|
الفلسفة في تجربتي الأدبية
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 6355 - 2019 / 9 / 19 - 02:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة :
في طفولتي اصطحبني أبي معه إلى القدس ، ليريني الصخرة التي طارت لتلحق بالنبي محمد حين عرج إلى السماء، فهتف النبي لها قائلا " اهدأي يا مباركة" فتوقفت، وظلت معلقة بين السماء والأرض إلى يومنا.. ورغم أنني لم أر الصخرة طائرة وأنا أدور حولها مع أبي ، إلا أنني لم أشك اطلاقا في قول أبي . نموت وسط هذا النوع من المفاهيم الدينية ، دون أن يراودني شك في صحتها ، رغم اصطدامي بشكل شبه يومي بما يتناقض مع تعاليمها وشرائعها .. ولم أعرف أنها ستكون مصدر قلقي، حين بدأت أفكر بجدية في الطريق الذي سأسلكه لرسم مستقبل حياتي ، بحيث لا تكاد تخلو قصة أو رواية لي مما كتبته خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من هذا القلق ، الذي انعكس بصور مختلفة ، في الوقت الذي كنت افكر فيه بمشروعي الثقافي الذي سأنتهي إليه ، والذي كانت أعباء الحياة تحيل دون الشروع فيه . فهناك مسألة العيش التي لم أجد إلا الصحافة ومن ثم الرسم للجوء إليهما ، وقد أخذ هذان الكثير من الوقت ، إضافة إلى القضية الفلسطينية التي كانت معظم قصصي ورواياتي تدور حولها .. كروايات الأرض الحرام ، والأرض المغتصبة ، والهجرة إلى الجحيم إضافة إلى ثلاث مجموعات قصصية ، وروايتين وبعض القصص مما لم ينشر ورقيا حتى اليوم لأسباب رقابية مختلفة !! هذا الواقع دفعني لأن أشعر بأن الزمن يطوي سني عمري، دون أن أبدأ العمل في مشروعي الثقافي الذي أفكر فيه . كنت في أوائل التسعينيات قد هجرت العمل في الصحافة على أثر توريطي في فتح محل لبيع البالة ! ولم أكن قد احترفت الرسم الذي كان هوايتي.. شعرت بعد أكثر من عامين في بيع البالة أنني أضيع نفسي وأقتل الطموح الذي أحمله في داخلي، فكنت أمام خيارين : إما أن أحرق نفسي أو أحرق البالة ، فحرقت البالة . في الوقت الذي كانت تتأجج في دخيلتي شهوة طاغية لأن أشرع في كتابة مشروعي، الذي كانت خيوطه ترتسم في مخيلتي لأكثر من أربعة عقود . أخذت دفترا وقلما ، واستلقيت بطنا على السرير. شحذت دماغي لأجد نفسي أكتب " حين عزم الأديب لقمان على الانتحار- قبل أن يغدو ملكا – لم يخبر أحدا بنيته ، ألقى نظرة عابرة على أفراد أسرته ، وحياهم بحركة بطيئة من يده ،وخرج دون أن يتفوه بكلمة " ولم أعرف حينها أن هذا المدخل سيدفعني إلى البحث عن الله لما يقرب من عام، عبر نص ملحمي زادت كلماته على مائة وخمسين ألف كلمة . ولم أعرف أنه سيكون مدخلا لأربعة أعمال ملحمية أخرى ، إضافة إلى آلاف المقالات والمقولات والأبحاث التي أحقق فيها مشروعي الثقافي، مقدما فهمي للألوهة والغاية من الوجود ، والوجود الانساني بشكل خاص . ولا أظن أن الأمرسيتوقف عند هذا الحد .. فما يزال الأمر يشغل فكري. لم يكن الملك لقمان الملحد أو شبه الملحد فاقدا للأمل بأن يكون هناك إله ، فهو ما يزال هذا الطفل الذي لم يشك إطلاقا في أن الصخرة طائرة رغم أنه دارحولها على الأرض وليس في السماء. ففي نهاية الجزء الأول من الملحمة يأتي الملك إلى جهنم على كوكب في السماء ، أقامها دكتاتور يدعي الألوهة ، يحرق فيها معارضيه ، وعدم المؤمنين به . كانت جهنم عبارة عن محيط من الحمم البركانية تصب فيه مجموعة من الأنهار البركانية تنحدر إليه من قمم وسفوح جبال وهضاب محيطة به على مسافات متباعدة .. وكان ملايين المعذبين والمعذبات يصطفون في طوابيرأعالي الجروف المحيطة بالمحيط الجهنمي ، ويقوم جلاوزة الدكتاتور بإلقائهم في المحيط الهادر بالحمم . يوقف الملك لقمان بمساعدة الجن عمل الجلاوزة، ويهبط من السماء مستعرضا طوابيرالمعذبين، ليتوقف أمام طابورأطفال، تتقدمه أختان تحمل إحداهما الأخرى. يحرق الدكتاتور الأطفال بعد أن أحرق أهلهم خوفا من أن ينتقموا لآبائهم في المستقبل . يأخذ الملك الطفلة المحمولة ( نسمة) من حضن أختها ويحلق بها في السماء ، فيما تحمل زوجته "نور السماء "أختها وتحلق بها . يعد الملك الطفلة بعدم الحرق ويطلب إليها أن تختار هدية مما يمكنه أن يقدمه لها ، فهو لديه هدايا كثيرة من العرائس إلى الخيول وما إلى ذلك . راحت الطفلة تستعرض الهدايا في مخيلتها وهي تجوب بنظراتها الفضاء من حولها وجهنم وملايين البشر من تحتها ، وما لبثت أن هتفت : ما بدي هدايا بدي بابا وماما ! وهنا شعر الطفل الذي غدا ملكا أن يضع حدا لقصة الصخرة المحيرة ، بل وحداً لأمله بوجود إله ، فإما أن يكون هناك إله ، أو لا يكون، إن طارت الصخرة أو ظلت جاثمة على الأرض، فهتف مناشدا الله من أعماق دخيلته " إلهي ما قطعت ملايين السنين الضوئية إلا ويحدوني أمل أنك موجود ، فإن كنت موجودا أعد الحياة لكل من أحرق في جهنم هذه " احتشد ملايين الجن من حوله بعد أن سمعوا استغاثته ، وراحوا يناشدون الله بدورهم ولم تمر سوى لحظات حتى قامت القيامة، وبدأت البراكين تقذف ماءً فراتا يطارد الحمم الملتهبة ، ويطفئ نيران الجحيم المتأججة في المحيط الجهنمي. علا الدخان وارتفع من جراء إطفاء الحمم الملتهبة ، وتعالت أصوات الجن بالصراخ ، وأصوات الملايين من البشر بالعويل والملك والملكة يحلقان عاليا بالطفلتين .. تحولت مياه المحيط إلى مياه عذبة . شاهد الملك أجساما بشرية تتخبط فيها .. صرخ الملك بالجن أن ينقذوا البشر .. فشرعوا في انقاذهم والتحليق بهم في الفضاء، ليعج بأجساد الملايين الذين أعيدوا إلى الحياة . هتفت الطفلة وهي تجوب بنظراتها البشر المحلقين من حولها: إلى أين تأخذني يا عماه . هتف الملك : إلى ماما وبابا يا حبيبتي. هيا ابحثي معي عنهم . تابعت نسمة البحث بين الجموع إلى أن شاهدت أمها ، فهتفت " ماما " وشاهدت أختها الأب فهتفت " بابا " أسلم الملك لقمان نسمة إلى حضن أمها ، وأسلمت الملكة نورالسماء أختها إلى حضن أبيها .. هبط الملك لقمان إلى الأرض وجثا على ركبتيه وشخص بعينيه إلى السماء، ليهبط خلفه الملايين ويجثون على الأرض. وحين خفض بصره خفض الملايين أبصارهم ،وراحت العيون ، كل العيون ، عيون الإنس والجن ، ترنو إليه آملة كلمة منه . هتف الملك وعيناه تغرورقان بالدموع " حين لا يكون هناك إله فليس ثمة إلا الله " وإن شئتم "حين لا تكون هناك صخرة طائرة فليس ثمة إلا صخرة طائرة " ***** أرسلت مخطوط الرواية إلى بعض دور النشر التي يمكن أن تنشر أدبا كهذا .. لم توافق أي دار على النشر. أحبطت. كنت ما أزال واقعا تحت تأثير الإلهام الذي كتبت خلاله الرواية . ولم أجد نفسي إلا وأنا أشرع في كتابة ملحمة شعرية غنائية نثرية بعنوان " غوايات شيطانية .. سهرة مع ابليس" يدعو فيها الشيطان أديبا فقيرا إلى حفل رأس السنة في قصره السماوي ! تخرج الأمور من يد الشيطان ويد الملكة الشيطانة التي عشقها الأديب ، حين أحال الله الأديب إلى طفل