغتيال المستقبل (2-2) العراق مجرد بداية
-
.نهب الماضي والحاضر واغتيال المستقبل (1-2) العراق مجرد بداية
-
(عن -الديمقراطية الأمريكية- و دور الدولة.. وأمور أخرى (2-2
-
عن -الديمقراطية الأمريكية- و دور الدولة.. وأمور أخرى1-2
-
مطلوب عملاء سوريين والأموال جاهزة...2_ 2 .. المجتمع المدني ك
...
-
الضغوط على سوريا خطوة على طريق الشرق الأوسط الكبير.. مطلوب ع
...
-
يهدد المنافسين ويؤدب الخارجين عن الطاعة ..البترول سلاح روسي
...
-
التحديات الاقتصادية والضغوط الخارجية تضع شعاراتها على المحك.
...
-
مسمار جديد في نعش نظام القطب الأوحد.. أمريكا اللاتينية تعيد
...
-
إرهاصات نظام عالمي جديد.. خطر من الشرق يهدد الهيمنة الأمريكي
...
-
صرعة المضاربة في البورصات العربية.. مخاطر وتداعيات
-
مخططات الخام.. اتعظوا يا أولي الألباب
-
يافقراء العالم اتحدوا ..أو موتوا
-
العولمة المتوحشة ومأزق الدولة القومية
-
من بوليفيا .. إلى أبوظبي.. درس من العيار الثقيل
-
أيتها الحرية.. كم من الجرائم ترتكب باسمك!!
-
نبوءة -شافيز- وصدمة النفط الجديدة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|