واتخذه ابنا له .. أقيم للطفل معراج في السماء شارك فيه الكون والكائنات .. لم أستطع التخلص من حالة الإلهام ، ولا أعرف كيف وجدت نفسي أشرع في نقد ديوان محمود درويش " لماذا تركت الحصان وحيدا" نقدت بعض القصائد شعرا ، بعد مقدمة شعرية أعاتب فيها محمود على ما جرى بيننا خلال ندوة أدبية في المغرب عام 1983. بدأ حصار الفقر يشتد علي حين لم أجد من ينشر لي شيئا من أدبي الجديد . ودخلي الشهري من تنظيم فلسطيني انتميت إليه مقاتلا منذ عام 1968 لا يتجاوزما يعادل تسعين دولارا .. ولم أرغب في البحث عن عمل في صحيفة ما أو أن أكتب بشكل حر. وذات صباح حين كنت أخربش لوحة على صفحة في دفتر رسم ، خاطرني هاجس، أن أحترف الرسم .. " يا إلهي هل أحترف الرسم في هذا العمر" ؟! أصر هاجسي ، فوافقت .. أغلقت الباب علي لما يقرب من ثمانية أشهر . وأقمت أول معرض لي في المركز الثقافي الروسي عام1995. تحت عنوان " ألوان من السماء. المعرض التجريبي الأول لمدرسة الصوفية الحديثة " كانت خسارتي في المعرض فادحة فلم أحصل على ربع ثمن البراويز .. وأوقف التظيم صرف راتبي البائس بحجة أنني أستطيع أن أعيش بشكل جيد من الرسم .. هاجمني شيطان الأدب والشعر من جديد .. تخلصت منه بكتابة " رسائل حب إلى ميلينا " في الوقت الذي كنت أعرض فيه لوحاتي في أي مكان يتاح لي ، حتى على الأرصفة . بعت أول لوحة على الرصيف ليهودي دمشقي بسعر خمسة عشر ألف ليرة سورية . مع أن سعرها ثلاثة أضعاف هذا الرقم . عانيت لما يقرب من ثلاثة أعوام . مرت علي أيام لم أجد ما اقتات عليه غير العدس. ولم تفرج إلا بعد أن اتفقت مع مقهى النوفرة في دمشق القديمة لأعرض لوحاتي فيه بشكل دائم .. أمضيت في المقهى ستة أعوام . انتشرت لوحاتي منه في أكثر من ثمانين بلدا في العالم .. ودعيت عام 98 إلى جامعة ألمانية لتدريس طريقتي في الرسم لطلاب من أروبا.. أخذت معي ما يقرب من مائتي لوحة صغيرة ومتوسطة تركتها بعد الدورة لدى السيدة التي دعتني إلى الجامعة، كما تركت لديها نسختين من روايتي الملك لقمان وغوايات شيطانية لعرضهما على دار الجمل في ألمانيا .. أقامت السيدة معرضين ببعض اللوحات ولم ترسل لي إلا مائتي مارك . كما أنها ترجمت الجزء الأول من غوايات شيطانية إلى الألمانية .. ولم ترسل لي شيئا أيضا .. وكانت النتيجة أن استولت على كل شيء ، لأنني لم أوافق على إقامة علاقة غرامية معها .. عام 2000 أقمت معرضا في برلين .. وعام 2002 أقمت معرضين في باريس ورين .. وأقام أصدقاء معارض لي في بلدان مختلفة في العالم ... أصبح دخلي من الرسم جيدا .. تركت النوفرة .. واستأجرت محلا ثم محلين فيما بعد .. الرسم أخذ كل وقتي ولم أعد أفكر في الأدب إلا نادرا .. في عام 2002 بدأت رحلتي مع الانترنت.. فبدأت بنشر بعض أفكاري في المنتديات .. عام 2008 زارني ناشر صديق في معرضي في دمشق ، ووافق على نشر الملك لقمان وغوايات شيطانية بعد قرابة خمسة عشر عاما من كتابتهما .. كانت فرحتي بنشرهما أكبر من أن توصف . وكنت أبيع الترجمة الألمانية من غوايات شيطانية في معرضي . بعت منها الكثير لمتحدثي الألمانية .. إضافة إلى رواية الأرض الحرام التي كانت قد ترجمت إلى التركية . جاءت الأزمة السورية عام 2011 لتدفعني إلى مغادرة دمشق .. تاركا هناك بيتي، وتعب العمر كله، من لوحات ومنحوتات وتحف ومخطوطات ومكتبة ضخمة . كان سوق الرسم في عمان شبه ميت . فمن خمسة معارض أقمتها في عمان إضافة إلى مبيعات متفرقة لم أبع بأكثر من عشرة آلاف دينار في سبعة أعوام . غير أن هذه الأعوام كان فيها من المتسع ما يكفي لإكمال مشروعي الثقافي الفلسفي في وحدة الوجود. فنشرت ستة كتب منها أربعة كتب تتعلق بالمشروع بشكل مباشر، وأقصد روايات : أديب في الجنة ، عديقي اليهودي، زمن الخراب ، وبحث أيوب التوراتي وفاوست غوته. إضافة إلى أكثر من 1400 مقال ومقولة وبحث . نشرت معظمها على شبكة النت في كتب الكترونية بعد أن نشرتها متفرقة . ومن أهمها قراءة العهد القديم ( التوراة ) في عشرة أجزاء. وألوهة المسيح وفلسفة الألوهة . وأقوال ومقالات في الخالق والخلق ( خمسة أجزاء ) و تحولات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة . ودفاعا عن محمد ،وغيرها. *******
( ا) مذهب وحدة الوجود. لن أدخل في التفاصيل الفنية في الروايات التي أتاحت لي ولوج عالم الفلسفة بشكل مباشر ، فمعظمها كان يدورعبر حوارات بين أبطال مثقفين أو لديهم رؤى فلسفية أو معتقدات دينية .. وسأتطرق إلى أهم ما خلصت إليه في مذهب وحدة الوجود ، عبرمنهج اتبعت فيه ما توصل إليه العلم وبشكل خاص علوم الفيزياء ، إضافة إلى الفكر الفلسفي المادي وخاصة في المنطق والاستدلال ، والفكرالصوفي في تأملاته واجتهاداته ، والتصوف في بعض المعتقدات الشرقية، ورؤية الوجود في بعض المعتقدات المادية أو شبه المادية ، كالتاوية والجاينية والشنتوية ، والبوذية ،إضافة إلى تأملاتي واجتهاداتي الشخصية . ***** مذهب وحدة الوجود . مذهب صوفي فلسفي يرى أن الوجود واحد وليس وجودين: ( خالق ومخلوق) فليس في الوجود إلا الله . غير أن هذا الفهم يختلف من مدرسة إلى أخرى ، بين أن يكون الوجود تجليّاً لذات إلهية منفصلة عنه ، أو ذات إلهية مجسدة فيه دون انفصال . وبين أن يكون الوجود بحد ذاته يحمل صفة ألوهية ، أو لا يحمل . أي أن الوجود في هذه الحال أوجد نفسه بنفسه دون ألوهية ما . وهو وجود مادي مكون من مادة وطاقة ولا شيء غير ذلك . وهو موجود منذ الأزل ويخلق نفسه بنفسه عبر عملية خلق تتطور باستمرارمنذ قرابة أربعة عشر مليار عام ، وما تزال تتطور. وثمة مفاهيم أخرى حديثة للمذهب كأن يكون الوجود وهميا أو افتراضيا أوهولوغراميا ، أي مجرد صورة ليزرية ثلاثية الأبعاد ، وثمة نظرية أخرى ترى أن الوجود يقوم على أوتار! ولو أنني أردت أن استبق الحدود الدنيا من التحليل التي سأقدم عليها ، لاقدم مفهومي، لقلت كما كنت أردد دائما حول مفهوم الوجود والغاية منه : الوجود أوجد نفسه بنفسه لنفسه منذ الأزل ، وما زال يوجد نفسه بنفسه لنفسه ويطورها، إلى أن تتحقق الغاية التي وجد من أجلها وهي بناء حضارة انسانية عظيمة تتحقق فيها قيم الخير والعدل والمحبة والجمال. وأن أسمى خلق حققه لذاته هو الخلق الانساني الذي ستتحقق بعمله القيم والحضارة المشار إليهما . أما عن مسألة أن يرى الوجود في ذاته ألوهة ، أو ما هو أعظم من الألوهة، فإن مفردات مثل الله أو الرب أو الخالق ، أو القائم بالخلق ، أو المطلق الأزلي ، قد لا تفيه حقه ! ولا تعبرعنه، فهي فيما يتعلق برؤيتي مفردات أوجدها العقل البشري ( المتصل بعقله الكوني والذي هو جزء من عقله ) بعد اختراع اللغة ، كما أوجد الألوهة نفسها. وقد تُقبل بإطلاقها على الوجود كمرحلة من مراحل فهم الوجود لذاته . غير أن الذي لا يقبل، هو وجود شرائع ما لإله ما أو معتقد ما، لا يتقبلها الوجود، والعقل المتحضر المعاصر . فالمشكلة الأكبر ليست في وجود إله أو عدم وجوده ، بل في إله له غايات وتشريعات ومفاهيم مختلفة، تتناقض بالمطلق مع الخير والعدل والمحبة والجمال . فالألوهة – إن جاز اطلاقها على الوجود - في رؤيتي الوجودية المجسدة في الوجود بكل كائناته : خير مطلق . محبة مطلقة . عدل مطلق، وجمال مطلق . وتسمو بالمطلق أيضا على أي نوازع شرانية أو عدوانية، فلا تنتقم ولا تحاسب ولا تعاقب وليس لديها جهنم كما ليس لديها جنة . ولا تريد أية عبادات على الإطلاق غيرعمل الخير وبناء الحضارة الانسانية. وهذه المسائل أي التشريعات هي أيضا من المسائل التي اختلف عليها المتصوفة . فمنهم من أبقى عليها في فهمه ومنهم من رفضها. فابن عربي على سبيل المثال ، رغم إيغاله إلى أبعد الحدود في فهم الألوهة وتشريعاتها ، إلا أنه أبقى على التشريعات والمفاهيم كلها، حتى الجنة والنار والحساب والعقاب. وإن اعتبر أن رحمة الله ستطال جميع البشر في النهاية مهما كان مذهبهم . وابن عربي يعتبر نفسه أحد حملة العرش الإلهي ، وخاتم الولاية المحمدية وأحد أركان الحجر الأسود . وأوغل بعيدا في فهم شخصية النبي محمد بأن جعل لها وجودين ، وجود تاريخي يبدأ مع ولادته وبدء رسالته ، ووجود يكاد يكون في الألوهة نفسها منذ الأزل ، أي قبل عملية الخلق ، عبر عنها ابن عربي " بالحقيقة المحمدية " أي الكلمة اللوغوس التي خلق بها الله الخلق. استنادا إلى حديث منسوب إلى النبي يقول " كنت نبياً وآدم بين الماء والطين " وثمة اختلافات أخرى بين المتصوفة حول مفهوم التوحد بالألوهة . فكثيرون يرون الله متجليا في شخوصهم دون غيرهم، كالحلاج والبسطامي وغيرهما كثيرون ، وآخرون يرون تجسد الله في كل انسان دون تمييز . وهذا الفهم شبه سائد في التصوف الإسلامي ، أي أن الله مجسد في كل انسان .. وحسب هذا الفهم قد لا يشمل تجسد الله الكائنات الأخرى الحيوانية والنباتية .. ابن عربي لا يتفق مع هذا الفهم ، فالله عنده منزه عن الوجود رغم تجليه فيه .. يفسر حسين مروة في كتابه " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " هذا التنزيه بأنه كوقوف انسان أمام مرآة وانعكاس صورته فيها ، فما نراه ليس إلا انعكاس الصورة في المرآة، وما نراه في ما يتعلق بالوجود الإلهي ، ليس إلا انعكاس تجلي الذات الإلهية في مرأة الوجود ، ولا نرى الله نفسه . في فهمنا نحن: الخالق طاقة سارية في الخلق ومتجسدة فيه . أي أنه يقبل حالين ، السريان كطاقة في الكون والكائنات ، والتجسد فيهما كمادة . ومسألة السريان هذه يأخذ بها ابن عربي إنما كحقيقة إلهية . يقول ما معناه " لا يسري في الكون من أعلاه إلى أدناه إلا الحقيقة الإلهية " وربما لو كان مفهوم الطاقة معروفا أو متبلورا في زمن ابن عربي ، لربما أخذ به ووظفه بدلا من مفردة الحقيقة الإلهية . بناء على فهمنا ليس من حق أي كائن في الوجود مهما كان أن يقول، أنا الله ، أو أنا الخالق ، أوأنا القائم بالخلق، أو أنا الوجود ، أو أنا المطلق الأزلي ، أو حتى أن يقول أنا الطاقة أو أنا طاقة الخلق ،أوأنا المادة.. فطاقة الخلق تسري في الكون كله من أصغر جسيم في الوجود مرورا بأصغر خلية وانتهاء بأكبر مجرة . وتتجسد كمادة في الكائنات كلها وليس من حق أحد أو كائن أن يدعيها ، كل ما هو من حقه أن يدعيه ، أنه جزء صغير جدا من وجود كوني واحد يسري فيه ما يسري في الوجود كله ،ويتجسد فيه ما يتجسد في الوجود كله . ويمكن أن يكون للوجود وحده الحق في أن يقول : أنا الوجود ، أو أنا الله . أو أنا الخالق . أو انا المطلق الأزلي . أو أنا الطاقة الخالقة. سأكتفي بهذا القدر من الحديث عن فهمي لمذهب وحدة الوجود . وقد حاولت قدر الامكان أن أتطرق إلى فهمي للمذهب، وفيه ما يختلف عن جميع مذاهب وحدة الوجود . فهو بالنسبة إلي فهم مادي ( علمي) روحي ! لذلك أطلق عليه: المادية الروحية . والصوفية الحديثة ، أو مذهب وحدة الوجود الحديث. كفهم مادي روحي حديث.
(2) في فهم الألوهة، والوجود من العدم . في الحقيقة لا أعرف من أين جاءت مسألة الخلق من عدم من قبل إله كان موجودا في العدم. فالخلق في المعتقدات السماوية جاء من الماء " وجعلنا من الماء كل شيء حيّا" والله نفسه حسب قول منسوب إلى النبي محمد حين سئل عن وجود الله قبل الخلق قال " كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء " والعماء هو السحاب حسب المفسرين . فأين العدم اذن ؟ فالخالق لم يكن في العدم كما لم تكن عملية الخلق من عدم أيضا . وبمعنى آخر . لا وجود للعدم على الاطلاق . فالخالق حسب ما مر معنا لم يكن خارج المادة والطاقة ، وعملية الخلق نفسها لم تكن خارج المادة والطاقة أيضا . وأن عملية الخلق تمت بهما . ولو أننا ذهبنا بعيدا في أعماق التاريخ لوجدنا أن عملية الخلق قد تمت من جسد آلهة مادية كانت في الماء، وأن الوجود بالتالي لا ينفصل عن وجودها .. ففي المعتقدات السومرية يتم الخلق من جسد آلهة . وفي ملحمة الخلق البابلية ( اينوماإيلش) يتم الخلق من جسد آلهة أيضا : "كان العالم فوضى تتمثل بغمر مائي، تتصارع فيه آلهة مائية . الإلهة تيامات الماء المالح، والإله ابسو ( زوجها ) الماء العذب! وبعد صراع بين هذين الإلهين وآلهة أخرى، يُقتل الإله ابسو. .... تخوض تيامات صراعاً ضد الآلهة الآخرين، انتقاماً لمقتل زوجها، تنتصر فيها. غير أن حفيدها مردوخ الطامح في خلق كون ، لم يجد غير جسد جدته ليخلق منه الكون ( وحسب تصوري أن هذا الفعل هو من باب تقديس الجدة وجعل وجودِها أبدياً) فيقوم بشق جسدها إلى نصفين، يجعل من النصف العلوي سماءً، ومن النصف السفلي أرضاً. (وبهذا يكون أوّلُ خلق كوني ، قد تم بجسد إلهي أنثوي) يقوم مردوخ بعد ذلك بنثر النجوم والكواكب على صفحة السماء ثم يشرع في خلق الإنسان. ينحني نحو الأرض ويشرعُ بعجن التراب بدمه ، ليخلق الإنسان الأول الذي ستأتي البشرية منه . والتراب ليس إلا النصف السفلي من جسد جدته .. وهذه ثاني عملية خلق يكون فيها دم الخالق عنصرا أساسيا . عملية الخلق هذه من أجساد آلهة ، نجدها أيضا في ملاحم الخلق السومرية . في إحداها، يقوم الآلهة بذبح الإله (وي) لتقوم الإلهة نينتو بمزج دمه مع الصلصال ليكون للإنسان روح. بتحليل النص البابلي نجد تداخلا بين فلسفة مثالية وفلسفة مادية . الجانب المثالي الأسطوري، يتمثل بالدرجة الأولى بوجود آلهة قامت بعملية الخلق ، وفي الجانب المادي ، سنجد أن الخلق لم يأت من عدم كما رُوّج لنا، وشاع فيما بعد، ليصبح عند كثيرين من الأمم حقيقة مطلقة. فعملية الخلق الأولى ( خلق الكون) تمت من ماء مالح كان إلهة . وعملية خلق الإنسان تمت بإله مائي عجن الصلصال بدمه ، والصلصال ليس إلا جسد الجدة الإلهة . هذان الإلهان كانا من جسدين ماديين، وليس كما في العقائد السماوية اللاحقة، التي اعتمدت قصة الخلق من الماء، دون أن تقدم مفهوما لماهية الخالق، وجعلته سابقا على الخلق والوجود، وقدمت مفهوما مبهما له على أنه ليس كمثله شيء! ولا نعرف لماذا لم يأخذ الفكرالإسلامي بقول النبي محمد، والآيات التي تنص على أن الخلق، قد جاء من الماء، وربما تم به أيضا، كما رأينا في ملحمة الخلق البابلية . لم يخرج عن الفكر السائد إلا ابن عربي، الذي لم يتطرق إطلاقا إلى وجود جاء من عدم، وأخذ بحديث النبي السالف الذكر واعتبر أن الخالق أراد أن يظهر وجوده من العماء إلى العلن فتجلى في الوجود . لذلك اعتبر بعض المسلمين ابن عربي ملحدا . والحق أنه أعظم مفكر اسلامي على الإطلاق ، رغم اختلافنا معه حول بعض المسائل الجوهرية وهي كثيرة . ولو أن الإسلام انتهج مذهبه في وحدة الوجود لكان في حال أفضل من الحال التي هو عليها الآن . ومن المعروف أن ابن عربي لم يخرج بالمطلق أي انسان من دائرة الإيمان حتى لو عبد صنما أو ألحد . من ناحية ثانية ، يشير وجود خلق من آلهة مادية، أوجدت وجودا متكاثرا من نفسها، ليخدمها وليقوم بالعمل عنها، إلى وحدة وجود مادية ، وإلى أن الوجود مكون من مادة وطاقة . ولو أننا أمعنا النظر في مادة هذا الغمر الذي جاء منه الخلق . لوجدنا عناصر الخلق الأربعة الأساسية : الماء والهواء والتراب والحرارة ، وبكل ما تحويه هذه العناصر من مواد مختلفة ، يأتي على رأسها الهيدروجين والأكسجين والكربون. إن التداخل بين الفكر المثالي والفكر المادي سائد في حياة البشرية حتى يومنا، يتعايشان أحيانا ويتصارعان أحيانا أخرى حسب مستوى تحضر كل مجتمع في العالم . فالبشر في حياتهم اليومية يعملون ويتعاملون مع الآخرين، ويمارسون نشاطهم، وفق منهج مادي يستند إلى فلسفة مادية، تتعارض في بعض جوانبها مع الفلسفة المثالية ، ويصلي بعضهم لخالق ما، وفق منهج مثالي، يستند إلى فلسفة مثالية ، حتى وإن أصبحت هذه الصلاة، وظيفة روتينية تخلو من أي إحساس روحي، كما يجري في بعض المعتقدات التي تؤدى الصلاة فيها عدة مرات في اليوم، كالإسلام . فتكرار الصلوات في اليوم، وأخذه المزيد من الوقت ، أفرغ الصلاة من مضمونها وغايتها، وصارت تؤدى بأسرع وقت ، ليعود الإنسان إلى عمله ، أو إلى النوم الذي انتزع منه ليصلي الفجر ! في الآداب البشرية نجد هذا التداخل وحتى التصارع ، بدءا من سفر أيوب التوراتي مرورا بفاوست غوته وانتهاء ببعض ما كتبه نيكوس كازنتزاكي ، وما يحدث من وقائع في أدبنا المعاصر. لقد ولدت الفلسفة بكل تجلياتها ومفاهيمها من رحم الأسطورة وفلسفتها، في النظر إلى العالم ، فهي مغامرة العقل الأولى كما يرى فراس سواح ، ولا شك أن كل اجتهاد معرفي هو فلسفة ، أو يستند إلى فلسفة . ويمكن القول إنه ليس هناك فلسفة مثالية بالمطلق ، فكل فلسفة مثالية لا بد وأن تحوي مفاهيم مادية . فها هو الراحل حسين مروة، وهو باحث شيوعي رغم أنه خريج الأزهر ، يؤلف كتابا ضخما في مجلدين ، يطلق عليه " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية " إن إمكانية وجود عدم كان في البدء ، ثم وجود إله أوجد نفسه في العدم فيما بعد ، وقام بخلق الوجود من عدم أيضا .. مسألة روج لها عقل بدائي في بحثه عن سرالوجود والغاية منه ، ولا تحتمل أي قبول منطقي أو استدلالي أو علمي على الإطلاق . فالإله مهما كانت طبيعته وماهيته أو جوهره ، لا بد له من حيز مكاني يشغله ، فمن خلق للإله هذا الحيز ، و بالتالي من خلق الله نفسه وأجلسه في هذا الحيز ، والاعتقاد أن الله طاقة روحية ، لا تحتاج إلى حيز أو إلى مكان توجد فيه ، أيضا كلام لا يقبله العقل والمنطق ، فالروح ليست إلا الطاقة السارية في الكون والكائنات والفاعلة فيهما ، وهي ليست خارج الزمان والمكان ولن تكون .. فليس هناك شيء خارج الوجود الذي ليس له خارج . فمسألة وجود خالق من روح في العدم مسألة لا يتقبلها العقل . ما يتقبله العقل هو وجود طاقة منذ الأزل موجودة بذاتها وليس بموجد لها . وهذا ما يأخذ به ابن عربي في فهم الألوهة كموجودة بذاتها ولذاتها منذ الأزل ، إنما دون أن يصبغ عليها وجودا أو فهما طاقويا ، بالمعنى المادي المعاصر الذي نفهمه . إن العدم لم يكن موجودا كما لا يمكن إيجاده ، فنحن لا نستطيع أن نحيل شيئا ما إلى عدم ، أي إلى لا شيء بالمطلق . فالعدم حتى حسب قوانين الفيزياء ليس اللاشيء بالمطلق، الذي لا يمكن حتى تصوره ، إنما الخلاء الخالي من الجسيمات المادية والأبعاد الزمكانية . لكنه كخلاء موجود . وميزة هذا الخلاء أنه يحتوي على طاقة مجهولة لم تكتشفها قوانين الفيزياء حتى الآن . فإذا كان الخلق أو الوجود يقوم على قوى طاقوية كونية أربع ، هي : الكهرومغناطيسية والجاذبية والنووية الشديدة والنووية الضعيفة ، فإن ثمة قوة أو قوى لم يكتشفها علماء الفيزياء بعد . اعتبرناها نحن عبر التأمل والاجتهاد الطاقة الخالقة التي تتم بها عملية الخلق . ثمة حديث في أوساط العلماء عن قوة خامسة بدأ اكتشافها .. فالتفاعلات التي تجري ضمن عملية الخلق ليتم بها خلق جسم مادي ما أو حتى التفاعلات التي تجري ضمن جسم حي ما كالإنسان لإنتاج حليب الأم مثلا لا يعرف أحد كيف تتم بالضبط . يرى الدكتور هشام غصيب في كتابه " العقل والمنهج في الثورة العلمية الكبرى" أن الخلاء ( الفيزيائي ) وهو هنا العدم حسب مفاهيم الفيزياء " يعج بالجسيمات الافتراضية ، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى غياب الفروق المطلقة والكيفية بين الوجود والعدم . وهناك دلائل عديدة على وجود طاقة الخلاء ... " ويتساءل د. هشام عن علاقة هذه الطاقة الهائلة بالثابت الكوني ، ليقول " هذا لغز لم يحل بعد ، برغم العديد من المحاولات التي تمت مؤخرا "! وقد تطرقت في مقالة لي عن ابن عربي في رواية موت صغير إلى هذا اللغز، حين أشرت إلى الحوار بين سحب السماوات وأبيه الملك لقمان في روايتي " أديب في الجنة " وكيف يرى سحب السماوات أن الوجود وهم لحقيقة نسبية لم تكتمل بعد ، وإنها ما تزال قيد التشكل .. يتابع د. هشام أبحاث الفيزيائيين في هذا الأمر ليصل إلى رأي ستيفن هوكنغ في عملية النشوء" ترتكز إلى طريقة تكامل المسار.." ليرى " تصور الأمر على أنه تسرب بذرة صغيرة جدا من الخلاء الزائف من العدم المطلق. ثم إن هذه البذرة تتمدد بدورها إلى أكوان ضخمة من المادة والزمكان " ليصل بذلك إلى نتيجة مفادها أن " العدم غير مستقرويتحلل إلى وجود دون فاعلية خارجية لإيجاده ، (أي إلى إله !) فعدم استقرار العدم يضمن نشوء الوجود من العدم " ( الصفحتان 138/ 139) وخلاصة القول حسب د. هشام " إن الوجود هو عدم بالقوة ، كما إن العدم هو وجود بالقوة . فالوجود والعدم يشتركان في كون طاقتهما الكلية صفرا ، كذلك فإن للخلاء طاقة كما للمادة، ويمكن أن يكون هناك أنواع كثيرة من العدم ، تماما كما إن هناك أنواعا كثيرة من الوجودات وحالات الوجود.. وينشأ الوجود عفويا من العدم ويمكن أن يعود عفويا إلى العدم . فالعدم غير مستقر، لذلك لا بد أن ينهار إلى وجود . وهذه الأفكار تعد تحولا جدليا مذهلا في التصور الكلاسيكي الجامد للوجود والعدم " ( الصفحتان 140/ 141) *****
( 3) بين ألوهية اللغة و(ألوهية) الوجود الطاقوي المادي . الوجود القائم منذ قرابة أربعة عشر مليار عام بعد الانفجار الكوني . لا علاقه له على الإطلاق بالوجود الذي أوجده الإنسان بعد اختراع اللغات .. فدون لغة لا يمكن التعبير عن وجود خالق . وأقدم اللغات المكتشفة هي السومرية والهيروغليفية والأوغاريتية .. أي ما يقرب من ستة آلاف عام على أبعد تقدير . وهذا رقم لا يشكل شيئا مقارنة بعمر الوجود الممتد لأربعة عشرمليار عام .. لم يكن هناك وجود لآلهة يمكن التعبير عنها لغويا قبل ذلك الزمن .. ولذلك يمكن القول إن البشر الذين اخترعوا اللغات هم من اخترع الوجود الإلهي أيضا وعبرواعن وجوده بهذه اللغات، كل حسب لغته وحسب اجتهاده في فهم الوجود والغاية منه . وبهذا أصبح وجود الإله مشروطا بوجود هؤلاء البشر وليس العكس . فلولا وجودهم واختراع اللغات من قبلهم لما تم التفكير بوجود إله . ولا يمكن فهم العكس أي وجود خلق بشري مشروط بوجود إلهي يقوم بخلقه ، إلا إذا اعتبر خلق الانسان جزءاً من خلق الإله لذاته ، لكي يعرف نفسه ، ويعبر عنها بلغة ما هي في الحقيقة لغته كونها ناتجه عن طاقته السارية في خلقه والمتجسدة فيه . الوجود قائم منذ زمن الانفجار وما قبل ذلك . أي مما أطلقنا عليه "الهيولى البدئية " التي نتج عنها الانفجار الكوني .. وهذه ألماقبل أطلق عليها بعض الفيزيائيين " الذرة البدائية " التي لم يعرف كم دام وجودها والتفاعلات التي تجري داخلها إلى أن تم الانفجار الكوني الذي بدأت به عملية الخلق .. اذن كان هناك وجود لوجود ما لا علاقه له على الاطلاق بمفردات لغوية كإله أو ألوهة وحتى وجود أو ما شبه . والسؤال الأخطر هل كان لدى هذا الوجود البدئي وعي ما . وهل كان له غاية ؟ معظم العلماء حتى يومنا يقولون أنه ليس للوجود غاية .. وهناك من لا يكتفي بذلك بل يرى أن الوجود عبثي ويمكن أن يدمر بعضه بعضه الآخر . لكن ماذا نقول عن كل هذا الجمال الخلاق الذي نراه في الخلق ، من جمال الطبيعة بكافة تجلياتها إلى جمال الانسان والحيوان والنبات ؟ هل كل هذا الجمال عبثي ولا علاقه له بالتمتع بجمال الخلق ؟ من وجهة نظرنا له علاقة . وأن الوجود له غاية منذ أن وجد . لكن هذه الغاية لم تكن مدركة منذ البدء . أي في الذرة الاولى .. إن المسألة أشبه بطفل يلعب بالألوان دون أن يدرك أنه سيكون رساما في المستقبل . في اعتقادنا أنه كان للذرة وعي بدائي أو حالة أقرب إلى شبه الوعي دفعها إلى ايجاد ذاتها بذاتها دون أن تدرك ماذا ستكون في المستقبل وإلى أين ستنتهي .. وأن هذه الحالة دامت ربما لملايين الأعوام من التفاعلات التي تجري داخلها ، إلى أن حدث الانفجار الكوني ، لينتج عنه ما نتج . ولنا أن نتصور كم كانت عملية الخلق شاقة، إذا ما عرفنا أن كوكب الأرض لم يوجد إلا بعد أكثر من تسعة مليارات عام من زمن الانفجار الكوني . وأن تشكل الخلية الحية منذ قرابة 500 مليون سنة فقط .. وأن ظهور الانسان الأقرب إلى الحديث يقدره بعض العلماء ب 200 ألف عام . ومقارنة بعمر الكون نجد أن عملية الخلق ما تزال في بداياتها ، وفي بعض مقالاتنا قلنا أنها ما تزال تحبو، وأن عملية الخلق المنشودة لم تبدأ بعد ، وأن كل ما نراه ليس إلا مسودة لخلق قادم أكثر رقيا .. وهذا يعني أن طاقة الخلق طورت وجودها وعملها وغاياتها بتطور خلقها لذاتها دون أن تحقق أقصى غاياتها .. وسأرفق بعص المقالات التي تتطرق لبعض مسائل الخلق . * ادراك الطاقة لوجودها ومما قلناه في عملية الخلق أيضا : 1- ا لا يمكن لطاقة تقوم بكل هذا الخلق العظيم أن لا تدرك وجودها وبالتالي لا تدرك أنها طاقة مبدعة وخالقة . إن العكس هو الصحيح ، فهي تدرك وجودها وتدرك أنها تقوم بعملية ابداع وخلق. 2- لا يمكن أن لا يكون لها غاية وأنها تقوم بعملية خلق عشوائية عبثية ، حتى وإن بدأت العملية كذلك . 3- استنادا إلى جمال خلقها وعظمته : لا بد وأن يكون لها غاية وهي بناء حضارة خيرانية جمالية انسانية عادلة محبّة! 4- منطقيا بالمطلق وكون كل جزيء مادي في الكون لا ينفصل عن الوجود الكوني، وأن جميع الأجزاء جاءت من أصل مادي طاقوي واحد ممثلا في هذه الطاقة ، فإن كل كائن في الكون ينتمي إليها ويعتبر جزءا منها ، أو من ذاتها الكونية بتعبير أدق ! 5- منطقيا أيضا .. أن يكون كل فعل يقوم به كائن ما هو فعل ينسب إليها إن كان خيرا أوكان شرا، دون أن نحملها مسؤولية العمل الشرّاني، كونها لم تبلغ التحكم المطلق في ذات خلقها ! فهي كما أسلفنا من قبل ومنذ أن وجدت، خلقت نفسها بنفسها لنفسها وما تزال تخلق نفسها بنفسها لنفسها دون أن تبلغ الكمال المطلق . 6- نستنتج أن عملية الخلق تكاملية بينها وبين خلقها، أي بين طاقتها ومادتها المتجلية التي يأتي الإنسان على رأسها، كونه أرقى ما أبدعته وتجلت فيه ، وأناطت به بناء الحضارة الإنسانية. فهي كطاقة لا تبني مدنا ولا تشق جسورا ، وبالتالي لا تقيم حضارة إلا عبر ذاتها الإنسانية ! وإنه لأمر مؤسف أن الإنسان لم يقم حضارة انسانية شاملة حتى اليوم وإن تحقق اليسير منها . آمل أن لا أكون قد أزعجت الفيزيائيين والفلاسفة . بل آمل أن يعمقوا أبحاثهم وأفكارهم في هذا الإتجاه لعلنا نصل إلى رؤية أقرب إلى المنطق والحقيقة المطلقة أو شبه المطلقة . *الكائنات الخلقة لنفسها بفعل طاقة الخلق السارية في الكون . الكائنات كلها من الجماد إلى الفيروسات إلى النبات إلى الحيوان إلى الإنسان تخلق نفسها بنفسها بفعل الطاقة الناجمة عن العناصر المادية التي توفرت لها وتفاعلها مع طاقة الخلق الكلية السارية في الكون، التي أطلق عليها البشر اسم الله أو ما يقابلها في لغات اخرى . . فإذا كانت العناصر المادية إيجابية تنتج عنها طاقة ايجابية ينتج عنها خلق إيجابي ، وإذا كانت العناصرالمادية سلبية ينتج عنها خلق سلبي قد يكون ضاراً ، وإذا كانت المادة مزيجا من السلب والإيجاب ينجم عنها خلق مشوه وغير قابل للبقاء . ونظرتنا إلى الوجود تشير إلى تفوق المادة الإيجابية على المادة السلبية ، بدليل وجود الجمال والبقاء والتطور والرقي في عملية الخلق إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه خلال ما يقرب من أربعة عشر مليارعام من عمر الوجود ، الذي أوجد نفسه بنفسه لنفسه ، وما يزال يوجد نفسه بنفسه لنفسه ، إلى أن تتحقق الغاية من وجوده ، وهي بناء الحضارة الانسانية بتحقيق قيم الخير والعدل والمحبة والجمال والرقي إلى أن يبلغ الكمال المطلق أو الأقرب إلى المطلق .. وبناء على هذا الكلام نستنتج أن عملية الخلق ما تزال في بداياتها لأن غاياتها السامية لم تتحقق بعد . ***
ملاحق . (1) كوكب الأرض في طريقه إلى الدمار! شاهينيات 1341 كما تحافظ المعادن على بقاء جسم الإنسان سليما، تحافظ المعادن نفسها على بقاء وديمومة كوكب الأرض ، وكان يفترض في الإنسان أن لا يستخرج من الأرض إلا المعادن الضرورية لبناء الحضارة الإنسانية ، بحيث يمكن تعويض المستخرج من الأرض بالعائد إليها من موت الكائنات وانتهاء صلاحية بعض المعدات والآلات وعدم تدويرها ، لتحافظ الأرض على توازنها ولا تدمر ، غير أن الإنسان ضل طريقه وراح يستخرج من معادن الأرض ما قد يفوق طاقتها الإنتاجية على المدى البعيد، ويصنع أسلحة الدمار الرهيبة غير الضرورية لبناء حضارة انسانية ، كالدبابات والطائرات الحربية والصواريخ والسفن الحربية وحاملات الطائرات وكل أسلحة الدمار التي تدمر الحضارة ، وتقضي على مخزون كوكب الأرض من المعادن ، بحيث لا يمكن تعويضة بما يعود إليه ، وهذا ما يؤثر بدوره على انتاج الطاقة السارية في الكون التي تسير الحياة والوجود برمته ، أي القضاء بشكل ما على نسبة كبيرة من الآلية القائمة بالخلق نفسها ، أي على الألوهة إن شئتم !! نحن محظوظون لأننا لن نرى هذه النهاية المفجعة للكوكب حين ينهار ليتحول إلى ركام متناثرفي الفضاء ،والذي قد يكون في أقل من ألف عام .. فهل يستيقظ الإنسان ويعي وجوده والغاية منه ، وهي بناء الحضارة الإنسانية بتحقيق قيم الخير والعدل والمحبة والجمال . وليس صنع أسلحة الفتك والدمار. ****** (2) الخوف من الموت ! شاهينيات 1314 يخاف الناس من الموت . المؤمنون وغير المؤمنين يكرهونه . لم يرتبط الموت بحياة أخروية راغدة في جنة وإلا لما كره إلى هذا الحد ..لا أحد يتذكر حورالعين والجنة عند الموت إلا بالتمنيات للميت بأن يكون من الخالدين فيها . حتى أنا الذي حاولت قدر الإمكان في فلسفتي أن أرى في الموت ضرورة لتجدد الحياة واستمرارها ، بأن جعلت جسد الإنسان بعد الموت يتحلل إلى عناصره الأولية ويقوم بإغناء المادة والطاقة عنصري الحياة الأساسيين ، أو ما يمكن أن يعتبر ألوهة، لم أستطع كبح حزني لرحيل إنسان ، رغم أنني أوغلت فكريا في جعل الطاقة الناتجة عن عناصر الجسد المتحلل تتحد مع الطاقة الخالقة لتغنيها وتقوم بدورها في عملية الخلق والخلود إلى الأبد في الذات الخالقة .. وهذا أعظم ما يطمح إليه أي مؤمن متصوف ، أي أن يكون جزءا من الذات الخالقة نفسها باتحاده معها .. فلماذا كل هذا الخوف من الموت والحزن على الميت ؟ رغم أن الموت حق في الفكر الديني ؟ كثيرا ما أنعى راحلا بأن أتمنى له خلودا جميلا في المطلق الأزلي الذي لا يموت ، أي في الألوهة ! اللهم اجعل من موتنا فائدة لتجدد الحياة واستمرارها وتطورها إلى عالم تسوده قيم العدل والخير والمحبة والجمال . عالم الحضارة الإنسانية التي تنشدها . (3) الدخول في الأسئلة الصعبة حول وجود ألوهة. الفصل العشرون من رواية " زمن الخراب " الدخول في الأسئلة الصعبة مسألة معقدة جدا بالتأكيد ، لأن الإجابة عنها أكثر تعقيدا ، خاصة وأننا مهما اجتهدنا في الإجابة لن نتوصل إلى حقيقة مطلقة . غير أن عدم التوصل إلى حقيقة مطلقة ينبغي أن لا يثنينا عن خوض غمار طرح الأسئلة والإجابة عنها ، فقد نتوصل في أحسن الأحوال إلى حقيقة نسبية ، وفي أسوئها إلى اكتشاف خطأ الإجابة أو حتى خطأ الطرح ، مما يقودنا إلى إجابات مختلفة لمفكرين قد ينتج عنها حقيقة نسبية تساهم في إغناء الفكر الإنساني ، أو إلى طرح الإسئلة بشكل مختلف يؤدي إلى نتائج مختلفة قد تساهم في إغناء الفكر الإنساني أيضا . إذا اتفقنا على أن الوجود مكون من مادة وطاقة ولا شيئ غيرهما : مادة ينتج عنها، طاقة تعيد تشكيل وخلق المادة في ملايين الأشكال المختلفة من كائنات في الوجود ، تقوم بدورها بإنتاج طاقة ينتج عنها خلق وإبداع ينتجان حضارة ، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا من أسئلة في هذه الحال : هل هناك ألوهة أم أنه لا يوجد ألوهة على الإطلاق، وإذا كان هناك ألوهة فهل تتمثل في المادة والطاقة أم أنها خارجهما؟ والأهم من ذلك هل تعي الألوهة وجودها كألوهة في المادة والطاقة أم أنها لا تعيها ؟ وهل ترى أن التمظهرات المادية والأفعال الناتجة عنها في الكائنات كلها هي تمظهرات وأفعال لها أم لا ؟ هذه هي أهم الأسئلة التي يمكن أن يطرحها المرء . سنستبعد إمكانية وجود ألوهة خارج المادة والطاقة سواء قبلهما أو بعدهما لأن ذلك لا ينسجم - كفكرغيبي لا يستند إلى أي منطق - مع تفكيرنا . وسنشرع في الإجابة استنادا إلى المنطق الثاني أي إمكانية وجود ألوهة في المادة والطاقة ، وفي الإمكان استباق الإستدلال لنقول، إذا كان ثمة ألوهة في المادة والطاقة فإن وجودنا المادي وفعلنا الطاقوي لا ينفصلان عن وجودها كمادة وطاقة وبالتالي فإن الألوهة موجودة فينا أيضا كما هي في كل خلق مهما كان، كون كل خلق هو مادة وطاقة . وبهذا نريح أنفسنا من أي منطق آخر للإستدلال .لا، لن نكتفي بهذا القدر من الإستدلال لإمكانية ألا تدرك الألوهة أنها ألوهة وبالتالي لا يوجد ألوهة على الإطلاق. لقد سبق وأن تحدثنا عن أن مفردات لغوية من نوع إله ورب وخالق وخلق وألوهة لم توجد قبل اختراع اللغة من قبل الإنسان في زمن قريب جدا من عمر الخلق لا يتجاوز سبعة آلاف عام في أحسن أحواله ، في الوقت الذي يوجد فيه عملية خلق قائمة منذ أربعة عشر مليار عام ، وهذا يعني أنه لم يكن هناك خالق مهما كان يخضع لمفهوم لغوي قبل اختراع اللغة ، وبما أن اختراع اللغة هو فعل طاقوي إنساني فإن اختراع مفردات لغوية تعبر عن ألوهة ما هو فعل بشري إنساني ، وفي هذه الحال تكون الألوهة وكل المفردات المعبرة عنها نتاجا إنسانيا وليس إلهيا . لكن مهلا . ليس الأمركذلك رغم ما يبدو من منطقية الإستدلال. فما تم هو نفي وجود مفهوم لألوهة وليس نفيا لمفهوم وجود خلق، كذلك ليس نفيا لوحدة مادة وطاقة موجودة قبل اللغة لم يتم التعبيرعنها لغويا إلا في القرون الحديثة ، كما تم تناول المسألة بمعزل عن عملية الخلق القائمة منذ قرابة أربعة عشر مليار عام ، والتي يأتي خلق الإنسان كذروة تطورها . فإذا ما ذهبنا في هذا الإتجاه فإننا سنجد أن خلق الإنسان هو نتاج فعل مادي طاقوي قائم منذ بدء عملية الخلق ، شكل خلق الإنسان ذروة تطوره ، وأن اللغة اعتبرت هذه العملية الجارية المتحولة خلقا، استدعت بدورها وجود خالق أو ألوهة ، أطلقت عليها اسم الخالق أو الله كمفردة توصلت إليها اللغة، لم تجد حتى الآن أفضل منها للتعبير عن عملية الخلق . ونظرا لأن الإنسان غير معزول عن عملية الخلق هذه كمادة ينتج عنها طاقة ، وطاقة ينتج عنها مادة ،فإن الألوهة كمادة تتمظهر فيه كما تتمظهر في كل كائن، وأن طاقة الألوهة تسري فيه كما تسري في كل كائن ، وبالتالي فإن كل ما ينتج عنه يمكن اعتباره نتاجا إلهيا ، وأن اختراع اللغة وإنشاء مفردات تعبر عن الألوهة هو اختراع من قبل الألوهة نفسها ممثلة في جانب متمظهر منها في الإنسان ، كون تمظهر الألوهة هو تمظهر في كل شيء في الوجود حتى في الكواكب والنجوم . وبالتالي فإن هناك ألوهة ! والألوهة إضافة إلى ما تطرقنا إليه من كونها مادة وطاقة ، فهي من حيث المبدأ ، أوجدت نفسها بنفسها لنفسها منذ الأزل وما زالت توجد نفسها بنفسها لنفسها دون أن تصل إلى كمال ما مطلق . وبناء عليه يمكن اعتبار اللغة ومفهوم الألوهة مرحلة في تطورفهم عملية الخلق وفهم الألوهة لنفسها ، وإدراكها لوجودها، لكنها ليست الفهم الأخير المطلق وليست الإدراك الوجودي المطلق. نستنتج مما سبق وتحديدا عن المرحلي والمطلق ، أن عملية الخلق لم تخرج حتى الآن عن مفهوم النسبية ، سواء في إدراك الألوهة لوجودها أو وعيها لنفسها . وأن الإدراك المطلق لن يتم دون إدراك الألوهة لوجودها المطلق ، وأن وعيها لنفسها لن يتم دون إيجاد الوعي المطلق . ويمكن تعريف الوجود المطلق بأنه الوجود الذي ليس بعده وجود ، وأن الوعي المطلق هو الوعي الذي ليس بعده وعي . وهذان الأمران في الحالتين شبه مستحيلين على المدى المنظور والممكن تبصره، إلا إذا اعتبرنا أن وجودنا ووعينا ( الإلهيين ) مطلقان. وإذا ما انتقلنا إلى الغاية من الوجود فإن استحالة التحقق في الحقب القريبة القادمة تغدو شبه مؤكده . فإذا كانت الغاية من الوجود هي تحقيق قيم الخير والعدل والمحبة والجمال وبناء الحضارة الإنسانية الإلهية ( إن شئتم ) فإنه لم يتحقق من هذه القيم إنجاز على مستوى أممي يدعو للفخر . وإذا ما ذهبنا إلى عملية الخلق بحد ذاتها فإننا نجد أنها غير مكتملة من نواح كثيرة ،كخلق مخلوقات ضارة ، وخلق الإنسان غير الكامل ، وغير ذلك كثير . لكل ذلك يمكن القول إن عملية الخلق ما تزال في بداياتها ،وإن كمالا ما لن يتحقق على كافة الصعد ما لم يتحقق كمال الخلق في كافة الجوانب المتعلقة بعملية الخلق. وإذا أردنا أن نوجز الإجابات عن الأسئلة التي طرحناها ، فإننا نقول حسب مفهوم نسبي غير مطلق : - نعم يوجد ألوهة ، وأنها تتمثل في المادة والطاقة وتتمظهر كمادة في كل شيء ،وأن أسمى تمظهر لها هو في الإنسان ، وأنها كطاقة تسري في الكون والكائنات كلها ،وأنها تدرك وجودها المادي لأنها تحتويه وتتمظهر فيه ، وتعي وجودها الطاقوي لأنها تنتجه. (4) الوجود الوهم تمظهرمجسّد للوجود ! كان بودي أن يكون مقالي إجابة عمّا توقعه علماء الفيزياء حول إمكانية أن يكون العالم وهماً وأنه ليس إلا صورة ليزرية ثلاثية الأبعاد نراها حقيقية ، لكن وللأسف لم أتمكن لكثرة الأفكار التي تتصارع في دماغي وتحرمني حتى من الحد الأدنى للنوم ، كأن أنام أربع ساعات في اليوم ولا أريد أكثر من ذلك ! لكن يبدو أن الأمر معجزة بالنسبة إلي . إضافة إلى هذا الطقس الجحيمي الذي يرغمني على الجلوس بوضع منحرف أمام الحاسوب لأتلقى هواء المروحة ، مما لا يتيح لي الكتابة المريحة ! ورغم ذلك ارتأيت أن اورد أفكاراً حول الأمر نفسه دون الغوص في متاهات المقدمات المؤدية إليها ، على أمل أن أتمكن من ذلك في وقت قريب . شاهينيات : 1322- لو أن القائم بالخلق أقصر توظيف الطاقة في جسد الإنسان على أفعال محددة ( كما فعل للحيوان والنبات والطير ) لما كان هناك ابداع ، وبالتالي ، لما كان هناك حضارة، ولما كان هناك تطور لمفهوم الألوهة ذاته ! 1323- محنة عقل الإنسان حتى اليوم أنه لم يدرك الغاية من وجوده . 1324- حين يدرك الإنسان ، أن الغاية من وجوده هي مشاركة الخالق في عملية الخلق ، بتحقيق قيم الخير والمحبة والعدل والجمال وإقامة الحضارة الإنسانية ، يكون قد وضع عقله وعمله وقدمه على الطريق الصحيح لإقامة الخلق الكامل . وهذا يعني أن عملية الخلق الحقيقية التي ينشدها الخالق ، لم تبدأ بعد ! 1325- الوجود حتى اليوم ما هو إلا صورة متمظهرة لمتخيّل الخالق ، أراد لنا أن نراها مجسدّة وحقيقية ، لكي نقوم بدورنا في إغناء تصوّر المتخيّل الإلهي ، نحو الأمثل والأجمل والأكمل ! فذات الإنسان من ذات الخالق ، حسب رأي أسلافنا المتصوفة ورأيي بالتأكيد! 1326- المتصوّفة وخاصة في بعض مدارس مذهب وحدة الوجود ، ساروا حسب ثقافة زمنهم على ما يمكن أن نعتبره الطريق الصحيح نحو المعرفة الوجودية ، لكنهم تعثروا كثيرا، وكثيرا جدا، خاصة حين اعتبروا أن الخالق خلق الخلق وانتهى الأمر ، وهو الآن مستريح في امتداد اليوم السابع ... وثمة عثرات أخرى كثيرة جدا، بحيث لم يستطيعوا الخروج بالمطلق عمّا سبقهم من أفكار حول الوجود والغاية منه . ( 5) العقل البشري بين منطق التاريخ ومنطق الجهل ! شاهينيات 1338 يتجاهل كثير من الباحثين قصة الخلق في العقائد المعتبرة سماوية ومتى بدأ خلق الإنسان . فلو عدنا إلى منشأ الخلق حسب القصة التوراتية التي استندت إليها هذه العقائد ذات المنشأ الواحد ، سنجد أن ابني آدم قابيل ( قايين) وهابيل قدما إلى الإله يهوه تقدمتين من أملاكهما . الأول قدم فاكهة من ثمار كرمة ،والثاني قدم شاة من قطيع أغنامه : 3 وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَيَّامٍ أَنَّ قَايِينَ قَدَّمَ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ، 4 وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا. فَنَظَرَ الرَّبُّ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ، 5 وَلكِنْ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ لَمْ يَنْظُرْ. فَاغْتَاظَ قَايِينُ جِدًّا وَسَقَطَ وَجْهُهُ. 6 فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: «لِمَاذَا اغْتَظْتَ؟ وَلِمَاذَا سَقَطَ وَجْهُكَ؟ ما يعنينا هنا ليس الفتنة التي زرعها الرب بين الأخوين بعدم قبوله تقدمة الإثنين . وليس الصراع بين الفلاح والراعي كما يرى جهابذة الباحثين ! وليس لماذا يريد الرب تقدمة ولماذا يفضل اللحم على الفواكه والخضار! ما يعنينا هو الزمن التاريخي الذي تجري فيه الأسطورة . الوقائع تشير إلى زمن اكتشاف الزراعة وتدجين الماشية أي إلى ما يقرب من عشرة آلاف سنة ق. م. على أبعد تقدير. ونظرا لأن هذا التطور الحضاري مر بمراحل ، فليس من الضروري أن يكون الأمر قد تم في بداية الإكتشاف . فبعض الباحثين حددوا هذه الفترة في الألف الرابع قبل الميلاد ، وبعضهم حددها ب 5760 سنة حتى اليوم ، أي على خلق آدم ! أي في زمن انتفاء المشاعية وظهور الملكية الخاصة. فكيف يصدق العقل البشري هذه الأسطورة ويعتبرها من أسس معتقداته في الوقت الذي يقول فيه العلم لنا . إن الإنسان البدائي ( الحيوان ) وجد من حوالي ستة ملايين عام . وأن القرد وجد من ثلاثة ملايين عام . وأن تحول القرد إلى شبه انسان وجد من حوالي 1800 (مليون وثمانمئة ألف) عام وأن الإنسان المنتصب وجد من حوالي 1600 ( مليون وستمئة ألف) عام وأن الإنسان العاقل وجد من حوالي 50 ألف عام وأن انسان نياندرتال انقرض من حوالي 25000 عام .. وأن اكتشاف الزراعة وتدجين المواشي تم من حوالي عشرة آلاف عام . وأن اللغة اخترعت عام 3200 عام ق. م. ويقصد هنا اللغة السومرية كأقدم لغة مكتشفة . والسؤال هنا : من هو الإله الذي خلق السموات والأرض منذ أربعة عشر مليار عام والخلية الحية قبل 500 مليون عام ..عملية الخلق هذه تبعد عن زمن خلق الرب يهوه بكثير جدا جدا أي بأرقام فلكية ! والسؤال الأخطر كيف ما يزال العقل البشري يتشبث بهذه الأسطورة ويعتبرها أصل الخلق ؟ فهل هو خطأ العقل أم خطأ التاريخ ؟ بالتأكيد خطأ العقل ! سامحونا فعقلنا يأبى الإنغلاق ! ******
آدم وحواء تزاوجا على الأرض وليس في السماء ! شاهينيات 1339 صديق حاول أن يتذاكى فكتب لي على الخاص منتقدا ومصححا لمقالي حول نشأة الخلق في زمن اكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات ، مشيرا إلى أن الوقائع تجري في الجنة ، وأن جنة الله عامرة بالحقول وبساتين الأشجار المثمرة وقطعان الأغنام والماشية، وهي لا تخضع للتطور البشري الذي جرى على الأرض، وقولي أن عملية الخلق تمت في زمن اكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات هو خطأ !! من الواضح أن الصديق لم يقرأ التوراة وحتى لم يقرأ القرآن كما يبدو، أو أنه قرأ دون أن يفهم ! فالتزاوج بين آدم وحواء تم بعد طردهما من الجنة وليس قبل ذلك . وسأتجاهل أن يمتلك قابيل ( قايين ) كروما وبساتين في الجنة، وأن يمتلك هابيل قطعان أغنام حسب ما يتخيل الصديق ! تكوين/3 22 وقال الرب الإله: هوذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفا الخير والشر. والآن لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل ويحيا إلى الأبد 23 فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أخذ منها 24 فطرد الإنسان، وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم، ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة تكوين/ 4 1 وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين. وقالت: اقتنيت رجلا من عند الرب 2 ثم عادت فولدت أخاه هابيل. وكان هابيل راعيا للغنم، وكان قايين عاملا في الأرض 3 وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب 4 وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه 5 ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه النص واضح وليس في حاجة إلى تفسير. ولن أعلق على خوف الله على شجرة الحياة ( وهذه شجرة أخرى غير شجرة معرفة الخير والشرالتي أكل آدم وحواء من ثمرها ) بوضع سيف متقلب يحرس الطريق إليها ، دون أن نعرف ممن يخاف الله عليها . فآدم وحواء طردا إلى الأرض وليس في مقدورهما العودة إلى الجنة إن كانت في السماء ليسرقا من ثمارها كما سرقا من ثمار شجرة المعرفة .. أما لماذا لم يكن الله يريد معرفة وحياة أبدية لمخلوقه الإنسان ، وهل كان فعل آدم وحواء تمرّدا على الله بتحريض من الأفعى أو الشيطان ؟ فهذا موضوع مقالة وربما مقالات أخرى ، وإن تطرقنا إليه في كتابنا " قصة الخلق التوراتية . قراءة نقد وتعليق " (6) تقديم فهم معاصر للدين ! شاهينيات 1351 إن تقديم فهم معاصر للدين ، يرقى به إلى مصاف العصرالذي نعيش فيه، لا يمكن أن يتم دون تناول الدين حسب زمنه التاريخي، وتخليصه من كل ما جاء فيه مناقضا للعلم والمنطق ، ومتطلبات الحياة الإجتماعية والإنسانية ، ووضع مفهوم علمي لماهية وجوهر الخالق نفسه وعلاقته بالوجود والغاية منه . إن ما قدمناه في هذا العرض ليس إلا اليسير مما يمكن تقديمه في ندوة ،ولا يغني إطلاقا عن كل ما كتبناه أو عن معظمه ، في فلسفة الوجود ومذهب وحدة الوجود بشكل خاص . ويمكن الرجوع إليه في مؤلفاتي الورقية أو الالكترونية ، بالبحث في محرك البحث جوجل عن ( الخلق والخالق في فهم محمود شاهين ) أو بالذهاب مباشرة إلى صفحتنا في مؤسسة الحوار المتمدن . علما أن كل ما فكرنا فيه وكتبناه ليس أكثر من اجتهاد في فهم الوجود والغاية منه، ولا يرقى اطلاقا إلى حقائق مطلقة . محمود شاهين . ****
(7) قصيدتي في مذهب وحدة الوجود حسب فهمي . إما أنت أو لا أحد !! أحسست بدنو الأمد وأنا الوحيد دون أحد هتفت باسمه من عمق الجراح مثل لي بجلال مقتصد همست: هل لي ببوح يعتمد؟! قال : قل ما لم يقله أحد ! وأكمل رسالتك فلن تعيش إلى الأبد . ***** قلت : أشهد أن لا إله إلا أنت إنك " الواحد الأحد " وإنك " الله الصمد " وإنك " لم تولد ولم تلد " " ولم يكن لك كفوا أحد " ***** قال: لقد قيل هذا من قبل ! أضفت : وأشهد أنك الطاقة السارية في الخلق فإما أنت أو لا أحد ! **** وأن الإنسانية حبيبتك وإنها إليك تستند وأنت عليها تعتمد ! عشق الأحبة متبادل بنبض القلوب وآهات الروح ورعشة الجسد ***** لا يكتمل الحبيب إلا بالحبيب فلا اكتمال بحب منفرد سعي الخلائق إلى الكمال بسعي الخالق يتحد فإما كمال يعم الخليقة وإما انتهاء إلى الأبد !! ***** قال: أحسنت إذ اجتهدت فالإجتهاد حق معتمد فأنا في الهي والنحن والهم كنت والهي والنحن والهم في أناي تتحد فلا معزل لفرد عن كل ولا معزل لكل عن فرد تنزهت باسمي " الله " ولا تنزيه غير ذلك يعتمد ***** أنا في الهيولى البدئية كنت دون أن يكونني أحد أوجدت نفسي بنفسي لنفسي دون أن أدري ما الغاية وما القصد ؟! وبقيت دهوراً كامنا لا أدري إن كنت أدري ما اريد ، وما لم أرد كجنين في رحم أم غافل عما يستجد ***** إلى أن ضاق بي الكمون وضقت به، فانفجرت محطما جدران الهيولى التي عنها انبثقت لأنتشر في كون شاسع حدوده لا تحد ولينبثق معي الخلق كائنا من رحم المهد فكل كائن كان في وفي كل كائن كنت فانا الكينونة دون حد وآفاقي لا تحد فليس للحد مني حد ولا حد حيث كنت انا " الله " أل بلا حد **** لا غنى للخليقة عني ولا غنى لي عن الخليقة فنحن الواحد في الكل والكل في الواحد يتحد !
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(9) الحقيقة المحمدية سر ايجاد العالم !
-
اسلاميات ابن عربي. (6) في كلام الله !
-
وجود خالق مشروط بوجود خلق. شاهينيات 1405
-
اسلاميات ابن عربي (5) الله والانسان !
-
اسلاميات ابن عربي (4) الكفر والحقيقة الإلهية السارية في الوج
...
-
اسلاميات ابن عربي (3) دين الحب!
-
اسلاميات ابن عربي !
-
الطاقة الكونية بين الوعي والفعل . - مقالات ومقولات حول الوجو
...
-
العبد سعيد . قصة محمود شاهين
-
الوجود عدم بالقوة، والعدم وجود بالقوة !!!ِِِ
-
عن ابن عربي ورواية - موت صغير- مرة أخرى .
-
ابن عربي صغير في رواية - موت صغير -!!
-
تناغم ثوابت قوى الطبيعة لوجود الحياة
-
سعي الإنسان سعي للوجود نفسه !!
-
الكون الالكتروني في الإلكترون الخالق !!
-
دمشق في انتظار فجر يرسم بالقبل والسنابل !
-
هل يصلّي العلماء ؟
-
هل نصبح يوما الكلاب المدللة للبشر الآليين ؟
-
الإنسان والطاقة الكونية إلى أين ؟
-
إلكترونات عالمة ذكيّة !!
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|